بعد أكثر من عقد على إعلان الأمم المتحدة عن اليوم الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين – وبعد أكثر من 30 عامًا منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين بتوثيق عمليات القتل هذه – ما زال زهاء 80 بالمئة من الجرائم لم يُكشف عن مرتكبيها.
نشر أولًا على لجنة حماية الصحفيين.
ثمة بلدان صغيران – هايتي وإسرائيل – باتا حاليًا أكبر معتديَيْن في العالم حيث تظل جرائم قتل الصحفيين فيهما دون عقاب، وفقًا للمؤشر العالمي للإفلات من العقاب لعام 2024 الذي تصدره “لجنة حماية الصحفيين”، والذي يقيس الجرائم التي لم يُكشف عن مرتكبيها نسبة إلى التعداد السكاني للبلد المعني. وهذا هو العام الأول الذي تظهر فيه إسرائيل على مؤشر لجنة حماية الصحفيين منذ استحداثه في عام 2008.
وفي هايتي، التي احتلت المرتبة الأولى، ساهم ضعف جهاز القضاء الوطني، وعنف العصابات، والفقر، والاضطرابات السياسية بإخفاق البلد عن إخضاع القتلة للمساءلة. وقد انضمت هايتي إلى المؤشر للمرة الأولى في عام 2023 حيث احتلت المرتبة الثالثة آنذاك، إذ سيطرت العصابات الإجرامية على أجزاء واسعة من البلد في أعقاب اغتيال الرئيسي جوفينيل مويس في عام 2021، مما دفع الصحافة نحو “أزمة وجودية” أجبرت العديد من الصحف على تقليص عدد العاملين فيها أو التوقف عن العمل نهائيًا.
أما عمليات القتل التي استهدفت فيها إسرائيل صحفيين في غزة ولبنان أثناء الحرب الطاحنة فقد دفعتها لتحتل المرتبة الثانية على مؤشر هذا العام، والذي يغطي الفترة ما بين 1 أيلول/ سبتمبر 2014 وحتى 31 آب/أغسطس 2024. وقد وثّقت لجنة حماية الصحفيين القتل العمد لخمسة صحفيين – أربعة فلسطينيين وواحد لبناني – منذ بدء الحرب، وهي تُجري تحقيقات بشأن جرائم قتل مستهدفة ذهب ضحيتها 10 صحفيين آخرين على الأقل. ونظرًا لصعوبة توثيق الأحداث في الحرب، فقد يكون العدد أكبر كثيراً من ذلك. وعمومًا، قتلت إسرائيل عدداً قياسياً من الصحفيين الفلسطينيين منذ بدء الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
كيف تُعرّف لجنة حماية الصحفيين ’جريمة القتل العمد‘ و’الإفلات من العقاب‘
ما انفكت لجنة حماية الصحفيين تسجل بيانات حول قتل الصحفيين وسجنهم منذ عام 1992. وتتمثل المنهجية التي نستخدمها منذ ذلك الوقت والتي تنطبق على كافة البلدان، فيما يلي:
جريمة القتل العمد
لا تُحتَسب في مؤشر الإفلات من العقاب إلا الحالات المعرّفة بأنها “جرائم قتل عمدًا”. وتعرف لجنة حماية الصحفيين “جريمة القتل العمد” بأنها قتل الصحفي، سواء عن نية مسبقة أم بصفة ارتجالية، عندما تتيح لنا الأبحاث التي نجريها أن نقول، وبدرجة معقولة من اليقين، إن الفرد المعني قُتل على خلفية ارتباط مباشر بعمله كصحفي. وفي العديد من الحالات، لا نتمكن من القول بصفة مؤكدة بأن جريمة القتل مرتبطة بعمل الصحفي المعني (مثلًا، في البلدان التي توجد فيها مستويات مرتفعة من الفساد والجريمة، من قبيل المكسيك، أو أثناء الحروب التي تشهد مستوى عاليًا من إصابات عامة في الأرواح بين المدنيين، من قبيل حرب إسرائيل-غزة). وفي حالات القتل غير المصنفة بأنها “جريمة قتل” على قاعدة بيانات لجنة حماية الصحفيين، هذا لا يعني أن لجنة حماية الصحفيين تعتبر أن الشخص المعني قُتل وفقًا للقانون.
الإفلات من العقاب
يحدث الإفلات من العقاب عندما لا يتم إخضاع الأفراد أو البلدان للمساءلة عن جرائم قتل الصحفيين. ويعني الإفلات التام من العقاب، وهو ما يقيسه مؤشرنا للإفلات من العقاب، أنه لم يتم إخضاع أي شخص للمساءلة عن القتل المتعمد للصحفي المعني.
تصنيفات أخرى
يرجى الاطلاع على منهجية لجنة حماية الصحفيين للتعرف على مزيد من التفاصيل بشأن التصنيفات.
