تخيلوا عالماً بدون افلات من العقاب. يتمتع فيه كل شخص بممارسة حقه في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات بحرية، ويكون قادراً على الوصول إلى الأفكار والمعلومات وتطويرها وتبادلها بأي طريقة يختارها، دون خوف. نحن نتخيل هذا العالم.
في هذا اليوم العالمي لانهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين هذا العام، من المهم أن ندرك العلاقة الأساسية بين الحق في حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات. كثيراً ما يكون الصحفيون الأهداف المباشرة عندما يتعرض أي من هذين الحقين الاعتداء، ولكن جميعنا ضحايا في نهاية المطاف.
قبل أسبوعين، صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لإعلان 28 أيلول اليوم الدولي لتعميم الانتفاع بالمعلومات. يعد هذا القرار انتصاراً كبيراً، خاصةً أنه جاء بعد عشر سنوات من الدعوة المستمرة من قبل العديد من مجموعات المجتمع المدني، بما فيها العديد من الأعضاء الأفارقة في شبكة آيفكس.
قد يستقبل بعض الناس هذا الخبر بالامبالاة – ولكنهم في الغالب لم يشاركوا في النضال من أجل الدفاع عن حرية التعبير. ولكن عليهم التفكير مرة أخرى، لأن حقنا في الحصول على المعلومات لا ينفصل عن حقنا في التعبير، وكلاهما يتعرض للاعتداء بشكل متزايد.
تتخذ التهديدات على المعلومات أشكالاً عدة: من الاعتداءات على الصحفيين إلى التضليل المتعمد إلى عرقلة الصحف. تمتد آثار ذلك إلى المدى البعيد: منع الناس من الوصول إلى المعلومات التي يحتاجون إليها للتعامل مع القضايا التي تهمهم، مما يؤدي إلى تفاقم الانقسام السياسي وتقويض الديمقراطية.
لنأخذ مثالاً بارزاً وحديثاً عن قوة التعبير واعتمادها على القدرة إلى الوصول إلى المعلومات.
في الشهر الماضي، خرج نحو ٦ ملايين شخص إلى الشوارع كرد على أزمة التغير المناخي. وقد ألهم إبداعهم في الاحتجاجات الكثيرين أثناء مسيراتهم؛ ممارسة التعبير ودعمه بالحقائق.
ناشدتنا الناشطة المناخية السويدية غريتا ثورنبرغ “للاستماع إلى العلماء” — ولكن ماذا لو تم إسكات الأصوات التي نحتاج للاستماع إليها، سواء بشكل مباشر أم غير مباشر؟
يمكن إسكات الأصوات من خلال الرقابة، أو عبر إغراقها في بحر من المعلومات المضللة. لكن تتزايد حالات الاسكات باستخدام القتل. القتل بدون عواقب. القتل مع الإفلات من العقاب.
كشفت دراسة شاملة صدرت في آب٢٠١٩ أن حالات قتل الناشطين في مجال البيئة قد تضاعف على مدى السنوات الخمسة عشرة الماضية. وفي ٩٠% من هذه الحالات، لم تتم ادانة أحد — وهو مستوى مروع من الإفلات من العقاب، يقابله عدد مروع من الصحفيين المقتولين.
فيما نحتفي باليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، لاتزال هذه الرقابة القاتلة ماثلةً أمامنا.
وتذكرنا قائمة اليونسكو بالصحفيين الذين قتلوا في جميع أنحاء العالم بالواقع الصعب— قُتِل أكثر من ألف صحفي منذ عام ٢٠٠٦. وارتفعت أيضاً نسبة النساء المقتولات، حيث تواجه الصحفيات اعتداءات متزايدة تتعلق بالنوع الاجتماعي.
ومن بين ٢٠٧ صحفي قتلوا ما بين كانون الثاني ٢٠١٧ وحزيران ٢٠١٩، كان أكثر من نصفهم يكتبون عن الجريمة المنظمة والسياسة المحلية والفساد.
انتهى حقهم في التعبير، إلى الأبد، لمنعهم من نشر المعلومات.
