من بين الصحفيين القتلى، فقد 39٪ حياتهم في مناطق الصراع، وعلى رأسها سوريا والصومال ومالي ومحافظات تشهاتيسجاره (الهند) وبلوشستان (باكستان) وداغستان (روسيا).
قُتل 71 صحفياً في عام 2013 أثناء تأدية مهاهم، حيث تُعتبر آسيا (24 قتيلاً) والشرق الأوسط وشمال أفريقيا (23 قتيلاً) المناطق الأكثر خطورة على حياة العاملين في القطاع الإعلامي. وفي المقابل، شهدت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى انخفاضاً كبيراً في أعداد القتلى، إذ تراجعت الحصيلة من 21 في سنة 2012 إلى 10 في عام 2013، وذلك بعدما تقلصت وتيرة جرائم القتل بحق الصحفيين في الصومال (7 في عام 2013 مقابل 18 في عام 2012). ومن جهتها، سجلت القارة الأمريكية انخفاضاً طفيفاً في عدد الصحفيين الذين لقوا حتفهم أثناء ممارسة نشاطهم المهني (12 قتيلاً في 2013 مقابل 15 في 2012).
هذا وقد عززت سوريا والصومال وباكستان مكانتها بين الدول الخمس الأكثر دموية بالنسبة لمهنة الإعلام (انظر أدناه)، بينما انضمت إليها هذا العام كل من الهند والفلبين، اللتين تحلان محل المكسيك والبرازيل، علماً أن هذه الأخيرة شهدت مقتل خمسة صحفيين في 2013، وهو نفس العدد المسجل في العام الماضي. وفي المقابل، قُتل صحفيان اثنان في المكسيك خلال مزاولة عملهما، بينما يوجد ثلاثة آخرون في عداد المفقودين. كما تجدر الإشارة إلى أن عودة الحزب الثوري المؤسسي إلى السلطة قبل عام والضغوط الجديدة من مراكز السلطة على وسائل الإعلام تساهم بشكل كبير في ارتفاع درجة الرقابة الذاتية إلى أعلى مستوياتها، وهذا ما يفسر، للأسف، سبب انخفاض نسبة عمليات الاغتيال في عدد من البلدان.
وكان معظم الإعلاميين القتلى الـ71 في عام 2013 من العاملين في الصحافة المكتوبة (37٪) والإذاعة (30٪) والتلفزيون (30٪)، ثم يأتي بعدهم العاملون في المواقع الإخبارية الإلكترونية (3٪). كما يشكل الذكور (96٪) الغالبية العظمى من الصحفيين الذين لقوا مصرعهم أثناء أداء مهامهم.
ومن بين الصحفيين القتلى، فقد 39٪ حياتهم في مناطق الصراع، وعلى رأسها سوريا والصومال ومالي ومحافظات تشهاتيسجاره (الهند) وبلوشستان (باكستان) وداغستان (روسيا). أما الآخرون، فقد لقوا مصرعهم في تغطية بعض الهجمات أو قُتلوا على يد جماعات الجريمة المنظمة (المافيا وتهريب المخدرات، وغيرها) أو الميليشيات الإسلامية أو القوات التابعة للأنظمة الحاكمة أو بأوامر من مسؤولين متورطين في قضايا الفساد.
وقال كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود “إن انخفاض عدد الصحفيين القتلى لم يرافقه للأسف الشديد أي تحسن في حالة حرية الإعلام. فأعداد عمليات خطف الصحفيين آخذة في الارتفاع بشكل مهول، في حين تزداد وتيرة الهجمات والتهديدات ضد الصحفيين. يجب أن تكون مكافحة الإفلات من العقاب ضمن أولويات المجتمع الدولي، لاسيما وأننا نقف على بعد أيام فقط من الذكرى السابعة للقرار 1738 الصادر عن مجلس الأمن للأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين، بينما سُنت نصوص دولية جديدة بهدف تعزيز الإجراءات التشريعية المعنية بالحماية“.
