حسين عبد الله، المدير التنفيذي لمنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، يتحدث مع آيفكس حول الإفلات من العقاب في البحرين.
تمت الترجمة من مقال أصلي باللغة الانجليزية
ستُصدِر منظمة أمريكيون من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين قريباً تقرير حول الإفلات من العقاب في البحرين. ما الذي تأملون في تحقيقه من هذا التقرير؟
يهدف جزء من عمل المنظمة إلى توجيه الاهتمام المطلوب بشدة إلى ثقافة الإفلات من العقاب، والتي تم تعزيزها داخل المؤسسات الحكومية في البحرين. إن مهمة آليات الرقابة البحرينية، وتحديداً الامانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، هي ضمان التزام البحرين بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، والعمل كآليات لمعالجة الإساءة من قبل الحكومة ونظام السجون. لكن هذه المؤسسات فشلت في النهاية بمهمتها في توفير المساءلة والرقابة، وبدلاً من ذلك، أثبتت انها متواطئة في بعض أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين، لا سيما في مجال إنفاذ القانون والسلامة العامة.
إن فشل آليات الرقابة هذه في الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان في المملكة شجع المسؤولين الذي يقومون بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان. وكما هو مذكور في إجابتي على سؤالك التالي، فقد وثقنا ترقية 12 موظف من كبار القادة المتورطين بالانتهاكات في أكثر ثماني وحدات مُسيئة في التعامل بوزارة الداخلية، والتي من المفترض أنها المؤسسة البحرينية المسؤولة عن تطبيق القانون والسلامة العامة. ووفقاً لأبحاثنا، فإن مؤسسات وزارة الداخلية مسؤولة عن أكثر من 3000 انتهاك مُحدد لحقوق الإنسان منذ عام 2011 حتى الوقت الحاضر، وتتراوح هذه الانتهاكات من الاحتجاز التعسفي والتعذيب إلى الاغتصاب والقتل خارج نطاق القضاء. وفي نهاية عام 2017، تم حبس ثلاثة ضباط فقط، كما أن خمسة بالمائة فقط من القضايا التي تم الابلاغ عنها إلى الأمانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية، أدت إلى مقاضاة جدية.
في ظل استمرار قمع حقوق الانسان من قبل وحدات إنفاذ القانون والمسؤولين، لدينا مخاوف متزايدة من أن البحرين تحاكي سمات الدولة البوليسية – دولة لا يتحمل فيها مسئولو إنفاذ القانون والمسؤولون الحكوميون سوى قدر ضئيل من المساءلة عن الانتهاكات الفاضحة لحقوق الإنسان. وتهدف جهودنا إلى معالجة قضية الإفلات من العقاب السائدة ومسألة مكافأة مرتكبي الانتهاكات في مؤسسات البحرين وبالتحديد بين وكالات إنفاذ القانون، وذلك من خلال إثارة مخاوف جدية بشأن أثر هذه البيئة على حقوق الإنسان في البحرين، ودعوة المجتمع الدولي إلى إعادة تقييم علاقته بالمملكة بشكل جدي. إن تقريرنا القادم يبيّن أوجه القصور في مؤسسات البحرين، ويشير أيضاً إلى تواطئها اللامحدود في الإساءة الصريحة لحقوق الإنسان، الامر الذي يتطلب الضغط الدولي والإصلاح الضروريين.
لقد وثقت منظمة أمريكيون من اجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ترقية 12 موظف من كبار القادة المتورطين بالانتهاكات في أكثر 8 وحدات مُسيئة في التعامل بوزارة الداخلية. ويشير ذلك إلى الانتشار الواسع للإفلات من العقاب. ومع ذلك، ادعت الحكومة البحرينية أنها تحرز تقدما في الحد من انتهاكات حقوق الإنسان. هل توافق على ذلك؟
يتجلى الرد على “تقدم” الحكومة البحرينية في مكافحة انتهاكات حقوق الإنسان من خلال تحليل حالات الإساءة والإفلات من العقاب في المملكة. حيث تقدم هذه الحالات أدلة دامغة توضح أن الإصلاح في المملكة شكلي إلى حد كبير، حتى بعد إنشاء لجنة التحقيق المستقلة في البحرين التي اقترحت سلسلة من الخطوات للإصلاح بعد عام 2011. لقد اصدرت اللجنة 26 توصية في تقريرها الذي أصدرته في شهر تشرين الثاني من عام 2011، وتم تقديم التقرير إلى الملك حمد بن عيسى ال خليفة، واشتملت التوصيات على معالجة عدم مساءلة المسؤولين الحكوميين حول اتهامات سوء المعاملة والتعذيب والاحتجاز التعسفي للنشطاء السلميين والمحاكمات الجائرة وغير ذلك.