وتعمل لجنة حماية الصحفيين باستمرار على إجراء أبحاث وتحديث الحالات، ويمكن أن تتغير التصنيفات عند جمع مزيد من الأدلة.
بما أنَّ مؤشر الإفلات من العقاب الذي تصدره لجنة حماية الصحفيين يقيس عدد جرائم قتل الصحفيين التي لم يُكشف عن مرتكبيها كنسبة من التعداد السكاني لكل بلد، فإن التعداد السكاني لإسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة الذي يزيد عنه في هايتي وضعها خلف مرتبة هايتي على أساس نسبي، رغم أنَّ عدد الحالات في إسرائيل والأرض المحتلة أكبر. ولا يشمل المؤشر سوى البلدان التي وقعت فيها خمس حالات أو أكثر لجرائم قتل ضد صحفيين ولم يُكشف عن مرتكبيها. ولم تُدرَج إسرائيل في مؤشر العام الماضي لأن الحرب في غزة بدأت بعد التاريخ المحدد للمؤشر وهو 31 آب/ أغسطس 2023. انظر المزيد من المعلومات حول منهجية المؤشر هنا.
المزيد من الإفلات من العقاب
- بعد ثلاثة عقود، لم تتحقق العدالة حتى الآن بخصوص 30 حالة لقتل صحفيين
- المزيد من الإفلات من العقاب مع تصاعد حالات القتل في باكستان في عام 2024
- استكشف مدى الإفلات من العقاب الموضّح في قاعدة البيانات العالمية التابعة للجنة حماية الصحفيين
وجد مؤشر حماية الصحفيين أنَّ الإفلات من العقاب استمر في الغالبية العظمى – 77% – من جرائم قتل الصحفيين في العالم، أي أنه لم يتم إخضاع أي أحد للمساءلة عن هذه الجرائم، وبالتالي ظلت دون حل. ويُعدّ هذا تحسنًا عن معدل 90% الذي سجلته لجنة حماية الصحفيين قبل عقد من الآن، وأفضل قليلًا من معدل 78% الذي وثقته لجنة حماية الصحفيين لعام 2023، ولكنه من دون شك معدّل لا يدعو للابتهاج. لقد أصبح الإفلات من العقاب راسخًا في جميع أنحاء العالم، إذ يظل زهاء أربعة من كل خمسة من مرتكبي جرائم القتل ضد الصحفيين دون عقاب وباستمرار.
وبينما احتلت هايتي وإسرائيل المرتبتين اللتين ظلت تحتلها دول تظهر باستمرار على مؤشر الإفلات من العقاب، فهذا لا يعني أن الدول المعتدية الأخرى حسّنت سجلها القاتم في تحقيق العدالة للصحفيين.
وقد احتلت الصومال وسوريا وجنوب السودان المراتب الثالثة والرابعة والخامسة للبلدان ذات المعدلات الأعلى من حيث الإفلات من العقاب في العالم لعام 2024. وقد ظلت هذه البلدان الثلاثة تظهر على مؤشر لجنة حماية الصحفيين لمدة عقد على الأقل؛ والصومال هو أحد ستة بلدان ظلت تظهر على المؤشر على امتداد السنوات الـ 17 التي وُجد فيها المؤشر، مما يؤكد على الطبيعة المستمرة للإفلات من العقاب.
تكريس الإفلات من العقاب، حتى في أنظمة ديمقراطية
تتوزع البلدان الواردة على المؤشر بين عدة قارات، لكنها تعاني جميعًا من واحد أو أكثر من العوامل الهدامة التي تتيح لقتلة الصحفيين التملص من العدالة: الحروب، وحركات التمرد، والحكومات الاستبدادية، والعصابات الإجرامية، ونقص الفعل السياسي والقضائي. ويؤدي ذلك إلى تأثير وخيم على حرية الصحافة. وكلما استمرت هذه الظروف كلما زادت أرجحية تكريس الإفلات من العقاب، وفرار الصحفيين من أوطانهم، وممارستهم للرقابة الذاتية أو تركهم للمهنة نهائيًا.
وليست الديمقراطيات محصّنة من هذه التوجهات المثيرة للقلق.
سجلت المكسيك أعلى عدد إجمالي لجرائم الصحفيين التي ظلت دون حل – 21 – على امتداد فترة المؤشر واحتلت المرتبة الثامنة، وذلك نظرًا للتعداد السكاني الكبير للبلد. وظلت المكسيك منذ مدة طويلة إحدى أخطر البلدان في العالم للإعلام، وشهدت تصاعدًا في العنف الفتاك في عام 2024 بعد حدوث تراجع عن المستوى القياسي للعنف الذي شهده عام 2022. ووجد تقرير مشترك صادر عن لجنة حماية الصحفيين ومنظمة العفو الدولية أن تقاعس حكومة المكسيك عن المعالجة الملائمة لجوانب قصور ’الآلية الاتحادية لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين‘ يؤدي إلى تقييد قدرتها على منع العنف ضد الصحفيين. كما أن الفساد المنتشر والجريمة المنظمة يجعلان من الصعب غالبًا تحديد ما إذا كان الصحفيون يُستهدفون بالقتل بسبب عملهم.
