مئات الأشخاص مازالوا في السجون بسبب التعبير عن الرأي وكبار الضباط لم يطلهم العقاب
(منظمة هيمان رايتس ووتش/ آيفكس) – مارس 28, 2012 – (بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن الحكومة البحرينية لم تنفذ أهم التوصيات التي قدمتها اللجنة المستقلة التي بحثت في انتهاكات حقوق الإنسان التي حدثت على نطاق واسع خلال حملة قمع المحتجين المطالبين بالديمقراطية في عام 2011.
وكانت اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، التي أنشأها الملك حمد بن عيسى آل خليفة وترأسها شريف بسيوني، الخبير القانوني من أصل مصري ـ أمريكي، قد نشرت النتائج التي توصلت إليها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011. وفي ذلك التوقيت، وعد الملك بتنفيذ جميع التوصيات الصادرة عن اللجنة وأنشأ لجنة وطنية لمتابعة التنفيذ. وفي 20 مارس/آذار 2012، أعلنت هذه اللجنة أن تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائقلامست جميع المجالات الحياتية في البحرين. ولكن هيومن رايتس ووتش قالت إن بعض الشكوك التي أعربت عنها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، مثل المحاسبة على جرائم التعذيب، والتعويض للأشخاص الذين سُجنوا ظُلمًا، لم يقع التطرق إليها على نحو كاف.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “اتخذت مملكة البحرين بعض الخطوات الإيجابية، ولكن لا يمكن لحكومة البحرين التحدث عن تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق في وقت مازال فيه مئات الأشخاص خلف القضبان بسبب التعبير عن الرأي والمطالبة بتغيير الحكومة. ويبدو أنه لم يتم التحقيق مع أي ضباط من أصحاب الرتب العالية في الدور الذي لعبوه في انتشار التعذيب وعمليات القتل غير القانونية”.
وفي إحدى الخطوات الايجابية التي أوصت بها اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، جرّدت الحكومة البحرينية جهاز الأمن الوطني من سلطة اعتقال الأشخاص واحتجازهم. كما قام الملك باستبدال رئيس هذا الجهاز الشيخ خليفة بن عبد الله آل خليفة، قبل أن يعينه أمينًا عامًا لمجلس الدفاع الأعلى، ومستشارا لدى الملك للأمن القومي برتبة وزير.
وتوصل تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إلى أن جهاز الأمن الوطني لعب دورًا محوريًا في اعتقال 2929 شخصًا خلال فترةتطبيق حالة السلامة الوطنية التي دامت عشرة أسابيع، من منتصف مارس/آذار إلى بداية يونيو/حزيران السنة الماضية، وكانت أغلب الاعتقالات تتم في غارات ليلية على المنازل. وقال تقرير لجنة تقصي الحقائق إن جهاز الأمن الوطني وقوات الأمن الأخرى قامت “بشكل متعمد بتحطيم الأبواب، واقتحام المنازل عنوة وفي بعض الأحيان سلبها” واستعملت “إهانات لفظية طائفية”، وعاملت أفراد العائلات بشكل مهين، وروّعت الأطفال. كما قال التقرير إن نمط الاعتقالات “يشير [إلى] تواجد نمط سلوكي منهجي” صاحبه “سلوك مثير للرعب” في الأشخاص الذين تم اعتقالهم.
وخلُصت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إلى أن عمليات الاعتقال والاحتجاز التي تمت خلال فترة حالة الطوارئ “لم تكن لتحدث دون علم الرتب العليا في تسلسل القيادة داخل وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني”. كما قالت اللجنة إن عددًا كبيرًا من مجموع 179 شخصًا ممن تم اعتقالهم على يد جهاز الأمن الوطني زعموا أنهم تعرضوا للتعذيب.
وقال جو ستورك: “كان يتعين على الحكومة الرد بإيقاف الشيخ خليفة بن عبد الله آل خليفة على ذمة التحقيق لدوره كرئيس لجهاز الأمن الوطني أثناء الحملة. إن مكافأته بمنصب وزاري تُسلط الضوء على فشل العائلة الحاكمة في التعامل بجدية مع موضوع مساءلة جميع الأشخاص في جرائم حقوق الإنسان”.