بينما صرّحت الدولة عكس ذلك، أفاد رئيس لجنة تقصي الحقائق أنه تم تنفيذ عشر توصيات فقط من أصل 26. أما منظمة أمريكيون من أجل حقوق الإنسان في البحرين ومركز البحرين لحقوق الإنسان ومعهد البحرين للحقوق والديمقراطية، توّصلوا قبل ذلك إلى أن الحكومة نفذت بالكامل توصيتين فقط من التوصيات المقدمة – التوصية 1718 التي تحث الأمن القومي على التخلي عن سلطات إنفاذ القانون والتوقيف، والتوصية رقم 1722 التي تدعو المحاكم إلى تخفيف أحكام الإعدام الخاصة بالمتهمين بالقتل خلال شهري شباط وآذار عام 2011. على أية حال، تم التوقف عن تنفيذ هاتين التوصيتين عندما استعاد الأمن القومي سلطة انفاذ القانون وتمت محاكمة المدنيين في المحكمة العسكرية.
إلى جانب عدم الوفاء الكامل بالتوصيات الصادرة عن لجنة تقصي الحقائق، فشلت مؤسسات الرقابة في البحرين إلى حد كبير في معالجة قضايا إساءة المعاملة من قبل المسؤولين، بل وساهمت في التغطية عليها. وقد نشرت الامانة العامة للتظلمات بوزارة الداخلية والمؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تقارير أغفلت بشكل كامل قضايا انتهاكات حقوقية ملحوظة أو قاموا بتأييدها وتبريرها. ففي قضية هاني وحسين مرهون – أب وابنه معتقلان في سجن جو – رفضت الأمانة العامة للتظلمات إلى حد كبير التعال مع شكاوى هاني المتعددة التي تتعلق بالتعذيب، ومطالبه برؤية ابنه. كما قامت سلطات السجون بالقليل فقط لمعالجة الشكاوى المقدمة نيابة عن الزعيم السياسي المسجون حسن مشيمع فيما يتعلق بحرمانه من الحصول على الرعاية الطبية في سجن جو.
واستثنت التقارير السنوية للامانة العامة للتظلمات الانتهاكات التي يرتكبها أفراد وزارة الداخلية، بما في ذلك عدم التحقيق في ادعاءات التعذيب بشكل كافٍ في قضية محمد رمضان. كما تجاهلت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان الاقتحامات القاتلة التي نفذتها قوات الأمن على اعتصامات سلمية في قرية ديراز، عام 2017، وأصدرت بياناً يدعم الإعدام خارج نطاق القضاء لثلاثة من ضحايا التعذيب في وقت سابق من ذلك العام. ومؤخراً في شهر تشرين الأول من عام 2018، اعتبرت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أن الاعتداءات الجسدية بحق المعتقلات نجاح يوسف وهاجر منصور ومدينة علي من قبل سلطات السجون كانت “في نطاق الاستخدام المعقول للقوة”. وعبرت هيئات الأمم المتحدة مثل لجنة حقوق الإنسان ولجنة مناهضة التعذيب عن قلقها فيما يتعلق باستقلال آليات المساءلة والرقابة البحرينية في التقارير الدورية. وتشير هذه الحالات إلى أن الإفلات من العقاب الواسع النطاق بين الوكالات الحكومية لا يزال حياً ومنتشراً في البحرين، ولا يقتصر فقط على وزارة الداخلية.
