يكتب محررنا الإقليمي كاثال شيرين في مساهمته الخاصة بيوم المرأة العالمي، والتي تأتي ضمن سلسلة خاصة من آيفكس تحتفي بهذا اليوم، كيف تواجه النساء في بولندا تحت ظل حزب القانون والعدالة الحاكم المزيد من القيود على كلٍ من الرعاية الصحية المتعلقة بقضايا الإنجاب، والوصول إلى معلومات دقيقة حول خياراتهن القانونية.
تُرجمت هذه المقال عن هذه النسخة الإنجليزية الأصلية
قصة “باء”
عام 2008، تعرضت باء وهي فتاة في الرابعة عشرة من عمرها للاغتصاب وحملت نتيجة ذلك. قررت هي ووالدتها “سين” أن الخيار الوحيد الممكن في هذا الوضع الصعب هو إنهاء الحمل. بعد الحصول على شهادة من المدعي العام (بحسب مقتضى القانون البولندي) أكدت بأن حملها كان نتيجة اغتصاب، ذهبت باء وسين إلى مستشفى حكومي في لوبين في غرب بولندا.
منذ لحظة دخولهما للمستشفى تم إعطاؤهما معلومات مضللة حول الإجراءات التي سيتم اتباعها. أخذ أحد الأطباء باء للتحدث مع قس كاثوليكي (رغم أنها لم تطلب ذلك) والذي حاول إقناعها بتغيير رأيها وضغط عليها كي تعطيه رقم هاتفها. وتم الحصول على توقيع والدة باء على استمارة تفيد بأن الإجهاض قد يؤدي إلى وفاة ابنتها (دون تقديم أية شروحات). أخيراً رفضت رئيسة قسم التوليد والنساء القيام بعملية الإجهاض لأن ذلك يخالف معتقداتها الشخصية. بحلول ذلك الوقت كان موظفو المستشفى قد قاموا بتسريب قصة باء إلى الصحافة.
أرغمت باء وسين على السفر ما يزيد عن 400 كلم إلى وارسو حيث أدخلت باء إلى مستشفى آخر، إلا أن موظفي ذلك المستشفى سرعان ما أخبروهما بأن المستشفى يتعرض للضغط كي لا يقوم بعملية الإجهاض. وفيما كان ذلك يحدث كانت باء تتلقى باستمرار رسائل نصية مناوئة للإجهاض من القس الذي التقته في لوبين.
ونتيجةً لذلك الضغط قررت باء وسين مغادرة ذلك المستشفى في وارسو بعد يومين فقط من وصولهما. وفيما غادرتا المبنى تمت مضايقتهما من قبل ناشطين مناوئين للإجهاض، ومن ثم – وبصورة صادمة – اعتقالهما وأخذهما إلى قسم الشرطة المحلي للاستجواب.
في قسم الشرطة تم إعلام باء وسين بأن محكمة العائلة في لوبين قضت بوضع باء في مأوى للأحداث بعد تجريد والدتها من حقوقها الأبوية على أساس أنها “ضغطت” على ابنتها للقيام بعملية الإجهاض.
تم إرسال باء إلى مأوى الأحداث حيث مرضت وتم نقلها إلى مستشفى آخر. في النهاية سمح لها بالحصول على الإجهاض ولكن ذلك بعد أن اشتكت ووالدتها مباشرة إلى وزارة الصحة. تم القيام بعملية الإجهاض في السر، على بعد 500 كلم من منزل باء.
إلا أن محنة باء لم تنته هنا، إذ تم رفع قضية ضدها مبنية على اشتباهٍ بممارستها الجنس مع قاصر؛ تم إيقاف التحقيقات بعد ثمانية أشهر على قيامها بالإجهاض.
كما تم إيقاف التحقيق حول مغتصبها.
