ما هو تأثير ما نفعله في فيسبوك على مانراه من محتوى، وكم منه مرتبط بقوانين فيسبوك الخاصة؟ هل نعمل على التقليل من أهمية قوة أكبر شبكة للتواصل الاجتماعي على هذا الكوكب؟
في العام الماضي، انتهت مسألة تحكم فيسبوك بما يشاهده وينشره المستخدمون لنهاية مريحة وصعبة. حين كان من الواضح دائماً أن فيسبوك هو المسؤول مؤخراً عن سلسلة الحظر على بعض المستخدمين والمنشورات، بدأ الناس بالتساؤل حول مدى السماح لفيسبوك بالسيطرة على ما يتواجد على منصتها. انتشرت المخاوف نحو كيف وماذا يقرر فيسبوك لما سيراه المستخدم وما مسؤولية فيسبوك، إن وجدت، في هذا المجال. بعد مزاعم ظهور أخبار ملفقة في فيسبوك والتي أدت لترجيح أصوات الناخبين خلال الانتخابات الأمريكية الأخيرة والإحصائيات التي تُظهر أن 88% من جيل الألفية يحصلون على بعض من أخبارهم من فيسبوك، نفهم أن ما يراه المستخدمون أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى.
الخوارزميات وتأكيد الانحياز
عند دخول أحدهم إلى فيسبوك والتنقل بين الأخبار الموجودة على صفحتهم الخاصة، ما الذي يبحثون عنه حقاً؟ على مدار تاريخ فيسبوك تغيرت الإجابة على هذا السؤال مرات عديدة. توظف الشبكة الاجتماعية العملاقة مجموعة متغيرة باستمرار من الخوارزميات التي تستخدم البيانات على أساس النشاط السابق لكل مستخدم، للتنبؤ بما سيجده أكثر إثارة للاهتمام وإفادة من المشاركات التي نشرها أصدقائه والمجموعات والصفحات التي يتابعها. لهذه الخوارزميات تأثير كبير لما يظهر على صفحة المستخدم، واللغز وراءها هو السر التجاري لفيسبوك.
في عام 2015، وجدت العديد من المنظمات غير الربحية تدني انتشار مشاركاتهم، وأن عدداً أقل من الناس يرون محتواها. حتى الناس الذين يتابعون صفحة المنظمة غير الحكومية على فيسبوك لا يرون كل مشاركاتها. يمكن عزو جزء من هذه النتيجة لارتفاع مستويات منافسة المحتوى في فيسبوك، ولكن هناك عامل آخر وهو التغيير في خوارزمية الأخبار التي يعمل فيسبوك على منعها من الظهور على صفحات الناس كونها مشاركات “ترويجية بشكل مفرط”.
يمكننا اعتبار هذا الأمر جيد عندما تعرض الصفحات عدد أقل من الدعايات للناس التي يعتبرونها مزعجة، ولكنه يعني أيضاً أنه لتبقى قادرة على المنافسة، تضطر المؤسسات غير الربحية للدفع لفيسبوك لتعزيز مواقعهم.
ومن المحبط رؤية كيف أن المستخدمون لا يعرفون كيف يتم تحديد ما يرونه من مشاركات. ومع ذلك، تعتبر أعمالهم – اختياراتهم الأصدقاء وما “يعجبهم” – عامل لكيفية اختيار الخوارزميات لما سيظهر في صفحات أخبارهم.
يخلق المزيج بين الاختيار الشخصي والخوارزميات وضعاً يمكننا من رؤية المحتوى الذي ينسجم مع ما أعجبنا سابقاً على صفحات فيسبوك. ذلك لأن الخوارزميات مصممة لتبين للناس ما يحددوه كمحتوى أكثر جاذبية بالنسبة لهم، وإذا واصلنا وواصل المستخدمون النقر على زر “إعجاب” لما نحبه فعلاً، فهناك خطر من تأكيد هذا الانحياز. حيث ينتهي المستخدمون النهائيون في فقاعة تحد من احتمال تعرضهم لوجهات نظر مختلفة.
نسبة لمارك زوكربيرج، الرئيس التنفيذي لشبكة التواصل الاجتماعي العملاقة، تعتبر وسيلة التواصل الاجتماعي أكثر تنوعاً من أي مصدر إعلامي آخر، وينفي خلق فيسبوك لفقاعات التصفية. ومع ذلك، تعارض العديد من الأصوات، بما في ذلك وسائل الإعلام البارزة وباحثو فيسبوك تأكيد زوكربيرج. وصفت الفقاعات بمسميات مختلفة مثل “اكتظاظ الحدائق المسورة” و “غرف الصدى أون لاين” التي تؤدي لتوجيه المستخدمين وعدم الاهتمام في البحث عن وجهات نظر معارضة. ذكر رأي من بحث فيسبوك نفسه، “أنت ترى أخبار أقل من تلك التي لا تتفق معها والتي تمت مشاركتها من قبل أصدقائك، لأن الخوارزمية لا تظهرها لك.”
