جاء الفض بعد يومين من العمل بقانون الاجتماعات العامة التقييدي
قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الشرطة المصرية استخدمت مدافع المياه والغاز المسيل للدموع والهراوات يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2013 لتفريق المئات من النشطاء الذين كانوا يتظاهرون سلمياً احتجاجاً على المحاكمات العسكرية للمدنيين. جاء اعتداء الشرطة بعد يومين من إصدار الرئيس المؤقت عدلي منصور لقانون جديد يقيد الاجتماعات العامة.
كانت مجموعة من قرابة 200 ناشط قد تجمعت أمام مجلس الشورى، حيث تقوم لجنة الخمسين بمناقشة مسودات الدستور الجديد، وردد المتظاهرون شعارات للاحتجاج على بنود المحاكمات العسكرية للمدنيين. لاحظ العاملون في هيومن رايتس ووتش المتواجدون في مسرح الأحداث أن المظاهرة كانت سلمية تماماً. وصل عشرات من رجال الشرطة وأنذروا الحشد بضرورة التفرق، وبعد دقائق أطلقت الشرطة مدافع المياه ثم هجمت على الحشد، وقامت بضرب المتظاهرين واعتقالهم، وهذا بحسب شهود ومحامين ومقاطع فيديو راجعتها هيومن رايتس ووتش.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “أتاحت مظاهرة الثلاثاء المعارضة للمحاكمات العسكرية فرصة لتبين كيف تنوي السلطات المصرية استخدام قانون الاجتماعات العامة الجديد. وما رأيناه هو الشرطة وهي تعامل القانون الجديد وكأنه صك على بياض لمهاجمة المتظاهرين، وهو المشهد المألوف لدى المصريين بعد سنوات من إفلات الشرطة من العقاب”.
دعت المجموعة الحقوقية “لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين” إلى التظاهر أمام مجلس الشورى، حيث كانت لجنة الخمسين، وهي المجموعة التي عينها الرئيس المؤقت عدلي منصور لاقتراح تعديلات دستورية، قد اجتمعت لتناقش مسودة الدستور. في 24 نوفمبر/تشرين الثاني، قبل يومين من المظاهرة، أصدر منصور القانون 107 لسنة 2013 بتنظيم الحق في الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية. ولم تكن المجموعة قد أخطرت وزارة الداخلية قبل موعد المظاهرة بثلاثة أيام، كما يشترط القانون الجديد.
يسمح القانون الجديد للشرطة بتفريق أي مظاهرة بالقوة إذا “صدر عن المشاركين أي فعل يشكل جريمة يعاقب عليها القانون أو خروج عن الطابع السلمي للتعبير عن الرأي” وينص على اتخاذ هذا القرار من قبل القائد الميداني لقوات الشرطة.
قال عبد الفتاح عثمان، مساعد وزير الداخلية لشؤون الإعلام، إن الشرطة فرقت المظاهرة بعد قيام المتظاهرين بقطع الطرق بالمخالفة للقانون، كما ورد في تقرير لصحيفة “الأهرام” الحكومية. وفي بيان على الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية بموقع “فيسبوك”، وجهت الوزارة اللوم إلى المتظاهرين، قائلة إنهم لم يمتثلوا للاشتراط الجديد بالإخطار المسبق ولا حصلوا على التصريح الأمني اللازم.
إلا أن العاملين في هيومن رايتس ووتش الذين كانوا يرقبون المظاهرة لم يشهدوا أثراً للعنف من جانب المتظاهرين، ولم يشر أي من الشهود الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش مقابلات، ولا مقاطع الفيديو المطولة التي راجعتها هيومن رايتس ووتش، إلى لجوء المتظاهرين لاستخدام القوة.
ألقت الشرطة القبض على ما لا يقل عن 72 متظاهراً، بحسب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو مجموعة حقوقية ذهب محاموها إلى أقسام الشرطة لتمثيل المحتجزين. وقالت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، التي كان محاموها في مسرح الأحداث بدورهم، إنها وثقت 89 اعتقالاً. قال محامون، وأفراد من عائلات المحتجزين، ومحتجزون مفرج عنهم أمام قسم شرطة القاهرة الجديدة أول لـ هيومن رايتس ووتش إن 35 متظاهراً على الأقل احتجزوا هناك، و12 في قسم شرطة القاهرة الجديدة ثالث.
كان بين المحتجزين نشطاء معروفون ـ منى سيف ونازلي حسين وسلمى سعيد، ومحامون حقوقيون ـ أحمد هشام ومحمد عبد العزيز وأسامة المهدي، وصحفيون ـ أحمد رجب من المصري اليوم ورشا عزب من الفجر.
بحلول نهاية اليوم كانت الشرطة قد أفرجت عن جميع السيدات والصحفيين والمحامين من المحتجزين، وهذا بحسب المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بمن فيهم 14 متظاهرة تم إنزالهن في ساعة متأخرة من الليل على طريق صحراوي يبعد نحو 30 كيلومتراً إلى الجنوب من موقع المظاهرة. زار عاملون في هيومن رايتس ووتش مسرح الأحداث وأكدت أربع من السيدات أن السلطات تركتهن هناك وأنهن في انتظار أصدقاء وأقارب لأخذهن.
