استمرار المكابرة والعناد من جانب مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها في النزول على مطالب الشعب المصري ينذر بمخاطر محدقة على السلم الأهلي.
تؤكد المنظمات الموقعة أدناه على تقديرها العميق للانتفاضة العارمة للشعب المصري، والتي انطلقت في ثلاثين يونيو، متحديةً بجسارة نهج الاستبداد السياسي المتخذ غطاء ديني، على النحو نفسه الذي تحدت فيه من قبل نهج نظام مبارك ودولته البوليسية. وتعتبر المنظمات الموقعة أن انتفاضة الشعب المصري كانت بمثابة استفتاء شعبي حقيقي انحازت فيه غالبية المصريين إلى رفض كل السياسات التي استهدفت التنكيل بالحقوق والحريات من أجل تمكين فصيل سياسي من احتكار مؤسسات الدولة، والعصف بالحد الأدنى من سيادة القانون وتقويض الهيئات القضائية وإهدار أحكام القضاء والتنكيل القانوني بالمعارضين السياسيين ووضع قيود على الأعلام وحرية الرأي والتعبير، فضلاً عن الرفض العارم لفرض الوصاية باسم الدين على هوية المصريين وطرائق حياتهم.
في هذا السياق تتابع المنظمات الحقوقية الموقعة ببالغ الاهتمام والقلق التطورات السياسية المتلاحقة التي تشهدها الساحة المصرية، والتي تنذر بمخاطر وشيكة على السلم الأهلي، بعدما أدت السياسات المنتهجة من قبل مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم من بعض فصائل الإسلام السياسي المناصرة لها، على مدى عام كامل أو ما يزيد، إلى سد منافذ الحوار، وتبديد فرص بناء وفاق وطني، وتأجيج الاستقطاب السياسي والأيديولوجي، ووصم معارضي المشروع السياسي لهم بالكفر وجعلهم أهدافًا مستباحة للعنف. ورغم دعاوى العنف المتلاحقة والمعروفة مسبقاً، فشلت الأجهزة التنفيذية وعلى رأسها رئيس الجمهورية في وضع خطه للحد من الأحداث الدموية التي أدت إلى مقتل العشرات وإصابة المئات من المصريين على مدار الأسبوع الماضي.
وتسجل المنظمات الحقوقية في الوقت ذاته إدانتها لانزلاق بعض المنخرطين في هذه الانتفاضة السلمية الحضارية إلى ممارسة العنف والتعدي على أنصار د. محمد مرسي ومقار جماعة الإخوان المسلمين وحزبها، رغمًا عن إدراكنا أن هذه الأفعال المؤثمة ما كان لها أن تتنامى إلا بعدما أضحى التحريض العلني لأعضاء الجماعة ومناصريها على قمع خصومها سياسة معتمدة، وبعدما أضحى مرتكبي أعمال العنف والتعذيب والقتل من مناصري الإخوان المسلمين بمنأى عن المحاسبة والعقاب. وتؤكد المنظمات الموقعة أن انتهاج السلطة الحاكمة لسياسة الإفلات من العقاب التي أسستها دولة مبارك هي الدافع الرئيسي وراء تلك الانتفاضة العارمة.
وتشدد المنظمات الموقعة أيضًا على إدانتها لأعمال العنف والتحريض العلني على التنكيل بالخصوم من جانب الجماعة وأنصارها، وتطالب المنظمات بإعمال معايير العدالة على قدم المساواة بحق مرتكبي أعمال العنف والضالعين فيه بصرف النظر عن هوياتهم وانتماءاتهم السياسية.
وتدرك المنظمات الموقعة أن استمرار المكابرة والعناد من جانب مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها في النزول على مطالب الشعب المصري ينذر بمخاطر محدقة على السلم الأهلي. وتؤكد المنظمات على أن قوات الأمن بما فيها القوات المسلحة يقع عليها العبء القانوني في حماية المتظاهرين العزل وضرورة ملاحقة كل من يتعرض لأيً من التظاهرات أو الاعتصامات سواءً كانت مؤيدة أو معارضة بكل حزم وقوة.
