في حين أن النتائج المترتبة على كون المنظمة "عميل أجنبي" في روسيا تحت حكم فلاديمير بوتين ليست متطرفة كما كانت في عهد ستالين، إلا أنه لها سوابق نذير - ليس فقط بالنسبة لروسيا، ولكن أيضا لبعض جيرانها، مثل أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان. حيث تأثر عضوان في شبكة آيفكس بهذا الاتجاه – معهد حرية وسلامة المراسلين (في اذربيجان) وفريدوم هاوس (في امريكا).
في حال طلب منكم أحد أن تتخيلوا مقر للتجسس، فمن المرجح ان تتخيلوا صوراً أنيقة من سلالم فضية وبوابات غامقة تفتح على بصمات الأصابع ونوافذ مضادة للرصاص.
ربما لن تتخيلوا عمارة أرضية من طوب وبلاط، مغطاه بكتابة ورسوم على الجدران.
ولكن بالنسبة للحكومة الروسية، هذا بالضبط ما يبدو مقر التجسس.
في عام 2013، قامت الشرطة ومفتشو الضرائب باقتحام منظمة ميموريال – وهي إحدى منظمات حقوق الإنسان المعروفة جيداً في روسيا. قبل أشهر فقط من ذلك، كان مكتوب خارج مبنى مكتب المنظمة: “عميل أجنبي [يحب] أمريكا”.
كان الحادثان نتيجة لتشريعات تم اعتمادها في عام 2012، والتي تطلب من المنظمات الغير حكومية الروسية التي توافق على التمويل الأجنبي والانخراط في “النشاط السياسي” بالتسجيل بأنها “عميل أجنبي”. كما أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن مصطلح “عميل أجنبي” يتم فهمه بشكل عام بأنه يعني “جاسوس” أو “خائن”. في الواقع، وفي بعض النقاط الأكثر قمعا في الحقبة السوفياتية، تم استخدم هذا المصطلح لوصف المعارضين لجوزيف ستالين وكان يمكن أن يؤدي إلى الإعدام وفقا للبي بي سي.
في حين أن النتائج المترتبة على كون المنظمة “عميل أجنبي” في روسيا تحت حكم فلاديمير بوتين ليست متطرفة كما كانت في عهد ستالين، إلا أنه لها سوابق نذير – ليس فقط بالنسبة لروسيا، ولكن أيضا لبعض جيرانها، مثل أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان.
مع التشريعات المحبطة الاخرى – مثل قانون “الدعاية لمثلي الجنس” – بدأت روسيا اتجاهاً إقليمياً يؤثر على مجموعات لا حصر لها في مجال حقوق الإنسان. كما أن أعضاء آيفكس الذين يقدمون التقارير عن القضايا في المنطقة لم ينجو من ذلك.
تحديد الاتجاه
منذ شهر تموز 2012، طلبت الحكومة الروسية من حوالي 60 منظمة التسجيل كعملاء أجانب.
وفقا لهيومن رايتس ووتش، فإن الفشل في االتسجيل يمكن أن يعرّض المؤسسة للتوقف لمدة ستة أشهر.
ليس ذلك فحسب، ولكن يمكن أن تُطبّق أيضاً غرامات قاسية وعقوبات جنائية. فالأفراد عرضة لغرامات تصل الى 50000 روبل (حوالي 840 $ دولار أمريكي) بسبب عدم تقديم التقارير الدورية وغيرها من المعلومات، في حين أن المنظمات الغير حكومية يمكن أن تصل غرامتها إلى 1،000،000 روبل (حوالي 16800 $) لذات السبب. كما أشارت هيومن رايتس ووتش بان الانتهاكات الخطيرة للوائح يمكن أن تؤدي أيضا إلى عقوبة جنائية تصل إلى السجن لمدة عامين للأفراد المسؤولين عن المنظمات.
بالنسبة لقانون يدقق بعناية في أوراق المنظمات، فانه من المدهش تسمية المنظمات “عملاء أجانب”.
