يفرض القانون قيودًا إضافية على العمل الإعلامي والصحافي.
نشر أولًا على سمكس.
أنهى توقيع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على قانون الإعلام الجديد حالة الجدل في البلاد ليصبح القانون نافذًا منذ صدوره في الجريدة الرسمية في 29 آب/أغسطس.
جوبهت مسودّة هذا القانون بموجة من الاعتراض والجدل داخل الجزائر طوال الأشهر الماضية، وتسببت بخلاف بين غرفتي البرلمان، أي “المجلس الشعبي الوطني” المنتخب من قبل الشعب مباشرة و“مجلس الأمة” الذي ينتخب أعضاؤه عن طريق الاقتراع غير المباشر من قبل أعضاء المجالس المحلية ويعين رئيس الجمهورية ثلثه. انتهى الخلاف إلى تشكيل لجنة نيابية مشتركة بين غرفتي البرلمان لتسوية الأزمة.
يُراد لقانون الإعلام الجديد في الجزائر أن يعيد تنظيم قطاع الإعلام وفقًا لقواعد تأخذ بالاعتبار التطوّرات المتعدّدة التي شهدتها البلاد والقطاع نفسه على حدٍّ سواء.
ولكن، هناك من يتساءل حول مدى حماية هذا القانون للصحافيين، لا سيّما وأنّه قبل يومين فقط من صدور القانون، شهدت الجزائر صدور أحكام بالسجن طالت صحافيًا وباحثًا ووالد أحدهما، على خلفية أنشطة تتعلّق بالنشر على وسائل التواصل.
هذه الممارسات تدلّ أنّه “على الرغم من وجود بند في الدستور بعدم سجن الصحافي، لم يشفع ذلك لصحافيين سُجنوا بسبب ما كتبوه في وسائل الإعلام”، وفقًا لأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، البروفيسور توفيق بو قاعدة. ولهذا، فإنّ “إشكالية الحريات في الجزائر لا ترتبط بالنصوص القانونية سواء بوجودها أو عدمه”، يؤكّد بو قاعدة في مقابلة مع سمكس، متسائلًا “ما الجديد في قانون الإعلام الجديد في الجزائر، وهل سيحمي الصحافيين؟”.
سلطات على سلطات
وسّع المشرّع في القانون الجديد صلاحيات “السلطة الوطنية المستقلّة لضبط المحتوى السمعي البصري”، وهي سلطة لمراقبة أي برنامج سمعي بصري ومدى احترامه للقوانين.
توصف هذه السلطة التي أنشئت بقانون في العام 2014، والتي يعيِّن رئيس الجمهورية معظم أعضائها، بأنّها تمارس الضبط بدل القضاء ممّا يؤدي إلى القمع. وأصبحت صلاحيات “سلطة السمعي البصري” بموجب قانون الإعلام الجديد تشمل “ضبط ومراقبة خدمات الاتصال السمعية البصرية عبر الإنترنت” و”ضمان ممارسة إعلامية محترفة التوازن بين الحرية الصحافية والمسؤولية المهنية”.
وأرسى قانون الإعلام الجديد نظام تصريح لإنشاء الصحف المكتوبة والمواقع الإلكترونية، كما فرض استحداث سلطات إضافية لـ”سلطة ضبط السمعي البصري” من أجل ضبط الصحافة المكتوبة والإلكترونية وفقًا للمادة 13. بالإضافة إلى ذلك، طلب القانون إنشاء مجلس أعلى لآداب مهنة الصحافة وأخلاقياتها يتكوّن من 12 عضوًا، نصفهم يعيّن من قبل رئيس الجمهورية والنصف الآخر ينتخب من طرف الصحافيين والناشرين، ويتكفل بإعداد ميثاق آداب وأخلاقيات للمهنة، كما متابعة بتّ التجاوزات.
يرى بو قاعدة أنّ تعيين نصف أعضاء المجلس والهيئات من طرف رئيس الجمهورية، على عكس ما كان معمولًا به من انتخاب الأعضاء من قبل ممتهني القطاع، “سيجعل المجلس والهيئات تحت وصاية الجهاز التنفيذي لمعاقبة من يريد من الصحافيين والمؤسسات الإعلامية”.
في المقابل، يعتقد رئيس “المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين” بالنيابة، عمار شريتي، في حديث مع سمكس أنّ “استحداث سلطة لضبط خاصة بالصحافة المكتوبة والإلكترونية واعتماد نظام التصريح أمر جيد”، وذلك لأنّ الصحافة الإلكترونية “كانت تعمل تقريبًا خارج أي ضوابط قانونية خاصة”، على حدّ رأي شريتي.