سياسات المحتوى
تحدد معايير المجتمع الشهيرة لفيسبوك الخطوط العريضة لنوع محتوى المستخدمين الذي يمكنهم وما لا يمكنهم من نشره، ووصف كيفية الإبلاغ عن محتوى مسيء لإدارة فيسبوك. على سبيل المثال، لا يُسمح بنشر صور معينة من العري والصور التي تحرض على العنف.
في وقت سابق من هذا العام كان هناك حظر مؤقت على “رعب الحرب”، أو الصورة التي اشتهرت باسم “فتاة النابالم” ومؤخراً إزالة فيديو التوعية “المسيء” عن سرطان الثدي.
تقول فيسبوك أن سياساتها “يمكن أن تكون في بعض الأحيان أكثر حدة من رغبتنا ومنع المحتوى المشارك لأغراض مشروعة”. في العام الماضي، كانت هناك حالات عديدة من المحتوى الذي تم منعه وثم أعادته بعد اعتبار نشره “أغراض مشروعة”.
إذا كان هناك آلية تصحيحية فعالة – إذا كانت فيسبوك تراقب المحتوى المسيء وتعمل على تصحيح الأخطاء عند حدوثها، هل هناك مشكلة فعلاً؟ على سبيل المثال عندما يكون وقت نشر المحتوى مهم، كحالة صديقة فيلاندو كاستيل – الرجل من أصل إفريقي الذي تم إطلاق النار عليه من الشرطة – لنشرها شريط فيديو صادم على الهواء مباشر لتظهر للعالم الحقيقة في أعقاب الحادث، تمت إزالة شريط الفيديو لفترة وجيزة بسبب “خلل فني”. تم اتهام فيسبوك بحجب الفيديو.
ولكن هناك مشكلة أخرى. تقع المسؤولية الكبيرة في المقام الأول على عاتق المستخدمين لفهم سياسات فيسبوك. كم عدد المستخدمين الذين قرأوها بالفعل؟ وكم منهم يستطيع العثور عليها بلغتهم؟ على الرغم من إتاحة صفحات فيسبوك بالعديد من اللغات، لا تنطبق الحال على معايير المجتمع وإعدادات الخصوصية. على سبيل المثال، إذا اخترت تغيير إعدادات معايير المجتمع لقراءتها باللغة الكينيارواندية (اللغة المحكية في رواندا) يبقى محتوى باللغة الإنجليزية. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر قوانين الخصوصية صعبة الفهم حتى في لغة المستخدم الأم.
على مستوى أعلى، هناك مخاوف من دوافع خفية وراء بعض عمليات الإزالة، وكذلك مسؤوليات فيسبوك أمام مستخدميها، والمجتمع العالمي.
بعد إعادة المحتوى، اصبحت أسباب إزالة فيسبوك للصفحة الشخصية والصفحات شائعة نوعاً ما – وبلا أي تفسير على الإطلاق: “تمت إزالة صفحات بالخطأ”، “تم تطبيق إحدى سياساتنا الآلية بشكل غير صحيح” أو “كان خلل فني”. أعطيت أنواع متنوعة لأسباب غير موجودة للصفحات المحجوبة، بدءاً من المجموعات الموالية لبيرني ساندرز التي تم إزالتها في نيسان، قبل أن يدلي بتصريحه الرسمي لترشحه للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي. وإزالة فيديو إطلاق النار على فيلاندو كاستيلي. إزالة صفحتين لحركات التحرر من فيسبوك نتيجة مشاركات غير محددة تنتهك المعايير؛ وتعطيل حسابات عدد من الصحفيين الفلسطينيين. في الحالة الأخيرة، وجد عدة محررين من ثلاثة وسائل إعلام مختلفة على الأقل أن حساباتهم تم تعطيلها عند محاولتهم تسجيل الدخول. وقد حدث هذا في أعقاب الإعلان عن اتفاق بين فيسبوك والحكومة الإسرائيلية لمواجهة “التحريض”، مما دفع ببعض الصحفيين الفلسطينيين للاعتقاد باستهدافهم كجزء من هذا الاتفاق.
