الأجهزة الأمنية الإيرانية صعّدت استهدافها لمواطنين إيرانيين ثنائيي الجنسية ومواطنين أجانب، ترى أن لهم صلات مع مؤسسات أكاديمية واقتصادية وثقافية غربية.
تم نشر هذا المقال أولاً على موقع منظمة هيومن رايتس ووتش بتاريخ 26 أيلول 2018
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن الأجهزة الأمنية الإيرانية صعّدت استهدافها لمواطنين إيرانيين ثنائيي الجنسية ومواطنين أجانب، ترى أن لهم صلات مع مؤسسات أكاديمية واقتصادية وثقافية غربية.
وثّقت هيومن رايتس ووتش حالات 14 مواطنا ثنائي الجنسية أو أجنبيا اعتقلتهم مخابرات “الحرس الثوري الإيراني” منذ عام 2014. اتهمتهم المحاكم في حالات كثيرة بالتعاون مع “دولة معادية” دون الكشف عن أي دليل. قال الذين قوبلوا حول الحالات إنهم يعتقدون أنه، في حالات المستهدفين، ترى السلطات أن لهؤلاء الأفراد قدرة على تسهيل العلاقات بين إيران والكيانات الغربية خارج سيطرة الأجهزة الأمنية الإيرانية.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “بينما تستعد إيران لفتح الباب أمام التبادل التجاري الدولي والثقافي، يبدو أن السلطات الأمنية تزجّ في السجن ببعض أكثر الأشخاص ملاءمة لترميم العلاقة مع المجتمع الدولي. هذه الحملة ضد الأجانب والمواطنين ثنائيي الجنسية توجه رسالة تهديد إلى المغتربين الإيرانيين والأجانب المهتمين بالعمل في إيران، بأن معرفتهم وخبراتهم قد تُستخدم ضدهم إن زاروا البلاد”.
في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2018، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 10 أشخاص لديهم معرفة وافية عن الحالات الـ 14 الموثقة، بمن فيهم معتقلون سابقون ومحامون وأفراد عائلات وخبراء في السياسة الإيرانية. كما راجعت هيومن رايتس ووتش مقاطع فيديو باللغة الفارسية تعرض هذه القضايا على التلفزيون الإيراني الرسمي، وتصريحات مسؤولين إيرانيين، وبيانات مقدمة نيابة عن القضايا الإيرانية إلى “الفريق العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي” التابع للأمم المتحدة.
استنادا إلى هذه الأدلة، من الواضح أن السلطات الإيرانية انتهكت حقوق المعتقلين في إجراءات التقاضي السليمة، ونفّذت نمطا من الاعتقالات ذا دوافع سياسية. العدد الدقيق للمحتجزين منذ 2014 هو على الأرجح أعلى بكثير من الـ 14 حالة التي تأكدت هيومن رايتس ووتش منها. في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، ذكرت وكالة “رويترز” أن السلطات احتجزت 30 إيرانيا وإيرانية ثنائيي الجنسية على الأقل في إيران منذ 2015.
بينما تراوح المعتقلون بين الأكاديميين والعاملين في الفن، اتهم عناصر المخابرات المعتقلين أثناء الاستجواب بالتجسس، على أساس ارتباطهم بمؤسسات عامة غربية، بدلا من أي عمل أو وثيقة محددة قد تثير احتمال ارتكاب مخالفات. كما أن مقاطع الفيديو التي يُزعم أنها تُجرّمهم والتي بثها الإعلام الإيراني تعكس أيضا أسئلة المحققين، وتسلط الضوء على انتماء المعتقلين إلى مختلف المؤسسات الشرعية، وتتهمهم بالتجسس دون تقديم أي أدلة.
قرّر فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي أن عمليات الاعتقال والاحتجاز في عديد من هذه الحالات كانت تعسفية، وأن السلطات استهدفت الأشخاص على أساس “أصلهم القومي أو الاجتماعي” بوصفهم مواطنين ثنائيي الجنسية أو أجانب. كما أشار إلى وجود نمط ناشئ لاحتجاز إيران لمواطنين ثنائيي الجنسية.