قالت عايدة الكاشف، وهي واحدة من السيدات، لـ هيومن رايتس ووتش إن رجلاً يرتدي بذلة وعلى جانبيه آخرون في ثياب مدنية اقترب منها ومن غيرها من المحتجزات على سلم قسم شرطة القاهرة الجديدة أول، وقال لهن أن يرحلن معه.
وحين رفضن، هز الرجل رأسه وشرع الرجال الآخرون “في الإمساك بنا واحدة بعد واحدة وجرنا على السلم، وضربنا، وإلقائنا في شاحنة الشرطة… [وأخذونا] حتى ألقوا بنا في الصحراء”. أيدت هذه الرواية ثلاث متظاهرات محتجزات أخريات أجرت معهن هيومن رايتس ووتش المقابلات.
قالت نازلي حسين على تويتر عقب اعتقالها مباشرة بأن الشرطة تحرشت بها وبغيرها من المتظاهرات جنسياً أثناء احتجازهن. وقالت لـ هيومن رايتس ووتش إن رجال الشرطة، بعد إطلاق سراحها “أمسكوا بي، وتحسسوني، وحاولوا نزع ملابسي”.
بقي 24 متظاهراً قيد الاحتجاز في قسم القاهرة الجديدة أول حتى عصر يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني. وقال أحد محامييهم لـ هيومن رايتس ووتش إنهم يواجهون التهم بموجب قانون الاجتماعات العامة الجديد ـ بما فيها المشاركة في مظاهرة تم فيها رفع أسلحة بيضاء، وتعطيل المرور، وتنظيم مظاهرة بدون تصريح، وكذلك بموجب فقرات أخرى من قانون العقوبات ـ تشمل البلطجة، والسرقة بالإكراه، والتجمهر غير المشروع، والتعدي على موظفين عموميين. أفادت وكالة رويترز للأنباء بأن النيابة قامت يوم 27 نوفمبر/تشرين الثاني بتوجيه تهمة تنظيم المظاهرة بالمخالفة لقانون الاجتماعات العامة الجديد إلى أحمد ماهر، القيادي في حركة شباب 6 أبريل، والناشط علاء عبد الفتاح.
وفي 27 نوفمبر/تشرين الثاني أيضاً حكمت محكمة في الإسكندرية على 21 شابة وفتاة صغيرة بالسجن أو الحبس للمشاركة في مظاهرة سلمية يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول، بحسب تصريح محاميهن لـ هيومن رايتس ووتش. تم الحكم على الـ14 اللواتي في سن 18-22 سنة بالسجن لمدة 11 سنة وشهراً واحداً. كما تلقت 7 فتيات في سن 15-18 سنة حكماً بالإيداع في مؤسسة للأحداث حتى بلوغ سن 18 سنة، وعندها يعاد تقييم قضاياهن.
تعجلت النيابة إحالة القضية إلى المحاكمة، واتهمت السيدات بموجب قانون الاجتماعات العامة لسنة 1923 بالتجمهر غير المشروع، والبلطجة، واستخدام السلاح، والإتلاف. كما حصل ستة رجال على أحكام غيابية بالسجن لمدة 15 سنة للتحريض على التظاهر.
وأصدرت إحدى محاكم القاهرة في 13 نوفمبر/تشرين الثاني أحكاماً بالسجن لمدة 17 سنة وبغرامات تبلغ 65 ألف جنيه مصري (9440 دولاراً أمريكياً) على 12 من طلبة جامعة الأزهر، في تهم نابعة من مشاركتهم في مظاهرات واشتباكات بحرم الجامعة.
استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لاحقاً في مساء 26 نوفمبر/تشرين الثاني لتفريق متظاهرين تجمعوا حول كوبري قصر النيل وشارع طلعت حرب للهتاف ضد الجيش والشرطة. قال شريف جابر، وهو ناشط عمره 29 عاماً كان في ميدان طلعت حرب، قال لـ هيومن رايتس ووتش إن عربات الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع، وطاردت المتظاهرين في الشوارع الجانبية، واحتلت الميدان، ثم اعتقلت المتظاهرين قبل انسحابها. “وتكررت هذه الدورة عدة مرات على مدار المساء” على حد قول جابر.
في وقت أسبق من يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني، استخدمت الشرطة أساليب مشابهة لتفريق تجمع في ذكرى جابر صلاح، الناشط المعروف بـ”جيكا” الذي قتل في إحدى مظاهرات 2012 بميدان التحرير.
منذ عزل الجيش للرئيس السابق محمد مرسي في 3 يوليو/تموز، لجأت الشرطة مراراً إلى القوة لتفريق المظاهرات التي ينظمها مؤيدو الإخوان المسلمين، واستخدمت القوة المميتة المفرطة في بعض الأحيان.
قال جو ستورك: “يأتي الفض العنيف والاعتقالات يوم 26 نوفمبر/تشرين الثاني كتذكرة قاسية بالمخاطر المصاحبة لمنح قوات الأمن صكاً على بياض لتنظيم التجمعات العامة. وعلى الحكومة أن تفرج فوراً عن جميع المحتجزين لمجرد ممارسة حقهم في التظاهر، وأن تلغي قانون الاجتماعات العامة الجديد”.