تطالب منظمة مراسون بلا حدود باطلاق سراح الصحفيين والمدونين الخمسة عشر "المفقودين" في أعقاب موجة الاعتقالات التي بدأت في شهر أيلول الماضي.
نُشر هذا المقال أولاً على موقع منظمة مراسلون بلا حدود بتاريخ 9 شباط 2018
في يوم الخميس 8 فبراير/شباط، حُكم على الصحفي السعودي صالح الشحي بالسجن 5 سنوات مع منعه من مغادرة المملكة لخمس سنوات أخرى بعد انتهاء مدة عقوبته، وذلك بتهمة إهانة الديوان الملكي. وقد تم الإبلاغ عن اختفائه في يناير/كانون الثاني عبر حسابات مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنه توقف عن الكتابة في صحيفة الوطن منذ منتصف ديسمبر/كانون الأول، علماً أنه كان قد اتهم الديوان الملكي بالمشاركة في الفساد والمحسوبية، وذلك خلال تصريح له بتاريخ 8 ديسمبر/كانون الأول على قناة سعودية بعدما سبق له أن أشار إلى الخلل نفسه في مقال يعود تاريخه إلى نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
ووفقاً للمعلومات المتوفرة لدينا، فقد أُلقي القبض على نحو 15 صحفياً ومدوناً خلال حملة اعتقالات بدأت في سبتمبر/أيلول الماضي. ولكن إلى حين صدور الحُكم بحق صالح الشحي يوم الخميس، لم يُعلن رسمياً عن أية اعتقالات أو تهم مُحتملة في هذا السياق.
هذا وقد استقت مراسلون بلا حدود عدداً من الشهادات التي توحي بأن هؤلاء “المختفين” احتُجزوا بشكل تعسفي من قبل السلطات. ولكن بسبب السرية التامة التي يفرضها النظام على هذه الحالات، ورفض بعض الأسر الحديث عنها خوفاً من الانتقام، فإنه لا يزال من الصعب جداً تحديد عدد المحتجزين بالضبط. ولأسباب أمنية، لا تستطيع مراسلون بلا حدود الكشف عن جميع الأسماء التي تتوفر لديها في الوقت الحالي. ولكن في كل الأحوال، يُرجح أن يكون هؤلاء المعتقلون قد خضعوا للاستجواب بشأن كتاباتهم سواء في الصحافة ووسائل التواصل الاجتماعي (تويتر، سناب تشات، إلخ)، أو في مداخلاتهم التلفزيونية، حيث يلومهم النظام الحاكم على ما يعتبره عدم الولاء للسياسة السعودية الحالية.
وفي هذا الصدد، تؤكد مراسلون بلا حدود أنها “قلقة إزاء موجة الاعتقالات السرية هذه”، موضحة أن “لا شيء في الحالة الجيو-سياسية لبلد من البلدان يمكنه أن يبرر معاملة الصحفيين المحترفين منهم وغير المحترفين باعتبارهم خطراً يهدد أمن الدولة ومن ثم إلقاء القبض عليهم دون أي سبب واضح. كما تشير المنظمة بكل أسف إلى كون خطاب الانفتاح والحداثة الذي يتبناه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي وصل إلى السلطة في يونيو/حزيران الماضي، يتُرجَم بمزيد من التضييق على الصحفيين، مُطالبة في الوقت ذاته بالإفراج الفوري عن جميع الصحفيين المعتقلين والمحتجزين بشكل تعسفي”.
موجة من الاعتقالات منذ سبتمبر/أيلول
تضم قائمة هؤلاء المعتقلين الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال عصام الزامل، المعروف أيضاً بنشاطه الواسع على وسائل التواصل الاجتماعي، والذي أُلقي عليه القبض في سبتمبر/أيلول الماضي بينما كان عائداً مع وفد سعودي من رحلة رسمية إلى الولايات المتحدة. ووفقاً للمعلومات التي حصلت عليها مراسلون بلا حدود، قد يكون الزامل محتجزاً في مدينة الدمام حيث تم استجوابه بشأن التغريدات التي نشرها منذ عام 2011، ولاسيما تلك التي يشير فيها إلى بيع أسهم شركة أرامكو السعودية، وهي الصفقة التي ينتقدها بشدة. ويُتوقع أن يكون متهماً بالتحريض ضد الدولة والدعوة على الفتنة.