هل هناك مثال على ترقية تعتقد أنها تمثّل هذه الظاهرة؟
على مستوى أعلى المناصب الحكومية، تورط المسؤولون – بمن فيهم بعض أفراد العائلة المالكة – في ادعاءات التعذيب، كالشيخ ناصر بن حمد، ابن الملك. وبصفته رئيس اللجنة الأولمبية الوطنية البحرينية، أنشأ لجنة خاصة لتحديد ومعاقبة أكثر من 150 عضواً من الرياضيين البحرينيين الذين تظاهروا سلمياً في عام 2011. وأشار إلى أن اللجنة كانت مخصصة من أجل الانتقام. وصرح بشكل علني قائلاً: “كل من دعا لسقوط النظام، تسقط طوفة [جدار] على رأسه….حتى لو كانوا رياضيين … أن البحرين جزيرة صغيرة.. ولا مكان للهرب” ، كما غرّد: “إذا كان الأمر بيدي، سوف أحكم عليهم مدى الحياة [ في السجن].”
كما تم توجيه مزاعم بالتعذيب إلى الأمير. ففي إحدى القضايا في المملكة المتحدة، قدم مواطن بحريني تحت الاسم المستعار”ف.ف” دعوى ضد الأمير، زاعما أنه متورط في تعذيب المعتقلين بعد احتجاجات عام 2011. وعلى الرغم من أن المحكمة العليا في لندن قد ألغت الحصانة الدبلوماسية على الأمير في القضية، إلا أنه استمر في مناصبه المرموقة داخل الهيئات الرياضية والأمنية في البحرين، كما تمت ترقيته، ولا تزال الحكومة تُجادل بخصوص هذه الدعاوى. وفي شهر أيلول عام 2017، عين الملك حمد الشيخ ناصر ليكون عضوا في مجلس الدفاع الأعلى – أعلى سلطة لجهاز الأمن القومي في البحرين. ولا يزال مستمراً في رئاسة اللجنة الأولمبية، وبدأ في قيادة حملة الحرية الدينية الدولية في البحرين.
يُعد نجاح الشيخ ناصر ومكافأته وسط مزاعم الإساءة الخطيرة بمثابة أحد أبرز الأمثلة على إفلات الحكومة من العقاب في مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين. إن هذا المثال البارز هو واحد من أكثر الحالات التي نلاحظها، والتي يمكن قراءتها على أنها تشكل سابقة للمساءلة على مستويات حكومية أخرى، بما في ذلك توثيقنا لوزارة الداخلية.
ويبقى مبارك بن حويل واحداً من أكثر المُسيئين في وزارة الداخلية – متورط في مزاعم الإشراف على تعذيب طاقم طبي عام 2011، وتمت ترقيته من رائد إلى مقدم، ومن ثم إلى عقيد كمدير إدارة مكافحة المخدرات بالإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية، وذلك ما بين عام 2011 إلى عام 2016. وقد تمت ترقيته إلى مقدم في عام 2012 بينما كان يُفترض أنه قيد التحقيق بسبب التعذيب – تمت تبرئته في وقت لاحق من جميع التهم المتعلقة بسوء المعاملة في عام 2011، وقام رئيس وزراء البحرين بشكره. وعلى الرغم من أن مسؤولين آخرين في وزارة الداخلية لم يُقدَموا للعدالة بسبب انتهاكاتهم، فإن بن حويل أحد الأمثلة الرئيسية على ظاهرة الإفلات من العقاب.
هل يمكن أن توضح سبب عملكم في مجال المناصرة حول قانون ماغنتسكي العالمي؟
تواصل منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين المناصرة لقانون ماغنتسكي العالمي، لأن الإفلات من العقاب داخل الحكومة يستمر بالانتشار في البحرين. ويتيح لنا قانون ماغنيتسكي العالمي الفرصة لتقديم معلومات للمسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان ومراقبة إمكانية تحقيق نتائج ملموسة (بما في ذلك العقوبات المالية والقيود المفروضة على التأشيرات)، خاصة في إطار جهودنا لمكافحة ثقافة الإفلات من العقاب في البحرين. خلال لقاءاتنا مع المسؤولين الحكوميين الأمريكيين، سنكون قادرين أكثر على تقديم المعلومات وتوضيح الانتهاكات التي قمنا بتوثيقها والقضايا التي نعتقد أنها تتطلب تدخل واهتمام الحكومة الأمريكية. إن عقوبات ماغنيتسكي مفيدة بشكل خاص في تحديد هوية مرتكبي الجرائم داخل الحكومات “الصديقة”، ويمكن استخدامها في محاسبة المخطئين بشكل شخصي عندما يكون هناك افتقار إلى الإرادة السياسية لمحاسبة الحكومات أو الأنظمة بأكملها.
