كصحفي ناشط شاب، حارب جاي برجر ضد الرقابة والإفلات من العقاب وظلم الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؛ وهو الآن يمثل اليونسكو في عملها العالمي الذي يكافح هذه التهديدات لحرية التعبير ووسائل الإعلام.
“إذا كان لديك حرية بلا أساس قوي للصحافة، فهي حرية نصف فارغة” – مقابلة مع شبكة الصحفيين الدوليين، ٢٠١٥
في عام ٢٠٠٩، كتبت الناشطة السابقة المناهضة للفصل العنصري، جانيس وارمان مقالا لصحيفة “الجارديان“، استذكرت فيه زملائها السابقين الذين حاربوا من أجل وضع حد لنظام جنوب أفريقيا المعروف بالتمييز العنصري المؤسسي. حيث كتبت: “عندما بدأت أتذكر تلك الأوقات والأشخاص الذين شكلوها….كان من الطبيعي التفكير في جاي برجر”.
تعود شهرة برجر في يومنا هذا إلى حد كبير لدوره كمدير السياسات والاستراتيجيات المتعلقة بالاتصال والمعلومات في اليونسكو (٢٠١١ – ٢٠٢٢) حيث كان مدير السياسات واستراتيجيات التواصل والمعلومات (كان اسم المنصب مدير حرية التعبير وتطوير الإعلام حتى عام ٢٠٢٠)، كمسؤول عن كل جوانب عمل المنظمة في الدفاع عن حرية التعبير من مختلف التهديدات التي تواجهها على الصعيد العالمي، مع تركيزٍ خاص على المعلومات المضللة. ولهذا الدور أهمية شخصية عميقة بالنسبة له لأنه يملك خبرة مباشرة بالمشاكل ذاتها التي تعمل اليونسكو على معالجتها.
يمكن رسم خط مستقيم لعمل برجر في اليونسكو إلى الحرب التي خاضها في وقت مبكر من حياته من أجل العدالة الاجتماعية في جنوب أفريقيا. هذا الخط سيعود إلى عمله الإعلامي المثير للإعجاب (بما فيه كونه كاتب عمود لفترة طويلة لصحيفة الميل والجارديان في جنوب أفريقيا)، وقبل ذلك إلى جامعة رودس، حيث درس برجر الصحافة والسياسة في عام ١٩٧٥، وهناك أصبح ناشطًا.
قد يأخذ التحوّل من شاهد غاضب جراء الظلم إلى ناشط كامل وقتًا قصيرًا أو طويلًا، ولكن عادة ما تكون هناك بعض اللحظات الحاسمة التي تجعل هذا التحول لا مفر منه. أما بالنسبة إلى برجر بصفته عضوا شابا في الأقلية البيضاء المتميزة في جنوب أفريقيا، فقد وقعت تلك اللحظات الحاسمة في عام ١٩٧٧، بعد تعذيب وموت الناشط الشهير المناهض للفصل العنصري ستيفن بيكو في السجن.
أثارت وفاة بيكو غضبًا حول العالم واحتجاجات كبيرة في جنوب أفريقيا، بما فيها الإضرابات الجماعية “البقاء بعيدًا” لاعتزال أماكن العمل والجامعات. وأدى ذلك بدوره إلى إثارة غضب السلطات: فقد منع اثنان من زملاء برجر البيض من استكمال التعليم في الجامعة بسبب تورطهم في تنظيم احتجاج. ومع ذلك، سُجِن محاضر أسود (شارك أيضًا في الاحتجاج) وتعرض للضرب بالعصا – كمثالٍ مروع على الظلم العنصري. وأثار ذلك اشمئزاز بيرجر الشباب.
واستمر نما غضبه لأنه شهد تزايد اضطهاد وسائل الإعلام المستقلة بعد وفاة بيكو. كما شاهد كيف أصبح صديقه دونالد وودز – الصحفي المناهض للفصل العنصري ومحرر صحيفة دايلي ديسباتش – هدفا بارزا للحكومة (جرّد وودز من منصبه التحريري، ومُنِع من الكتابة أو التحدث علنا عن بيكو وأجبر في النهاية على المنفى). وفي العام نفسه، حُظرت ثلاثة صحف مستقلة – الصوت، والعالم، وعالم عطلة نهاية الأسبوع.
أقنعت هذه الأحداث بيرجر بأن المقاومة هي الخيار الوحيد: “كان عليّ أن أشارك مباشرة. لقد كانت الطريقة الوحيدة التي يمكن بها تكسير جذر الفصل العنصري من خلال التحدي المباشر، وليس من خلال البرلمان الأبيض كله”. لقد انغمس في النشاط الطلابي وعمل في صحيفة البلدة. كما أصبح قارئًا وموزعًا للأدب الذي كان يحظره نظام الفصل العنصري، بما فيه نشرات حزب المؤتمر الوطني الافريقي ونصوص صادرة عن نيلسون مانديلا وتشي جيفارا.
