يقول صحافيو الجزيرة المكلفون تغطية الأحداث في سوريا إنّ ازدهار المدونات والمواقع الإلكترونية قد أدى إلى انتشار التقارير الخاطئة عنهم من دون أي رقيب أو محاسب، فهم يتعرضون للاتهامات بسبب أقوال من المزعوم أنها منقولة عنهم على الإعلام الاجتماعي علماً أنهم لم يتفوهوا بها البتة.
وكأنه من غير الكافي أن يتعرض الصحافيون المكلفون بتغطية النزاع السوري للخطف أو الهجوم أو التفجير أو التهديد بالقتل، ها قد لجأ أعداؤهم الآن إلى تكتيك جديد ألا وهو استخدام الإعلام الاجتماعي لينقلوا عن ألسنتهم كلاماً تحريضيّاً لم يتفوهوا به قط وليقدموا مكافآت مقابل القبض عليهم.
ففي 31 مارس، ظهر فهيم صقر الكويتي على القناة التلفزيونية الحكومية السورية ليقدّم ما يساوي 141,700 دولار أميركي (حوالى 108,665 يورو) لمن يلقي القبض على مراسلي العربية أو الجزيرة، وذلك وفقاً لمعلومات نشرها تقرير على موقع العربية. ومن المزعوم أنّ صقر قال: “يضلل هؤلاء الأشخاص المواطنين السوريين داخل البلاد وخارجها وهم يضللون العالم العربي لا بل العالم بأسره بسبب التقارير الخاطئة التي ينشرونها بهدف تفكيك الدولة والنسيج الاجتماعي السوري”.
تعرّضت وسائل إعلامية دولية عدة، بما في ذلك المحطات القومية العربية “الجزيرة” و”العربية”، للانتقادات على مستويات مختلفة باعتبار أنها تخدم أجندة معادية للنظام في تغطيتها الإعلامية للأحداث في سوريا. وفي طليعة من يحط من قدر تلك الوسائل الإعلامية الحكومة السورية وموالوها. فهم يتهمون المحطات تلك بأنها تركّب أو تحرّض على مظاهرات أو اعتصامات ضد الحكومة.
ومن جهة أخرى، تتعرض الوسائل الإعلامية الحكومية السورية الموالية للحكومة للاتهام مراراً وتكراراً بأنها تقلل من درجة المعارضة الفعلية وبأنها تشير إلى كافة المعارضين السياسيين بالإرهابيين.
ولكن يبقى من واجب الصحافيين والمراسلين ممارسة عملهم في كلا الحالتين ويظهر الضرر الفعلي عندما يصل انتقاد التغطية الإعلامية إلى حدّ التهديد بالقتل والتحريض. فعلى سبيل المثال، قال يلماز أكينسي، وهو منتج يعمل في قناة الجزيرة، إنّ الإعلام السوري الحكومي قد وصفه ووصف العديد من زملائه العاملين في الإعلام الإخباري العربي بـ”الإرهابيين”. وأضاف: “يقولون إننا ننشر صورنا من استوديوهات نشيّدها في الصحراء”.
وأما الحقيقة التي لا جدل عليها فهي أنه من غير السهل تغطية الأحداث في سوريا ذلك أنها تغطية بالغة الخطورة خاصة وأنّ أكثر من 45 صحافيّاً قد توفّوا منذ بداية النزاع في سوريا. وغالباً ما يكون المراسلون الراغبون في الدخول إلى الدولة مرغمين على مساندة إما القوات الموالية أم مجموعة من الثوار. وتجد بعض الوسائل الإعلامية غير القادرة على دخول البلاد نفسها مجبرة على الاعتماد على الناشطين المحليين كمصادر للمعلومات.
وبالتالي تمسي عملية التحقق من صحة المعلومات عملية صعبة ما يؤدي إلى انتشار معلومات غير مدقق فيها على المواقع الإلكترونية والإعلام الاجتماعي وتستخدم مجموعة متزايدة من الناشطين على الإعلام الاجتماعي والصحافيين المواطنين هذه المعلومات لنقل أعمالهم – وآرائهم. (والجدير بالذكر أن هؤلاء الناشطون على الشبكة ورواد المدونات معرضون أيضاً لخطر على حياتهم من جراء عملهم هذا. فبحسب جمعية الصحافيين السوريين، لقد قُتل صحافيون ومراسلون مواطنون وناشطون إعلاميون منذ بداية النزاع).
