إن ملاحقة ويكيليكس واحتمالية تسليم جوليان أسانج إلى الولايات المتحدة قد يضر كثيراً حرية المعلومات، ويعطي مبرر للدول القمعية بفرض رقابة، تقول مراسلون بلا حدود.
ويكيليكس و مؤسسها جوليان أسانج يستقطبون القضايا حتى داخل المجتمعات المتحمسة والغيورة على حرية التعبير.
نحن نعتقد أن المعلومات التي قدمتها ويكيليكس قد نبهت الرأي العام الدولي على أن الحكومة الأمريكية قد ارتكبت انتهاكات خطيرة جداً لحقوق الإنسان والديمقراطية تحت مسمى “الحرب على الإرهاب.”
على سبيل المثال، قدمت ويكيليكس لقطات تلفزيونية في نيسان 2010، تظهر طائرة هليكوبتر عسكرية أمريكية وهي تطلق النار على مجموعة من الناس في بغداد بتاريخ تموز 2007. لم يكن هؤلاء الناس مسلحين، بل كانوا طاقم من وكالة رويترز للأنباء يحمل كاميرا الفيديو
أيضا بفضل ويكيليكس، تم الكشف عن التعذيب وسوء المعاملة للسجناء في أفغانستان والعراق ومعسكر الاعتقال الأمريكي في خليج جوانتانامو.
لقد عبرت مراسلون بلا حدود في مناسبات عدة عن رفضها للجهود المبذولة من أجل فرض رقابة على ويكيليكس وطريقة معاملة المساهمين فيها، سواء كانوا حقيقيين ام يُزعم أنهم ذلك. في عام 2010، أنشأنا صفحة داخل موقعنا على الانترنت مخصصة لويكيليكس وتم وضع البرقيات الدبلوماسية الأمريكية المسرّبة.
نحن استنكرنا “الرقابة الاقتصادية” حيث قررت فيزا وماستر كارد بتعليق استخدام الدفع الإلكتروني لموقع ويكيليكس وتم إبلاغ مستخدمي الانترنت عبر صفحتنا الإلكترونية عن توفر طرق دفع بديلة.
لقد رحبنا بقرار ويكيليكس بعمل شراكات مع عدد من المؤسسات الإخبارية الدولية، مثل صحيفة نيويورك تايمز، لوموند، صحيفة الغارديان و قناة الجزيرة. إن هذه الاستراتيجية تسمح بالجمع بين مزايا الإعلام الجديد – االفورية والقدرة الغير محدودة على استيعاب المحتوى – مع وسائل الإعلام التقليدية، حيث يتم فحص المعلومات والسياق بالإضافة إلى الصحفيين المختصين في القضايا التي يتم تناولها.
لكن العلاقة بين ويكيليكس وشركائها من وسائل الإعلام شهدت لحظات صعبة.
واجهت مراسلون بلا حدود أيضا صعوبات مع ويكيليكس ومؤسسها على وجه الخصوص، حيث أعربنا عن تحفظاتنا بشأن قرارهم بنشر بعض البيانات، مثل أسماء ومواقع الأفغان المزعوم بأنهم عملوا كمخبرين للجيش الاميركي.
لقد اعتقدنا وما زلنا نعتقد أن هذا النوع من النشر قد يعرض المدنيين المعنيين لمخاطر شخصية كبيرة. في رأينا، أن المصلحة العامة لا تبرر وضع هؤلاء المتورطين في مثل هذه الأعمال تحت الخطر. في أيلول 2011 أعربوا أعضاء الأيفكس، مثل المؤشر على الرقابة، عن أسفهم لقرار نشر وثائق بدون إزالة أسماء مصدرها.
نحن نمتنع عن إبداء رأينا اليوم في جوهر الدعوى المرفوعة ضد أسانج في المحكمة السويدية، أو عن الجهود التي تبذلها السلطات السويدية للاستماع إلى الأدلة من مؤسس ويكيليكس. ومع ذلك، فإننا نخشى أن تسليمه إلى السويد سوف يكون مقدمة لتسليمه إلى الولايات المتحدة. حيث باعتباره الرجل الذي أسس موقع ويكيليكس، فإنه قد يواجه السجن مدى الحياة أو عقوبة الإعدام وفقا لأسانج وبعض مؤيديه.
في عام 2010، بعث مراسلون بلا حدود إلى السلطات البريطانية رسالة لحثهم على عدم تأثير العوامل السياسية والدبلوماسية في النظر في طلب السويد بتسليم أسانج، لقد كتبنا أيضا إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما والنائب العام إريك هولدر، وطالبنا إسقاط الدعوى في جلسة الاستماع الأولية في ولاية فرجينيا ضد من يُزعَم أنهم عملوا لموقع ويكيليكس.
لقد قامت أيضاً الأستاذة في كلية كولومبيا للصحافة بكتابة رسالة إلى السلطات الأمريكية، حيث ذكرت فيها: “رد فعل مبالغ فيه من الحكومة على نشر المواد المسربة في الصحافة، والتي كانت دائما أكثر ضررا على الديمقراطية الأمريكية من التسريبات نفسها” ونحن نتفق مع هذا التحليل.
الأمن القومي هو من اختصاص الحكومة، ولكن محاكمة مؤسسي ويكيليكس والمساهمين فيه من شأنه أن يسبب ضرراً خطيراً في حرية المعلومات في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، وإلى إلحاق أضرار في ظروف عمل الصحفيين الأمريكيين الذين يغطون القضايا الحساسة، والسماح للدول القمعية بتبرير أنشطة الرقابة الخاصة بهم.
إن موقع الولايات المتحدة كنموذج لحرية التعبير للعالم هو على المحك اليوم. فإن أي إجراءات تعسفية أو إساءة ضد ويكيليكس لتلقي أو نشر وثائق حساسة تعتبر سابقة خطيرة، وستضع سمعة الولايات المتحدة تحت التساؤل لا محالة.
يجب أن تستفيد ويكيليكس، مثلما استفادت صحيفة نيويورك تايمز من التعديل الأمريكي الأول على الدستور والذي يكفل حرية الرأي. إن حرية التعبير أيضاً كُفلت في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والمادة 10 من الاتفاقيات الأوروبية لحقوق الإنسان.
بدلا من إجراء عمليات مطاردة لا طائلة منها، والتي أحبطت الآن مع منح الحكومة الإكوادورية حق اللجوء السياسي لأسانج، ينبغي على السلطات الأمريكية أن تستفيد من هذا النقاش لمراجعة سياستها في تصنيف المعلومات الحساسة، وتسهيل معايير الحصول على الوثائق التي يهتم بها الجمهور، وذلك تماشياً مع الوعود التي قُطِعت ولكن لم يتم الوفاء بها في بداية الفترة الرئاسية لإوباما.
كتابة لوسي مورليون وكريستوف ديلوير
لوسي مورليون هي رئيسة قسم الإعلام الجديد في مراسلون بلا حدود. وكريستوف ديلوير هو المدير العام في المنظمة