أوصلت باء وسين القضية إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وفي عام 2012 حكمت المحكمة بأن بولندا خرقت خصوصية باء وبأنها احتجزتها دون وجه حق وأنها عرضتها لمعاملة لا إنسانية. وفي الحُكم، أكدت المحكمة مرة بعد أخرى بأن باء حرمت من الحق بالوصول إلى معلومات موثوقة حول وضعها، ومن الحق بالحصول على الإجراء الطبي الذي أرادته.
التعتيم والتشريعات المقيدة
رغم الأهوال التي واجهتها باء فإن وضع النساء الساعيات للحصول على إجهاض في بولندا قد ازداد سوءاً بشكل كبير منذ عام 2008، حيث قامت الحكومات المتعاقبة بسن التشريعات التي تزيد من القيود حول الحقوق الإنجابية ومن التعتيم على الخيارات المتاحة للنساء في هذا السياق.
حيث شن حزب القانون والعدالة القومي المحافظ الذي يحكم البلاد حرباً تشريعية وثقافية كبرى على الحقوق الإنجابية في بولندا منذ وصوله للسلطة عام 2015. وحزب القانون والعدالة حزب يعلن عن كراهيته للمثلية الجنسية وتأييده للقيم المحافظة ومناوئته للفكر الجندري (وهو مصطلح يشمل عدداً من المواضيع كحقوق المثليين والشاذين والمتحولين جنسياً وغيرهم، وتدريس التربية الجنسية في المدارس والنسوية) بالإضافة إلى اصطفافه مع الكنيسة الكاثوليكية. ويرى هذا الحزب بأن قوانين بولندا التي تقيد الإجهاض – والتي تعتبر من أكثر القوانين تقييداً في الاتحاد الأوروبي – ليست صارمة كفاية: ففي عام 2016 حاول الحزب الحاكم، وفشل، بفرض منع كامل للإجهاض، وفي 2018 قدم مشروع قانون يحرم الإجهاض في حالات التشوهات الجنينية الحادة (96% من جميع عمليات الإجهاض في بولندا يتم إجراؤها لهذا السبب).
@M_K_foto
هكذا سرنا مرة أخرى ضد مشروع منع الإجهاض في وارسو، بولندا في 23 آذار/ مارس 2018. http://goo.gl/n53MUU#blackprotest#blackfriday#CzarnyPiątek
الصورة: نحن حفيدات أولئك الساحرات اللواتي لم تستطيعوا إحراقهن
حالياً يسمح القانون البولندي بالإجهاض فقط إن كان الحمل يعرض حياة المرأة للخطر، أو إن كان هناك تشوه خلقي حاد لدى الجنين، أو إن كان الحمل نتيجة اغتصاب أو سفاح الأقارب.
مع أن الحزب الحاكم لم ينجح في تقييد الإجهاض للدرجة التي يرغب بها، إلا أنه نجح في إلحاق ضرر كبير بالحقوق الإنجابية بطرق أخرى. حيث شهد عام 2017 تمرير قانون حد من القدرة على الوصول إلى حبة منع الحمل التي تلي الجماع وذلك بتحويلها من عقار لحالة الطوارئ إلى عقار لا يباع إلا بوصفة طبية. والآن عوضاً عن شراء هذه الحبة بشكل سريع، أصبحت النساء بحاجة لزيارة الطبيب (على أمل ألا يرفض الطبيب إعطاءهن الوصفة بسبب معتقداته الشخصية) ودفع الثمن الكامل للعقار. تعتبر أكثر النساء تضرراً من هذا التغيير في القانون ضحايا الاغتصاب والنساء الفقيرات اللواتي يعشن في أماكن نائية.
وتعتبر عرقلة الوصول إلى المعلومات الموثوقة أحد التكتيكات الأخرى المتبعة في تقييد الحقوق الإنجابية. حالياً لا تقوم الحكومة البولندية بجمع أو نشر معلومات حول أعداد أو عناوين الأطباء الذين يقومون بعمليات الإجهاض بشكل آمن وقانوني، كما لا تقوم بذلك فيما يتعلق بالأطباء الذين يرفضون القيام بهذه العمليات لقناعاتهم الشخصية. ويصنف المنتدى البرلماني الأوروبي حول السكان والتنمية بولندا الآن في أخفض درجة بين الدل الأوروبية من حيث الوصول إلى وسائل منع الحمل وتوفر معلومات حول التخطيط الأسري على الإنترنت وخدمات النصح والإرشاد.