والآن يقول صحافيو الجزيرة المكلفون تغطية الأحداث في سوريا إنّ ازدهار المدونات والمواقع الإلكترونية قد أدى إلى انتشار التقارير الخاطئة عنهم من دون أي رقيب أو محاسب، فهم يتعرضون للاتهامات بسبب أقوال من المزعوم أنها منقولة عنهم على الإعلام الاجتماعي علماً أنهم لم يتفوهوا بها البتة.
حصل المعهد الدولي للصحافة على معلومات من المذيعة غادة عويس التي أمضت أسبوعاً تراسل من المدينة السورية حلب في مارس والتي تعرضت بالتالي إلى تهديدات بالقتل تفيد بأنّ تقارير خاطئة إلى أقصى الحدود قد طالتها وطالت الجزيرة. واعتبرت عويس أن محتوى تلك التقارير وانتشارها قد عرّض حياتها للخطر.
ثم أضافت أن “معظم تلك المقالات عاري عن الصحة والدقة ومليء بالقصص الملفقة” إلا أنّ “تكاثر” المواقع العربية الصعب مراقبتها “يجعل من هذه القصص تبدو وكأنها حقائق”.
وسلّطت عويس الضوء على قصة شكّلت موضوع مقالة على الموقع syriatruth.org. وكانت المقالة هذه تتهم غادة عويس بالمساعدة على اختطاف والد ممثلة سورية حتى يتمكن الثوار بالادعاء بأنه قد انشق. ونفت عويس بشدة هذه الادعاءات وقالت في بريد إلكتروني أرسلته إلى المعهد الدولي للصحافة: “طبعاً أنني وفريقي لم نخطف أحداً فنحن صحافيون ولسنا بعصابة أو بثوار مسلحين. (تأسس الموقع الإلكتروني الذي نشر هذا التقرير على يد نزار نيوف وهو صحافي سوري سُجن لسنوات عدة قبل الثورة وكان قد أطلق عليه وقتذاك لقب “بطل لحرية الصحافة في العالم” من قبل المعهد الدولي للصحافة.
وما يقلق أكثر بعد هو، وبحسب عويس، انتشار حسابات فيسبوك مزورة وعلى الأقل حساب واحد على تويتر حيث تم استخدام اسمها وصورتها وتفاصيل أخرى من هويتها. (في الحقيقة أن عويس لا تستخدم تويتر حاليّاً البتة). وفي الوقت الذي صدر به هذا المقال، كانت الجزيرة قد أقنعت فيسبوك بإغلاق الحسابات المزورة إلا أن حساب تويتر المزور كان لا يزال شغّالاً.
وليست عويس الصحافية الوحيدة العاملة في الجزيرة والتي تواجه مثل هذه المشاكل. فالمنتج أكينسي خاض التجربة نفسها بالرغم من أنه أقنع فيسبوك في النهاية بإغلاق الحساب الذي كان يستخدم صوراً عنه بطريقة كاذبة.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على صحافيي الجزيرة إذ نقلت صحيفة غارديان ومقرها لندن أنّ مجموعة من الصحافيين من بي بي سي فارسي وإذاعة فاردا قد تعرضوا لانتحال شخصياتهم. وكتبت صحيفة غارديان أنّ “ناشطين على الشبكة مرتبطون بالجمهورية الإسلامية قد لفقوا الأخبار وزوّروا حسابات فيسبوك ونشروا ادعاءات كاذبة عن سوء سلوك جنسي صادر عن صحافيين في المنفى” وأشارت الصيحفة أنّه تم تزوير موقع إلكتروني كامل لـبي بي سي فارسي وهو مماثل للموقع الأصلي من حيث الألوان وخط النص ولكنه مختلف من حيث المحتوى”.