يتسم احتجاز هؤلاء الأفراد بانتهاكات خطيرة في الإجراءات القانونية. تمنع السلطات الإيرانية بشكل منهجي المتهمين بجرائم الأمن القومي من إمكانية الوصول إلى المحامين الذين يختارونهم خلال مرحلة التحقيق. قالت مصادر على دراية باحتجاز مواطنين ثنائيي الجنسية وأجانب إن عديدا منهم لم يتمكنوا من الاتصال بأي مستشار قانوني أثناء التحقيق.
حاكَمَ الفرع 15 لمحكمة طهران الثورية أغلبية المتهمين في هذه القضايا بموجب المادة 508 من “قانون العقوبات الإسلامي”، والتي تنص على أن “أي شخص أو جماعة تتعاون مع دول معادية بأي شكل… إذا لم يعتبر محاربا [الحكم الذي يشمل عقوبة الإعدام]، يُحكم عليه بالسجن بين 1 و10 سنوات”. رغم ذلك، لا تتفق أحكام المحكمة الثورية مع رأي المحكمة العليا الإيرانية لعام 2014 الذي ينص على أن “إيران ليست على نزاع مع أي بلد، وأن عبارة “دولة معادية” لا تشير إلى الاختلافات السياسية مع الدول”.
تلعب بعض وسائل الإعلام الإيرانية القريبة من أجهزة المخابرات التي تنتهك حقوق الإنسان، بما فيها “إذاعة الجمهورية الاسلامية في إيران”، دورا هاما في تقويض حقوق المحاكمة العادلة وافتراض البراءة من خلال تشكيل الرأي العام حول جرائم الاعتقال المزعومة للمعتقلين. تبث وسائل الإعلام “أفلام وثائقية” كجزء من حملات تشهير تدّعي أن المتهم جزء من محاولات غربية لـ “اختراق” البلاد. تشمل بعض البرامج فيديوهات للمتهمين يدلون باعترافات منتزعة على ما يبدو.
لا تتم عادة تبرئة الرعايا ثنائيي الجنسية الذين يُحتجزون ثم يطلق سراحهم فيما بعد، لكن يتم الإفراج عنهم فيما تصفه السلطات لـ “أسباب إنسانية”. منذ بدء تبادل الأسرى بين إيران والولايات المتحدة عام 2016، ظهرت مؤشرات عديدة على أن السلطات الإيرانية قد تكون مستعدة لإطلاق سراح مواطنين ثنائيي الجنسية وأجانب محتجزين، مقابل اتفاقيات ثنائية مع دول الأشخاص المحتجزين.
قالت ويتسن: “وجود مواطنين ذوي صلات عميقة بالثقافات والبلدان الأخرى هو عامل إيجابي، وليس جريمة جنائية. لكن يبدو أن الأجهزة الأمنية الإيرانية قد اتخذت قرارا دنيئا باستخدام هؤلاء الأفراد كورقة مساومة لحل الخلافات الدبلوماسية.”
توسّع دور منظمة مخابرات الحرس الثوري
مع تصاعد دور وتأثير الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، أصبح الجهاز الأمني الأول في استهداف المواطنين ثنائيي الجنسية والأجانب. كرد فعل على محاولات الرئيس السابق محمد خاتمي لتحقيق قدر محدود من المساءلة عن عمليات الاغتيال المتسلسلة للمعارضين أواخر التسعينيات، بدأت عدة مجموعات في تطوير مؤسسات استخبارية موازية خارج سيطرة رئاسته. تحت رئاسة محمود أحمدي نجاد، احتفظت تلك المؤسسات الاستخبارية بقوتها ووسعتها خارج إشراف وزارة الاستخبارات. أفاد مقال نشر في موقع “أخبار فارس” في أكتوبر/تشرين الأول 2014 أن 16 منظمة استخبارية تعمل في إيران.