خلال الكلمة التي ألقاها يوم 13 ديسمبركانون الأول في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك حول موضوع “حماية الصحفيين“، دعا الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود إلى التحلي بقدر أكبر من الصرامة في المعركة ضد الإفلات من العقاب مطالباً بتعميم الأحكام المذكورة في القرارات لتشمل جميع “الفاعلين الإعلاميين“. كما تطالب مراسلون بلا حدود بتعديل المادة 8 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تتطرق لجرائم الحرب، حتى يدخل في نطاق هذه الأخيرة “الهجوم بشكل متعمد على الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي والأفراد المرتبطين به“. وفي هذا السياق، توصي المنظمة بإنشاء لجنة خبراء مستقلين أو مجموعة متابعة تابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة، وذلك من أجل رصد مدى وفاء الدول الأعضاء بالتزاماتها فيما يتعلق باتخاذ إجراءات قضائية نزيهة وفعالة تجاه العنف ضد الصحفيين. وأخيراً، تطالب مراسلون بلا حدود كلاً من الأمم المتحدة والدول الأعضاء فيها بتسهيل إجراءات الحماية وإعادة التوطين بالنسبة للإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين يواجهون تهديدات في بلدان العبور، مشددة في الوقت ذاته على ضرورة إنشاء آلية تنبيه محددة.
صحيح أن أعداد الصحفيين الذين فقدوا حياتهم أثناء ممارسة مهنتهم تراجع بنسبة 20٪ في عام 2013 مقارنة بحصيلة سنة 2012، التي وصفتها مراسلون بلا حدود بـ“مذبحة الإعلاميين“، حيث شهدت سقوط 88 قتيلاً، مقابل 67 عام 2011 و58 في 2010 و75 في 2009. بيد أن هذا الانخفاض في أعداد القتلى توازيه زيادة كبيرة في وتيرة الاعتداءات والتهديدات، سواء من قبل جماعات دون وطنية أو من قوات تابعة للأنظمة الرسمية. فقد تم استهداف الصحفيين بشكل منهجي من قبل قوات الأمن التركية، وبشكل أخف في أوكرانيا كذلك، على هامش الاحتجاجات التي شهدها ميدان غازي بارك وميدان الاستقلال. كما شهد “الربيع البرازيلي” مظاهر قمع امتدت على نطاق واسع، حيث تم رصد أكثر من 100 حالة، معظمها ناتج عن التدخل القمعي للشرطة العسكرية. وشهدت كولومبيا والمكسيك بدورهما موجات احتجاجات كبيرة قوبلت بوحشية هي الأخرى. هذا وقد كان الإعلاميون حاضرين بقوة في الخطوط الأمامية لتغطية الاضطرابات السياسية في مصر عام 2013 والنعرات الطائفية في العراق وحالة انعدام الأمن التي تؤججها الميليشيات في ليبيا. كما لوحظ ارتفاع أيضاً في الهجمات والتهديدات بكل من باكستان والهند، فضلاً عن تزايد معدلات عمليات الاغتيال.
وفي المقابل، تميز عام 2013 بزيادة في عدد الصحفيين المختطفين (87 مقابل 38 في عام 2012)، حيث سُجلت الغالبية العظمى من الحالات المعلن عنها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (71)، تليها أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (11). وقد خُطف في عام 2013 تسعة وأربعون صحفياً في سوريا و14 في ليبيا، علماً أن وتيرة عمليات الاختطاف تسارعت بشكل مهول في سوريا خلال 2013 حيث باتت تكتسي طابعاً منهجياً أكثر فأكثر، إذ يترتب عنها في أغلب الحالات تثبيط الصحفيين عن الوصول إلى الميدان. وإذا كان الصحفيون الأجانب يُستهدفون بشكل متزايد من قبل النظام والجماعات الإسلامية مثل الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وجبهة النصرة، فإن زملاءهم السوريين أكثر عرضة للخطر. ذلك أن ما لا يقل عن 18 من ممثلي وسائل الإعلام الأجنبية و22 من الصحفيين السوريين لا يزالون في عداد الرهائن أو المفقودين.