وتماماً كما كانت الحال مع الصحافيين الإيرانيين كذلك تم استخدام الحسابات المزورة للإساءة إلى سمعة عويس، بحسب قولها. وأخبرت عويس المعهد الدولي للصحافة أن الحسابات المزورة هذه تجعلها تبدو وكأنها تقول تعليقات “متحيزة وغير مهنية” ضد الحكومة السورية ما يزيد من “كراهية الموالين للنظام وعنفهم تجاهها فينشرون المزيد من التعليقات العدائية ضدها ومن التهديدات بقتلها”.
إلا أنّ التهديد بالقتل الفاضح بشكل خاص جاء في 16 مارس 2013 حين عرض مستخدم لفيسبوك مكافأة 50,000 دولار أميركي (أكثر من 38,343 يورو) لمن يسلّم عويس إلى السلطات السورية سواء “حية أم ميتة”، بحسب ما نقلته التقارير وما نشره الصحافيون.
وفي محاولة للرد (والتصعيد بشكل كبير نسبيّاً)، قدّم واحد من حسابات غادة عويس المزورة على فيسبوك مكافأة مليون دولار أميركي لمن يقتل الرئيس بشار الأسد، بحسب ما قالته عويس وما نقلته التقارير الإخبارية.
وغالباً ما استخدمت منظمات إخبارية عدة ادعاء تقديم عويس لهذه المكافأة وغيرها من التصاريح كمثال عن انعدام المهنية في الجزيرة. أما من جهتها فقد قالت عويس إنها “محطمة فعلاً وغير قادرة على وضع حد لوابل المواقع الإلكترونية التي تقتبس أقوالاً عن صفحاتها المزورة!”
وأضافت أنها تخشى من أن تؤدي الحسابات المزورة والتقارير الكاذبة إلى “أعمال غير مناسبة صادرة عن أشخاص متطرفون غير مسؤولين” داخل سوريا وفي أنحاء المنطقة.
وقالت ألسون بيثيل مكنزي المديرة التنفيذية للمعهد الدولي للإعلام: “إننا ندين أي تهديد بالقتل موجه ضد الصحافيين ونحن قلقون من التقارير التي تشير إلى أن الحسابات والمواقع الإلكترونية المزورة تستخدم لتكون حجة في يد من يريد تهديد الصحافيين بالقتل”.
وأردفت بالقول: “نعترف بقيمة المواقع والحسابات الساخرة وبالحاجة لحماية حرية التعبير حتى لو كان هذا الأخير بذيئاً ومهيناً. ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار ومن دون مخالفة حرية التعبير، فإننا ندعو فيسبوك وتويتر وغيرهما من شركات الإعلام الاجتماعي إلى بذل كامل الجهود للرد بسرعة على ادعاءات انتحال الشخصية”.
يقولون إنّ ضحية الحرب الأولى هي الحقيقة. فمن جهة يعزز عصر المعلومات الفورية الحقيقة لأنه لا يمكن إخفاء الأسرار البشعة لوقت طويل ويمكن تحدي المعلومات المضللة. ولكن من جهة أخرى، تزود سرعة الإنترنت وعدم ذكر أسماء مستخدميها منصة خصبة للمعلومات غير الدقيقة وحتى المضللة بشكل متعمد.
تعرّض الصحافيون أحياناً للخداع بسبب حسابات الإعلام الاجتماعي المزوّرة كما أنهم كانوا هدفاً لانتحال الشخصية على الشبكة. ولكن هذا لا يعني أنه يجب منع قنوات التواصل الجديدة لا بل على العكس، يجب حمايتها مهما كان الثمن. وهذا يبيّن أنّ التدقيق في الحقائق والاستعانة بمصادر متنوعة وممارسة الصحافة الجيدة أمور مهمة أكثر من أي وقت مضى من أجل فصل الحقيقة عن الخيال.
من المقرر أن يتضمن المؤتمر العالمي للمعهد الدولي للصحافة الذي المنعقد في عمّان في الأردن من 12 إلى 15 أبريل 2013 حلقتي مناقشة تتطرقان إلى الإعلام الاجتماعي وتغطية الأحداث في سوريا بعنوان: “قياس الحقيقة: كيفية تغطية الأحداث في سوريا وبمن يمكن الوثوق” و”استخدام الإعلام الاجتماعي في تغطية الأخبار”. للمزيد من المعلومات أو للتسجيل، يرجى زيارة الموقع www.ipiworldcongress.com.