قد تأتي ضربة جديدة تعيق الوصول للمعلومات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجاب وذلك بشكل حظر كامل للتربية الجنسية في المدارس. في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، مرر مجلس الشعب قانون التربية الجنسية (والذي قُدم بشكل قانون لـ “إيقاف الاعتداء الجنسي على الأطفال”) وفيه قد يتم تجريم التربويين والمدرسين والمجموعات التي تقدم تربية جنسية أو معلومات حول الصحة الإنجابية والجنسانية لطلاب المدارس. حيث قد يواجه الجناة (وهم أولئك الذين يعتبرهم القانون “محرضين” أو “موافقين” على قيام القُصّر بنشاطات جنسية) عقوبةً تصل إلى ثلاث سنوات في السجن. وقد أدان البرلمان الأوروبي مشروع القانون هذا وشجبه على أنه “تحول في بولندا نحو تضليل النشء ووصم الجنسانية وحظرها ضمن السياقات التعليمية”.
@SophieintVeld
السجن نتيجة تقديم التربية الجنسية؟ الاتحاد الأوروبي يرفض! شجب البرلمان الأوروبي @Europarl_EN اليوم مشروع القانون البولندي الذي يجرم التربية الجنسية. يعتبر هذا القانون ضربة أخرى للحقوق الإنجابية والجنسية في بولندا. إنه غير مقبول ومخالف للقيم الأوروبية!
الحكومة ضد الجماعات المعنية بحقوق النساء
تعتبر إحدى التبعات الحتمية لتقييد الوصول إلى عمليات الإجهاض القانونية حدوث معظم عمليات الإجهاض في بولندا بشكل غير قانوني: تشير الإحصائيات الرسمية إلى حوالي 1000 عملية إجهاض قانونية في العام، في حين تقدر عمليات الإجهاض غير القانونية بحوالي 150,000 عملية.
ومن التبعات الأخرى إجبار النساء على البحث خارج بولندا لإيجاد حلول للحمل غير المرغوب. إذ بحسب إحدى الدراسات عام 2017 تسافر حوالي 20,000 امرأة بولندية سنوياً إلى خارج بولندا للقيام بعملية إجهاض (عادةً ما تسافرن إلى المانيا أو هولندا أو إنكلترا)
عادة ما تقوم منظمات مقرها بولندا كاتحاد النساء والتخطيط الأسري وأخرى مقرها ألمانيا كسوتشا باشا (آنت بيتي) بمساعدة هؤلاء النسوة. تمد هذه المنظمات النساء بالمعلومات اللازمة ليستطعن السفر إلى الخارج للحصول على إجهاض، وغالباً ما تقوم بتنسيق العملية بكاملها، كما تساعدهن على إيجاد الأدوية التي يمكنهن من خلالها إجهاض أي حمل غير مرغوب في مراحله الأولى بأمان. شهد كانون الأول/ ديسمبر 2019 إطلاق إجهاض بلا حدود وهي مبادرة تم تنسيقها من قبل ائتلاف من منظمات بولندية ودولية تعنى بالحقوق الإنجابية، وتهدف إلى تقديم المعلومات الضرورية واللازمة والدعم العملي والتمويل للنساء البولنديات اللواتي تحتجن القيام بالإجهاض (سواء في بولندا أم خارجها).
ونتيجةً للعمل الذي تقوم به هذه المبادرة وتحديه المباشر لرغبة الحزب الحاكم بنشر “القيم التقليدية” عبر بولندا، يتم استهداف المجموعات المعنية بحقوق النساء من قبل السلطات.