قيود إضافية على العمل الإعلامي والصحافي
وسّع القانون النشاط الإعلامي الذي يريد ضبطه ليشمل وفق المادة 2 “كل نشر الأخبار والصور والآراء وكل بث لأحداث ورسائل وأفكار ومعارف ومعلومات عن طريق أي دعامة مكتوبة أو إلكترونية أو سمعية بصرية، موجه للجمهور أو لفئة منه”. وبالتالي، لم يعد يقتصر الأمر على الإعلام، بل كلّ خطاب أينما نشر.
في مقابل ذلك، حصر القانون وفق المادة 8 إمكانية إنشاء كلّ خدمة اتصال سمعي بصري وإرسال إذاعيّ مسموع أو تلفزي، عبر الكابل أو عبر البث الأرضي أو عبر الأقمار الاصطناعية، وكل خدمة اتصال سمعي بصري عبر الإنترنت، باستحصال رخصة مسبقة يسلمها الوزير المكلف بالاتصال، مستثنيًا من الرخصة الخدمات التابعة للقطاع العمومي.
إذَن، أصبح يشتمل تعريف النشر الإعلامي على كلّ شخص ينشر الأخبار على أيّ منصة، حتى المدوّنين والمدوّنات والناشطين والناشطات على شبكات التواصل، ممّا “سيجعل الرقابة من الأجهزة المختصة تطال كلّ من ينشر، وهو ما يقيد ليس الحرية الإعلامية فقط، بل حتى الحرية الفكرية”، وفق بو قاعدة.
كثير من الأمور لم تكن بمستوى التطّلعات، ومنها، بحسب شريتي، رئيس “المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين” بالنيابة، “التراجع عن تقيد الإدارة بمدة زمنية محددة للرد على طلبات الصحافيين لاعتماد العمل لمؤسسات أجنبية في المادة 22، وكذلك تسجيل عقوبات على الصحافي بدل المؤسسة الإعلامية التي تشرف على المواد الإعلامية المنشورة مثلما هو الحال في المادة 47”.
بالإضافة إلى ذلك، جاء في نص القانون منع الجزائريين/ات مزدوجي الجنسية من إنشاء مؤسسات إعلامية، وحصر وفق المادة 4 ممارسة أنشطة الإعلام في البلاد “بالأشخاص ذوي الجنسية الجزائرية فقط، والشخصيات المعنوية الخاضعة للقانون الجزائري ويمتلك رأسمالها شخصيات طبيعية تتمتع بالجنسية الجزائرية فقط، أو شخصيات معنوية خاضعة للقانون الجزائري ويتمتع مساهموها أو شركاؤها بالجنسية الجزائرية فقط”.
يصف بو قاعدة هذه المادة بـ”غير الدستورية”، وذلك لأن “الدستور لا يفرّق بين المواطنين الجزائريين على أساس الجنس أو المولد أو حتى الجنسية الأخرى التي يحملونها”.
أما المادة 50 فتعاقب “كل شخص يمارس نشاطه في الجزائر لحساب وسيلة إعلام خاضعة للقانون الأجنبي جون الحصول على الاعتماد المنصوص عليه”. وهذا ما رآه الصحافي والناشط الجزائري، مرزوق تواتي، مؤسّس ومدير موقع “الحقرة” الإلكتروني الإخباري، “ضربة قوية للصحافيين المستقلّين العاملين وسائل الإعلام الأجنبية، وتحديدًا أصحاب العقود الحُرّة (الفريلانس) والذين ينجزون أعمالًا معينة بصورة غير منتظمة حسب الطلب وفي أوقات غير محددة”.
“سوف تقضي هذه المادّة على هذا النوع من الصحافيين في الجزائر، لأنّه من غير المعقول أن يقدّم الصحافي طلبًا على كلّ فرصة عمل تأتيه إلى الوزارة، ثم الانتظار لأشهر كي ينظر في الطلب”، يقول تواتي لـسمكس.
حماية الصحافيين/ات… والتضييق على مصادرهم
بالإضافة إلى إنشاء “مجلس أعلى لآداب وأخلاقيات مهنة الصحفي” ليحدّد أخلاقايت المهنة وفق المادة 34، يؤكّد تواتي أنّ “المادة 35 تحدّ بشكل مباشر من حرية العمل الصحافي ومن حرية الرأي بشكل عام”. ويضيف في حديث مع سمكس أنّ “القانون يتضمّن مصطلحات فضفاضة مثل الشق الثاني المتعلق بالأخبار المغرضة (المادة 35)”، متسائلًا “كيف أن نصنّف خبرًا أنّه مغرض أو غير مغرض؟”.
