وقد انتقد العديد من الصحافيين، وجزء من الطبقة السياسية العراقية، بشدة هذا القرار. فهم يرون فيه محاولة لتكميم الصحافة، مشيرين إلى أن مدير هيئة الإعلام والاتصالات عيّنه رئيس الوزراء نوري المالكي، وأن عدة وسائل إعلام ورد ذكرها في القرار تتميّز باستقلاليتها إزاء الحكومة ومواقفها المتكررة ضدها، كما هي حال البغدادية والشرقية.
(مراسلون بلا حدود / آيفكس ) – بلغت التوترات بين وسائل الإعلام والسلطات في العراق ذروتها هذا الشهر مع، من جهة، القرار الذي لا يزال بانتظار التطبيق والصادر عن هيئة الإعلام والاتصالات والقاضي بإغلاق 47 قناة تلفزة وإذاعة بحجة أنها لا تملك التراخيص اللازمة للعمل في البلاد، ومن جهة أخرى التعبئة القوية للعاملين المحترفين في القطاع الإعلامي للمطالبة بإلغاء “قانون حقوق الصحافيين” الذي تم التصويت عليه فـي البرلـمان في آب/أغسطس 2011 ويعتبره عدة ناشطين في هذا المجال قامعاً للحريات.
قرار مقلق من هيئة مشكوك باستقلاليتها
تعرب مراسلون بلا حدود عن قلقها إزاء القرار الصادر عن هيئة الإعلام والاتصالات العراقية والقاضي بحظر 47 مؤسسة إعلامية تعمل في العراق من دون ترخيص رسمي بحسب هذه الهيئة. ولمواجهة الغضب الذي أثاره هذا القرار، منحت وزارة الداخلية 45 يوماً، اعتباراً من 25 حزيران/يونيو 2012، حتى تسوي وسائل الإعلام هذه وضعها لدى الهيئة.
كشف مرصد الحريات الصحفية عن هذا القرار الذي اتخذ منذ أكثر من شهر، مبرزاً الوثائق الرسمية لهذه الغاية في 23 حزيران/ يونيو. ويعني هذا القرار الإذاعات وقنوات التلفزة المحلية والأجنبية، بما في ذلك هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية بي بي سي، وصوت أمريكا، وراديو مونتي كارلو، وراديو سوا، وقناة البغدادية، وقناة الشرقية الإخبارية، على سبيل المثال لا الحصر.
وقد انتقد العديد من الصحافيين، وجزء من الطبقة السياسية العراقية، بشدة هذا القرار. فهم يرون فيه محاولة لتكميم الصحافة، مشيرين إلى أن مدير هيئة الإعلام والاتصالات عيّنه رئيس الوزراء نوري المالكي، وأن عدة وسائل إعلام ورد ذكرها في القرار تتميّز باستقلاليتها إزاء الحكومة ومواقفها المتكررة ضدها، كما هي حال البغدادية والشرقية.
يمر العراق الآن بأزمة سياسية، باعتبار أن رئيس الوزراء يواجه معارضة تزداد قوة. وهو يتهم في كثير من الأحيان بالمحسوبية والتسلّط والفساد.
بالرغم من هذا السياق، إلا أن هذا القرار ليس قائماً على دوافع سياسية، وفقاً لهيئة الإعلام والاتصالات، ولكنه من شأنه أن يشجع الإذاعات والقنوات الـ47 على تسديد حقوق الترخيص. وقد حرصت الهيئة المنظمة على التذكير بأنها بثت إعلاناً في كل الصحف في شهر شباط/فبراير، داعيةً وسائل الإعلام التي لا تحمل ترخيصاً إلى التقّم بطلب بذلك في غضون شهرين. وفي هذا الإطار، أشار عضو مجلس إدارة هيئة الإعلام والاتصالات سالم مشكور لوكالة الصحافة الفرنسية إلى أن “عدداً قليلاً فقط قد تقدّم بطلب في هذا الصدد، فيما فضّلت 39 وسيلة إعلام عدم القيام بهذا وعدم تطبيق القانون”.