ودعت اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق الحكومة إلى التحقيق في مزاعم بتورط قوات الأمن في ممارسة التعذيب “بما في ذلك تلك الموجودة في سلسلة القيادة العسكرية والمدنية”. يُذكر أن الحكومة شرعت في محاكمة العديد من ضباط الأمن الذين لهم صلة بوقوع حالات وفاة بسبب التعذيب أثناء الاحتجاز وعمليات قتل غير قانونية، ولكن هيومن رايتس ووتش لا تعلم بأية جهود مبذولة لمحاسبة ضباط أصحاب رتب عالية، وهو ما أسماه تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق بـ “ثقافة الإفلات من العقاب”.
وفي موضوع متصل، قال تقرير اللجنة الوطنية للمتابعة إن الحكومة أصدرت مدونة سلوك للشرطة تتماشى مع المعايير الدولية، ووضعت برامج تدريب موسع “لقوات الأمن على الحقوق الأساسية للإنسان”، ونقلت التحقيقات في مزاعم التعذيب من وزارة الداخلية إلى مكتب النائب العام، وأنشأت “وحدة تحقيق خاصة” في مكتب النائب العام للتحقيق مع “[المسؤولين الحكوميين] الذين ارتكبوا أعمالا مخالفة للقانون وتسببوا بإهمالهم في حالات القتل والتعذيب وسوء معاملة المدنيين”. وجاءت هذه الإجراءات بعد توصية قدمها خمسة محامين دوليين قاموا بتقديم النصح إلى الحكومة حول تنفيذ توصيات اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق.
وتساءلت هيومن رايتس ووتش عما إذا كان إشراف مكتب النائب العام على التحقيقات يستجيب لمتطلبات “الاستقلالية، والحياد، والفاعلية” التي أكد عليها المستشارون الدوليون ما لم يتم إصلاح هذا المكتب بشكل جذري بما يجعله مستقلا عن الحكومة وملتزمًا بمبدأ المحاسبة الشاملة والمحايدة. وقامت هيومن رايتس ووتش في العديد من التقارير بتوثيق فشل مكتب النائب العام بشكل متواصل في التحقيق في مزاعم خطيرة حول التعذيب وسوء المعاملة، والأمر بإجراء فحوصات طبيةعلى المعتقلين الذين يزعمون ذلك. كما تسبب مكتب النائب العام في محاكمات استندت إلى اعترافات تم التأكد من أنها انتزعت بالقوة. وقال تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق إن اللجنة تلقت أدلة تشير الى انه في بعض الحالات لم تقم النيابة او القضاء بأتخاذ الاجراءات اللازمة لمحاسبة المسؤولين.
أعلن النائبالعام في البحرين أن وحدة التحقيقات سوف يترأسها “شخص برتبة رئيس نيابة” ويساعده “سبعة نواب عامين”، ولكنه لم يتم تسمية أي شخص في هذا المنصب. وفي رسالة تلقتها هيومن رايتس ووتش، قال النائب العام: “لا شيء يحول دون اتخاذ تدابير ضد أي مسؤول ثبت تورطه في الأحداث، بغض النظر عن وظيفته أو رتبته”.
واستنادًا إلى النائب العام، قامتالنيابة، بعد صدور تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق، بالتحقيق في دعاوى ضد 50 ضابطًا بشأن مزاعم عن ضلوعهم في 107 قضايا تتعلق بتعذيب وسوء معاملة المدنيين، بما في ذلك عدة حالات وفاة أثناء الاحتجاز وعمليات قتل غير قانونية. واستنادًا إلى تقارير إخبارية، فإن أعلى رتبة ضمن الأشخاص الذين تشملهم المحاكمة هو شرطي برتبة ملازم، أما البقية فأغلبهم من غير البحرينيين العاملين في رتب صغيرة في وزارة الداخلية.
وقالت هيومن رايتس ووتش إن فشل السلطات إلى الآن في محاكمة المسؤولين عن وقوع انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بغض النظر عن رتبهم، يقوّض التزام البحرين بتحقيق إصلاحات هامة.
ومن بين أهم التوصيات الأخرى التي قدمتها اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق والتي لم يتم تنفيذها بعد هي القيام بمراجعة شاملة للأحكام التي طالت أشخاصًا بسبب جرائم التعبير، وإلغاء الإدانات التي صدرت في محاكمات جائرة.
(. . .)