الصحفي الجريء ورائد حملة للإصلاح الديمقراطي وحرية الصحافة، اسكندر نيجا، ضحية الحكومة الاستبدادية التي انتقدها.
لا يمكن تحمل الاستبداد في هذه المرحلة ما بعد الحرب الباردة. لأنه محكوم بالإخفاق. ولكن لا بد من سعي حثيث للخروج من هذه المرحلة بالنضال - وليس بانفجار كما يرغب المتطرفون
في مقابلة عام 2012، قال الساخر الأثيوبي ابيبي تولا (المعروف باسم ابي توكيشاو) “كلما تم القبض على أي شخص تحت ذريعة قانون الإرهاب، تسأل الناس [تلقائياً]: “هل كان صحافياً؟” كان تولا يتحدث عن حالة وسائل الإعلام في إثيوبيا، وهو البلد الذي شهدت واحدة من أقسى الحملات ضد حرية التعبير في العالم. أدانت منظمات حقوق الإنسان الاستخدام المفرط لتشريعات الإرهاب في إسكات الصحفيين المعارضين واللامسؤولية في استخدام العنف لقمع الاحتجاجات السلمية. بين عامي 2010 و 2015، أُجبر 60 صحفياً أثيوبياً على الأقل على الهروب إلى المنفى في حين تعرض العديد من المدونين والصحفيين الأكثر شهرة في البلاد للسجن.
يقضي اسكندر نيجا حالياً، الصحفي الحائز على جوائز متعددة وضحية هذه الحملة، حكم 18 عاماً في السجن في تهمة ملفقة لصلته بالإرهاب.
لعقود طويلة، اُعتبر نيجا ذي 46 عاماً، من أشد منتقدي الحكومة الإثيوبية ومن أبرز المؤيدين لحرية الصحافة. أطلق صحيفته الأولى أثيوبيس من أديس أبابا في عام 1993، حيث استطاع من خلال صفحاتها، نشر السخرية من رئيس وزراء أثيوبيا الاستبدادي، ميليس زيناوي. كما كان نيجا أيضاً المدير العام لدار النشر سيركاليم التي نشرت صحف اسكوال، وسيتناو، ومنليك. الصحف التي أغلقتها وحظرتها الحكومة بالإضافة لإثيوبيس.
قبل بدء تنفيذ حكم سجنه في عام 2012، تعرض نيجا في كثير من الأحيان للمضايقات والاعتقال من قبل السلطات الإثيوبية. في عام 2005، سُجن وزوجته سيركاليم فاسيل بتهمة الخيانة مع 12 صحفياً آخرين بعد تقاريرهم عن حملة الحكومة العنيفة على نشطاء المعارضة (شهدت فاسيل ولادة ابنهما في السجن في عام 2006). اعتقل نيجا بتهم مماثلة مرة أخرى في فبراير/شباط عام 2011، عندما اُتهم “بمحاولات للتحريض على احتجاجات في إثيوبيا مشابهة لتلك المصرية والتونسية.”
أسلوب الكتابة نيجا مباشر، واستفزازي وجريء كما يثبت المقتطف التالي من مقاله بتاريخ مارس/آذار 2011، “رسالة مفتوحة لرئيس الوزراء ملس زيناوي:”
“[نحن] أمة غاضبة من ارتفاع التضخم. شعب مصعوق من فضائح فساد لم يسبق لها مثيل، مع البطالة المتفشية والقمع السياسي ونقص في الأراضي في المناطق الريفية. باختصار، الأمة يائسة من أجل التغيير. لقد أهدرتَ عقدين من الزمن كنت فيها تنعم بقدرة التغيير. ولكن بدلاً من ذلك، سادت العقيدة البراغماتية، وتأصل التكتم بدلاً من الشفافية، واشتد القمع بدلاً من الديمقراطية، وسادت المحسوبية بدلاً من الكفاءة. اتو ميليس زيناوي: الشعب يريدك خارج السلطة.”
لا يمر هكذا نوع من النقد الصريح دون عقاب في إثيوبيا. تبع هذه المقالة بمقالة أخرى يتسائل نيجا فيها عن صحة إدعاءات الحكومة في تهمة عدد من الصحفيين المعتقلين “كإرهابيين”، كما انتقد اعتقال الممثل الإثيوبي والناشط دبيبي إشيتو.
أُلقي القبض على نيجا يوم 14 سبتمبر/أيلول عام 2011، في أعقاب نشر المقالة عن إشيتو. تمادت وسائل الإعلام الرسمية في تشويه سمعته، متهمة نيجا بصلات مع مجموعة سياسية محظورة، جينبوت 7، واتهمته “كجاسوس لقوات أجنبية” – مع 23 متهماً آخرين – بتلقي أسلحة من إريتريا بقصد القيام بأعمال إرهابية في إثيوبيا. أدانت جماعات حقوق الإنسان هذا الاتهام الغريب الذي لا أساس له.
بدأت المحاكمة يوم 6 مارس/آذار 2012. تكونت الأدلة ضد نيجا وشركائه المتهمين من تسجيلات مشوشة لمكالمات هاتفية وفيديو من الاجتماع الذي تحدث فيه نيجا عن الاختلاف بين الدول العربية وإثيوبيا. نفى نيجا جميع التهم الموجهة إليه، معلناً أنه لم يتآمر أبداً ضد الحكومة، واعترف فقط بتكهنه حول إمكانية وجود حركة مماثلة للربيع العربي في إثيوبيا.
المحاكمات العادلة هي استثناء في إثيوبيا، وخصوصاً عندما يُطلق لقب عدو الدولة على المتهم. يوم 27 يونيو/حزيران 2012، أُدين نيجا بجميع التهم الموجهة إليه. في 13 يوليو/تموز، تم الحكم عليه بثمانية عشر سنة في السجن وأُرسل إلى سجن كاليتي، أديس أبابا، حيث يتم إيداع السجناء السياسيين مع المجرمين. الظروف التي يحتجز فيها نيجا سيئة للغاية، كما لخص في رسالة نشرتها صحيفة نيويورك تايمز:
“أنا مسجون، مع حوالي 200 سجناء آخرين، في قاعة واسعة تشبه المستودع. هناك ثلاثة مراحيض فقط لنا جميعاً. ينام معظم السجناء على الأرض الوسخة. يمكن للمرء تخيل مصير ألف سجين، يشاركون هذه المساحة الصغيرة، إذا ما انتشر مرض معد هنا.”
تلقى نيجا جائزة بن/باربرا جولدسميث لحرية الكتابة في عام 2012.
الرسم من فلوريان نيكول