إن الترشح المشترك يتعارض مع هدف الاتحاد الأوروبي المعلن بتعزيز حقوق الإنسان في السياسة الخارجية، وسيساهم في جهود مصر طويلة الأمد لتبييض سجلها البغيض في مجال حقوق الإنسان.
تم نشر هذا البيان اولاً على موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتاريخ 10 شباط 2022
في ضوء السجل المصري المروع لانتهاكات حقوق الإنسان، والتي دأبت السلطات المصرية على ارتكابها بشكل ممنهج بدعوى محاربة الإرهاب، تعرب المنظمات الإقليمية والدولية الموقعة أدناه عن قلقها العميق من عزم الاتحاد الأوروبي على الترشح لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب بالشراكة مع مصر، وتطالب الاتحاد الأوروبي بإعادة النظر جديًا في عرضه بالترشح وسحبه. خاصةً بعد تحذير خبراء الأمم المتحدة في 2021، من أن «مواصلة السلطات المصرية إساءة توظيف ممارسات مكافحة الإرهاب لا يتوافق مع التزاماتها الدولية تجاه القانون الدولي، فضلًا عن كونه يقوض الجهود الدولية الرامية لمنع الإرهاب».
فعلى مدار الأعوام الأخيرة شهدت مصر حملة منهجية متزايدة ضد سيادة القانون وحقوق الإنسان، تمثلت في تصاعد استهداف المدافعين السلميين عن حقوق الإنسان، باستخدام حملات متواصلة من الاعتقالات والاحتجازات التعسفية، إلى جانب الدعاوى الجنائية المسيسة بحقهم، بدعوى تهم مزعومة ولا أساس لها من الصحة متعلقة بـ«الإرهاب». كانت الأمم المتحدة قد نددت، من خلال خبرائها، بإدراج السلطات المصرية التعسفي للمدافعين عن حقوق الإنسان إلى قائمة «الإرهابيين» في 2020. ومن بينهم زياد العليمي وعلاء عبد الفتاح والذين حكم عليهم بالسجن 5 سنوات، إلى جانب محمد الباقر الذي يواجه حكمًا بالسجن 4 سنوات، بعد محاكمة جائرة لا تراعي الحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة أمام محكمة أمن الدولة طوارئ والتي لا يمكن استئناف أحكامها. واتفق خبراء الأمم المتحدة مع العديد من منظماتنا، أن هذه القضايا، إلى جانب العديد من القضايا الأخرى، تشير بشكل واضح لوجود «مشكلة منهجية في حماية حقوق الإنسان في مصر، فضلًا عن مشكلة منهجية في التعسف وإساءة استخدام قوانين وممارسات مكافحة الإرهاب»
خبراء الأمم المتحدة اعتبروا الإطار القانوني المصري يُجرِّم الممارسات المشروعة والشرعية للحقوق والحريات الأساسية، خاصةً حرية التعبير وتكوين الجمعيات، فضلًا عن عرقلته لعمل المنظمات غير الحكومية المستقلة. مؤكدين أن أحكام قوانين مكافحة الإرهاب «تتجاوز النطاق اللازم لمكافحة الإرهاب، وتحد بشدة من الحيز المدني وممارسة الحريات الأساسية في مصر». وأشار الخبراء لأن قانون مكافحة الإرهاب (رقم 94/2015) وقانون الكيانات الإرهابية والإرهابيين (رقم 8/2015) يتضمنان عقوبات صارمة وتعريفات فضفاضة للغاية، والتي تم توسيعها بشكل أكبر من خلال التعديلات المتتالية. وأدت هذه التعديلات لتعميق الآثار السلبية على الأفراد المدرجين على «قائمة الإرهاب»، بينما في الوقت نفسه، لم يتبق في مصر سلطات قضائية أو برلمانية مضادة مستعدة أو قادرة على محاسبة السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية، وهو ما يعد أكثر إثارة للقلق، في بلد أضحى فيه التعذيب والاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء، ممارسة متفشية وواسعة النطاق.
في سياق متصل، ورغم سجلها السيئ في مجال حقوق الإنسان، سعت مصر أيضًا لإضعاف حماية حقوق الإنسان على المستوى متعدد الأطراف، بمواصلة استخدام نفوذها «لصرف انتباه وتركيز جهود الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب بعيدًا عن حقوق الإنسان»، بما في ذلك في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة. وهو ما يقوض البند الرابع من استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب، والتي دأبت الجمعية العامة على تأكيدها مرارًا وتكرارًا منذ 2006، والتي تضع حقوق الإنسان وسيادة القانون أساسًا لجميع جهود مكافحة الإرهاب، وتؤكد على أهمية مشاركة المجتمع المدني؛ كضمانة لشرعية وفعالية جهود مكافحة الإرهاب. كما حاولت مصر تشويه وتخفيف نطاق ولاية خبراء الأمم المتحدة، بما في ذلك المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بتعزيز وحماية حقوق الإنسان في سياق مكافحة الإرهاب. وتطرح مثل تلك الممارسات تساؤلًا مهمًا حول صحة إسناد مسئولية تشكيل سياسات مكافحة الإرهاب العالمية للسلطات المصرية، وأن يدعم الاتحاد الأوروبي هذا الترشيح، خاصةً في ضوء التزامه بتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون كمبادئ أساسية في مثل هذه الجهود.
إن الاتحاد الأوروبي يدرك جيدًا خطورة أزمة حقوق الإنسان في مصر، ويؤكد ذلك تكرار إدراج مصر في بيانات البند 4 للاتحاد الأوروبي في مجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. إلى جانب توقيع 32 دولة، من بينهم العديد من الدول الأوروبية، على بيان مشترك بشأن مصر في مارس 2021، يدين وضع حقوق الإنسان في مصر، بما في ذلك استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لمعاقبة المنتقدين السلميين، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. إن هذا الوضع يحتم ضرورة متابعة هذا الموقف، وعدم تقويضه من خلال الشراكة مع مصر لرئاسة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب.
إن الاستمرار في الترشح المشترك سيتعارض مع الهدف المعلن للاتحاد الأوروبي لتعزيز حقوق الإنسان في السياسة الخارجية، كما سيساهم بشكل مباشر في تحقيق سعي الحكومة المصرية المتواصل لتبييض سجلها البغيض في مجال حقوق الإنسان؛ إذ يصعب تصور كيف يمكن لمصر المساهمة في مشاركة أفضل الممارسات في مكافحة الإرهاب، أو المساهمة بشكل إيجابي في الهدف المعلن للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب المتمثل في دعم تنفيذ استراتيجية الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الإرهاب.
حسبما سبق، تحث المنظمات الموقعة الاتحاد الأوربي على التراجع عن هذا العرض، وتطالبها بمعارضة أي محاولة من جانب مصر لقيادة المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، فضلًا عن زيادة الجهود على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف للتنديد والتصدي بشكل هادف لانتهاكات مصر، وهو ما يتفق مع طلب البرلمان الأوروبي في قراره العاجل الأخير بشأن مصر.