نظرا للتحديات التي تواجه نيل العدالة، على الحكومات أيضا تبني نظرة طويلة الأمد. دعم الحقوقيين في الخطوط الأمامية للعدالة وحمايتهم أمر مهم، إلى جانب ضمان جمع الأدلة على الجرائم الدولية والحفاظ عليها لإتاحة المساءلة الجنائية.
نشر أولًا على هيومن رايتس ووتش.
17 يوليو/تموز هو يوم العدالة الجنائية الدولية. يصادف هذا العام أيضا مرور 25 عاما على اعتماد “نظام روما الأساسي“، المعاهدة التأسيسية لـ “المحكمة الجنائية الدولية”. تجتمع الدول الأعضاء في المحكمة اليوم بمقر الأمم المتحدة في نيويورك لمناقشة تعزيز الدعم السياسي والعملي للعدالة. هذا لا يعني العمل على دعم المحكمة الجنائية الدولية فحسب، بل أيضا المحاكم الوطنية وآليات المساءلة الأخرى في نظام العدالة الدولي بأكمله.
قبل عام، طالبت “هيومن رايتس ووتش” مع منظمات حقوقية أخرى الحكومات في جميع أنحاء العالم بالتخلص من المعايير المزدوجة التي تقيّد حصول الضحايا على العدالة في الجرائم الدولية الخطيرة.
وضعنا خمس خطوات يمكن أن تتخذها الحكومات لتعزيز نظام العدالة الدولي وتوسيع نطاق العدالة، بغض النظر عن مكان ارتكاب هذه الجرائم أو مَن ارتكبها. غالبا، يعتمد نيل الضحايا العدالة على الحسابات السياسية، بما فيها الإرادة السياسية لدعم مبادرات العدالة عمليا وبالموارد الكافية، ما يؤدي إلى ازدواج المعايير من قبل الأطراف الرائدة في معاملة مختلف الدول والمجموعات. إلغاء هذه المعايير المزدوجة هو تحدٍ أساسي. من الضروري إحقاق حقوق الضحايا، وهو أمر في صلب بناء نظام للعدالة الدولية يكون شرعيا وذا جودة، وواعدا بألا يكون أي أحد فوق القانون.
إذن ماذا فعلت الحكومات؟ كما هو متوقع، كان هناك تقدم وتحديات مستمرة.
هذا العام، توسع مدى المحكمة الجنائية الدولية، مع استئناف التحقيقات في أفغانستان، والفلبين، وفنزويلا. حدث تطور كبير منذ كان جدول أعمال المحكمة الجنائية الدولية مشغولا فقط بأفريقيا. لكن تحقيق العدالة المتساوية يتطلب أكثر من تنويع المجموعة الجغرافية. كما يتطلب دعما سياسيا ثابتا والتزاما بالعدالة المحايدة ذات الجودة العالية والموارد المالية عبر جهود المساءلة. هذا العام يُبرز مدى صعوبة هذه المهمة.
تقدمت القضية البارز بشأن دارفور في المحكمة الجنائية الدولية. مع ذلك، تجدد النزاع المسلح في السودان بعد سنوات من تقاعس المجتمع الدولي عن التعاون بشأن مذكرات الاعتقال المعلقة يُظهر كيف أن الإفلات من العقاب يغذي انتهاكات جديدة. لكن لا يقتصر هذا على دارفور – تظل مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية معلقة طوال عملها لأن المحكمة تعتمد على الدول في اعتقال المشتبه بهم.
كان الاهتمام العالمي بالمساءلة في أوكرانيا مهما، وأدى ذلك إلى ابتكارات لدعم الإجراءات الوطنية في أوكرانيا ومن خلال المحاكم الوطنية الأخرى، وأسفر عن مذكرتَي توقيف مهمتين من المحكمة الجنائية الدولية حتى الآن، إحداهما بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. مع ذلك، يتناقض الدعم الصريح لتحقيق المحكمة الجنائية الدولية في أوكرانيا – بما يشمل صد محاولات الحكومة الروسية للعرقلة – بشدة مع الدعم الصامت لعمل المحكمة على قضايا أخرى، كفلسطين، مثلا. كما لم تموّل الدول الأعضاء الزيادات الضرورية في ميزانية المحكمة، ما يهدد بفرض اتجاهات شديدة الانتقائية في القضايا والحالات. بجهود من المجموعة الأفريقية، أدركت دول المحكمة مخاطر الانتقائية، وتبنت قرارا في اجتماعها السنوي يعبر عن “دعم التنفيذ المتسق لولاية المحكمة” في الحالات والقضايا الواقعة ضمن اختصاصها.