وفي البرازيل، التي تتمتع بنظام ديمقراطي منذ عقد الثمانينيات من القرن العشرين، يظل الفساد والرقابة شائعين، مما ساهم بمقتل 10 صحفيين خلال فترة المؤشر. وجرت معظم هذه الجرائم خارج المراكز الحضرية الكبرى وشملت صحفيين من وسائل إعلام محلية صغيرة (5)، ومحطات إذاعية (3)، وصحفيين مستقلين (2). أما الإفلات من العقاب فهو واسع الانتشار؛ حتى في حالات ذات تبعات دولية، من قبيل مقتل الصحفي دوم فيليبس في عام 2022 في منطقة الأمازون البرازيلية، فما زالت هذه الجريمة دون حل. وقد احتجزت السلطات ثلاثة مشتبه بهم ومن المقرر أن يمثلوا أمام المحكمة. كما اعتقلت السلطات المدبّر المزعوم لهذه الجريمة، ولكن لم تأخذ العدالة مجراها لغاية الآن.
الترتيب على المؤشر العالمي للإفلات من العقاب لعام 2024 الذي تصدره لجنة حماية الصحفيين
المرتبة | البلد | عدد جرائم قتل الصحفيين التي لم يُكشف عن مرتكبيها | التعداد السكاني بالملايين* | عدد السنوات التي احتل فيها البلد مرتبة متقدمة على المؤشر |
---|---|---|---|---|
1 | هايتي | 7 | 11.7 | 2 |
2 | إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة* | 8 | 14.9 | 1 |
3 | الصومال | 9 | 18.1 | 17 |
4 | سوريا | 11 | 23.2 | 11 |
5 | جنوب السودان | 5 | 11.1 | 10 |
6 | أفغانستان | 18 | 42.2 | 16 |
7 | العراق | 11 | 45.5 | 17 |
8 | المكسيك | 21 | 128.5 | 17 |
9 | الفلبين | 18 | 117.3 | 17 |
10 | ميانمار | 8 | 54.6 | 3 |
11 | البرازيل | 10 | 216.4 | 15 |
12 | باكستان | 8 | 240.5 | 17 |
13 | الهند | 19 | 1428.6 | 17 |
المصدر: تم استخدام بيانات لجنة حماية الصحفيين والبيانات السكانية المأخوذة من مؤشرات التنمية العالمية لعام 2023 الصادرة عن البنك الدولي، والتي تم الاطلاع عليها في سبتمبر/أيلول 2024، في حساب تصنيف كل دولة. يتم تضمين المناطق داخل الدولة التي تسيطر عليها تلك الدولة أو تحتلها جزئيًا، مثل إقليم كردستان العراق وغزة وإسرائيل، في أرقام سكان تلك الدولة.
* يشمل الإجمالي بالنسبة لإسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة مقتل صحفي رويترز عصام عبد الله، الذي قُتل في لبنان برصاص القوات الإسرائيلية من داخل إسرائيل.
ثمة بلدان عديدة أخرى على المؤشر ظلت تشهد باستمرار مقتل صحفيين بينما يظل قتلتهم دون عقاب، ومن بينها:
- ظلت باكستان تظهر على المؤشر سنويًا منذ أن ظهرت عليه للمرة الأولى في عام 2008. وقد ظلت السلطات تجري تحقيقات وملاحقات قضائية غير فعالة بصفة متكررة في حالات قتل الصحفيين، وذلك بسبب جمع الأدلة بطريقة غير صحيحة، ومحدودية الموارد، والتدخل السياسي، والفساد. وقد أكدت لجنة حماية الصحفيين أنَّ صحفيَين باكستانيَين اثنين على الأقل قُتلا كنتيجة مباشرة لعملهما الصحفي لغاية الآن في عام 2024، كما تُجري اللجنة تحقيقات بشأن أربع جرائم قتل أخرى مرتبطة بعمل الصحفيين.
- ظلت الفلبين تظهر على المؤشر أيضًا في كل سنة منذ عام 2008، واحتلت المرتبتين الأولى والثانية على المؤشر عدة مرات، وقد سجلت جرائم قتل صحفيين دون الكشف عن مرتكبيها في كل سنة تقريباً منذ عام 1992. ويظل تحقيق العدالة كاملة أمرًا بعيد المنال لـ 32 صحفيًا وعاملًا إعلاميًا قتلوا في مذبحة ماغوينداناو التي جرت قبل 15 سنة – وهي إحدى الهجمات الأشد فتكًا ضد الصحافة – وكذلك لصحفيين من قبيل جيري أورتيغا، وهو صحفي إذاعي قتل في عام 2011.
متاح قراءة التقرير كاملًا على لجنة حماية الصحفيين بصيغة بي دي إف.