إن حملة التصدي لثقافة الإفلات من العقاب والقمع والوحشية في ظل حكم الرئيس الغامبي السابق يحيى جامع، هي قصة التزام ومثابرة وإبداع ضد نظام قمعي وحشي. إليكم الطريقة التي عملت بها المؤسسة الإعلامية لغرب إفريقيا ونقابة صحفيي غامبيا من اجل معالجة الإفلات من العقاب، سواء في ظل نظام جامع أو في ظل حكومة ديمقراطية منتخبة ديمقراطياً في عهد أداما بارو.
تمت الترجمة من مقال أصلي باللغة الانجليزية
مقدمة
كان الاختفاء القسري لرئيس التحرير إبريما مانه واحتجاز موسى سيدخان وتعذيبه من الأحداث المحورية في إعادة تشكيل استراتيجية المؤسسة الاعلامية لغرب أفريقيا في مكافحة الإفلات من العقاب في غامبيا، سواء في ظل نظام الرئيس السابق يحيى جامع ولاحقاً تحت حكم أداما بارو الذي صعد إلى الحكم نتيجة لانتخابات ديمقراطية تاريخية عام 2016.
كان على المؤسسة في السابق أن تتبنى نهجاً يطعن في السلوك الاستبدادي لجامع ويُحاسب الحكومة على أفعالها. وكان لا بد من تعديل هذا النهج عندما تولت حكومة أداما بارو الجديدة السلطة في عام 2016، وشاركت المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا في القيادة نحو الإصلاح الواسع للإعلام، للوصول إلى الهدف النهائي، الذي يتمثل في جعل الصحفيين يمارسون مهنتهم دون مخاطر أو ضرر.
لقد أدى الالتزام والمثابرة والإبداع إلى تحقيق نتائج ناجحة على مستويين مختلفين بالنسبة للمؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا وشريكها المحلي، نقابة صحفيي غامبيا. أولاً: في ظل الحكومة الجديدة، بدأ أخيراً دفع التعويضات من المحاكم لأسر الصحفيين الذين تعرضوا لاعتداءات مثل رئيس التحرير ابريما مانه وموسى سيدخان.
ثانياً، تعمل المنظمتان بشكل وثيق مع حكومة الرئيس بارو على إصلاح قطاع الإعلام بما يشمل التغييرات القانونية، وإلغاء تجريم قوانين التشهير، وخلق بيئة أكثر أمناً للإعلام.
فيما يلي سرد للعناصر الفاعلة الرئيسية والأنشطة والفعاليات والاجراءات التي أدت إلى هذه الإنجازات الناجحة، وبعض الدروس المهمة المستفادة.
الجهات الفاعلة الرئيسية
وكالة الاستخبارات الوطنية، والتي أصبحت تسمى الآن اجهزة استخبارات الدولة. هي الذراع السري لجمع المعلومات الاستخباراتية للشرطة في غامبيا. أنشئت في عام 1995، بعد عام من تولي الرئيس يحيى جامع السلطة، وكانت تذهب تقارير وكالة الاستخبارات الوطنية مباشرة إلى الرئيس جامع. وتتألف من الأعضاء السابقين والحاليين في الأجهزة الأمنية بغامبيا، معظمهم اختارهم جامع بنفسه. وكانت تشتهر وكالة الاستخبارات الوطنية بالقتل الخارج عن نطاق القضاء والخطف والاعتقال والاحتجاز التعسفي والتعذيب للمعارضين ومنتقدي نظام جامع – خاصة الصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والزعماء الدينيين والسياسيين.
قوات الشرطة الغامبية هي جزء من وزارة الداخلية، ولها قوة من نحو 5000 من ضباط شرطة يرتدون الزي الرسمي ويرتدون ملابس مدنية. ويقودها نائب المفتش العام للشرطة، الذي يساعده الإداريين وأعضاء اللجنة الإقليمية. وعلى الرغم من دورها المفترض بدعم قوانين غامبيا بشكل عادل، وحماية ومساعدة وطمأنة المجتمع والقيام بذلك بنزاهة، إلا أن قوات الشرطة الغامبية كانت واحدة من أسوأ مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.
