إن الرئيس محمد مرسي اتخذ في إعلانه الدستوري قرارًا بإعلان حربه الخاصة على السلطة القضائية وسيادة القانون ومفهوم الدولة الحديثة.
تحديث: أثار إعلان محمد مرسي الدستوري في 22 نوفمبر إلى مظاهرات واسعة النطاق في مصر. توفي الصبي إسلام مسعود، عمره 15 عاماً، في خضم اشتباكات عنيفة بين متظاهرين المعارضة وأنصار الإخوان المسلمين. كانت المظاهرات مستمرة منذ 23 نوفمبر تشرين الثاني وكانت قوات الأمن بمعظم الأوقات تستجيب بإستعمال الغاز المسيل للدموع. مؤخراً، قامت محكمة النقض ومعها محاكم الإستئناف بإتخاذ موقفاً ضد الإعلان الدستوري ودعوا إلى مظاهرات سلمية ضد القرار — بناء على تقارير من الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والمنظمة المصرية لحقوق الإنسان.
(28 نوفمبر 2012)
(مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان/ايفكس) – 24 نوفمبر 2012 – تعلن المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه عن رفضها القاطع للإعلان الدستوري الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية يوم 22 نوفمبر وتطالب بإلغائه فورًا. وترى المنظمات أن الرئيس قد ضرب عرض الحائط بأهداف الثورة في إنجاز التحول الديمقراطي، واستغل السلطات الواسعة التي منحها لنفسه بعد فترة وجيزة من انتخابه، لمتلك مزيجًا فريدًا من السلطات والصلاحيات ويُحصِّن قراراته من الرقابة القضائية ويغلق الباب أمام الطعون عليها أو معارضتها بالطرق القانونية والقضائية. وكأنه يسعى لامتلاك سلطات ذات طبيعة إلهية لا تسمح لأي شخص أو جهة بالتعقيب على حكمه أو رد قضائه!
إن الرئيس محمد مرسي اتخذ في إعلانه الدستوري قرارًا بإعلان حربه الخاصة على السلطة القضائية وسيادة القانون ومفهوم الدولة الحديثة. وبهذا يُدشّن الرئيس –الذي يستحوذ على صلاحيات وسلطات لم يحظ بهما رئيس أو ملك مصري في العصر الحديث– مذبحة جديدة للسلطة القضائية، ويعلن بداية نظام حكم استبدادي جديد غير مسموح فيه بمعارضة الرئيس أو نقد سياساته أو الطعن على قراراته، ويلقي بظلال وخيمة على مستقبل حقوق الإنسان والحريات في مصر؛ تحت مسمى حماية الثورة وأهدافها!
إن الإعلان الدستوري الذي فاجأ الجميع بما يمنحه من سلطات فجة لرئيس الجمهورية، يُقدّم للمواطنين خلطة مسمومة بديباجته التي تحتفي بالثورة وأهدافها في ترسيخ الحرية وإنجاز التحول الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، وتزعم أن هدف مؤسسة الرئاسة القضاء على الفساد وتطهير مؤسسات الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية؛ في حين تأتي نصوص الإعلان لترسخ الاستبداد وحكم الفرد وتمنح لرئيس الجمهورية، بالإضافة لجمعه بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، صلاحية التدخل في أعمال السلطة القضائية. وهو الأمر الذي ينسف مفهوم التوازن بين السلطات والفصل بينها.
إن الرئيس بإعلانه الدستوري يوجه ضربة قاضية لاستقلال السلطة القضائية، ويقوم بتعطيل إجراءات التقاضي وكذا تعطيل العمل بقانوني المحكمة الدستورية والسلطة القضائية ويهدم حجية الأحكام القضائية ويفسح المجال أمام مؤسسات الدولة لرفض تنفيذ أحكام القضاء، وهو ما يعني بوضوح تفشي الفوضى في البلاد وانهيار فكرة دولة المؤسسات.
لقد قام الرئيس باستخدام الإعلان الدستوري لخدمة مصالح حزب الحرية والعدالة وتقديمها على مصلحة المجتمع والتحايل على قرارات المحكمة الدستورية العليا المرتقبة فيما يتعلق بدستورية قانوني انتخاب مجلس الشورى والجمعية التأسيسية للدستور، حيث حصنهما الرئيس ضد أي قرار قد يصدر من أي جهة قضائية بحلهما؛ وهو ما يُعد إهدارًا لمفهوم دولة سيادة القانون وتقويضًا لأركان العدالة، واستغلالاً للسلطات بهدف حماية مصالح تيار سياسي بعينه. وتأكيدًا على ذلك فقد اختار الرئيس أن يوجه خطابه أمس وسط مؤيديه أمام قصر الاتحادية، حيث اتسمت لغة الخطاب بالحدة والوعيد والتنكيل لمعارضيه، مما يدلل على عدم صدق وعوده بأنه سيكون رئيسًا لكل المصريين.