هذا وتُجبر أعمال العنف وانعدام الأمن عدداً متزايداً من الصحفيين إلى العيش في المنفى. فقد عجلت آلة العنف التي تطغى على الصراع السوري برحيل ما لا يقل عن 31 من الإعلاميين المحترفين أو الصحفيين المواطنين في عام 2013، حيث يوجد العديد منهم حالياً تحت ظروف مزرية ودون موارد في تركيا أو الأردن أو لبنان أو مصر. فهم في الغالب إما يُتَّهمون بدعم الإخوان المسلمين ويعانون من تفشي ظاهرة كراهية الأجانب في مصر، أو يخضعون للاستجواب والترهيب من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية أو يتلقون تهديدات من الميليشيات الموالية لنظام الأسد في لبنان، إذ عادة ما يعيشون في وضع يطغى عليه الضعف والهشاشة وعدم الاستقرار.
وفي إيران، رغم انتخاب المرشح المعتدل حسن روحاني رئيساً للجمهورية في يونيوحزيران 2013 ووعود الانفتاح التي قطعها خلال حملته، إلا أن البلاد شهدت في عام 2013 فرار 12 صحفياً إيرانياً خوفاً على سلامتهم وهرباً من القمع الذي تمارسه سلطات طهران.
وفي المقابل، تسبب استبداد نظام أسمرا في رحيل خمسة إعلاميين إريتريين محترفين عام 2013، معربين عن رفضهم المساهمة في الدعاية لنظام أسياس أفورقي أو خوفاً من التعرض للاعتقال والحبس الانفرادي بمعسكرات السجناء الفظيعة في البلاد.
كما لا يزال نزيف الصحفيين متواصلاً في الصومال. فبعدما كان الفشل مصيرهم في كثير من الأحيان على أراضي كينيا المجاورة، ازدادت أوضاعهم وظروفهم المعيشية ضعفاً وتدهوراً خلال عام 2013، بسبب ظاهرة كراهية الأجانب التي تفاقمت على خلفية الهجوم العسكري الكيني في الصومال عام 2011 والغموض الذي يلف عملية تسجيل طلبات الصوماليين الراغبين في اللجوء والحماية لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
هذا ولا يزال 177 صحفياً على الأقل قابعين في السجون حتى يومنا هذا. وكما كان الحال في عام 2012، لا تزال الصين وإريتريا وتركيا وايران وسوريا في قائمة البلدان الخمسة الأولى على ترتيب الصحفيين السجناء (انظر أدناه). وبينما يظل عدد من السجناء مستقراً في الصين وإريتريا وايران وسوريا، سُجل انخفاض نسبي في تركيا. فإذا كانت الإصلاحات التشريعية وراء الإفراج المشروط عن أكثر من عشرين صحفياً تركياً، فإنها لا تزال غير كافية بتاتاً للحد من الممارسات القمعية على مستوى القضاء.
تُرتكب الاعتداءات ضد الفاعلين الإعلاميين بشكل عام. فبالإضافة إلى هؤلاء الصحفيين الـ71 الذين لقوا حتفهم، لم يسلم المواطنونالإلكترونيون والمواطنونالصحفيون من هذه الموجة (39 قتيلاً في عام 2013، مقابل 47 في عام 2012)، وخصوصاً في سوريا، حيث يقوم هؤلاء الصحفيون المواطنون، رجالاً ونساءً، بعمل المراسلين والمصورين ومصوري الفيديو في محاولة لتوثيق واقعهم اليومي ونقل صورة عن مختلف أشكال القمع.
اعتمدت مراسلون بلا حدود في إعداد هذه الأرقام على معطيات دقيقة، جرى تجميعها على مدار العام بفضل نشاطها المرتكز على مراقبة انتهاكات حرية الإعلام. وقد أُدرِجَ ضمن إحصائياتها الصحفيون والمواطنون الإلكترونيون الذين قضوا في إطار عملهم الإعلامي. أما الصحفيون والمواطنون الإلكترونيون الذين قُتلوا في إطار نشاطات سياسية ونضالية بحتة، أي من دون أن يكون مصرعهم مرتبطاً بالمسعى الإعلامي، فإن المنظمة لم تأخذ تلك الحالات بعين الاعتبار.