كل هذه الأمثلة تحمل عنصراً مشتركاً من الخطاب السياسي. ذكرت Buzzfeed أن فيسبوك لم يرد على أسئلة حول ما إذا كانت الشركة العملاقة تعيد النظر في التوجه الخاطئ الذي تنتهجه لإسكات الخطاب السياسي.
معلومات خاطئة
ثم هناك مسألة المعلومات غير الصحيحة والمضللة عن عمد التي يجري الترويج لها عن طريق الخطأ من قبل مستخدمي فيسبوك. في شهر آب، بعد مواجهة فيسبوك لانتقادات للتدخل البشري الذي لعب دوراً هاماً في الموضوعات الرائجة – التي لم تختر من قبل الخوارزمية فقط، كما كان يعتقد سابقاً – قامت باستبعاد العامل البشري. بعد أيام فقط، بدأ التضليل يأخذ طريقه إلى صفحات المستخدمين. وجد المستخدمون الذين لاحظوا اسم صحفية فوكس نيوز، ميغين كيلي، عنواناً خاطئاً يشير إلى طردها من محطة فوكس بين غيرها من العناوين الهجومية والغاضبة.
لكن فضيحة الموضوعات الرائجة ليست الطريقة الوحيدة التي تشق فيها الأخبار الوهمية طريقها إلى صفحات المستخدمين. قد تكون خوارزمية فيسبوك لغزاً، ولكننا نعرف أنه بالإضافة لعرضها قصص مشابهة لتلك التي أعجبنا بها بالفعل، فإنها تظهر لنا أيضاً قصص أعجب بها الكثيرون بغض النظر ما إذا كان المحتوى صحيح فعلاً. لا تأخذ الخوارزمية في الاعتبار صحة قصة معينة. طالما أنه يجري قراءتها والنقر عليها، فإنها ستنتقل لتتربع على قمة الاخبار. لا يمكن لفيسبوك التأكد من حقائق كل ما يجري نشره من قبل أكثر من مليار مستخدم حول العالم.
This Facebook trending story is 100% made up.Nothing in it is true.This post of it alone has 10k shares in the last six hours. pic.twitter.com/UpgNtMo3xZ
— Ben Collins (@oneunderscore__) November 14, 2016
قصة فيسبوك هذه مزيفة 100%. لا شيء فيها صحيح. حصدت هذه التغريدة وحدها على 10 آلاف مشاركة في الساعات الست الماضية.
ولكن هل تتحمل فيسبوك مسؤولية التأكد من صحة كل ما يُنشر؟ بينما يحصل أكثر من نصف الأميركيين على بعض الأخبار من فيسبوك، ومعرفة عمل كبار المدراء التنفيذيين على توجيه سياسة المحتوى وتنفيذ المطالبات بتحكيم التحرير، تنفي فيسبوك أنها شركة إعلامية. يؤكد مارك زوكربيرج أن فيسبوك هي شركة تكنولوجيا تعطي وسائل الإعلام منصة وأدوات لمشاركة قصصهم، ولكن كون فيسبوك لا تخلق المحتوى الخاص بها، إذا هي ليست مؤسسة إعلامية.
ولكنها تستضيف وتنشر وتربح من المحتوى بنفس الطريقة التي تعمل بها وسائل الإعلام الأخرى.
هذا الأسبوع، أعلن فيسبوك أنه منع الإعلانات التي تُظهر الأخبار الوهمية، في خطوة تهدف إلى جعل الإعلان عن قصص وهمية أقل ربحاً. جاء هذا رداً على مزاعم بأنه نتيجة للأخبار الوهمية في فيسبوك خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية أدت لتغيير توجهات الناخبين والتأثير على معرفتهم بالمرشحين.
ولكن من حيث فحص وإزالة مشاركات الأخبار الزائفة التي يشاركها المستخدمون، لا يوجد لدى فيسبوك أي حافز للقيام بذلك. في هذا العالم-ما بعد الحقيقة، تستند الأعمال التجارية لفيسبوك على النقر، وتبادل ومشاركة المحتوى، وليس على مصداقيته.
مستخدم الفيسبوك، كن حريصاً.
تابعنا من خلال الجزء الثاني من غوصنا في أسرار فيسبوك، حيث نأخذك إلى أساسيات الحرية وهدف فيسبوك من إتاحة الإنترنت مجانًا للجميع. ما هي التكلفة الحقيقية وما هي الآثار المترتبة على التدفق الحر للحركة على الإنترنت والوصول إليه؟
غلاف صحيفة افتنبوستن النرويجية مع خطاب مفتوح إلى مارك زوكربيرج، متهمة إياه بتهديد حرية التعبير وإساءة استعمال السلطة.