إن المنظمات الموقعة تبدي انزعاجها الشديد ودهشتها من أن صدور مثل هذا الإعلان –الذي يعصف باستقلال القضاء ودولة القانون– قد تم في الوقت الذي يشغل مجموعة من أبرز قضاة تيار استقلال القضاء مناصب تنفيذية عليا في الرئاسة والحكومة. إن كل ما جاء في هذا الإعلان الدستوري يتعدى على استقلال السلطة القضائية التي طالما طالبوا باستقلالها عن أهواء السلطة التنفيذية. بما يشمل مطالب قضاة تيار الاستقلال المتعلقة بخضوع الدولة حكامًا ومحكومين للقانون ورفع يد رئيس الجمهورية عن تعيين النائب العام، وأن يغدو تعيينه من صلاحيات مجلس القضاء الأعلى أو أن يختار رئيس الجمهورية نائبًا عامًا من بين ترشيحات تقدمها له السلطة القضائية.
إن الإعلان الدستوري لم يخل من اعتماد ذات المنهجية التي دأب على استخدامها من اصطلح على تسميتهم بـ”ترزية” القوانين والدساتير في العهود السابقة، عبر استخدام ألفاظ وعبارات فضفاضة غير منضبطة. ففي المادة السادسة في الإعلان الدستوري أعطى الرئيس مرسي لنفسه صلاحيات مطلقة في اتخاذ “الإجراءات والتدابير الواجبة” لمواجهة ما قد يعتبره “هو” خطرًا يهدد الثورة أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها. وهو ما قد يستخدم لتقييد الحريات والانتقاص من حقوق الإنسان، ويتيح للسلطة التنفيذية تقييد حق المواطنين في الاحتجاج والاعتصام السلميين والإضراب عن العمل؛ أو بمعنى أخر قمع مختلف الاحتجاجات السياسية والاجتماعية في البلاد وهو بذلك يمتلك أداة استثنائية أخرى بخلاف سلطاته في إعلان حالة الطوارئ.
الجدير بالذكر هنا أن المادة المشار إليها مقتبسة من المادة 74 في دستور 1971، ولكن بعد أن حُذف منها ضرورة توجيه الرئيس بيانًا إلى الشعب، وإجراء استفتاء علي ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يومًا من اتخاذها، وكذا إلغاء النص على عدم جواز حل مجلس الشعب في أثناء ممارسة هذه السلطات. وهو ما يعني عدم إمكانية ممارسة الرئيس لهذه الصلاحيات دون الحصول على موافقة الشعب في استفتاء رسمي وأن يكون ذلك في ظل رقابة البرلمان المنتخب. إن نص المادة السادسة في الإعلان الدستوري يساعد الرئيس مرسي في التخفف من القيود التي كانت تعوق قدرة الديكتاتور مبارك على اتخاذ مزيد من الإجراءات والقرارات الاستبدادية!
لقد تجاهل الرئيس محمد مرسي منذ فوزه، كما فعل المجلس الأعلى للقوات المسلحة، مطالب الثورة بالإصلاح الأمني وإعادة هيكلة وزارة الداخلية والقضاء على الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. وفيما أصدر إعلانه الدستوري بمقدمة توحي بأن ثمة قرارًا قد اُتخذ بتطهير مؤسسات الدولة إلا أن السياسات المتبعة حاليًا تدل على عدم وجود نية التطهير أو الرغبة في إعادة الهيكلة لأي من مؤسسات الدولة، وفي هذا السياق فإن المنظمات تُبدي دهشتها الشديدة من استمرار تجاهل مطالب الإصلاح الأمني، في ظل استمرار قوات الشرطة في استخدام القوة المفرطة في فض الاحتجاجات التي اندلعت منذ الأسبوع الماضي في شارع (محمد محمود) إحياءً للذكرى الأولى لسقوط عشرات الشهداء ومئات المصابين الذين راحوا ضحية القمع الوحشي لقوات الأمن. وذلك في ظل صمت مطبق من مؤسسة الرئاسة، برغم سقوط ضحايا ومصابين جدد. وفيما تؤكد المنظمات استهجانها الشديد لاستمرار سياسات الإفلات من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان وقتل وإصابة المتظاهرين، قبل وأثناء وبعد الثورة وما يجري حاليًا في شارع محمد محمود والمناطق المحيطة به، وأن مثل هذا الإعلان الدستوري في حقيقته ليس إنصافًا للثورة أو لحمايتها، بل هو بمثابة دسترة لسياسة الإفلات من العقاب وغياب لدولة المؤسسات والقانون.