في سبتمبر/أيلول الماضي طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشكيل لجنة تمثل مختلف الوزارات، إضافة إلى ممثلين عن الشرطة والجيش الإسرائيلي. التقرير الرسمي يشكك بشكل خطير في عمل فريق فرانس2.
في الوقت الذي كان يُنتظر فيه صدور قرار قضائي، هذا الأربعاء 22 مايو/أيار، بشأن قضية قذف يتواجه فيها مراسل تلفزيون فرانس2 في القدس شارل أندرلان ومؤسس (ميديا رايتينغس) فيليب كارسنتلي بخصوص قضية “الدّرة” الشهيرة، نشرت الحكومة الإسرائيلية تقرير لجنة التحقيق حول القضية. القناة التلفزيونية بثت تقريرا حول وفاة الطفل الفلسطيني محمد الدّرة في غزة يوم 30 سبتمبر/أيلول 2000. هل كان هذا الفتى ضحية طلقات إسرائيلية أم لا؟ الجدل لم يتوقف أبداً.
في سبتمبر/أيلول الماضي طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشكيل لجنة تمثل مختلف الوزارات، إضافة إلى ممثلين عن الشرطة والجيش الإسرائيلي. التقرير الرسمي يشكك بشكل خطير في عمل فريق فرانس2. يقول الأمين العام لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، كريستوف دولوار: “إذا كان من حقّ الحكومة الإسرائيلية الرد علناً على تقرير صحفي تعتبرُه مضرًّا بصورتها، فإن شكل ومضمون تقرير لجنة التحقيق يستدعيان الحذر ويدفعان إلى الاعتقاد أنّ الأمر يتعلق بعملية تشويه سُمعة”.
يضيف كريستوف دولوار قائلا: “في الشكل، كان شارل أندرلان دوماً يبدي استعداده للإدلاء بشهادته أمام لجنة تحقيق، تتحقق فيها شروط ضامنة للحيادية والاستقلالية. إلا أن هذه الشروط لم تكن محترَمة. لم يتلق الصحافي أبدا أي دعوة من طرف محرري التقرير. لم يُطلب منه أبداً تقديم أشرطة الفيديو المسجلة ولم تُستغلّ. خاصة أن وثيقة لجنة التحقيق لم تخصص إلا 11 صفحة للوقائع، في حين أفردت 30 صفحة أخرى للتنديد باستغلال التقرير الصحفي. كما أن التهمة الموجّهة للصحافي بكونه لم يلهم (الإرهاب الفلسطيني فحسب، بل الإرهاب الدولي أيضا)، تبدو لنا سخيفة وغير مقبولة بالمرّة”.
يدّعي التقرير الإسرائيلي أنه اعتمد على التسجيلات الخام التي لم ترد في تقرير شارل أندرلان. بينما يؤكد هذا الأخير أنه حمّل مجمل التسجيلات على الإنترنت. هل يتعلق الأمر بنفس هذه المادة؟ محررو التقرير لم يوضِّحوا ذلك. يدّعي التقرير أنه لا توجد أدلة تثبت مطابقة تقرير شارل أندرلان مع واقع الأحداث، لكنه لا يقدّم أي شيء يثبت هذه المزاعم. التقرير يؤكد أن هناك عناصر تنحو للتأكيد أن جمال الدُّرّة وابنه لم يصابا بأي طلق ناري يومها. خاصة أنه لم يتم العثور غداة المأساة، على أيّ أثرٍ للدّم في المكان الذي كان يوجد فيه محمد الدّرة. ويؤكد التقرير، الذي لم يفصح عن هوية صاحب هذه المعاينات، أنه لم تلاحَظ أية آثار للدم في الصور.
يقول تقرير لجنة التحقيق أيضا أن حركة يد ومرفق الطفل، التي ترافقت مع إعلان وفاته بصوت شارل أندرلان، تكون قد تعرضت للقطع خلال عملية التركيب. يستند التوضيح إلى تصريحات منسوبة للدكتور ريكاردو ناشمان، مساعد مدير مركز الطب الشرعي في تل أبيب، مفادها أن الطفل لم يكن بمقدوره أداء مثل تلك الحركات لو كان مصابا، مثلما يوحي بذلك التقرير التلفزيوني. في نهاية تقرير لجنة التحقيق ملحق ورد فيه تصريح للدكتور الفرنسي-الإسرائيلي يهودا دافيد، يعتبر أن الجروح التي وُجدت على جسد جمال الدّرة، والد محمد، تعود إلى أحداث سبقت تلك التي وردت في تقرير شارل أندرلان. هذا الطبيب يستند إلى تقارير طبية، لكنه لم يُخضِع الرجل إلى أيِّ فحص بعد الواقعة.
يردّ الصحافي بالقول إن “هذا التقرير عبارة عن زَيْغ”، متسائلا: “كيف أمكن لواضعي التقرير أن يتجاهلوا أن جمال الدّرّة نُقِل في اليوم الموالي إلى العاصمة الأردنية عمّان للعلاج؟ كيف يمكنهم التأكيد على أن الجيش الإسرائيلي لم يطلق النار؟”. من جهته يقول محامي الصحافي الفرنسي غيوم ويل راينال: “لم تكن هناك أي خبرة باليستية تثبت ما ذهبت إليه لجنة التحقيق من تأكيدات ليس وليدة التقرير الحالي”. أما باراك دافيد المراسل الدبلوماسي للصحيفة الإسرائيلية هاآرتس فيعتقد أن “هذا التقرير الخاص بقضية محمد الدّرّة، هو ربما أحد الوثائق الأقل إقناعاً للحكومة الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة”.