البلدان الخمسة الأكثر فتكاً بالصحفيين
سوريا: مقبرة الإعلاميين
مقتل 10 صحفيين و35 مواطناً صحفياً على الأقل
تتواصل في سوريا حملة القمع الدموي التي يشنها نظام بشار الأسد حيث مازالت تحصد أرواح السكان المدنيين والصحفيين. كما أن هؤلاء الفاعلين الإعلاميين باتوا مستهدفين أكثر من أي وقت مضى من قبل الجماعات الإسلامية المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة، والتي لا تبدي أي تسامح أو رحمة تجاه وسائل الإعلام، إذ غالباً ما تعتبر الصحفيين في عداد الجواسيس أو الكفار. وفي هذا الصدد، يمثل عام 2013 نقطة تحول مفصلية: ففي المناطق “المحررة“، كثفت الجماعات الجهادية عمليات الاختطاف والاغتيال في حق الصحفيين للمرة الأولى منذ بدء الانتفاضة في مارسآذار 2011، إذ شهدت أواخر عام 2013 قتل الصحفي السوري محمد سعيد وزميله العراقي ياسر فيصل الجميلي.
الصومال: غضب الشباب
مقتل 7 صحفيين
صحيح أن عام 2013 كان أقل دموية من 2012، الذي كان عاماً أسود في تاريخ الصومال حيث قضى ما لا يقل عن 18 صحفياً. ومع ذلك، فإن السلوك الإجرامي لميليشيا حركة الشباب الإسلامية لا يزال يهدد سلامة الإعلاميين. فقد قُتل سبعة صحفيين خلال العام في هجمات نُسبت إلى حركة الشباب التي بات أسلوبها في القتل معروفاً. ففي يوم 27 أكتوبرتشرين الأول 2013 تُوفي صحفي تلفزيوني متأثراً بجراحه بعد إصابته بوابل من الرصاص في هجوم مسلح من دراجة نارية. وفي مارسآذار، شهد أحد شوارع مقديشو إعدام منتجة برامج إذاعية شابة منحدرة من المناطق الداخلية، إذ يترتب عن هذا النوع من القتل المستهدف مناخ يسوده الخوف والذعر في أوساط العاملين بوسائل الإعلام الوطنية.
وبالإضافة إلى اعتداءات حركة الشباب، يجد الصحفيون الصوماليون أمنهم وسلامتهم مهددَين أيضاً في ظل انعدام أية حماية من قبل السلطات، التي لا تنظر إلى وسائل الإعلام المستقلة بعين الرضى، معتبرة أنها تُفرط في التعبير عن آرائها بحرية. هذا وقد اضطر الصحفيون العالمون بإذاعة شابيل إلى الإقامة في مقر عملهم لتقليل نفقات التنقل، إلى أن أمر وزير الداخلية بطردهم في أكتوبرتشرين الأول 2013.
الهند: الكراهية والانتقام
مقتل 8 صحفيين
شهد هذا البلد رقماً مهولاً يبعث على الحزن في عام 2013: فقد قُتل ما لا يقل عن ثمانية صحفيين في عمليات مرتبطة بنشاطهم المهني، حيث تشهد الهند موجة عنف غير مسبوقة ضد الإعلاميين، إذ لا يتوانى أفراد العصابات الإجرامية والمتظاهرون وأنصار بعض الفرقاء السياسيين والشرطة وقوات الأمن المحلية عن إطلاق التهديدات والاعتداء على الصحفيين، دون حسيب ولا رقيب في أغلب الأحيان، مما يفرض على وسائل الإعلام الاستكان للرقابة الذاتية. فعمليات اغتيال موظفي يومية داينيك غانادوت، رانجيت شودري وسوجيت بهاتاشاريا وبالارام غوش، وإعدام صحفي داينيك آج، راكيش شارما، بالرصاص ليست سوى أمثلة من الحالات الكثيرة التي تعكس انعدام الأمن بالنسبة لوسائل الإعلام على نحو غير مسبوق. ففي 19 مايوأيار 2013، دخل شخصان مقر اليومية البنغالية داينيك غانادوت وطعنا أعضاء هيئة التحرير الثلاثة حتى الموت. وفي 23 أغسطسآب، في ولاية أوتار براديش، أصيب راكيش شارما، صحفي داينيك آج، بوابل من الرصاص في هجوم مسلح. وفي ولايتي كشمير وتشهاتيسجاره، يجد الصحفيون أنفسهم مستهدفين من قبل قوات الأمن أو المتمردين المسلحين في كثير من الأحيان. بيد أن هاتين الولايتين، وإن لم تشهدا أكبر عدد من الضحايا، إلا أنهما أصبحتا تُصنَّفان من بين أكثر المناطق خطورة على الصحفيين في البلاد، وذلك في ظل زيادة حادة على مستوى الرقابة التي تفرضها السلطات الاتحادية.
