في ضوء التهديدات المتزايدة للجماعات المتطرفة كداعش، تعد الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مواطنيها بالاستقرار والأمن - ولكن ليس من دون ثمن.
في مصر، لا تزال صابرين منجد تنتظر العدالة.
قُتلت ابنتها حبيبة عبد العزيز، والتي كانت تعمل كصحفية وتبلغ من العمر 26 عاماً، خلال تفريق الجيش الوحشي لمخيم من أنصار جماعة الإخوان المسلمين في شهر آب عام 2013. منجد ليست وحدها، فأصدقاء وأسر أكثر من 1,150 مصري لاقوا حتفهم في خمس حوادث منفصلة خلال المظاهرات منذ الاطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي يشاركوها الإنتظار. لقد مضى أكثر من عام على تفريق المظاهرات لكن لم يتم محاسبة أي ضابط شرطة أو مسؤول عسكري على الاستخدام المتعمد للقوة المفرطة.
في البحرين، حيث تخرج الناس إلى الشوارع كل ليلة على مدى السنوات الأربعة الماضية، فإن ضابط الشرطة الذي يطلق النار ويقتل متظاهر غير مسلّح من مسافة قريبة أو يقوم بضرب وتعذيب معتقل حتى الموت قد يواجه حكما بالسجن لمدة ستة أشهر، أو ربما عامين. في المقابل، فإن تعبيركم السلمي عن معارضتكم للوضع الراهن، يمكن أن يضعكم في السجن مدى الحياة.
في تونس، من أكبر العقبات التي تقف في طريق انتقال ديمقراطي ناجح هي القطاع الأمني الذي لا يزال يتصرف الى حد كبير بنفس الطريقة التي كانت تستخدم خلال 23 عاماً من حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي الاستبدادي. فمنذ قيام الثورة، استخدمت الشرطة مراراً القوة الوحشية ضد المتظاهرين السلميين.
القاسم المشترك لهذه الأحداث: جميع الانتهاكات ارتكبت باسم الأمن القومي.
استخدام خطر الإرهاب كذريعة لقمع الحقوق
تعاملت الحكومات في المنطقة مع مواطنيها كخطر يهدد الأمن القومي منذ عقود، ومع الإفلات شبه التام من العقاب. إن ما قدمته الانتفاضات العربية عام 2011 كان فرصة لمحاسبة الجناة وإصلاح القطاعات الأمنية في المنطقة. ولكن بدلا من ذلك، فإن الفراغ في السلطة أدى إلى ظهور الجماعات الإرهابية مثل داعش، جبهة النصرة في سوريا، وأنصار بيت المقدس في سيناء.
إن خطر هذه المجموعات حقيقي، ولكن يبدو أن التدابير المضادة التي تتخذها الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قد تستهدف المعارضين والناشطين بدلا منها. انهم يستخدمون خطر الإرهاب للتعدي على حقوق مواطنيهم، بالقليل من العواقب. و باستثناء أولئك الذين ما زالوا يجرؤن على الحلم “بالخبز والحرية والعدالة الاجتماعية”، إن معظم المواطنون يؤيدون تلك التدابير معتبرين أنها السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار.
ولكن هناك من يشكك في استخدام القوة وقمع المقاومة السلمية كأدوات فعالة لمكافحة الإرهاب. “إن توفير الأمن والاستقرار يقع على عاتق الحكومة “، قالت روضة أحمد، المحامية لحقوق الإنسان ونائبة المدير التنفيذي في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، مشيرةً إلى أن المواطن لا ينبغي أن يتخلي عن حقوقه أو يستبدل حرياته السياسية بسبب وعود بتوفير الأمن.
كما أن مها يحيى، من مركز الشرق الأوسط في مركز أبحاث الفكر العالمي كارنيجي قالت ليورونيوز في شهر تموز: “إن توسيع حملة القمع على الحقوق الأساسية يغفل حقيقة أن الأمن والاستقرار لا يمكن أن يتحققا في غياب الحرية.”
التعامل مع المدافعين عن حقوق الإنسان على أنهم “خونة وجواسيس”
نظرا لمدى قيام وسائل الإعلام التي ترعاها الدولة خاصة في مصر بالترويج لنهج الحكومة، فإنه ليس من المستغرب اعتقاد عامة الناس بأن جنرالاتهم هم فقط من يقفون بينهم وبين الجهاديين، وأن الطريقة الوحيدة لوقف العنف هي الرد بمزيد من العنف.
في بعض النواحي، جعل ذلك عمل منظمات المجتمع المدني أكثر صعوبة مما كان عليه خلال حكم حسني مبارك لمدة 30 عاما. “بعد ثورة عام [2011]، اعتاد الناس على النظر إلينا,” قالت أحمد عندما سئلت عن عملها كمحامية حقوق إنسان في مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. “الآن، يتم تصويرنا في وسائل الإعلام بأننا خونة وجواسيس”.
إن تشويه سمعة المجتمع المدني في مصر وأماكن أخرى في المنطقة أجبر جماعات حقوق الإنسان بالتركيز على الكفاح من أجل وجودها.
وفي ذات الوقت، ما زال الإفلات من العقاب يزدهر: فبتاريخ 29 تشرين الثاني 2014، تمت تبرئة مبارك من جميع التهم بالتآمر في قتل أكثر من 846 متظاهر خلال ثلاثة أسابيع من الانتفاضة الطويلة التي اطاحت به. فلا زالت أم حبيبة عبد العزيز وأقارب الآخرين الذين قتلوا على يد قوات الأمن أثناء وبعد الاطاحة بمحمد مرسي ينتظرون العدالة. في البحرين، قام رئيس الوزراء بشكر مسؤول أمني رفيع المستوى اتهم بالتعذيب – وتمت تبرأته في وقت لاحق من قبل السلطة القضائية الغير مستقلة ونزيهة – على “عمله” و “صبره”. وفي تونس، لا زال قتلة قائدي المعارضة شكري بلعيد ومحمد براهمي (حيث يعتقد على نطاق واسع أنهما اغتيلا على أيدي المتطرفين الدينيين) غير ملاحقين من قبل النظام القضائي التونسي.
القمع يشجع عدم الاستقرار، وليس إنهائه
هل وعد السلطات بالتخلي عن الحرية سوف يؤدي إلى الأمن؟ من المفارقات، أن استمرار الإفلات من العقاب وقمع حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني من قبل الأنظمة السياسية القمعية هو على الأقل عامل واحد يشجع على التطرف وإستدامة عدم الاستقرار. في مقال لصحيفة مصر اليومية بعنوان “نحن نخسر الحرب على الإرهاب”، كتب الصحافي المستقل والمدون وائل اسكندر: “كل يوم لا يتم فيه ردع الظلم أو ملاحقته من قبل الدولة، يصبح السياق أكثر ملاءمة لردود الفعل المتطرفة “.
في النهاية، إن تقييد الحقوق يخلق المزيد من الأخطاء.
متظاهر سلمي يقدم وردة لضابط شرطة خلال مظاهرة بتاريخ 13 آذار عام 2011 في البحرين Ammar Abdulrasool / http://instagram.com/aarali
محتجون تونسيون يشتبكون مع شرطة مكافحة الشغب خلال مظاهرة بعد وفاة زعيم المعارضة التونسي شكري بلعيد، خارج وزارة الداخلية في تونس بتاريخ 6 شباط 2013 REUTERS/Anis Mili