بصفتنا منظمة حقوق إنسان، فإن انخراطنا في آليات قانون ماغنتسكي العالمي أمر بالغ الأهمية. وقد سبق أن قامت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين بتقديم ملفات قضايا لجهاز الأمن الوطني البحريني واتهامات التعذيب وانتهاكات حقوق الانسان الممنهجة التي يرتكبها، وكذلك حول رئيس النيابة العامة في البحرين، الذي يزعم أنه فشل في اتخاذ تحركات حول ادعاءات التعذيب وسوء المعاملة. لقد أوضحت هذه االقضايا مستويات الحكومة التي تأثرت بعدم وجود محاسبة في البحرين، وقد أتاحت مناصرتنا فيما يتعلق بقانون ماغنيتسكي العالمي الفرصة لمناقشة هذا النقص في المساءلة مع المسؤولين الأمريكيين الذين يمكنهم العمل على محاسبة الحلفاء والخصوم على حد سواء.
ما الذي يمكن عمله من قبل الذين يرغبون في المساعدة؟ هل هناك حملات يجب على الناس التركيز عليها؟
تلعب الجهات الدولية الفاعلة دوراً حاسماً في معالجة انتهاكات البحرين والدعوة للمساءلة عندما لا تقوم بذلك هيئات الرقابة الخاصة في المملكة. بالنسبة للأفراد، قد يُحدث تواصلهم مع ممثليهم الحكوميين فرقاً. فمن خلال مناصرتنا في الكونغرس في الولايات المتحدة، وجدنا أن المكاتب أكثر ميلاً إلى اتخاذ إجراءات بشأن حقوق الإنسان في البحرين عندما قام ناخبيهم بالاتصال معهم مسبقاً لإثارة مخاوفهم بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة. ويمكن للأشخاص الذين يتطلعون إلى المشاركة بالبدء بالاتصال بممثليهم الحكوميين وتشجيعهم على طرح أسئلة حول أوضاع حقوق الإنسان في البحرين. إن المشاركة العامة هي أيضاً مفتاحاً للتصدي لانتهاكات الحقوق – حيث يخلق الضغط العام توقعاً لمتابعة وعود الإصلاح ومعالجة الانتهاكات المنتظمة لحقوق الإنسان.
على نطاق أوسع، يلعب أعضاء المجتمع الدولي دوراً حاسماً في الضغط على البحرين للإصلاح. في الماضي، تم إطلاق سراح مدافعين عن حقوق الإنسان بسبب الضغوط الدولية التي يمكن أن تكون على شكل بيانات أو أسئلة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة من الدول الأعضاء والمنظمات الغير حكومية، والضغط من ولايات الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة للرد على حالات محددة من سوء المعاملة، وقيام الحكومات الدولية بالدعوة من أجل الإفراج عن المدافعين عن حقوق الإنسان والسجناء السياسيين، أو فرض عقوبات على مرتكبي الإساءات. ومع ذلك، لا يمكن القضاء على الإفلات من العقاب في البحرين إلا من خلال الإصلاح المؤسسي والإشراف – ففي الوقت الذي يشكل فيه الضغط الدولي رقابة أساسية ومستقلة، فان التحقيق وإقالة المسؤولين المتورطين بسوء المعاملة عند الضرورة وإصلاح آليات الرقابة والمحاسبة الوطنية، أمر حاسم للبدء في حماية حقوق الإنسان بشكلٍ كافٍ في البحرين.