باكستان: بين القنابل والقمع
مقتل 7 صحفيين
كان باكستان يتصدر قائمة البلدان الأكثر فتكاً بالإعلاميين بين عامي 2009 و2011، في ظل موجة التفجيرات التي هزت البلاد حينها، حيث كان متوسط الصحفيين القتلى يصل تقريباً إلى قتيل واحد كل شهر بين عامي 2010 و2012. وخلال العام 2013، ضحى سبعة بحياتهم في محاولة نقل الأخبار إلى مواطنيهم. وإذا كان جزء كبير من أعمال العنف يستهدف وسائل الإعلام بوجه خاص، فإن انعدام الأمن والإفلات من العقاب ليسا حكراً على المناطق القبلية ومنطقة بلوشستان، ولا أدل على ذلك من الهجوم الذي شنه مسلحون على متن دراجة نارية يوم 2 ديسمبركانون الأول 2013 والذي استهدف مبنى مجموعة إكسبريس ميديا وعملية اغتيال الصحفي البلوشي الحاج عبد الرزاق الذي عُثر على جثته في 22 أغسطسآب بعد عدة أشهر من اختفائه، مما يعني أن هذه المآسي تجعل من كراتشي واحدة من المدن الأكثر خطورة على وسائل الإعلام في البلاد برمتها. كما أن التدخل الهمجي لأفراد الشرطة في بعض الأحيان وإساءة استخدام السلطة من قبل بعض الحكام المحليين الطغاة والمتابعات القضائية بذريعة مكافحة الإرهاب من بين الممارسات التي لا تزال تشكل خطراً على حرية الصحافة، علماً أن باكستان تُعد من بين البلدان الأولى التي تم اختيارها لتنفيذ “خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين والإفلات من العقاب“.
الفلبين: دراجات الموت
مقتل 8 صحفيين
ما هو القاسم المشترك بين عملية اغتيال روجيليو بوتاليد، يوم 11 ديسمبركانون الأول 2013 في جزيرة مينداناو، وتلك التي قُتل فيها جوليوس كاوزو يوم 8 نوفمبرتشرين الثاني في مدينة كاباناتوان، وتلك التي أودت بحياة خيسوس تاباناو يوم 14 سبتمبرأيلول في سيبو؟ في كل هذه الجرائم، أعدم ملثمون الضحايا بدم بارد، دون قلق من وجود شهود عيان، قبل أن يلوذوا بالفرار على متن دراجة نارية. فقد انتشرت هذه الظاهرة على نطاق واسع، حيث أشار مقال افتتاحي في فلبين ستار إلى أن “الدراجة النارية أصبحت تمثل وسيلة النقل المفضلة لهروب قتلة الصحفيين والناشطين (…). فمعظم الجرائم تُنفَّذ أثناء النهار عندما تساعد ساعات الاختناق المروري راكبي الدراجات النارية على الفرار بسهولة من سيارات الشرطة التي تتعقبهم“. وفي عام 2013، تواصل تهديد الصحفيين وقتلهم على أيدي هؤلاء الملثمين من أتباع السياسيين الفاسدين أو القتلة المحترفين الذين يتقاضون بضعة آلاف من الدولارات مقابل تنفيذ العمليات أو أعضاء الميليشيات الخاصة، أمام إفلات من العقاب بشكل شبه مطلق، حيث لقي ثمانية صحفيين مصرعهم على أيدي أولئك المجرمين في عام 2013، علماً أن نسبة المتابعات القضائية على تلك الجرائم بالكاد تصل إلى 10٪، بل وحتى في الحالات النادرة التي تفتح فيها الشرطة تحقيقاً، فإن القضاة غالباً ما يكونون عاجزين أو متلكئين في القيام بدورهم.