ففي تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2019 بعنوان “أنفاس الحكومة تلاحقني (The Breath of the Government on My back)” يتم ذكر تفاصيل الاعتداءات المتواصلة على المجموعات المعنية بحقوق النساء والتي حصلت في ظل حكم حزب العدالة والقانون. حيث تعرضت مكاتب المجموعات التي تدافع عن الحقوق الإنجابية وضحايا العنف الأسري للمداهمة واحتجاز وثائقها وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بها من قبل الشرطة (تحت ذرائع زائفة). وقد ساهم هذا في خلق مناخ من الخوف على المدافعات عن حقوق النساء، كما شكل وصمة عليهن في نظر العموم. بالإضافة لذلك تم تخفيض تمويل الحكومة للمنظمات المعنية بحقوق النساء بشكل كبير، مما أثر بشكل سلبي على حجم عملها في مجال الصحة الجنسية والإنجابية. وقد ترافق كل ذلك بحملات دنيئة لتشويه السمعة من قبل الحزب الحاكم ومجموعات تدعمها الكنيسة، صورت منظمات المجتمع المدني النسائية على أنها “تهديد للقيم العائلية”.
مداهمات الشرطة، وقف التمويل، حملات تشويه السمعة، الإجراءات التأديبية.. يبدو وكأن المدافعين عن حقوق النساء في #بولندا مستهدفون بشكل مباشر لا لسبب إلا لقيامهم بمساعدة الناجين من العنف أو لدعم الحقوق الأساسية في الصحة الإنجابية والتظاهر السلمي، بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش @hrw.
الشجب الدولي
تعتبر قصة باء واحدةً من ثلاث تمت الإشارة إليها من قبل مفوضة المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان دنيا مياتوفيتش في تقريرها حول بولندا (كانون الثاني/ يناير 2020) المقدم للجنة الوزراء. في معرض تحديدها لأوجه القلق لديها حول الوضع المتدهور للحقوق الإنجابية، دعت مياتوفيتش الحكومة البولندية لتقديم “إجراءات واضحة وفعالة وموحدة تمكن النساء من الوصول إلى عمليات إجهاض قانونية” ووضع “معايير ثابتة وعملية لتزويد النساء الراغبات بالإجهاض بشكل قانوني بمعلومات كافية حول الخطوات التي يجب أن يتبعنها أثناء ممارسة حقهن بذلك”.
وكانت مياتوفيتش واحدة من عدد من الخبراء في مجال حقوق الإنسان – بما في ذلك لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، المقرر الخاص للأمم المتحدة بشأن الحق بالصحة والمقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن العنف ضد المرأة ولجنة الأمم المتحدة المعنية بمسألة التمييز ضد المرأة في القانون والممارسة – التي شجبت نهج بولندا الانتكاصي فيما يتعلق بالحقوق الإنجابية عبر السنين.
من الصعب التكهن بمسار بولندا فيما يتعلق بالحقوق الإنجابية على الأمد البعيد. إلا أنه مهما كان المستقبل القريب يبدو مظلماً، فإن الرأي العام في بولندا، البلد المحافظ والكاثوليكي، آخذٌ بالسير نحو الليبرالية: إذ أظهر استطلاع للرأي قام به اتحاد النساء والتخطيط الأسري عام 2018 بأن 69% من المشاركين يرون بأنه يجب أن تكون النساء قادراتٍ على اتخاذ القرار بإنهاء الحمل حتى 12 أسبوعاً، في حين رأت ما نسبته 92% من المشاركين بأن الدولة لا علاقة لها بخيارات الأشخاص المتعلقة بحقوقهم الإنجابية.
الاحتفال بـ 28 أيلول/ سبتمبر في بولندا
دعم غير مسبوق للإجهاض القانوني (69%)
معارضة قوية لتدخل الدولة في الخيارات الإنجابية (92%)
الأحزاب والسياسيون والمنظمات غير الحكومية والمدافعين عن الحق بالاختيار يوقعون إعلان بروكسل @Safe_Abortion @WGNRR @SexualRights @ippfen