في كل مرة تمر جريمة من هذا القبيل دون عقاب، يتشجع المجرمون الآخرون. في حين يطرح الذين ينشرون معلومات تتعلق بالمصلحة العامة سؤالاً مُحقاً: هل يساوي هذا حياتي؟ هل يستحق تعريض عائلتي للخطر؟ وإذا قرروا أنه لا يستحق كل تلك المخاطرة، فمن يستطيع لومهم؟ الآثار المتلاحقة للإفلات من العقاب لا نهاية لها.
ولهذا السبب، وعلى مدى ثماني سنوات، تُطلق شبكة آيفكس حملة إنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين وجميع الذين يمارسون حقهم في حرية التعبير.
هذه المهمة لا تحقق انتصارات سريعة. بحسب التعبير الرائج: إنه ماراثون، وليس سباق سرعة. ولا تنتهي المهمة بإيجاد مرتكبي هذه الجرائم؛ بل يجب مساءلة الدول لسماحها بالإفلات من العقاب أو تشجيع المناخ الذي تزدهر فيه هذه الجرائم.
نحتفي بكل فوز، كبيراً كان أم صغيراً. والخبر السار هو أننا نشهد في آيفكس استراتيجيات جديدة خلاقة وتعاونية وقوية، وتقدماً ملموساً.
في الأشهر الاثني عشر الماضية، رأينا الحقيقة تتكشف أخيراً في غامبيا حول قتل الصحفي دايدا هيدارا عام ٢٠٠٤؛ وفي واقعة حقوقية هامة، حكمت محكمة الدول الأمريكية لحقوق الإنسان بأن حكومة كولومبيا مسؤولة في قضية قتل نيلسون كارفاخال كارفاخال عام ١٩٩٨، وكان هناك قرار تاريخي من قبل لجنة الدول الأمريكية بقبول قضية الهجوم الوحشي في أيار ٢٠٠٠ والذي كاد أن يقتل الصحفية الاستقصائية جينت بيدويا ليما.
قبل أسبوعين فقط، رحبنا بقرار قيرغيزستان بإعادة فتح قضية عمرها ١٢ عاماً، وهي قضية اغتيال الصحفي أليشر سايبوف، بعد ضغط متواصل من قبل آيفكس وشركائها المحليين معهد سياسات الإعلام ورابطة الصحفيين العاميين.
تخيلوا أن هذه الحالات مجتمعة تمثل 66 عاماً من الإفلات من العقاب.
لذا دعونا نقول بشكل عال وواضح للمسؤولين عن العنف ضد الصحفيين،أو الذين يفكرون بارتكابه: قد يمر وقت طويل تظنون بعده أن الناس نسيت وأنكم أفلتم من العقاب. ولكن كلا. إن الملتزمين منا بمكافحة الإفلات من العقاب مثابرون. نحن لا نستسلم. لذا لن ترتاحوا بسهولة.
بالنسبة لنا، تمثل ثقافة الإفلات من العقاب على الاعتداءات على الصحفيين واحدةً من أكبر الأخطار التي تهدد حرية التعبير في جميع أنحاء العالم. إن التقدم الذي أحرزناه نحو إنهاء الإفلات من العقاب ما كان ليتحقق أبداً لولا قدرة الذين يكافحونه على الصمود والمثابرة.
يجب أن نستخدم حريتنا في التعبير للدفاع عنها. ويجب أن نستخدمها للحديث عن الجرائم المرتكبة بحق الصحفيين، ووضع حد للإفلات من العقاب.
إن اليوم العالمي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين هو يوم واحد، ولكن الجهود تستمر على مدار العام. أدعوكم لمشاهدة هذا الفيديو القصير لتطلعوا على الوسائل التي يعمل بها الناس في جميع أنحاء العالم لإنهاء الإفلات من العقاب، وجعل عمل الصحفيين أكثر أماناً.
آني جايم هي المديرة التنفيذية لآيفكس، الشبكة العالمية للترويج والدفاع عن حرية التعبير والحصول على المعلومات.