محكمة المجتمع الاقتصادي لدول غرب إفريقيا (إيكواس) التي تم إنشائها كجزء من معاهدة منقحة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس). إن ولاية المحكمة هو ضمان احترام القانون ومبادئ العدالة في تفسير وتطبيق أحكام المعاهدة المنقحة، وجميع الصكوك القانونية الفرعية الأخرى المعتمدة لدى ايكواس. وتتألف المحكمة من سبعة قضاة مستقلين يعينهم رؤساء حكومات ايكواس. ويجب أن يكون القضاة من مواطني الدول الأعضاء ويعملون لمدة أربع سنوات، بناء على توصية من مجلس قضاء المجتمع.
المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا تعتبر من أكبر المؤسسات وأكثرها تأثيرا في مجال تطوير وسائل الإعلام المستقلة ومناصرة حرية التعبير في غرب أفريقيا، مع منظمات وطنية شريكة في البلدان 16 في المنطقة. تخدم المؤسسة أيضا كأمانة عامة لتحالف حرية التعبير في أفريقيا، وهو شبكة على مستوى القارة من منظمات حرية التعبير والمناصرة لوسائل إعلام. ولأكثر من عقدين من الزمن، عززت المؤسسة وشركائها بنجاح حقوق حرية التعبير ومهنية وسائل الإعلام، والمناصرة التي تقودها وسائل الإعلام من أجل بناء السلام، والحكم القائم على المشاركة في غرب أفريقيا.
نقابة صحفيي غامبيا والتي تأسست في عام 1979 من قبل مجموعة من الصحفيين الذين يعملون في وسائل الإعلام الخاصة. على مدى العقود الأربعة من وجودها، دافعت النقابة عن حرية التعبير وسلامة الصحفيين والوصول إلى المعلومات في غامبيا. وتنفذ نقابة صحفيي غامبيا مشروع إصلاح إعلامي شامل وتعمل مع شركاء مختلفين بما فيهم المؤسسة الإعلامية لغرب إفريقيا من اجل إصلاح القوانين القمعية وإقرار القوانين حديثة، تحديداً قانون الحق في المعلومات.
السياق والقضايا
عندما استولى يحيى جامع على السلطة في عام 1994، من أول رئيس لغامبيا داودا جاوارا، اعتمد على العنف والقمع لدعم حكمه.
لم يكن جامع متحمسا للآراء النقدية، وكان يعارض أي شكل من أشكال الصوت الجماعي – المعارضين السياسيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، ومجتمع المثليين وثنائي الجنس والمتحولين جنسياً والكوير وغيرهم، وقادة الطلاب، والزعماء الدينيين، والمسؤولين القضائيين، ووسائل الإعلام. وعلى مدى أكثر من عقدين، كانت التهديدات والترهيب والاعتداءات والاعتقال التعسفي والاحتجاز والتعذيب والقتل خارج نطاق القضاء والاختفاء القسري طريقة حياة في غامبيا. فوفقاً لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، استخدم جامع “قوات أمن الدولة وجماعات شبه عسكرية غامضة لتخويف وإسكات جميع منتقدي الحكومة”. ووثق التقرير انتهاكات حقوق الإنسان من قبل تلك القوات، واشتملت الانتهاكات على عمليات القتل الغير القانوني والاعتقالات والاحتجاز التعسفي والتعذيب وغيرها من ضروب سوء المعاملة والاختفاء القسري للأشخاص.
استمر القمع الذي يمارسه جامع بالازدياد بالحجم والمدى، وذلك مع عدم وجود أي عواقب لسلوكه الاستبدادي. كما كان الصحفيون هدفاً أساسياً للقمع. وكانت أبرز الانتهاكات قضايا إبريما مانه وموسى سيدخان وديدا هيدارا.
لقد تم إطلاق النار وقتل المدافع عن حرية الصحافة والمنتقد الشرس لجامع، والشريك المؤسس والمحرر المشارك لصحيفة “ذا بوينت” ديدا هيدارا، وذلك أثناء توجهه إلى منزله من العمل بتاريخ 16 كانون الثاني 2004. وفي ذكرى وفاته من كل عام، تعقد نقابة صحفيي غامبيا فعالية عامة لتكريم هذه الشخصية البارزة في الإعلام الغامبي.