وتؤكد المنظمات الموقعة أدناه أن أي خارطة طريق يتم التوصل إليها في المحادثات الجارية يجب أن تضمن ضرورة أولاً إطلاق وضمان الحريات العامة، وخاصة حرية تكوين النقابات المهنية والعمالية والجمعيات الأهلية، وحرية البث الإعلامي والصحافة والنشر. ثانيا: اتخاذ تدابير فورية تضمن بدء إجراءات محاسبة حازمة وعادلة لمرتكبي مختلف الجرائم التي ارتكبت بحق المصريين منذ 25 يناير 2011.
وعليه ترحب المنظمات الموقعة بموقف القوات المسلحة الرافض لأي انقلاب عسكري. وتؤكد أن هذا يجب أن يشمل أيضا الامتناع عن القيام بأي عمل نيابة عن الشعب، حتى لو كان بهدف تحقيق أهداف هذه الانتفاضة الجديدة في التحرر من النظام التسلطى الجديد المستتر بشعارات دينية. هذه هي مهمة القوى المدنية التي دعت للانتفاضة، والشعب الذي استجاب لهذا النداء. مهمة الشرطة والقوات المسلحة في هذا السياق هي توفير الحماية لكل الأطراف-طالما تمارس دورها بوسائل سلمية- لا أن تسعى بنفسها لتحقيق أهداف أي طرف، مهما كان نبل هذه الأهداف. من المنطقي أن تتقدم القوات المسلحة الصفوف في زمن الحرب، ولكن في السياسة، من البديهي أن تكون الجيوش خلف الشعوب لا أمامها. هذا ما فعله الجيش المصري في الأسابيع الأخيرة، وهذا ما يجب أن يواصله، وعليه فأن المنظمات الحقوقية المصرية ترى ضرورة تطبيق الإجراءات العاجلة التالية:
1- تعديل الدستور الحالي وإسناد مهمة مراجعة الدستور إلى لجنة من الفقهاء الدستوريين والقانونيين وخبراء منظمات حقوق الإنسان المستقلة وصولاً إلى دستور جديد يحظى بتوافق المصريين ويعيد الاعتبار إلى أسس الدولة المدنية الديمقراطية ويرسخ مبادئ المساواة وحيادية الدولة تجاه مواطنيها بصرف النظر عن الدين أو المعتقد أو الجنس أو العرق أو النوع الاجتماعي، ويضمن حرية الدين والمعتقد، ويجرم التحريض على الكراهية الدينية والعنف الطائفي.
2- كما يناط بهذه اللجنة بصفة مؤقتة مراجعة القوانين الضرورية، وعلى الأخص تلك المتعلقة بتنظيم السلطة القضائية والحريات النقابية، والعمل الأهلي، والحريات الإعلامية والصحفية، ومراجعة قانون الأحكام العسكرية بما يضمن وضع حد نهائي لإحالة المدنيين للمحاكمة أمام المحاكم العسكرية، وإعادة النظر في القوانين ذات الصلة بالنظام الانتخابي.
3- إجراء مراجعة فورية لأوضاع المحتجزين والسجناء السياسيين والإفراج الفوري عن كافة الأشخاص ممن تثبت هذه المراجعة عدم انخراطهم في أعمال عنف يؤثمها القانون.
وأخيرًا فإن المنظمات الحقوقية الموقعة على هذا البيان تناشد جماعة الإخوان المسلمين وحزبها وجماعات الإسلام السياسي المناصرة لها تغليب اعتبارات حماية السلم الأهلي على أية مصالح سياسية ضيقة، وأن تستجيب طواعية لمطالب الإرادة الشعبية، وأن تدرك أن دعاوي التمسح بالشرعية وإرادة الناخبين المُعبَّر عنها في صناديق الاقتراع قد باتت غير ذات معنى بعدما أخلت السياسات والممارسات المُنتهَجة على مدار عام من حكم الإخوان بمجمل قواعد المنظومة الديمقراطية ومختلف التعهدات التي قطعوها لمن منحوهم أصواتهم.