رغم أن وزارة الاستخبارات اعتقلت بشكل تعسفي مئات النشطاء بجميع أنحاء البلاد في عهد أحمدي نجاد، إلا أن أجزاء أخرى من المؤسسة الأمنية اعتبرتها غير قادرة على التعامل مع المظاهرات المناهضة للحكومة التي اندلعت في أعقاب انتخابات يونيو/حزيران 2009. قال إسماعيل أحمدي مقدم، الرئيس السابق لشرطة طهران، لصحيفة “شرق” في 23 أغسطس/آب 2015 إن وزارة الاستخبارات كانت ضعيفة لأن القوى الإصلاحية شكّلت هيكليتها: “خلال حملة الفتنة 2009 (أي احتجاجات الانتخابات المتعلقة بالحركة الخضراء) شعرنا أن موظفي الوزارة كانوا جيدين عموما… لكن كانت هناك ميول [نحو الإصلاحيين]، ولن يبذل هؤلاء الأشخاص قصارى جهدهم لقطع جذور الفتنة”.
تطورت قوات الاستخبارات المتشددة أكثر عام 2009، حيث أفادت “وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية” (إيرنا) في 7 أكتوبر/تشرين الأول بأن “وحدة استخبارات” الحرس الثوري تمت ترقيتها إلى “منظمة استخبارات”، ما جعلها مؤسسة استخبارية رئيسية تتمتع بصلاحيات واسعة. عندما بدأت ولاية الرئيس حسن روحاني عام 2013، حاول وزير استخباراته تسهيل التنسيق بين المؤسسات الاستخبارية من خلال عقد اجتماعات منتظمة لـ “مجلس تنسيق الاستخبارات”.
رغم هذا الجهد، أصبحت الوزارة أكثر تهميشا في عهد روحاني، لدرجة أن منظمة الاستخبارات الحرس الثوري اعتقلت عديدا من النشطاء المقربين من الحكومة بعد أن التقوا مع سيد محمود علوي، وزير الاستخبارات، في نهاية ولاية روحاني الأولى. منذ عام 2013، اعتقل الحرس الثوري الإسلامي أيضا عشرات الصحفيين والنشطاء والأكاديميين الإيرانيين تعسفا بناء على اتهامات أمنية غامضة متعلقة بالأمن القومي تشمل الارتباط بكيانات غربية، ووضعهم في الحبس الانفرادي لشهور. كان من بينهم مواطنون ثنائيو الجنسية وأجانب.
في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2017، حكمت محكمة على المواطن الكندي الإيراني عبد الرسول درّي أصفهاني، عضو في فريق المفاوضات النووية الإيراني والذي اعتقلته المخابرات التابعة للحرس الثوري، بالسجن 5 سنوات بتهمة “التجسس”. قال حينها وزير الاستخبارات علوي إنه لا يعتبر أصفهاني جاسوسا وأن وزارة الاستخبارات هي صاحبة الصلاحية في اتخاذ مثل هذه القرارات. نشرت “وكالة ميزان للأنباء”، التي تُعتبر وكالة الأنباء القضائية، مقالا في اليوم التالي تقول فيه إن وكالات استخبارات أخرى، مثل منظمة استخبارات الحرس الثوري، لديها صلاحيات مماثلة.
تواصل وزارة الاستخبارات استهداف الأشخاص بتهم تجسس غامضة، لكن يبدو أن منظمة استخبارات الحرس الثوري، التي يرأسها حسين طائب، رسخت مكانتها كجهة أمنية قيادية في قمع المعارضة والتهديدات المتصورة للسيطرة الاستبدادية على السلطة السياسية غير المنتخبة للجمهورية الإسلامية، ووسعت صلاحياتها لتشمل الأجانب والمواطنين ثنائيي الجنسية.
في 2 سبتمبر/أيلول، نشر جواد كريمي قدوسي، عضو البرلمان من مدينة مشهد، فيلما “وثائقيا”، دون أن يقدم أي دليل فيه، اتهم فيه أصفهاني بالتعاون مع المخابرات الأمريكية والبريطانية. هاجم الفيديو الذي زُعم أنه أنتج من قبل أشخاص مقربين من مخابرات الحرس الثوري، بيان وزير الاستخبارات بشكل مباشر، بأنه لا يعتبر أصفهاني جاسوسا.
الرجاء الضغط هنا لقراءة التقرير كاملاً