وبتاريخ 28 آذار 2006، أعتقلت الشرطة الغامبية رئيس تحرير صحيفة الإندبندنت، موسى سيدخان، واحتجزته لمدة 22 يوماً من بينها “ثلاثة ليالي من التعذيب الجسدي والنفسي الممنهج الذي ترك ندوباً في جميع أنحاء جسدي وثلاثة كسور في يدي”. ويعتقد سيدخان، الذي احتُجز أيضاً بمعزل عن العالم الخارجي، أنه تم اطلاق سراحه بسبب تهديد رئيس جنوب أفريقيا ثابو مبيكي بمقاطعة قمة الاتحاد الأفريقي التي استضافتها غامبيا في تموز 2006.
وبتاريخ 7 تموز 2006، تم اعتقال إبريما مانه من غرفة الأخبار لصحيفة ديلي أوبزرفر من قبل اثنين من ضباط وكالة الاستخبارات الوطنية الغامبية. وقد تكون هذه المرة الأخيرة التي يراه فيها زملائه وأصدقائه وعائلته. ولم يتم تقديم أسباب لاعتقاله.
وقالت منظمة “الحرية الآن” بان “المنظمات في جميع أنحاء العالم ادانت احتجاز مانه الظالم، بينما وصفت منظمة العفو الدولية مانه بأنه سجين رأي”. ولم يفعل الضغط العالمي أي شيء لايقاف حكومة جامع، وأدت العديد من المحاولات التي قامت بها المنظمات المحلية والإقليمية والدولية لجمع المزيد من المعلومات عن موقع مانه وحالته إلى الانتهاء بتفاصيل غامضة أو متضاربة.
إن التعويضات التي تم منحها في نهاية المطاف للضحايا وعائلاتهم من قبل المحاكم الغامبية هي نتيجة هامة لشراكة المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا ونقابة صحفيي غامبيا في معالجة قضية الإفلات من العقاب، ولها مغزى عميق بالنسبة للعائلات والمنظمات المعنية.
The #Gambia government has today completed the payment of US$100,000 compensation to the family of the late Gambian #journalist Chief Ebrima Manneh.
The late journalist died in custody of the security agents of the Gambia’s former dictator #Yahya Jammeh.#JusticeforChiefManneh pic.twitter.com/GGlOADodQj— Assan Sallah (@sallah_assan) November 28, 2018
بالنسبة للعائلة، فإن التعويض يرمز إلى المسؤولية. فقد أمضى والد مانه وأشقاؤه أكثر من عشر سنوات من محاولة كشف الغموض حول اختفاء مانه القسري.
بالنسبة للمؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا ونقابة صحفيي غامبيا، فإن التعويضات تعتبر نصراً هاماً في القتال من أجل سيادة القانون والتمسك به. لقد كانت رحلة المؤسستين مليئة بالمثابرة وبلحظات مقلقة وعاطفية تحولت إلى عزيمة عميقة. وأصبح القتال ضد ثقافة الإفلات من العقاب غير قابل للانفصال عن النضال من أجل حرية التعبير وحرية الإعلام في المنطقة.
أما بالنسبة للجميع، فإن مثل هذا التعويض يُمثل نوعاً من المساءلة عن الاختفاء القسري لمانه وجميع الصحفيين الآخرين الذين تعرضوا لوحشية نظام جامع. كما يمثل خطوة هامة إلى الأمام في الكفاح ضد الإفلات من العقاب، بالنظر إلى أن هذه الجرائم غالباً ما تمر دون عقاب، سواء في القارة الأفريقية أو في جميع أنحاء العالم.
الحملة
في سياق التهديدات المتزايدة خلال نظام جامع، استخدمت المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا ونقابة صحفيي غامبيا، نهجاً استراتيجياً ومستداماً للحفاظ على المطالبة بالعدالة واستئصال مناخ الإفلات من العقاب لأولئك المتورطين في جرائم ضد الصحفيين. وعندما تحول هذا السياق وظهرت فرص جديدة في ظل حكومة جديدة، قامت المؤسسة والنقابة بتحويل نهجهما على الفور، واعتمدتا على استراتيجية تكون أكثر استجابةً وغير قتالية في العمل.