أكبر خمسة سجون للصحفيين في العالم
الصين: هاجس المراقبة
ما لا يقل عن 30 صحفياً و70 مواطناً إلكترونياً يقبعون في السجن بسبب عملهم الإعلامي
وفقاً للأرقام الرسمية، تحتجز السلطات الصينية ما يقرب من مائة فاعل إعلامي في سجونها، ناهيك عن حالات الاعتقال في “السجون السوداء“. وقد كثفت سلطات البلاد عمليات اعتقال الصحفيين والمدونين مع تشديد سياستها القمعية ضد الناشطين في الإنترنت الذين ينشرون مقالات تنتقد النظام الحاكم، سعياً منها لتشديد المراقبة على الأخبار والمعلومات وفرض الرقابة الذاتية على مستعملي الإنترنت. وتستهدف الشرطة بالأساس الناشطين المدافعين عن حقوق الإنسان والمطالبين بالإصلاحات السياسية، مثل شو تشي يونغوغوه فيشيونغ (يانغ ماودونغ)، اللذين زُج بهما في السجن بحجج واهية ودون مثولهما أمام المحكمة. كما لا يسلم من سوط الرقابة الصحفيون والمدونون الذين يحرجون مسؤولي الحزب الحاكم بالكشف عن فضائح الفساد، حيث كان ليو هو آخر ضحية من ضحايا الحزب الشيوعي الصيني الذي يشن رسمياً حملة ضد الفساد في صفوفه. فقد أُلقي القبض على هذا الصحفي العامل في مودرن إكسبرس(شين كواي باو)، وهو يوجد رهن الاعتقال منذ 30 سبتمبرأيلول حيث اتُهم رسمياً بـ“التشهير” بعدما قضى 37 يوماً من في الحبس على ذمة التحقيق، علماً أنه كان قد ندد في حسابه على موقع ويبو بأعمال فساد تورط فيها نائب مدير أمانة الدولة المعنية بشؤون الصناعة والتجارة، ما تشينغي.
إريتريا: في أقبية النسيان
28 صحفياً يقبعون في السجون
تستمر محنة الصحفيين الـ28 المعتقلين في السجون الإريترية. فمن بين الأحد عشر المحتجزين منذ عام 2001 دون مثولهم أمام أية محكمة بعد اثني عشر عاماً من الحبس، فارق 7 الحياة جراء سوء المعاملة أو الإحباط في سياق يلفه الصمت والنسيان، علماً أن ظروف السجن غير إنسانية بتاتاً، حيث تتوزع بين الحبس الانفرادي في زنازين مكتظة تحت الأرض والحرمان من الطعام والماء والحبس في حاويات معدنية تحت أشعة الشمس على مدى ساعات.
لا صوت يعلو على صوت الحكومة في هذا البلد، الذي يُعتبر واحداً من آخر الأنظمة الشمولية المتبقية في العالم، حيث يتذيل تصنيف منظمة مراسلون بلا حدود للعام الثامن على التوالي. ذلك أن السلطات تحظر ببساطة كل ما من شأنه أن يدخل في نطاق أحزاب المعارضة أو الصحافة الحرة أو المنظمات الدينية غير المسجلة، إذ يموت الإعلاميون، رجالاً ونساءً، على نار هادئة بتهمة المساس بالأمن الوطني أو بكل بساطة بسبب نظرتهم الانتقادية إلى سياسة النظام الحاكم.