إلغاء المعايير المزدوجة يعني دفع مزيد من الدول إلى الانضمام إلى الأعضاء الحاليين في المحكمة البالغ عددهم 123. رغم كل الاهتمام المُحقّ بالمساءلة في أوكرانيا، لم تكن هناك دلائل كثيرة على وجود ضغط حقيقي على أوكرانيا من الدول الأعضاء للانضمام إلى المحكمة، إلا أنه كانت هناك توصية رئيسية لسنوات من قبل منظمات المجتمع المدني الأوكرانية.
اتساع فرص نيل العدالة يعتمد أيضا على قيام المحاكم الوطنية بعملها. هنا شهدنا خطوات كبيرة منذ العام الماضي، في غينيا، حيث تتقدم محاكمة طال انتظارها بشأن الجرائم المرتكبة خلال مذبحة في العام 2009، وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، مع أول حكم أمام محكمة متخصصة في جرائم حرب، وفي أستراليا مع أول تهمة بارتكاب جرائم حرب في أفغانستان. لكن مثل هذه الجهود التي تبذلها السلطات الوطنية تظل الاستثناء وليس القاعدة بشأن ارتكاب جرائم خطيرة.
يمكن للمحاكم الوطنية أيضا أن تتحرك عندما تُرتكب الجرائم في مكان آخر باستخدام “الولاية القضائية العالمية”. يتصاعد عدد هذه الحالات، واعتمدت الحكومات معاهدة جديدة لتعزيز التعاون. التقدم في الولايات المتحدة بتشريع جديد، وفي فرنسا بحكم محكمة هام، يمكن أن يؤدي إلى زيادة استخدام الولاية القضائية العالمية في هاتين الدولتين. ما يزال على الولايات المتحدة، بالطبع، أن تحقق مساءلة حقيقية عن الانتهاكات التي ارتكبها أفرادها في “الحرب العالمية على الإرهاب”، بينما خفّض المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أولوية الجرائم المزعومة التي ارتكبتها القوات الأمريكية والقوات الحكومية الأفغانية في تحقيق مكتبه في أفغانستان.
نظرا للتحديات التي تواجه نيل العدالة، على الحكومات أيضا تبني نظرة طويلة الأمد. دعم الحقوقيين في الخطوط الأمامية للعدالة وحمايتهم أمر مهم، إلى جانب ضمان جمع الأدلة على الجرائم الدولية والحفاظ عليها لإتاحة المساءلة الجنائية.
قد يعني هذا الأمر أيضا النظر في مسارات غير تقليدية. تطور النظر في دور “محكمة العدل الدولية” التي تركز على مسؤولية الدولة، حيث قدمت كندا وهولندا طلبا لبدء إجراءات قضائية بشأن التعذيب في سوريا، وطلبت “الجمعية العامة للأمم المتحدة” رأيا استشاريا بشأن العواقب القانونية للاحتلال الإسرائيلي المطول للضفة الغربية وقطاع غزة. لن تؤدي هذه المبادرات إلى محاكمات جنائية، إلا أنها قد تكون عمليات مهمة لجهود المساءلة الموازية.
كما يجب معالجة آثار التاريخ مثل الموروثات المستمرة للعبودية والاستعمار. تغذي هذه الموروثات المستمرة أوجه الخلل في موازين القوى والتي غالبا تكون مصدرا لعدم المساواة في نيل العدالة. هذا العام، أفادت هيومن رايتس ووتش عن الجرائم الاستعمارية المستمرة ضد الإنسانية التي ترتكبتها المملكة المتحدة في جزر تشاغوس. على السلطات البريطانية فتح ملاحقة قضائية بشأن هذه الجرائم والنظر في حق أهالي تشاغوس في العودة إلى وطنهم. عليها أيضا دفع تعويض كامل وإصدار اعتذار حقيقي عن الخسائر التي تعرضوا لها نتيجة الجرائم الاستعمارية. لتكون إجراءات التعويض حقيقية، يجب إجراء مشاورات حقيقية لضمان مشاركة المجتمعات المتضررة في عمليات التعافي والمحاسبة هذه. تعطي الحركات المجتمعية من أجل التعويضات أملا جديدا في الجهود المبذولة لتصحيح الأخطاء التاريخية التي لا تزال تؤثر على إحقاق حقوق الإنسان.
إلغاء المعايير المزدوجة في نيل العدالة لن يحدث بين ليلة وضحاها، أو حتى خلال عام أو عقد. لكن التقدم ممكن طالما أن المجتمع الدولي يسعى إليه. مع زملائنا في حركة “التحالف من أجل المحكمة الجنائية الدولية”، سنواصل دعوة الحكومات إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لضمان المساواة في نيل الضحايا العدالة في كل مكان، اليوم وكل يوم.