لعب التظاهر السلمي دورًا محوريًا في الحراك السياسي في السنوات الأخيرة، بل يمكن القول أن الحكومات التي تعاقبت منذ 2011 جاءت جميعها نتيجة ممارسة المواطنين لحق التجمع السلمي، إلا أن الاختلاف بين وجوه وأسماء الحاكمين لم يشكل فارقًا في النظرة السلبية للحق في التظاهر.
تبقى تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة أحد أهم مصادر المعلومات التي يعتمد عليها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان خلال عملية استعراض ومناقشة الملف الحقوقي لأي دولة عضو بالمجلس. تقارير المنظمات المستقلة –والتي يتم جمعها بعد ذلك من قِبل الأمم المتحدة في تقرير مجمع– قد تتناول حالة حقوق الإنسان بشكل عام أو تركز على حقوق محددة، حسب مجال عمل وتخصص المنظمات المقدمة للتقارير.
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان ومؤسسة حرية الفكر والتعبير والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية قدموا تقريرًا مشتركًا لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة حول الحق في التظاهر والتجمع السلمي في مصر، وذلك في ضوء الاستعداد لعملية الاستعراض الدوري الشامل للملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة والمقرر في 5 نوفمبر القادم.
يغطي التقرير أهم المستجدات والتطورات التي لحقت بهذا الحق خلال السنوات الأربع الماضية وحتى مارس 2014، وهو الموعد المحدد من قِبل مجلس حقوق الإنسان لتسليم التقارير، التي تبقى محل مراجعة وتقييم ودمج حتى يتم نشرها في تقرير مجمع من قبل الأمم المتحدة قبيل عملية الاستعراض.
التقرير الذي جاء في 10 صفحات، يبحث مدى التزام مصر بتعهداتها الدولية بموجب الاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها، أو بموجب ما تعهدت به خلال الاستعراض الدوري الأول لملفها الحقوقي بمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة في 2010. وفي هذا السياق يذكر التقرير أنه رغم أن مصر طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الملزم بضمان الحق في التجمع السلمي، بالإضافة إلى أنها موقعة على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان و الشعوب، الذي يضمن حرية التجمع، ورغم أنها سبق وتعهدت أمام الأمم المتحدة بتطبيق مجموعة من التوصيات المتعلقة بالحق في التظاهر، والتزام قوات الشرطة ضبط النفس طالما لم تتعرض للتهديد المباشر، وإقرار مدونة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين و المبادئ الأساسية فيما يتعلق باستخدام القوة والأسلحة النارية، غير أن الأعوام القليلة الماضية تكشف المسافة الشاسعة بين تلك الالتزامات وبين واقع الحق في التجمع السلمي في مصر، سواءً على مستوى التشريع أو على مستوى الممارسة.
شدد التقرير على أن التظاهر السلمي لعب دورًا محوريًا في الحراك السياسي في السنوات الأخيرة، بل يمكن القول أن الحكومات التي تعاقبت منذ 2011 جاءت جميعها نتيجة ممارسة المواطنين لحق التجمع السلمي، إلا أن الاختلاف بين وجوه وأسماء الحاكمين لم يشكل فارقًا في النظرة السلبية للحق في التظاهر. فكان أكثر الحقوق التي تحرص الحكومات المتعاقبة على انتهاكه، إذ اعتبرت الحكومات المتعاقبة أن التظاهر هو الممارسة التي ساهمت في إسقاط الحكومات السابقة، وبالتالي فهي خطر عليها لابد أن تسعى جاهدة لمنعها ومواجهتها بعنف.
على الجانب الأخر أقر التقرير أن الدستور الحالي (2014) ضمن حق التجمع السلمي، إلا أنه –وحسب التقرير– يؤخذ على النص الدستوري أنه اشترط الحصول على إخطار قبل تنظيم التجمعات العامة، مما يتعارض والحق في التجمع السلمي حيث يغلق الباب على الاعتراف بقانونية التجمعات العفوية السلمية التي لا تشترط الإخطار، ويؤخذ أيضًا على النص الدستوري أنه سار على نهج الدساتير السابقة بإضافة جملة “على النحو الذي ينظمه القانون” مما جعل النص عرضة للتفريغ من مضمونه بنص قانوني.