يؤكّد تواتي أنّ “المادة 35 تحدّ بشكل مباشر من حرية العمل الصحافي ومن حرية الرأي بشكل عام”. ويضيف في حديث مع سمكس أنّ “القانون يتضمّن مصطلحات فضفاضة مثل الشق الثاني المتعلق بالأخبار المغرضة (المادة 35)”، متسائلًا “كيف أن نصنّف خبرًا أنّه مغرض أو غير مغرض؟”.
نصّت المادة 47 من قانون الإعلام الجديد على معاقبة الصحافي بدلًا من مؤسّسته بالغرامة ووفق قانون العقوبات، كما نصّت المواد التالية (48 و49 و50) على مجموعة واسعة من الممنوعات، مثل معاقبة “الإهانة” الصادرة ضد قادة الدول الأجنبية وأعضاء البعثات الدبلوماسية، ووسيلة الإعلام التي ترفض التصحيح، وممارسة النشاط الإعلامي مع وسيلة أجنبية من دون ترخيص.
وفي حين فرض قانون الإعلام الجديد على الهيئات والمؤسسات العمومية “ضمان حق الصحافي الوصول إلى المعلومة” وفق المادة 31، غير أنّه أضاف في المادة التالية (32) الكثير من الاستثناءات التي لا يمكنه طلب المعلومة بشأنها، مثل أمن الدولة وسيادتها، وحقوق الطفل، والمساس بشرف المرأة، والمساس بالحياة الخاصة للأشخاص، وغيرها.
وفي ضربٍ للصحافة الاستقصائية، والكشف عن الفساد، تجرّم المادة 35 “اللجوء إلى أساليب غير مشروعة وفاسدة للوصول إلى المعلومات والصور والوثائق”.
“في الوقت الذي يعتبر الصحافي مصادره من المقدّسات، يفرض القانون على الصحافي الكشف عن مصادره أمام القضاء، ليصبح الصحافي في الجزائر عنصرًا غير موثوق فيه وعديم أمان ومصداقية بالنسبة للكثيرين/ات، بخاصّةٍ المبلّغين عن الفساد”، وفق تواتي. “فالممارسة في الجزائر تجاه الكشف عن المصادر عادة ما تكون لمعاقبة تلك المصادر وتوجيه اتّهامات بإساءة الأمانة وتسريب الأخبار”.
أما بالنسبة لحماية الصحافي، فاعتبرت المادة 25 أنّ “الصحافي يتمتع بالحماية القانونية من كل أشكال العنف أو السب أو الإهانة أو التهديد أثناء وبمناسبة ممارسة مهنته”، في حين عاقبت المادة 51 كل من يهين الصحافي أثناء ممارسة مهنته، وعاقبت المادة 52 الوسيلة الإعلامية التي لا تكتتب تأمينًا على الحياة للصحافي وفق المادة 30 من القانون نفسه، كما ألزم القانون المؤسّسات الإعلامية كذلك بتطوير “متواصل وتحسين المعارف للصحافيين” (المادة 31).
يعتبر “المجلس الوطني للصحفيين الجزائريين” بحسب شريتي أنّ “قانون الإعلام الجديد جاء ليعزّز حماية الصحافي من أشكال العنف والإهانة خلال ممارسة مهنته، وكذلك داخل المؤسسة الإعلامية في حال تغيّر سياستها التحريرية أو إدراج تغييرات جوهرية على المادة الإعلامية التي ينتجها”.
ويرى الصحافي ورئيس نقابة ناشري الإعلام، رياض الهويلي، في مقابلة مع سمكس، أنّ “القانون جاء في إطاره العام ليحدّد ضوابط الممارسة الإعلامية الاحترافية والمسؤولة في كنف الحرية، ويضع كلًا من الصحافي والمؤسسة الإعلامية والحكومة أمام مسؤولياتهما الأخلاقية والقانونية”.
ويعود ذلك، وفق الهويلي، إلى “الفراغ القانوني الذي ميّز المرحلة السابقة، والتي أنتجت متاعب كبيرة للصحافيين/ات والإعلاميين، جراء غياب أطر قانونية تُحدد مساحات اللعب للصحافي والحكومات على حدٍّ سواء”.
ينتظر الحقوقيون/ات صدور النصوص التنظيمية لقانون الإعلام الجديد في الجزائر من أجل تقييمه بصورة شاملة ومعرفة ماهية القانون ومدى احترامه وتسهيله لعمل الصحافة في الجزائر.
“على العموم، ترتبط مشكلة الحريات في الجزائر بالإرادة السياسية التي لا ترى في الصحافة سلطة رابعة شريكة في إدارة الشأن العام، بل مجرّد أداة للدعاية السياسية، ومن يخرج عن هذه الوظيفة يُعاقَب بالقانون مثل قانون العقوبات أو قانون المضاربة أو غيرهما”، يختم بو قاعدة.