تركيا: الصحفيون مدانون حتى تثبت براءتهم
27 صحفياً على الأقل ومتعاونان اثنان يقبعون في السجون بسبب أنشطتهم المهنية
رغم بعض الإصلاحات التشريعية الخجولة وبدء مفاوضات تاريخية مع حركة التمرد الكردية، إلا أن ذلك لم يغير في الواقع شيئاً حتى الآن، إذ لا تزال تركيا تشكل واحداً من أكبر السجون في العالم بالنسبة للصحفيين. فمن المفارقات الغريبة أن هذا البلد يزخر بمؤسسات ديمقراطية ويشهد تعددية إعلامية واضحة ونابضة بالحياة، في حين أن الإجراءات القضائية يطغى عليها الهاجس الأمني إلى حد كبير وبدرجة تصل إلى حد الهذيان أحياناً، حيث مازالت الممارسات المعمول بها لا تحترم حرية الإعلام ولا الحق في محاكمة عادلة. فبالاستناد إلى ترسانة تشريعية سالبة للحرية، عادة ما تُطلق صفة “الإرهابيين” بكل سهولة على الصحفيين من ذوي النزعة النقدية، علماً أن المتهمين غالباً ما يظلون قيد الاعتقال لسنوات عدة قبل محاكمتهم. فمن بين الصحفيين القابعين في السجون حتى الآن، والبالغ عددهم الستين تقريباً، هناك ما لا يقل عن 29 إعلامياً تم اعتقالهم بسبب أنشطتهم المهنية المتمثلة في جمع المعلومات ونشر الأخبار، كما هو حال ترابي كيسين ومردان يانارداغ، بينما يظل العديد من الإعلاميين الآخرين محتجزين على ذمة التحقيق.
إيران: في انتظار الانفتاح
20 صحفياً و51 مواطناً إلكترونياً يقبعون في السجون
في 15 يونيوحزيران 2013، تم انتخاب حسن روحاني رئيساً للجمهورية، حيث فاز المرشح المعتدل المدعوم من الإصلاحيين بأكثر من 51٪ من الأصوات. ورغم وعود الانفتاح وإطلاق سراح بعض سجناء الرأي، بمن فيهم بعض الصحفيين والمواطنين الإلكترونيين، فإن غالبية الفاعلين الإعلاميين ما زالوا قابعين في السجون، علماً أن معظمهم اعتُقلوا بعد 12 يونيوحزيران 2009، تاريخ إعادة انتخاب أحمدي نجاد لرئاسة الجمهورية إثر اقتراع مشكوك في نزاهته. ومنذ 1 ينايركانون الثاني 2013، شهدت البلاد اعتقال ما لا يقل عن 76 صحفياً، 42 منهم منذ يونيوحزيران 2013. هذا وقد حُكم على سبعة عشر آخرين بالسجن لمدد طويلة تتراوح بين سنة واحدة وتسع سنوات سجناً، بينما تم إغلاق 12 منبراً إعلامياً أو تم إجبار مؤسسات إعلامية على إيقاف النشر تحت ضغط السلطات. كما أن سجناء الضمير يتعرضون لمعاملة غير إنسانية بشكل يومي، إذ ما زال العديد من السجناء محرومين من الحق في الرعاية الطبية، حتى المصابين منهم بالأمراض أو الذين تشهد حالاتهم الجسدية والنفسية تدهوراً مهولاً داخل السجون.
سوريا: الإعلاميون يترنحون بين المطرقة والسندان
20 الصحفيين المسجونين (وعشرين إعلامياً) في سجون النظام – ما لا يقل عن 18 صحفياً أجنبياً و22 إعلامياً سورياً تعرضوا للخطف)
بينما خفت وتيرة الاعتقالات من قبل قوات بشار الأسد، لا يزال أكثر من أربعين فاعلاً إعلامياً يقبعون في سجون النظام، مما يضع البلاد في خانة أكبر خمسة سجون في العالم بالنسبة للصحفيين. وفي المقابل، تزايد عدد عمليات خطف الإعلاميين الأجانب والسوريين من قبل الجماعات الجهادية في ما يسمى المناطق “المحررة” منذ ربيع عام 2013، ولا سيما بعد أن أحكمت داعش سيطرتها على المناطق الشمالية من البلاد. ومنذ فصل الخريف، أصبحت تلك العمليات تُنفَّذ بشكل منهجي تقريباً.
بدورها، أصدرت لجنة حماية الصحفيين حصيلتها السنوية، التي يمكن الاطلاع عليها عبر الموقع cpj.org.