في موريتانيا، العبودية ليست شيئا تقرأ عنه في الكتب. بل هي أسلوب حياة. وتدفع مؤسسة بيرام داه عبيدي ثمنا غاليا لإلغاءها.
خلال حديثه مع مؤسسة فريدوم هاوس بشهر كانون الاول عام 2013، تكلّم بيرام داه عبيدي عن ترعرعه كأحد أحفاد العبيد في مجتمع لا زال الرق فيه متواجد بشكل كبير قائلاً: … عندما كبرت، رأيت العزلة التي خلقتها العبودية حولي. أدركت أننا في عالم يَلزِمنا أخلاقيا على مساعدة السكان العبيد الذين هم في المقام الأول موريتانيون ومستعبدون من بقية العالم. من واجبنا استعادة كرامتهم وإنسانيتهم.
اذا كنتم تفكرون في تعديد صفات لناشط نموذجي عن حقوق الإنسان، فهناك احتمالات بإنكم لن تصفوا ناشطاً أحرق الكتب.
ولكن كان اشعال الكتب من أكثر الطرق الصادمة التي قام بها بيرام داه عبيدي – مؤسس ورئيس مبادرة الحركة من أجل الغاء الرق – والتي أثارت المحادثات حول الرق المعاصر في بلده موريتانيا.
يصف الكسيس اوكيوه في مقال لمجلة نيويوركر لحظة في عام 2010 عندما استدعى عبيدي حارسه الشخصي لسكب سائل حارق على النصوص التي تفسر الشريعة الإسلامية – بينما كان يقود صلاة عامة.
تربى عبيدي في بيت مسلم، تماما مثل معظم الناس في موريتانيا. ومع ذلك، يعتقد بأن الكثير من مواطنيه يسيئون تفسير الإسلام لتبرير العبودية.
لقد قام عبيدي وزملاؤه أيضا بالمناصرة من أجل إطلاق سراح العبيد وملاحقة مالكي العبيدي من خلال تنظيم الاعتصامات في وزارة العدل، وزيارة القرى الريفية لرفع مستوى الوعي حول العبودية، وتبادل المعلومات حول محنة شعوب “الحراطين” مع المجتمع الدولي.
يعرف عبيدي كل شيء حول الطبقات الدنيا من المجتمع. فقد ولد الناشط من طبقة الحراطين وهي فئة في موريتانيا لديهم عادة بشرة داكنة أكثر من البقية ويتم وصفهم في موسوعة بريتانيكا بأنها “فئة اجتماعية وعرقية تتميّز بأنها من طبقة العاملين”. ولسخرية القدر، غالبا ما يشار إلى الحراطين باسم “العبيد الأحرار“. كانت جدة عبيدي من طرف أبيه من العبيد وترعرع في قرية تقوم فيها عائلته كبقية العائلات الاخرى من فئة الحراطين بالزراعة في أرض مملوكة للبيضان – وهي أقلية متميزة في موريتانيا، وعادة ما يكون لون جلدها فاتح.
في مقابلة بعام 2013 مع مؤسسة فريدوم هاوس، تحدثت عبيدي عن تربيته بين الشعوب المستعبدة قائلاً: “عندما كبرت، رأيت العزلة التي خلقتها العبودية حولي. أدركت أننا في عالم يَلزِمنا أخلاقيا على مساعدة السكان العبيد. من واجبنا استعادة كرامتهم وإنسانيتهم”.
ألغي الرق رسميا في موريتانيا بعام 1981. وبحلول عام 2007 أصبح امتلاك انساناً اخر عملا إجراميا. وعلى الرغم من هذه القوانين، إلا ان العبودية والعمل الملزم لا يزالان قائمان في الدولة الواقعة بغرب أفريقيا.
لا توجد إحصاءات متسقة حول عدد الناس المستعبدين في موريتانيا. ففي محادثة مع مؤسسة فريدوم هاوس بعام 2013، قدّرعبيدي أن ما يقرب 20٪ من السكان المحليين يتعرّضون للاستعباد، 80٪ منهم من النساء والأطفال. في شهر آب من عام 2015، أشارت المؤسسة الإعلامية لغرب أفريقيا بانه وفقاً لمؤشر الرق العالمي فإن 4٪ من السكان مستعبدين. إن التذبذب في الأعداد ليس مفاجئا لأنه وفقا لتقريرعام 2014 الذي اصدره المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بأشكال العبودية المعاصرة بأن “الحكومة تفتقر إلى بيانات دقيقة عن طبيعة وحدوث العبودية في موريتانيا”.
باعتباره أول شخص في عائلته يذهب إلى المدرسة، أصبح عبيدي يدرك تماماً المظالم العميقة التي يواجهها الناس الحراطين. فقد درس القانون والتاريخ، وعمل كمسؤول في نظام المحاكم، وأسس في عام 2008 مبادرة الحركة من أجل إلغاء الرق الغير هادفة للربح، حيث وصفها بـ “منظمة النضال الشعبي”.
بتاريخ 11 تشرين الثاني 2014، ألقي القبض على عبيدي مع ما لا يقل عن ثمانية نشطاء آخرين في مجال مناهضة الرق. وكان يزور مع زملائه قرى مختلفة، وينظم مؤتمرات حول “ملكية العبودية”، النظام الذي يحوّل أفراد مجتمع الحراطين إلى عمال في أرض أجدادهم”، وذلك وفقا لفرونت لاين ديفندرز.
وجهت اتهامات لعبيدي وحكم عليه في وقت لاحق بالسجن لمدة عامين بتهمة “التجمع الغير قانوني والتمرد”، و”تشجيع التمرد” و”رفض تنفيذ الأوامر الصادرة عن السلطات الإدارية”.
خلال الفترة التي قضاها في الاعتقال، قام عبيدي وزملائه النشطاء بالاضراب عن الطعام لمدة ثلاثة أيام مطالبين بحقهم بزيارة اقاربهم لهم وبتحديد موعد محاكمة لزملائهم المحتجزين في سجن آخر وظروف أخرى.
أطلق سراح عبيدي وزميله إبراهيم بلال رمضاني وهو نائب رئيس المبادرة من أجل الغاء الرق في شهر أيار من عام 2016، بعد أن أصدرت المحكمة العليا في موريتانيا أمراً بإطلاق سراحهم فورا.
للأسف، عزز الإفراج عنهم أكثر من حملة من قبل الحكومة ضد النشطاء المناهضين للعبودية. فقد أشار عبيدي في مقابلة له مع فريدوم هاوس بشهر تموز عام 2016 إلى أن سوء سمعة قضيتهم تهدد الحكومة الموريتانية: “في السجن، حصلنا على الكثير من الدعم من السكان والمجتمع الدولي. إن الحكومة التي لم يكن لديها الكثير من الاهتمام بالديمقراطية خائفة من الشخصيات الشعبية”.
حصل عبيدي على العديد من الجوائز العالمية المرموقة، بما فيها جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وجائزة فرونت لاين ديفندرز، وجائزة لوسون جيمس، ومؤخرا جائزة بطل الاتجار بالبشر من وزارة الخارجية في الولايات المتحدة.