قطر تفرض قيود شديدة القسوة على حرية التجمع وتكوين الجمعيات في قطر –حيث تُحظر الاحتجاجات والأحزاب السياسية تمامًا– مما يعد شكلًا متطرفًا من أشكال القمع الشمولي يندر وجوده حتى بين البلدان الأشد قمعًا في العالم.
يرحب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بالزيارة الأخيرة التي قامت بها مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية باستقلال القضاة وعدد من المحامين إلى قطر في الفترة من 19 إلى 26 يناير 2014. إذ تُعتبَر هذه الزيارة هي الأولى من نوعها، حيث تبحث المقررة الخاصة حالة استقلال القضاء في البلاد.
وعقب اجتماعها مع مسئولين حكوميين وعدد من الجهات المعنية، أعربت المقررة الخاصة عن قلقها إزاء التدخل المتواصل للسلطة التنفيذية القطرية في عمل السلطة القضائية؛ وحثت قطر على إدخال الإصلاحات اللازمة لمعالجة أوجه القصور في النظام القضائي. شددت المقررة الخاصة في ختام زيارتها على أن “انتهاك إجراءات التقاضي واجبة النفاذ و غياب ضمانات المحاكمة العادلة في البلاد، وما يسفر عن ذلك من انتهاكات لحياة الأفراد وعدم احترام لحقوق الإنسان، هو أمر يدعو لمزيد من القلق”، مضيفةً أنها سوف تعرض النتائج الكاملة لزيارة قطر في تقرير إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 2015.
من جانبه يُبدي مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قلقه الشديد بشأن تاريخ النظام القضائي القطري الحافل بالتجاوزات والمؤيد للقمع وانتهاكات حقوق الإنسان من قبل الحكومة القطرية دون اعتراض أو نقاش، مشيرًا إلى أن من أبرز الأمثلة على ذلك حكم المحكمة القطرية على الشاعر محمد بن الذيب العجمي بالسجن مدى الحياة في أواخر عام 2012 (تم تخفيف الحكم إلى 15 سنة لاحقًا) استنادًا إلى تهمة وُّجهت إليه بالتحريض على الثورة في قطر وإهانة العائلة المالكة. وكان محمد قد تم اعتقاله في نوفمبر 2011 بعد كتابته وإلقائه لشعر انتقد فيه حكام قطر وعبَّر عن دعمه للثورة في تونس. وأكدت الجماعات الحقوقية أن المحاكمة اتسمت بالعديد من المخالفات والتجاوزات، ولم يتضمن قرار المحكمة أية إشارة إلى أحكام القانون التي خالفها المتهم.
إن قضية محمد بن الذيب ليست فريدة من نوعها، فقد شهدت قطر في السنوات الأخيرة حالات متعددة واجه فيها أفراد أحكامًا قاسية بالسجن، عقب محاكمات لم تُراع فيها الضمانات الأساسية للمحاكمات العادلة، لاسيما في حالات التجديف أو إهانة السلطات، الأمر الذي يتعارض بشكل واضح مع معايير حقوق الإنسان، ويبعث على الشك في تعرّض النشطاء وغيرهم من الأفراد في قطر للاعتقال التعسفي دون تهمة أو محاكمة، ناهيك عما رصدته مجموعات حقوقية بشان الإبلاغ عن ممارسة التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة أثناء الاحتجاز.
إن عدم وجود سلطة قضائية مستقلة يقوض بشدة أمل مئات الآلاف من العمال المهاجرين الموجودين في البلاد في الحصول ولو على قدر ضئيل من العدالة والمساءلة عن الانتهاكات المرتكبة بحقهم. فالعمال المهاجرون، يواجهون في قطر وبشكل منتظم ظروف معيشة وعمل غير إنسانية، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الوفيات بينهم.
الأمر الذي واجهت قطر بسببه انتقادات حادة نتيجة المستويات المرتفعة للغاية من العمل القسري والاتجار بالبشر داخل البلاد. وفي ظل الغياب شبه الكامل للضوابط القضائية أو أيًا من أشكال الردع الحكومي للحد من هذه الممارسات، يصبح “الوضع في قطر أشبه بحالة من حالات الرق العصري الذي تقره الدولة” وذلك على حد تعبير زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة.
وفي هذا الإطار يعرب مركز القاهرة عن عميق قلقه بسبب القيود الصارمة شديدة القسوة المفروضة على حرية التجمع وتكوين الجمعيات في قطر –حيث تُحظر الاحتجاجات والأحزاب السياسية تمامًا– مما يعد شكلًا متطرفًا من أشكال القمع الشمولي يندر وجوده حتى بين البلدان الأشد قمعًا في العالم، كما تتولى الحكومة وحدها عملية تسجيل أي شكل من أشكال الجمعيات في قطر ومن ثم تخضع هذه الجمعيات لرقابة الأجهزة الأمنية عن كثب، رغم أن الدستور القطري ينص على الحق في حرية تكوين الجمعيات.
لقد أدى الحظر الحكومي المفروض على الممارسة العملية لكافة أشكال المعارضة أو الاحتجاج إلى غياب ملحوظ لجماعات حقوق الإنسان والنقابات. وهذا الغياب التام لمنظمات المجتمع المدني المستقلة والأحزاب السياسية المعارضة يجعل من المستحيل رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد، والإفادة بأية تقارير عنها، بما في ذلك انتهاك استقلال القضاء والحق في المحاكمة العادلة.
إن قطر لا تستمر فقط في انتهاك حقوق المواطنين والمهاجرين بصورة ومنهجية منتظمة، بل إنها أيضًا تعد واحدة من الدول القلائل في العالم التي رفضت التوقيع على المعاهدات الرئيسية لحقوق الإنسان، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية. ويقول عبد التواب معقبًا على ذلك: “إنه لأمر صادم أن دولة عضو في الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين يمكن أن تستمر في رفض التوقيع على العديد من المعاهدات الأساسية التي تشكل أساس القانون الدولي لحقوق الإنسان وترسخ حقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في حرية التعبير وتكوين الجمعيات، والحق في التجمع وفي المحاكمة العادلة”.