بعد فترة وجيزة من تبني البرلمان الأوروبي قراره الأول في مسألة حقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة، قد وضعت الدولة جهوداً كبيرة لتقديم نفسها كنموذج للتقدم في الشرق الأوسط.
(هيومن رايتس ووتش/ايفكس) – 28 نوفمبر 2012 – منذ تبني البرلمان الأوروبي قراره الأول بشأن الإمارات العربية المتحدة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول، معبراً عن عميق القلق إزاء حالة حقوق الإنسان في الإمارات، بذلت السلطات الإماراتية جهوداً كثيرة كي تنازع في دقة القرار ومصداقيته.
كان الرد هو نسخة للأحداث تُظهر الإمارات العربية المتحدة نموذجاً للتقدم المستنير في المنطقة، ومعقل قوة ضد الجماعات الإسلامية المسلحة، وهي الرواية التي دعمها سفير إيطاليا بالإمارات علناً في 6 نوفمبر/تشرين الثاني عندما قال: “تعتبر إيطاليا أن هذا البلد نموذج للتسامح في العالم العربي، وتقدر التقدم الذي أحرزته الحكومة الإماراتية حتى الآن فيما يخص احترام حقوق الإنسان”. يجب أن نفهم هذا التصريح في سياقه، وهو زيارة ماريو مونتي رئيس وزراء إيطاليا إلى الإمارات بعد ذلك، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني، مع سعي بلاده إلى تطوير ودعم أواصر التجارة مع الإمارات والتماس دعم الإمارات في تخفيف أعباء إيطاليا المالية. غير أن النظرة السريعة إلى تطورات الأحداث في الإمارات هذا العام تكشف أن هذا البلد ليس بالنموذج على التقدم، كما يتضح من الأحداث الأخيرة، مع التدهور السريع لحالة حقوق الإنسان هناك.
منذ بداية العام، لجأ أمن الدولة في الإمارات إلى احتجاز الكثير من الأشخاص دون اتهامات، ممن تربطهم صلات بجماعة الإصلاح الإسلامية اللاعنفية. قام الأمن بالقبض على محامين حقوقيين بارزين وقضاة وقيادات طلابية، ثم تم اعتقالهم في أماكن غير معلومة. كما ضايقت السلطات مدافعين عن حقوق الإنسان في الإمارات ورحّلت بعضهم عن البلاد، مع حرمان المعتقلين السياسيين من المساعدة القانونية، بل وترحيل محامين يسعون لمساعدة المعتقلين.
أضف إلى ما سلف ذكره ادعاءات قابلة للتصديق بتعرض أفراد للتعذيب داخل منشآت ومقار أمن الدولة بالإمارات، وظروف المعيشة والعمل المؤسفة والمتدهورة لعمال البناء والإنشاءات والخدمات، الوافدين من جنوب آسيا؛ ولسوف يتضح وجود هوة عميقة وفسيحة بين رواية أبو ظبي للأحداث، والحقائق والواقع على الأرض.
لقد بذلت الإمارات قصارى جهدها من أجل وقف قرار البرلمان الأوروبي، إذ أرسلت وفداً إلى ستراسبورغ للضغط على الممثلين المنتخبين بالبرلمان، وهدد سفيرها في بروكسل بأن القرار “سوف يضر بلا داعي بالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي والإمارات”. تلك العلاقات التي استمرت حتى الآن جزئياً بطريق تلافي مناقشة الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان في الإمارات، أو على أفضل تقدير، اقتصرت تلك المناقشات على ما يصفه الدبلوماسيون بالاتحاد الأوروبي بمسمى الاجتماعات “غير العلنية”.
ولم تخل أروقة البرلمان الأوروبي من المدافعين عن حكومة الإمارات أثناء مناقشة القرار؛ فقد استخف عضو البرلمان الأوروبي المحافظ عن المملكة المتحدة، السيد تشارلز تانوك، بفكرة أن الإمارات منتهك منهجي لحقوق الإنسان واعتبرها فكرة “عجيبة للغاية” مؤكداً على أن المعتقلين من “الإسلاميين المتشددين” الذين يريدون “إغلاق الكنائس واضطهاد المسيحيين”.
