بينما ينتظر أربعة صحفيين يمنيين وآخر إيراني تنفيذ حكم الإعدام الصادر في حقهم، تبحث منظمة مراسلون بلا حدود في كيفية استخدام هذه العقوبة الوحشية، التي تشكل تهديداً خطيراً للصحفيين في مناطق معينة من العالم.
تم نشر هذا التقرير أولاً على موقع منظمة مراسلون بلا حدود بتاريخ 8 تموز 2020
بالنسبة للصحفيين اليمنيين عبد الخالق عمران وأكرم الوليدي وحارث حامد وتوفيق المنصوري، الذين حوكموا بتهمة التجسس أمام محكمة تابعة للحوثيين في صنعاء، فقد صدر حكم العقوبة القصوى في حقهم بتاريخ 11 أبريل/نيسان. وفي الأسبوع الماضي، صدر الحكم نفسه في طهران ضد المعارض الإيراني روح الله زم، الذي كان يدير قناة آمد نيوز في تليغرام، حيث أدين بتهمة “الفساد في الأرض”.
واستنكر كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، هذه الأحكام مؤكداً أنه “من غير المعقول بتاتاً أن نرى في عام 2020 إصدار أكثر العقوبات وحشية وقدماً ضد صحفيين. فبينما يقترب العالم كل سنة من إلغاء عقوبة الإعدام على المستوى الدولي، فإن التهديد بإعدام صحفي بسبب عمله يجب أن يبقى مقتصراً على كتب التاريخ التي تستحضر أحداث الماضي الغابر بدلاً من أن يكون جزءًا من واقعنا الحالي.. يجب أن تتضافر جهود الدول الداعمة لفكرة إلغاء الإعدام لجعل هذه العقوبة في طي الماضي بشكل نهائي، علماً أنها تشكل أسوأ عقبة ممكنة أمام حرية الصحافة”.
هذا وقد ارتفع عدد الصحفيين المحكوم عليهم بالإعدام إلى تسعة في الوقت الحالي، بينما تعود أحكام الإعدام السابقة إلى سبتمبر/أيلول 2017 عندما أصدرتها المحكمة المركزية الكورية الشمالية تحت ذرائع واهية. فلمجرد نقد إيجابي لكتاب وصف الدور المتنامي لاقتصاد السوق في الحياة اليومية لمواطني كوريا الشمالية، حُكم بالإعدام غيابياً و”دون إمكانية الاستئناف” على الصحفيين الكوريين الجنوبيين سون هيو-ريم ويانغ جي-هو ومديريهما كيم جاي-هو وبانغ سانغ-هون.
وبينما يظل تنفيذ العقوبة مستبعداً في هذه الحالة، فإن مثل هذه الأحكام تبقى بمثابة سيف دموقليس المسلط على رقاب الفاعلين الإعلاميين في إيران، التي تُعد من أكثر دول العالم تنفيذاً لحكم الإعدام. ففي غضون العقد الأخير، طُبق حد القتل في حق ما لا يقل عن 20 صحفيًا ومدونًا وصحفيًا-مواطنًا في الجمهورية الإسلامية، حيث يقوم القانون الجنائي على أساس الشريعة، مما يفسر فرض عقوبة الإعدام على العديد من الجرائم. وفي هذا الصدد، حُكم في 2014 بالقتل على سهيل عربي، الحائز على جائزة مراسلون بلا حدود لعام 2017 في فئة الصحافة المواطنة، بتهمة التطاول على نبي الإسلام والقرآن وأئمة الشيعة. أما عدنان حسن بور، صحفي الأسبوعية الكردية الإيرانية آسو (الأفق)، فقد حُكم عليه بالإعدام سنة 2007 بتهمة “التجسس”. وفي عام 2000، صدر الحُكم نفسه ضد حسن یوسفی اشکوری، وهو رجل دين يكتب في مجلة إيران فردا الشهرية، بتهمة “إعلان الحرب ضد الله” والقيام بـ “أنشطة تخريبية ضد الأمن القومي” و”إهانة السلطات” و”التطاول على هيبة رجال الدين”.
صحيح أنه تم تخفيف كل هذه الأحكام في نهاية المطاف إلى فترات سجن طويلة أو إلى المؤبد في بعض الحالات، لكن إيران لا تزال الدولة الأكثر تنفيذاً لحكم الإعدام في حق الصحفيين خلال الخمسين سنة الماضية في العالم. ففي أعقاب الثورة الإسلامية لعام 1979، أُعدم نحو 20 من الصحفيين المقربين من نظام الشاه، مثل علي أصغر عميراني وسيمون فارزامي ونصر الله عرمان، أو من تيارات اليسار، مثل سعيد سلطان بور ورحمان هاتفي منفرد.