وبدوره، قد يكون المدون والصحفي (المتعاون مع عدد من وسائل الإعلام السعودية) ورجل الأعمال الليبرالي والإصلاحي جمال الفارسي، من الذين طالتهم حملة الاعتقالات في سبتمبر/أيلول الماضي. ووفقاً لبعض المصادر، من المتوقع أن يكون متابعاً على خلفية تغريداته وفيديوهاته الناقدة لسياسية ضريبة القيمة المضافة أو بيع شركات تابعة للدولة. هذا ويُعد المدون مصطفى الحسن هو الآخر في عداد المختفين منذ سبتمبر/أيلول، وهو الذي اشتهر على تويتر من خلال تغريداته علماً أنه أستاذ جامعي وباحث وعضو مؤسس لمنتدى يشجع تنمية المجتمعات المدنية في الخليج، كما يعمل صحفياً بجريدة صحيفة اليوم. وجدير بالذكر أن مصطفى الحسن ابتعد عن السياسة منذ عامين ليتفرغ للأدب، وذلك بسبب المناخ السياسي الراهن والمشاكل الصحية التي يعاني منها. أما المدون والناقد الساخر البناخي (اسم مستعار) فمن المرجح أن يكون محتجزاً منذ ديسمبر/كانون الأول.
ترسانة قمعية متجددة
اعتقال الصحفيين ليس بالأمر الجديد في السعودية، حيث يقبع حالياً ما لا يقل عن ثلاثة صحفيين وثمانية صحفيين-مواطنين في سجون المملكة بسبب عملهم الإعلامي. كما يُعتبر الصحفي والمعلق المعروف، طراد العامري، في عداد المعتقلين منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وإن كانت السلطات لم تصدر أي بيان في هذا الشأن.
ومنذ يونيو/حزيران، يئن الصحفيون السعوديون تحت وطأة ضغوط عنيفة للغاية، حيث فضل بعض الإعلاميين المقيمين في الخارج عدم العودة إلى المملكة، بينما أُجبر آخرون على الاستقالة من وسائل الإعلام التي تعتبرها السلطات في خانة “الأعداء“. وفي المقابل، اختار آخرون – وفقاً للمعلومات المتوفرة لدينا – الارتماء في خندق الرقابة الذاتية حيث توقفوا عن الظهور في وسائل التواصل الاجتماعي، التي كانت تمثل لهم آخر مساحة حرة للتعبير عن آرائهم. فقد وجد مجموعة من الصحفيين والصحفيين-المواطنين أنفسهم مستهدفين من عدد من حملات الإهانة والتخويف على تويتر، وذلك بإيعاز من مستشاري الأمير، علماً أن حشد جيوش المتصيدين عبر الإنترنت بهذا الشكل يعيد إلى الأذهان عمليات “الجيش الإلكتروني للملك سلمان” التي استهدفت الشبكة بين عامي 2015 و2016.
يُذكر أن وسائل الإعلام السعودية كانت قد دُعيت إلى إظهار درجة أكبر من الحس القومي في أواخر 2017، ولكن منذ مدة طويلة لا تُبدي المملكة أي تسامح مع أي من وسائل الإعلام الحرة مركزة في الوقت ذاته كل طاقاتها على تلميع صورتها في الخارج، علماً أن سلطات البلاد سنت قانوناً جديداً لمكافحة الإرهاب في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني، حيث أصبح معه من السهل جداً ملاحقة الناشطين أو الصحفيين أمام القضاء، وهو القانون الذي أدانته الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان. كما أصبح منع الصحفيين من الكتابة عقوبة متكررة في العديد من الأحكام القضائية، على غرار ذلك الصادر في حق الإعلامي السعودي أحمد عدنان في لبنان أواخر الشهر الماضي، وقبله الصحفي جمال خاشقجي في أواخر عام 2016 ثم مرة أخرى في 2017، مما دفعه إلى مغادرة البلاد واللجوء إلى الولايات المتحدة.
يُذكر أن السعودية تحتل المرتبة 168 على التصنيف العالمي لحرية الصحافة الذي نشرته مراسلون بلا حدود في 2017.