لقد كان اختفاء مانه القسري واحتجاز سيدخان وتعذيبه عنصرين أساسيين في تحديد الخطوات التي يتعين على المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا ونقابة صحفيي غامبيا اتخاذها.
وكان تقديم عريضة نيابة عن مانه أمام محكمة العدل المحلية التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ايكواس)، نقطة الانطلاق لحملة الإفلات من العقاب الأولى.
وقال المدير التنفيذي للمؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا، سليمان بريما: “تكمن قوة الاستراتيجية في استخدام محكمة ايكواس في طريقة الوصول إليها، حيث أن عملية تقديم القضية أسهل مقارنة بمتطلبات الهيئات الإقليمية الأخرى. والأهم من ذلك، أن إيكواس تسمح برفع قضية دون أن تطلب من المشتكي استنفاد سبل الانتصاف المحلية قبل الاقتراب من المحكمة الأقليمية”.
وقد أعلن الحكم الصادر في عام 2008 أن احتجاز مانه انتهاك، وأمر غامبيا بالإفراج عنه ودفع 100,000 دولار كتعويض عن الأضرار.
أما القضية الثانية التي قدمتها المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا أمام ذات المحكمة هي قضية موسى سيدخان، وفي عام 2010، وجدت المحكمة غامبيا مذنبة، وأمرت الحكومة بدفع 200,000 دولار كتعويض عن اعتقاله واحتجازه وتعذيبه بشكل تعسفي.
أما قضية ديدا هيدارا، فقد تم رفعها إلى محكمة الإيكواس في عام 2006 من قبل اثنين من أبنائه وبدعم من الاتحاد الدولي للصحفيين. وفي النهاية، أصدرت المحكمة حكمها في عام 2014، وتم منح عائلة هيدارا تعويض بقيمة 50,000 دولار أمريكي.
إن حكومة غامبيا، التي لم تدافع عن نفسها في أي من إجراءات محكمة الايكواس، تجاهلت الأحكام في جميع القضايا الثلاث. وكان جامع يتحدى المحكمة في رده، وأوضح أنه لن يلتزم بحكم الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا.
وقال بريما حول ذلك: “نعم، لقد كان أمراً مخيباً للآمال بالتعامل مع حقيقة أن محكمة الايكواس لم يكن لديها حقوق إنفاذ للأحكام، وأن الحكومات يمكن أن تختار عدم الالتزام بهذه القرارات، خاصة عندما نأخذ بعين الاعتبار ان الايكواس أنشأت من قبل رؤساء الدول”.
في الوقت الذي كان رد جامع نكسة، إلا أنه لم يكن رادعا. وكان يعني أنه علينا عمل تغيير في التكتيك.
أصبح تحديد نقاط الدخول في التجمعات الإقليمية جزءاً لا يتجزأ من الحملة. وعلى مر السنين، تم تقديم العديد من الالتماسات في اجتماعات القمة والاجتماعات الرئيسية التي عقدتها الدول، وكانت المؤسسة تقوم بتذكير المشاركين بعدم امتثال غامبيا لأحكام محكمة ايكواس. وتذكر بريما قائلاً: “على الرغم من عدم وجود ردود مباشرة، إلا انه كان لمخاوفنا صدى بين اصحاب السلطة على مستوى إيكواس”.
خلال ولاية الرئيس الغاني جون ماهاما كرئيس للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، قدمت المنظمة الإعلامية لغرب أفريقيا عريضة توضح عدم فعالية محكمة إيكواس. وأشارت إلى أنه “من خلال السماح لدولة ما بتجاهل الأحكام، فليس هناك حاجة إلى تمويل المحكمة أو تعيين القضاة”. وفي حين لم يُتخذ أي إجراء ملموس، أقر رد ماهاما على العريضة بأن عجز المجلس عن إنفاذ القرارات القانونية يقوض العملية والمؤسسة.
في اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، في شهر تشرين الثاني 2016، قامت المنظمة الإعلامية لغرب أفريقيا مع 35 منظمة أخرى من المجتمع المدني في غرب أفريقيا، بدعوة رئيسة ليبيريا إلين جونسون سيرليف والتي كانت تتولى رئاسة الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، إلى تعليق عضوية غامبيا بسبب استمرار رفضها للامتثال لأحكام محكمة ايكواس حول انتهاكات حقوق الصحفيين الثلاثة.
لقد كانت القضايا الثلاث المذكورة هي رئيس التحرير إبريما مانه ضد غامبيا (2008)، وموسى سيدخان ضد غامبيا (2010)، وديدا هيدارا والآخرون ضد غامبيا (2014).
بعد شهر واحد من هذه الدعوة، انتهت أخيراً مدة 22 عاماً من الاستبداد بعد هزيمة جامع القاسية في الانتخابات. في البداية، اعترف جامع بالخسارة، لكن الابتهاج تحول إلى خوف عندما رفض النتائج وأصر وفقاً لرويترز على إجراء “انتخابات جديدة وشفافة، تترأسها لجنة انتخابية مستقلة وتخاف من الله”.
وقال بريما حول ذلك: “لقد رأينا في هذه اللحظة قوة الإيكواس في ضمان حقوق المواطنين”. حيث أصرت الهيئة الإقليمية، المدعومة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، على ضرورة احترام حُكم الشعب الغامبي، واضطر جامع في النهاية إلى ترك السلطة بتاريخ 21 كانون الثاني 2017. وعاش في المنفى بغينيا الاستوائية.
كان لهذه الأحداث السياسية تأثير مباشر وإيجابي على حملة المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا. وشرح بريما استراتيجية المؤسسة قائلاً: “بمجرد حدوث هذا التغيير، كان أحد أهدافنا هو رؤية كيف يمكننا جعل الحكومة الجديدة تقوم بتنفيذ قرارات المحكمة. ولأنها حكومة، وليست شخص، والحكومة هي سلسلة متصلة، قررنا متابعة قضية التعويضات مع الرئيس بارو”.
في البداية، اجتمعت المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا ونقابة صحفيي غامبيا مع الصحفيين في المنفى بتاريخ 26 كانون الثاني 2017 في السنغال لسماع وجهات نظرهم ومشاعرهم حول ما إذا كانت الحكومة القادمة ستعارض أو تدعم إرث جامع حول حرية الصحافة.
وخلال بعثة لاحقة إلى غامبيا في الفترة ما بين 18 إلى 25 آذار، شارك وفد ضم أعضاء من المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا ونقابة صحفيي غامبيا وبعض الصحفيين، في مناقشات مع مسؤولين حكوميين، وتحديداً وزير الإعلام والرئيس بارو الذي أكد التزامه بحرية الصحافة ومكافحة الإفلات من العقاب في غامبيا، وأنه لا يريد اتباع المسار القمعي لحكومة جامع.
وعقب هذا الاجتماع، ذهبت مديرة البرامج في المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا فيفيان أفوا إلى غامبيا لمدة ستة أشهر للعمل على الأنشطة المتفق عليها بين المنظمتين. وتم تكليفها بالعمل في نقابة صحفيي غامبيا لدعم جهود النقابة التي – رغم كونها نابضة بالحيوية وملتزمة – تطوعت في دولة موبوءة اقتصادياً وعاشت سنوات من القمع.
إن دورأفوا في حياكة تطلعات الأسر التي كانت تهدف إلى تحقيق العدالة، إلى جانب مبادئ المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا ونقابة صحفيي غامبيا في مفاوضاتهما مع الرئيس بارو وحكومته، أعطيا مصداقية للمنظمتين وسمح لهما بالحفاظ على نزاهتهما.
حتى عندما كان الأمر شاق ومرهق عاطفياً، لم يضطرا بريما أو أفوا للتخلي عن العمل بأي لحظة. وعلق بريما حول ذلك قائلاً: “أتذكر عندما أخبرنا والد مانه، البالغ من العمر 96 عاما، كيف سيذهب إلى وزارة الإعلام ويسأل: أخبروني أين ابني؟ إذا توفي، فقط أخبروني أين جثته؟. لقد بكيت من كلامه”.
وأضافت أفوا: “هذه الأحداث كانت تقوي عزيمتي على الكفاح من أجل هذه العائلات”.