وغير بعيد عن إيران، فإن الجارة العراق هي آخر دولة طبقت عقوبة الإعدام في حق صحفي، وكان ذلك قبل 30 عامًا. ففي 15 مارس/آذار 1990، قُتل الصحفي البريطاني من أصل إيراني فرزاد بازوفت بعد الحكم عليه بالإعدام شنقاً بتهمة “التجسس لصالح المخابرات البريطانية والإسرائيلية”.
ومنذ ذلك الحين، اضطرت المنظمات المعنية بالدفاع عن حرية الإعلام والصحفيين ومعها منظمات حقوق الإنسان إلى التعبئة مراراً وتكراراً لتجنب وقوع الأسوأ بالنسبة للعديد من الصحفيين والمدونين الآخرين. ففي موريتانيا، مثلاً، حُكم على المدون محمد الشيخ ولد محمد مخيتير بالإعدام في أواخر عام 2014 بتهمة الردة، على خلفية مقال نُشر على فيسبوك، قبل أن يتم تخفيف الحكم إلى عامين سجناً في أواخر 2017. وفي بورما، حُكم على الصحفي الرياضي زاو ثيت هتوي بالإعدام في 2004 لمجرد إرساله معلومات إلى منظمة العمل الدولية، قبل أن تحكم عليه المحكمة العليا استئنافاً بالسجن ثلاث سنوات.
وكما تبين من الحالات التي اتخذت أبعاداً رمزية، مثل قضية المصور المصري شوكان أو مراسل RFI في منطقة أقصى شمال الكاميرون، أحمد أبا، فقد ساهمت التعبئة الكبيرة دفاعاً عن الصحفيين الضحايا في إثناء القضاة عن جنوحهم إلى عقوبة الإعدام. ففي هاتين الحالتين، كما في قضية الصحفي السعودي علي العمري ونظيره الأفغاني علي محقق نصاب، طالبت النيابة العامة بفرض عقوبة الإعدام لتهمة “ارتكاب أعمال إرهابية” أو “التجديف”، لكن الأحكام الابتدائية لم تستجب لدعوات القتل في نهاية المطاف.
وفي الصين، إحدى دول العالم الـ54 التي مازالت تطبق عقوبة الإعدام والتي تنفرد بالرقم القياسي لأكبر عدد من السجناء المعدَمين، فإن المعلومات التي حصلت عليها مراسلون بلا حدود تفيد بأن آخر صحفي حكم عليه بالإعدام ونُفذت العقوبة في حقه هو ين تشيه جاو، مراسل وكالة أسوشيتد برس، الذي طُبق عليه الحكم في 1951. ومع ذلك، فإن فرض القضاء الصيني على الصحفيين عقوبة السجن لمدة طويلة أو حتى الحكم عليهم بالمؤبد، إضافة إلى ظروف احتجازهم المزرية وما يصاحبها من سوء معاملة، عادة ما يتحول في الواقع إلى حكم بالموت المحتوم، كما كان الحال في عام 2017، عندما توفي داخل السجن كل من ليو شياوبو الحائز على جائزة نوبل للسلام والمدون يانغ تونغيان، بعد تدهور صحتهما بسبب نقص الرعاية الطبية أثناء الاحتجاز.
وفي أمريكا اللاتينية، حيث ألغت معظم الدول عقوبة الإعدام كلياً أو جزئياً منذ عدة عقود، لم تشهد السنوات الخمسين الأخيرة أية حالة رسمية لصحفيين محكوم عليهم بالإعدام. ومع ذلك، فإن ضلوع بعض أجهزة الدولة بشكل مباشر أو غير مباشر في عدد من حالات إعدام صحفيين خارج نطاق القضاء، إما على أيدي قتلة مأجورين أو مرتزقة أو عصابات تهريب المخدرات، مازال مستمراً في العديد من بلدان المنطقة، ولا سيما في الأرجنتين وتشيلي والمكسيك والبرازيل وكولومبيا.
هذا ومازال العالم يعيش على وقع إعدام الصحفيين على أيدي جماعات غير حكومية، حيث اقشعرت الأبدان في مشارق الأرض ومغاربها جراء جريمة الذبح الهمجية التي ارتكبتها الدولة الإسلامية في حق الصحفيَين الأمريكيَين، جيمس فولي وستيفن سوتلوف، في أغسطس/آب 2014 رداً على التدخل الأمريكي في سوريا والعراق. وفي أفغانستان، أقدمت حركة طالبان منذ 2001 على إعدام عشرات الصحفيين والمعاونين الإعلاميين المحليين. وفي هذا السياق، حيث اغتيل مراسل بي بي سي، عبد الصمد روحاني، رمياً بالرصاص عام 2008. أما الصحفي المترجم أجمل نشقبندي وزميله سيد آغا، سائق صحفي لاريبوبليكا الإيطالية، فقد كان مصيرهما الذبح.