من بين المنظمات التي تلقت طلبات للتسمية هي منظمة دانستي (التي تقدم منحا للشباب الرياضيين والعلماء)، ومهرجان سايد بي سايد (بوك س بوك) (وهو مهرجان للمثليين استطاع قلب الحكم بنجاح بعد الاستئناف)، وجمعية غولوس – وهي المنظمة المستقلة الوحيدة لمراقبة الانتخابات في روسيا.
ولكن ربما الحالة الأكثر غرابة لمنظمة اتهمت بأنها عميل أجنبي هي لجنة مناهضة التعذيب – وهي مجموعة تهدف إلى زيادة الوعي حول التعذيب والمعاملة المهينة في روسيا. فوفقا لصحيفة الجارديان، منذ إنشائها في عام 2000، أدت تحقيقات
لجنة مناهضة التعذيب إلى الحكم على 107 أشخاص من إنفاذ القانون.
لذلك، عندما تم تسميتها بعميل أجنبي واتهمت بمحاولة تغيير سياسة الدولة، قال مؤسس اللجنة اجور كاليابين لوسائل الإعلام الروسية: “من خلال منطق الادعاء، اتضح أن سياسة الدولة هي التعذيب في أقسام الشرطة و التستر على التعذيب من قبل هيئات التحقيق”.
لكن التناقض في حملة روسيا على منظمات المجتمع المدني لم تتوقف عند هذا الحد.
“غير مرغوب فيها” قانونياً
في شهر أيار الماضي، اتخذت إدارة بوتين خطوة أخرى عن طريق تمرير قانون يسمح للسلطات بملاحقة المنظمات غير الحكومية الأجنبية على أنها “غير مرغوب فيها”، في حال وجدت أنها تقوّض “الدفاع الوطني” أو “أمن الدولة” أو “النظام الدستوري “.
وفقا لمنظمة هيومن رايتس ووتش، فعند وصف المنظمة بأنها “غير مرغوب فيها”، يجب عليها أن تنهي وجودها في روسيا على الفور وسيحظر وصولها إلى الجمهور – سواء كان ذلك عبر الإنترنت أو من خلال وسائل الإعلام الروسية. وعلاوة على ذلك، فإن أي انخراط في أنشطة “منظمة غير مرغوب فيها” يؤدي إلى عقوبة في السجن لمدة ست سنوات.
في وقت سابق من هذا الشهر، قام المشرعون الروس بصياغة “قائمة الموقوفين الوطنية” التي تحتوي على 12 منظمة غير حكومية أجنبية يعتقدون أنه ينبغي التحقيق معها وفقا لقانون “الغير مرغوب فيها”. من بين المؤسسات المدرجة في القائمة: مؤسسة ماك آرثر، ومؤسسة سوروس، ومؤسسة فريدوم هاوس – وهي عضو في شبكة آيفكس ومقرها في الولايات المتحدة و“تتحدث ضد التهديدات الرئيسية للديمقراطية وتمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم الأساسية”.
عندما سئلت عن كيفية تأثير وجود فريدوم هاوس على القائمة على عملها في المنطقة، قالت مديرة البرامج في اوروبا واسيا بالمنظمة سوزان كورك بأنه من المحير أن تعتبر المنظمة تهديدا للأمن القومي الروسي، خاصة أنه لا يوجد مكاتب أو طاقم للمنظمة في روسيا.
وأضافت كورك قائلة: “من المثير للاهتمام، بأن القانون لا يحظر فقط المنظمات نفسها ولكن أيضا يجرم توزيع المواد التي تنتجها المنظمة، وتعتبر غير مرغوب فيها من قبل المدعي العام الروسي، بما في ذلك التوزيع على شبكة الإنترنت وهذا يقودنا إلى الاعتقاد بأن مسؤولين حكوميين في روسيا يهتمون لتقارير فريدوم هاوس وتقديراتها التي توزّع في جميع أنحاء العالم، وعلى ما يبدو فان السلطات تخاف من أن يقوم السكان بقرأتها”.