تعرض بيرجر للخيانة من مخبر واعتقل في نهاية المطاف ذات ليلة في أغسطس ١٩٨٠. تعرض للاستجواب حول عضويته في المؤتمر الوطني الأفريقي (على الرغم من أن قواعد المؤتمر الوطني الأفريقي لم تكن تسمح آنذاك بانضمام البيض من جنوب أفريقيا إلى المنظمة) وتعرض للتعذيب بالضرب والحرمان من النوم. لكن الجزء الأسوأ من التجربة، وفقًا لبرجر، هو الأشهر الثلاثة التي قضاها في الحبس الانفرادي.
بعد خضوعه للمحاكمة، أدين برجر بتهم حيازة كتب ممنوعة وعضوية حزب المؤتمر الوطني الإفريقي – وهي تهمة مثيرة للسخرية. حكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، خففت إلى اثنتين بعد استئناف الحكم، وأطلق سراحه عام ١٩٨٣.
في عام ١٩٨٥، اضطر برجر بعد ضغط (مثل وودز عام ١٩٧٧) للذهاب إلى المنفى، وعاش لمدة خمس سنوات في لندن. كانت وظيفته الأولى موزعًا لصحيفة ميل آند جارديان (والتي كانت في حينه تدعى ذا ويكلي ميل). لاحقًا أصبح مراسلًا دبلوماسيًا لصحيفة مورننج ستار وأسس شركة آفرافيجين، وهي شركة توزيع وإنتاج تلفزيوني. عاد برجر عام ١٩٩١، وقبل فترة قصيرة من انتهاء نظام الفصل العنصري، إلى جنوب إفريقيا كمحرر لمجلة نيو إيرا، واستغل عام ١٩٩٤ الفرصة للعودة إلى المكان الي بدأ فيه نشاطه السياسي – جامعة رودس – كرئيس لكلية الصحافة والدراسات الإعلامية. انضم في عام ٢٠١١ لليونسكو.
في المقابلات والخطابات، استخدم بيرجر منصبه للفت انتباه الجمهور إلى بعض من أهم قضايا حرية التعبير اليوم. حيث تشتمل على: تراجع سلامة الصحفيين – “لقد أصبح الأمر أسوأ بالتأكيد. وفي بعض الحالات، الصحفيون الذين يتعرضون إلى العنف يحتاجون إلى صحفيين آخرين لايصال رسالتهم. يعتقدون الآن: (إذا قتلنا صحافيا، يمكننا أن نوصل رسالتنا على اليوتيوب)”؛ الوصول إلى المعلومات – “العملة الهامة بالنسبة لنا للبقاء على قيد الحياة في العالم الحديث؛ الإفلات من العقاب – “عمليات القتل هي غيض من فيض، ولها تأثير على تكميم الافواه أكثر من أي قمع”. ليس من الصعب رؤية كيف يكون لهذه المواضيع صدى خاص لشخص كان ناشطًا صحفيًا شابًا في عصر الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والتي لم يعاقب مرتكبو هذا الفصل أبدا.
منذ عام ٢٠٢٠، أصبح لدور برجر في اليونسكو تركيز خاص على المعلومات المضللة. ففي بدايات جائحة كوفيد-١٩ كافح لتسليط الضوء على التهديدات التي يجلبها نشر المعلومات الكاذبة والمضللة حول الفيروس – “عندما يتم تكرار المعلومات المضللة وإعادة نشرها، بما في ذلك من قبل الشخصيات المؤثرة، فإن الخطر الشديد هو أن المعلومات المبنية على الحقائق تفقد تأثيرها”. بالإضافة لذلك، ناصر برجر الصحافة المستقلة على أنها خط الدفاع الأساسي في مواجهة الأكاذيب. حث برجر الحكومات أيضًا على مكافحة المعلومات المضللة حول الفيروس وذلك بأن تكون شفافة أكثر وتحسن الوصول للمعلومات، ولكن أيضًا عن طريق عدم فرض قيود على حرية التعبير “بما قد يؤذي الدور الرئيسي للإعلام المستقل”. للأسف فإن عددًا كبيرًا من الحكومات حول العالم لم تستجب.
وفي عام ٢٠٢٢، ترك برجر منصبه في اليونسكو، ويعمل حاليًا كمستشار في قضايا الإعلام وسياسات الإنترنت وهو أستاذ فخري في جامعة رودس.
الرسم من تصميم فلوريان نيكول