الدروس المستفادة
إن الدروس المستفادة من إستراتيجية غامبيا قد تساعد المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا في تكرار نجاحها في بلدان أخرى حيث يوجد لدى المنظمة حملات مناهضة للإفلات من العقاب – بالتحديد في نيجيريا وغينيا.
• كان الوضع في غامبيا مائعاً، وغالبًا ما دفع المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا إلى التحرك كردات فعل على الاحداث. وبمرور الوقت، تعلمت المنظمة أن تكيف وتصوغ حملتها حول انهاء الإفلات من العقاب، ووضعها كجزء من حملة أوسع للإصلاح الديمقراطي.
• إن تطوير علاقة عمل وثيقة وتعاونية مع نقابة صحفيي غامبيا سهّلت على المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا بالوصول إلى جميع أصحاب المصلحة المحليين المعنيين. كما ساعد في تشكيل حملة فريدة تأخذ في الاعتبار السياق والإمكانيات.
• كان قرار إرسال مديرة البرامج فيفيان أفوا إلى غامبيا لمدة ستة أشهر لقيادة الحملة هو أفضل خطوة ممكنة لضمان عدم فقدان الزخم. حيث أقامت أفوا علاقة قوية مع عائلات الضحايا، مما عزز ثقتهم في السماح للمنظمتين بتمثيل مصالحهم في المفاوضات. لقد عملت أفوا مباشرة مع المحامية هاوا سيساي-سابالي، والتي تعاقدت معها المنظمتان لصياغة ورقة موقف قانوني حول حكم محكمة ايكواس، وتقديم مبرر للتعويض الذي تم منحه. كانت المحامية حاضرة طوال عملية التفاوض مع الحكومة الغامبية، ولذا فقد تمكنت من ضمان سداد الدفعات. كما ساعدت جهود أفوا على الأرض أيضاً في تعزيز العلاقة بين المنظمتين والحكومة.
• كانت القدرة على تحديد نقاط الدخول الرئيسية لمبادرات المناصرة في السياق السائد في ذلك الوقت بالغة الأهمية. إن بناء قوة إقليمية من خلال المتابعة المستمرة مع صانعي السياسات الرئيسيين لإثارة مسألة عدم الامتثال لأحكام المحاكم في الاجتماعات الإقليمية الاستراتيجية، أبقى القضية تحت الأضواء. وفي الوقت نفسه، تم تشكيل علاقات مهمة مع صانعي السياسة الرئيسيين في المنطقة.
• كانت استراتيجية احتضان اهتمام الرئيس آداما بارو في بناء المصداقية وإرث الحوكمة الجيدة أمراً أساسياً في نجاح الحملة.
• كانت هناك التعديلات المستمرة على الحملة في عدة مستويات استجابةً لتطورات الأوضاع على الأرض. الامر الذي تطلب من المنظمة أن تتفاعل بسرعة وبشكل مبدع. ويعني هذا في بعض الأحيان تغيير المسار الذي تم الاتفاق عليه مسبقاً مع المانحين. وأشار بريما إلى الحاجة للمرونة في بعض الأحيان: “إذا أردنا الاستمرار في هذا المسار من حيث مكافحة الإفلات من العقاب والسعي إلى تحقيق العدالة للصحفيين، فإننا نحتاج إلى تمويل مرن، حتى تتمكن من تكييف الإستراتيجية”.
• ولعل أهم عنصر في نجاح هذه الحملة هو التفاني المستمر من المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا ونقابة صحفيي غامبيا طوال العملية – على الرغم من مرور 14 عاماً قبل أن تحصل عائلة مانه على التعويضات التي منحتها المحاكم. وحتى عندما تغيرت الإدارة في المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا، لم يتم فقدان التركيز ولا الزخم.
في الختام…
لم تفقد المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا ونقابة صحفيي غامبيا رؤية ما كانوا يناضلون من أجله.
لكي تعمل وسائل الإعلام بحرية ودون تأثير سلبي من أي جهة، هناك حاجة إلى سيادة القانون. إن ثقافة الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين تكمن في أساس المشروع الديمقراطي، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالوصول إلى العدالة.