وتابعت: “نعتقد ان الحكومة يجب ان لا تخشى من حقوق وحريات المواطنين أو جهودهم لحمايتهم. الحكومات القوية تدعم حريات وحقوق المواطنين. أما المستضعفون والأنظمة الغير آمنة تخشى من مواطنيها وحقوقهم. ولعل هذا هو سبب وضعنا على القائمة المقترحة للمنظمات الغير مرغوب فيها”.
في سياق مماثل، تشير هيومن رايتس ووتش بأنه بينما يُفتَرض بأن يركز القانون على منع المجموعات الأجنبية من تقويض الأمن القومي، “إلا أنه من الواضح أنه يعطي آخر ضربة موجعة للمنظمات والنشطاء الروسيين“.
ليست فكرة أجنبية
ترسي روسيا سابقة في المنطقة سرعان ما تم توسيعها إلى خارج حدودها.
خلال الشهر الماضي، تم تمرير مشروع قانون “العملاء الأجانب” بالقراءة الأولى في برلمان قرغيزستان، بأغلبية 83 إلى 23. وتشير هيومن رايتس ووتش بأن مشروع القانون يستمد موادّه بكثافة من التشريعات في روسيا، ويجلب المسؤولية الجنائية لقادة المنظمات الغير حكومية “التي عملها يحرّض المواطنين على رفض الوفاء بواجباتهم المدنية أو ارتكاب أعمال غير قانونية أخرى”.
بعد أسابيع قليلة، وبتاريخ 24 تموز 2015، مررت قيرغيزستان نسختها الخاصة من قانون مكافحة “الدعاية” للمثليين جنسيا بالقراءة الثانية في البرلمان. وعلى غرار التشريعات الروسية، يعتزم مشروع القانون حظر نشر المعلومات التي تروج “لعلاقات جنسية غير تقليدية”، وينطبق الأمر على الصحافة، والإنترنت، والتجمعات العامة، الأمر الذي تراه هيومن رايتس ووتش “انتهاكاً واضحاً لحرية التعبير“.
كانت كازاخستان على وشك السير على خطى روسيا مع المحاولات الأخيرة لاعتماد قانون مكافحة دعاية المثليين جنسياً: “حول حماية الأطفال من المعلومات الضارة بصحتهم وتنميتهم” و “حول التعديلات والإضافات للعديد من النصوص القانونية لجمهورية كازاخستان بشأن حماية الأطفال من المعلومات الضارة لصحتهم ونموهم”.
وفقا لهيومن رايتس ووتش، بتاريخ 18 أيار 2015، وجد المجلس الدستوري في كازاخستان مادتين من التشريعات غير دستورية. ومع ذلك، فقد اقترح أحد أعضاء البرلمان إعادة العمل عليهما.
في بلد يعاني الناس المثليين فيه بالفعل من العنف والتمييز، فإن التشريع المقترح قد يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم للوصول إلى المعلومات والموارد المحيطة بصحتهم ورفاههم. خلال تقرير بعنوان “عندما أدركت أنني لا أحد“، تستشهد هيومن رايتس ووتش بطبيب يعمل في عيادة فيروس نقص المناعة البشرية في ألماتي، حيث ربط بين هذا النوع من التشريعات والوصول إلى المعلومات والصحة قائلاً: “إذا تم تطبيق هذا القانون، فسوف يختبئ مجتمع المثليين بشكل أكبر. وسوف تصبح العيادة تسجل حالات وفاة للشباب لأنهم لا يحصلون على الرعاية في الوقت المناسب بسبب الخوف من قول الصدق عن أنفسهم – وسوف يكون هذا الخوف في القانون”.
اسم مختلف، نفس اللعبة
قامت كازاخستان وقيرغيزستان دون خجل باخذ التشريعات بعد قوانين روسيا حول “العملاء الأجانب” ومكافحة الدعاية لمثلي الجنس”. وعلى الرغم من أن أذربيجان لايوجد لديها نفس أسماء القوانين إلا أن أثرها على المجتمع المدني هو ذاته.