ذكرت هيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية بي بي سي وصوت أمريكا أن موظفيهما لا يواجهون حالياً أي مشاكل من السلطات. وقد أكّدت هاتان الإذاعتان أنهما تعملان مع الهيئة على تجديد ترخيصهما. أما إذاعة راديو سوا التي تبث باللغة العربية والمموّلة في الولايات المتحدة، ففوجئت بورودها على لائحة هيئة الإعلام والاتصالات مؤكدةً أنها تملك ترخيصاً فعلياً.
علاوة على ذلك، بحسب وكالة رويترز، لم يعد لبعض وسائل الإعلام المذكورة مكتب لها في العراق. وقد وردت إذاعة صوت العراق مرتين على اللائحة (مرة على أنها لا تحمل ترخيصاً ومرة على أن هيئة الإعلام والاتصالات قامت بتعليق ترخيصها).
تدعو مراسلون بلا حدود هيئة الإعلام والاتصالات إلى ضمان أن تكون الرسوم المفروضة للحصول على الترخيص معقولة. وفقاً لصحيفة إيلاف الإلكترونية، كانت المبالغ المطلوبة للسنة الماضية تتراوح بين 180000 و1.5 مليون دولار (بين 145000 و1.1 مليون يورو). وبالتالي، يمكن للمبلغ الباهظ لبعض التراخيص أن يفسّر في بعض الأحيان سبب رفض وسائل الإعلام تسديد الرسوم، علماً بأنه يفترض بوسائل الإعلام العاملة في العراق، نظراً إلى أعمال العنف الممارسة ضد الصحافة، أن تكرّس جزءاً مهماً من موازنتها لضمان سلامة موظفيها ومكاتبها.
تأسست هيئة الإعلام والاتصالات في العام 2004 بمبادرة من سلطة الائتلاف المؤقتة. وقد تلقت الهيئة الموجهة إلى أن تصبح هيئة تنظيمية غير هادفة للربح ومستقلة تماماً، منذ نقل السلطة إلى السلطات العراقية، الكثير من الانتقادات بشأن عدم استقلاليتها، والمبالغ الباهظة التي يمكنها أن تطلبها من بعض وسائل الإعلام ولكن أيضاً بشأن بعض القرارات التي تشكل انتهاكاً حقيقياً لحرية الصحافة.
تعبئة الإعلاميين ضد ” قانون حقوق الصحافيين”
تقدّم مراسلون بلا حدود دعمها إلى الصحافيين العراقيين المصممين على التعبير عن استيائهم من حكومة أكثر عزماً على خنق حرية الإعلام في البلاد.
بإيعاز من جمعية الدفاع عن حقوق الصحافيي ن، طلب المعارضون إلغاء هذا القانون القامع للحريات. وقد وقع أكثر من 700 منهم بياناً يدعو رئيس المحكمة العليا العراقية، مدحت المحمود، إلى القبول بإعادة النظر في النص، من أجل إبطال الأحكام التنظيمية الواردة ضمن “قانون حقوق الصحافيين” (الذي كان في السابق معروفاً بـ”قانون حماية الصحافيين”). وبعد أن تم التصويت عليه في البرلمان في 9 آب/أغسطس 2011، حقق تراجعاً ملحوظاً في مجال حقوق العاملين المحترفين في القطاع الإعلامي.
لا يمكن للحكماء العراقيين أن يتجاهلوا طلب الصـحافيين (طلب مسجّل رقم 34 بتاريخ 26/04/2012 بحـسب موقـع www.uragency.net) الذي ندـدوا بـموجبـه بـعـدم شرعية القانون الذي ينتهك عدة مواد دستورية، لا سيما المواد 13 و14 و38 و46، والالـتزامات الدولية التي وقّعتها الدولة العراقية، بما في ذلك المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في أيلول /سبتمبر 2011 ،اعتبرت مراسلون بلا حدود أن اعتماد هذا القانون “لن يؤدي إلى أي تحسين، حتى أنه سيشكل خطراً جديداً على حرية الصحافة والإعلام”.
يفيد النقاد بتراجع كبير في الحقوق المكتسبة في مجال حرية الصحافة والإعلام بعد العام 2003. وقد أعلن عدد من الأصوات جهاراً عدم موافقتهم واستنكروا سياسة حكومة المالكي، بالتظاهر في شوارع العراق (تظاهرة في بغداد في 20/06/2012).