ويوم صدر القرار، رد الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية على سؤال بشأن القرار بأن أعلن بأنهم “على دراية تامة بالتقدم الذي أحرزته الإمارات العربية المتحدة” في مضمار حقوق الإنسان. وصدّق السفير الإيطالي، جيورجيو ستاراتسي على “تقدم” الإمارات المفترض بعد أيام بأن أضاف أن القرار “لا يعكس تماماً الوضع القائم ويعطي الفرصة للإمارات لكشف وعرض وجهة نظرها بشكل كامل”.
ولم تكن مفاجأة أن تعلن الإمارات استخفافها بالقرار باعتباره “متحيز ومتحامل” وضم نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية صوته إلى صوت السلطات الإماراتية في 1 نوفمبر/تشرين الثاني معلناً أن القرار “متحيز وفيه مبالغات”.
ليس من المفاجئ لنا أن تحاول الإمارات نزع المصداقية عن البحوث والتوثيق الذي يوفره المدافعون الإماراتيون عن حقوق الإنسان والمنظمات الدولية، إلا أن تعليقات الأطراف الأخرى المتساهلة هي المثيرة للقلق، في الوقت الذي تتحدى فيه الأدلة بقوة فكرة أن الإمارات دولة تقدمية بمجال حقوق الإنسان.
كما لم يخرج علينا المدافعون عن السلطات الإماراتية بأدلة داعمة لمزاعمهم بأن الإصلاح – الذي تأسس في الإمارات في عام 1974 وحتى فترة قريبة كان يؤدي أنشطته بموافقة كاملة من السلطات – يعمل على التخلص من الكنائس أو تدمير المكتسبات التي يزعم المسؤولون أنها تحققت على مسار حقوق المرأة في الإمارات (لا يمكن أن يكون كلامهم في هذا الشأن عن عشرات الآلاف من عاملات المنازل الوافدات، اللاتي تعاني الكثيرات منهن من انتهاكات وأوجه استغلال جسيمة).
من المذهل كيف يمكن للدبلوماسيين الفرنسيين والإيطاليين الحديث عن التقدم في الإمارات ويتفادون الإدلاء بأي تعليق عن الاحتجاز التعسفي لـ 63 معارضاً وحرمانهم من المساعدة القانونية، فضلاً عن المضايقات والتهديدات للمنتقدين السلميين للحكومة، إسلاميين كانوا أو غير إسلاميين. إن الحق في الحرية وإجراءات التقاضي السليمة والمحاكمة العادلة لا تقتصر على الأفراد الذين يحتفظون بآرائهم لأنفسهم، ولابد أن يتوقفوا طويلاً على الأقل أمام ادعاءات التعرض للتعذيب – القابلة للتصديق – على يد أمن الدولة الإماراتي.
أولئك الذين يروجون لحكاية تقدم الإمارات المبتذلة هذه عليهم أن يسترشدوا بممثلي البرلمان الأوروبي المنتخبين، الذين لم يراعوا إلا الحقائق ومبادئ القانون الدولي. كما ننصح مؤيدي الحكومة الإماراتية بأن ينظروا إلى قانون جرائم تقنية المعلومات، وهو المرسوم الاتحادي بقانون الصادر للتو، والذي يُظهر مدى ضآلة التزام حُكام الإمارات بفكرة المجتمع التقدمي المتسامح. القانون الجديد الصادر في 13 نوفمبر/تشرين الثاني يجرّم جملة من الأنشطة السياسية اللاعنفية على الإنترنت، بدءاً من انتقاد الحُكام وحتى تنظيم المظاهرات غير المرخصة.
تبنى الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران “إطار عمل استراتيجي” قال إنه “يضع حقوق الإنسان في القلب من علاقات الاتحاد بالدول الأخرى، بما في ذلك الشركاء الاستراتيجيين”. يستحق نواب البرلمان الأوروبي كل الإشادة على تطبيقهم هذه المبادئ المذكورة على بلد اعتاد سياسة المناقشات “غير العلنية” لحقوق الإنسان. والآن يتعين على كاثرين أشتون الممثلة العليا للاتحاد الأوروبي ودبلوماسييها، وعلى الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي وبينها إيطاليا، أن تفعل المثل وتفي بالتعهدات التي تقدم بها الاتحاد الأوروبي في يونيو/حزيران الماضي.