وفقا لمنظمة المؤشر على الرقابة، فقد تم تعديل قانون المنظمات غير الحكومية الأذربيجانية في تموز من عام 2009 ليشرّع بأن تسجيل المنظمات غير الحكومية الأجنبية في أذربيجان “يتم معالجتها بناء على اتفاقية موقعة مع المنظمات”. وفي عام 2011، وضع مرسوم جديد معايير لإبرام هذه الاتفاقيات.
في حين اعترفت لجنة البندقية بأن تشريعات 2009 و 2011 في أذربيجان حول المنظمات غير الحكومية “تنقض للأسف الجهود السابقة للتماشي مع متطلبات المعايير الدولية”، إلا أن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف وافق في عام 2014 على المزيد من التعديلات على قانون المنظمات غير الحكومية. وتضمنت التعديلات فرض غرامات بين حوالي 2600- 3100 يورو للمنظمات وبين حوالي 1000- 2100 يورو لمديري المنظمات غير الحكومية الوطنية والأجنبية. كما تم ادخال متطلبات إدارية إضافية وزيادة التدقيق على منظمات المجتمع المدني.
من بين المنظمات التي تأثرت بذلك عضو آيفكس: معهد حرية وسلامة المراسلين.
ففي شهر آب الماضي، تم إبلاغ رئيس المعهد أمين حسينوف بأنه ممنوع من مغادرة البلاد.
بعد ذلك بيومين، قامت السلطات بتفتيش ومداهمة مكتب المعهد وأغلقت أبوابه في وقت لاحق. وفقا لمنظمة مراسلون بلا حدود، فقد أمرت السلطات جميع العاملين بمغادرة المبنى من دون أن تظهر أي وثائق رسمية.
واضطر حسينوف إلى الاختباء لأكثر من عام (وهرب إلى سويسرا في حزيران الماضي) وواجه تهماً بموجب القانون الجنائي: المادة 308 (إساءة استخدام السلطة)،و 213 (التهرب الضريبي) و 192 (الأعمال غير المشروعة). كما خضع موظفين آخرين بالمعهد للاستجواب والمنع من السفر الغير قانوني، وتم تجميد الحسابات المصرفية للمنظمة – مما يجعلها من المستحيل عملياً أن تقوم بعملها.
إن الحوادث المحيطة بحسينوف ومعهد حرية وسلامة المراسلين لا تحدث في عزلة. بل تبدو وكأنها جزء من اتجاه مقلق في أذربيجان، حيث يتم تجريم حرية التعبير والتجمع، ويتعرض الصحفيون ومنظمات المجتمع المدني للتهديد والسجن ووالغرامات، وفقاً لما أشارت إليه شبكة آيفكس في رسالة إلى سيدة أذربيجان الأولى مهربان علييفا في وقت سابق من هذا العام.
تم التدقيق في هذا الاتجاه علنا في العام الماضي. حيث قامت منظمات المجتمع المدني في جميع أنحاء العالم بادانة سجل حقوق الإنسان في أذربيجان بصفتها تترأس مجلس لجنة وزراء أوروبا ما بين شهري أيار وأيلول 2014 ومرة أخرى خلال الشهر الماضي، عندما استضافت أذربيجان المباريات الأوروبية.
تؤدي منظمات المجتمع المدني وظيفة أساسية في المجتمع – وهي الأصوات المستقلة التي تزوّد المواطنين بالمعلومات التي تساعدهم على اتخاذ قرارات بشأن حكوماتهم والصحة وحياتهم اليومية. حيث قال هيو ويليامسون، مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى في هيومن رايتس ووتش عن قانون العملاء الأجانب الروسي: “من الواضح أن القصد الحقيقي للقانون هو تشويه صورة المنظمات التي تنتقد الحكومة”. إن هذا التصريح ينطبق أيضا على القوانين في أذربيجان وكازاخستان وقيرغيزستان. إن الأصوات الناقدة وتنوع الآراء ضروري لضمان بيئة صحية وديمقراطية مزدهرة. لا ينبغي أن تستخدم التشريعات لتقليص المساحات التي تستطيع المنظمات غير الحكومية العمل خلالها.