"من الواضح أن قطر تسعى إلى تثبيط، إن لم نقل منع، وسائل الإعلام الأجنبية من الحديث عن أي شيء آخر لا يتعلق بكرة القدم". حسب كريستوف ديلوار من مؤسسة مراسلون بلا حدود
نشر هذا المقال أولًا على مراسلون بلا حدود
تستنكر مراسلون بلا حدود رغبة قطر الواضحة في ثني الصحفيين عن القيام بعملهم خارج الملاعب خلال بطولة كأس العالم التي تستضيفها هذه الدولة على أراضيها أواخر 2022، حيث لا تزال عملية منح الاعتمادات الصحفية تنطوي على العديد من القيود وتخلق عقبات بيروقراطية شديدة الغموض.
يستنكر كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظمة مراسلون بلا حدود، “التفاف السلطات القطرية على نظام منح الاعتمادات والتصاريح الإعلامية لمنع الصحفيين من تسليط الضوء على قضايا معينة. فعند التقدم بطلب للحصول على الاعتماد، تجد المؤسسات الإعلامية نفسها مطالَبة بالموافقة على الالتزام بعدد من الشروط، بعضها يلفه الغموض واللبس ويمكن تفسيره على أساس تعسفي، مما يجعل من الواضح أن قطر تسعى إلى تثبيط، إن لم نقل منع، وسائل الإعلام الأجنبية من الحديث عن أي شيء آخر لا يتعلق بكرة القدم”.
تزعم قطر رسميًا أنها خففت القيود المفروضة على عمل الصحفيين الأجانب، حيث تمكنت مراسلون بلا حدود من الحصول على نسخة من تصاريح التصوير السابقة التي كانت تتضمن بندًا يحظر إنتاج تقارير “غير ملائمة أو مسيئة للثقافة القطرية والمبادئ الإسلامية”، وهو الشرط الذي تمت إزالته لاحقًا. كما أن نظام الاعتمادات الجديد لا يحدد لا المناطق ولا الشوارع ولا الأحياء التي يمكن للصحفيين التصوير فيها. ومع ذلك، فإن الجهة الرسمية المعنية بمنح الاعتمادات لوسائل الإعلام تحذّر في موقعها الإلكتروني من التصوير في “المجمعات السكنية والشركات الخاصة والمناطق الصناعية”، علمًا أن هذه الإشارة الأخيرة تحيل على المنطقة المثيرة للجدل التي أوضحت التقارير أنها بؤرة الانتهاكات التي تطال حقوق العمال المهاجرين. ويحظر التصريح الممنوح لممثلي وسائل الإعلام التصوير في “المناطق التي يكون الدخول إليها خاضعًا لقيود حيث يتطلب التصوير إذنًا مسبقًا”، كما يحظر التصوير في “أي موقع به لافتات أو جهاز أمني يشير إلى أن التصوير ممنوع في ذلك المكان”.
يجب أن توافق وسائل الإعلام على عدد من الشروط عند طلب الاعتمادات الصحفية عبر الإنترنت:
“بإرسال هذه الاستمارة، توافق أنت / مؤسستك على الشروط التالية:
. التصوير فقط في الأماكن المصرح بها
. لا يمكن التصوير في الأماكن المحظورة المذكورة أعلاه
. احترام خصوصية الأشخاص وعدم التدخل في حياتهم الشخصية أو تصويرهم أو تصوير ممتلكاتهم دون إذن صريح منهم
. الامتثال للقوانين القطرية”
وفي اتصال أجرته معها مراسلون بلا حدود، تؤكد اللجنة العليا للمشاريع والإرث – وهي الهيئة المسؤولة عن تنظيم كأس العالم – أن السلطات لا تعتزم فرض أي قيود على حرية الإعلام أو التعبير ولا تقييد عمل ممثلي وسائل الإعلام، حيث قال متحدث باسم الهيئة أنه “يُسمح بالتصوير في الممتلكات الخاصة، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، لكن هذا يتطلب موافقة المالك أو الجهة المسؤولة عن إدارة تلك الممتلكات”.
ورغم أنها قد تبدو تافهة، إلا أن القيود المشار إليها والغموض الذي يلف طريقة صياغة شروط التصوير تتيح للسلطات إمكانية تفسيرها على هواها، ولِمَ لا تعديل نطاق تطبيقها.
فمن خلال تصنيف مناطق معينة على أنها “خاصة” أو “ممتلكات سكنية” أو “شركات خاصة” أو “مناطق صناعية”، دون تحديد هوية مالكيها، فإن هذا بحد ذاته كفيل بأن يسمح للسلطات بحظر أطقم التلفزيون من إجراء مقابلات مع الناس في منازلهم خلال بطولة كأس العالم في قطر. ذلك أن طلبات الحصول على تصاريح التصوير “غالبًا ما تقودك إلى متاهة بيروقراطية معقدة عادة ما تنتهي في طريق مسدود”، على حد قول صحفي أجنبي مقيم في قطر طلب عدم الكشف عن هويته. وفي هذا الصدد، تحث السلطات القطرية الصحفيين على عدم المجازفة بدخول أماكن قد يشكل كشفها إحراجًا للدولة، وخاصة المناطق الصناعية، حيث يعيش العمال المهاجرون.
وأضاف الصحفي: “آخر شيء تريده الحكومة القطرية هو رؤية آلاف الصحفيين يتجولون بكاميراتهم في المواقع حيث يسكن العمال المهاجرون. لكنهم يعرفون في المقابل أنهم لا يستطيعون منع الصحفيين من الوصول إلى هناك دون جذب المزيد من الاهتمام. لهذا فإنهم يحاولون إعطاء الانطباع بأن لا شيء ممنوع، مع الإبقاء على هذه القيود”.
في قطر، يستغرق الحصول على تصاريح التصوير في الممتلكات الخاصة وقتًا طويلًا للغاية، وذلك حتى في المناطق غير الحساسة، مثل المتاحف وقاعات المؤتمرات وغيرها من المباني التابعة للهيئات الخاصة، بل إنه من الصعب معرفة الجهة المعنية بمنح تصاريح التصوير، مما يعني أن السماح للصحفيين بالتصوير حيثما يريدون، باستثناء الممتلكات الخاصة، بما في ذلك المنطقة الصناعية، هو في الواقع أسلوب بارع لتقييد عملهم.
اعتقال صحفيين بتهمة التعدي على ممتلكات خاصة
بهذه التهمة، تم احتجاز صحفي قناة بي بي سي، مارك لوبيل، وطاقمه التلفزيوني لمدة يومين في مايو / أيار 2015، بينما دعت الحكومة القطرية الصحفيين الأجانب لتغطية عملية منح العمال المهاجرين أماكن سكن جديدة، وهي مشاهد تتكرر بانتظام في قطر، حيث يتم تصوير مثل هذه الأحداث تحت إشراف الحكومة. لكن عندما عاد طاقم البي بي سي من تلقاء نفسه إلى موقع السكن الجديد لإنجاز مزيد من التقارير، تم القبض عليهم ومصادرة معداتهم بتهمة “التعدي على ممتلكات خاصة”.
وفي عام 2021، تم اعتقال الصحفي هالفور إيكلاند، العامل في القسم الرياضي الإذاعة العامة النرويجية ومصورها لقمان غرباني لأكثر من 30 ساعة بتهمة “التعدي على ممتلكات خاصة“، وتم إجبارهم على حذف اللقطات المصوَّرة من أجهزتهم، بعدما سلطوا الضوء على وضع المهاجرين في قطر.