انتقد التقرير القانون رقم 107 لعام 2013 “والخاص بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية”، واعتبره يعكس اتساقًا مع فلسفة العداء تجاه الحق في التجمع السلمي، ويقيّد الحق في استخدام المجال العام ويحول التظاهر إلى جريمة، منتقدًا تراجع السلطات عن تعديل القانون أو إعادة النظر فيه رغم التوصيات الحقوقية المصرية والدولية والانتقادات الواسعة التي شملت القانون.
حدد التقرير خمسة إشكاليات رئيسية في قانون التظاهر، وشرح تفصيليًا انعكاساتها على ممارسة هذا الحق، أبرزها تفريغ القانون فكرة الإخطار من مضمونها، بحيث اشترط القانون “عدم اعتراض وزارة الداخلية” وهو ما يعني ترخيصًا من الشرطة لإقامة تجمع عام. كما أطلق القانون الحرية للشرطة في التعامل العنيف مع التظاهرات بقيود واهية تحت دعوى الخروج عن “الطابع السلمي” دون تعريف دقيق لهذا الطابع وترك التقدير لقوات الأمن، هذا بالإضافة للسماح باستخدام أسلحة الخرطوش المميتة، ناهيك عن تغليظ العقوبات ورفع كلفة ممارسة هذا الحق للحبس والغرامة التي قد تصل إلى مائة ألف جنيه، مع تطبيق العقوبة بصرف النظر عن اقتران مخالفة الإجراءات بجرائم أو بأعمال عنف أو عدمه.
على صعيد الممارسة اعتبر التقرير أن مصر شهدت في الفترة بين 2010 و2014 العدد الأكبر من الانتهاكات للحق في التجمع السلمي منذ تأسيس الجمهورية في 1952، مشيرًا إلى أنه في الفترة ما بين 25 يناير و3 فبراير 2011 قُتل على الأقل 846 شخصًا في الميادين وفي محيط عدد من المباني الحكومية. ومنذ ذلك الحين، عمدت الدولة إلى الإفراط في استخدام القوة لتفريق التظاهرات السلمية، على نحو أودى بحياة أكثر من ألفين شخص في وقائع يوثقها ويرصدها التقرير، مشيرًا إلى استمرار تجاهل المحاسبة على القتل غير القانوني والانتهاكات الخطيرة التي تُمارس من قبل الدولة في سياق التعامل مع التظاهرات.
أخيرًا اعتبر التقرير أن ثمة ارتباط وثيق بين أداء المحاكم والسلطات القضائية الأخرى كالنيابة العامة، وبين الانتهاكات المرتبطة بالحق في التجمع السلمي، بدءً من الحبس الاحتياطي لفترات طويلة، مرورًا بالتعنت أثناء استجواب المتظاهرين وخلال فترة محبسهم، وصولًا إلى تلفيق التهم لهم دون سند قانوني حقيقي بما في ذلك اتهام المتظاهرين بالقتل بينما الأدلة القانونية تشير بالاتهام إلى قوات الأمن. فمنذ تصاعد موجة المعارضة لنظام مبارك عام 2010 احتجاجًا على استمرار فرض حالة الطوارئ والممارسات الاستبدادية الأخرى وحتى الآن، تتصاعد الإجراءات القمعية وترتفع معدلات القبض على المتظاهرين، وإحالتهم للنيابة العامة، وبالإضافة للتهم المدرجة حاليًا في قانون التظاهر، كانت ولازالت توجه تهمة “التجمهر” طبقًا للقانون رقم 10 لسنة 1914، وعلى الرغم من أن قرارات النيابة في بعض حالات القبض على المحتجين السلميين كانت تنتهي إلى إخلاء سبيلهم، إلا أنها أيضًا كثيرًا ما كانت تصدر قرارات بحبسهم احتياطيًا على ذمة التحقيقات لفترات متفاوتة. هذا بالإضافة إلى تولي القضاء العسكري النظر في بعض القضايا المدان فيها مدنيون؛ مثل أحداث ماسبيرو في 2012، وعدد من المتظاهرين المقبوض عليهم أثناء اعتصام ميدان العباسية المجاور لمبنى وزارة الدفاع، احتجاجًا على سياسات المجلس العسكري السابق.
للاطلاع على التقرير، اضغط هنا.