.في زمن صار فيه قتل وتعذيب المصريين دليل الوطنية، يحاكم المدافعون عن ضحايا تلك الجرائم
تدين المنظمات الموقعة أدناه الهجمة الممنهجة والإجراءات التصعيدية ضد المجتمع المدني المصري بشكل عام، والحقوقي بوجه خاص. وتعتبر أن تلك الخطوات الأخيرة تستهدف استئصال المنظمات الحقوقية، عن طريق إعادة فتح القضية رقم 173 لسنة 2011، المعروفة إعلاميًا بقضية التمويل الأجنبي، ومواصلة التوظيف السياسي والأمني للجهاز القضائي، لتحقيق أهداف تضر إضرارًا جسيمًا بالعدالة وحقوق الإنسان.
كانت المنظمات الحقوقية قد تعرضت في العشرة أيام الماضية لهجوم إعلامي أمنى حاد، بعد قرار البرلمان الأوروبي الذى انتقد فيه حالة حقوق الإنسان في مصر، وإرسال المنظمات مذكرة للمفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة حول الشأن نفسه، تناولت فيها أبرز الانتهاكات المتعلقة بالقتل خارج نطاق القانون، وعنف الشرطة، السجن والتعذيب وإساءة المعاملة، حرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع السلمي، قمع الحريات الإعلامية والفنية وإغلاق المراكز الثقافية والأكاديميين، وملف العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق المرأة، والحريات الدينية.
من جانبهم، اتخذ مؤخرًا قضاة التحقيق في القضية المشار إليها –والذين تم انتقائهم بالاسم– عددًا من الإجراءات ضد قيادات وعاملين بعدد من المنظمات الحقوقية، من بينها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، نظرة للدراسات النسوية، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. واتسعت تلك الإجراءات لتشمل أيضًا مكتب محاماة عريق تأسس منذ ٧٥ عاما، هو المجموعة المتحدة، محامون ومستشارون قانونيون، ومديره المحامي الحقوقي نجاد البرعى.
الإجراءات تضمنت المنع من السفر، واستدعاء لبعض العاملين للتحقيق، وصولًا إلى منع حسام بهجت مؤسس المبادرة المصرية، وجمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية واثنان من أسرته من التصرف في أموالهم. وتتوقع المنظمات الموقعة المزيد من الإجراءات القمعية والانتقامية في الفترة المقبلة، ليس فقط لتكميم أفواه تلك المنظمات، بل لإسكات الصوت الوحيد الباقي لضحايا جرائم حقوق الإنسان، المقدرون بعشرات الآلاف.
وتلاحظ المنظمات أن هذه الإجراءات تتم في سياق من التكتم والسرية من قبل لجنة التحقيق، التي تتعنت في رفض إطلاع المحاميين وموكليهم على أوراق القضية أو الكشف عن طبيعة وتفاصيل الاتهامات محل التحقيق، وفي الوقت نفسه تسرب المعلومات والإجراءات لوسائل الإعلام، التي تحولت للوسيلة الوحيدة لتعريف المحامين وموكليهم بتلك الإجراءات، بما في ذلك مواعيد الجلسات. مما يعد انتهاكًا سافرًا لضمانات المحاكمة العادلة ومخالفة صريحة للدستور ولنص المادة (25) من قانون الإجراءات الجنائية. الأمر الذي بلغ حد إصدار لجنة التحقيق لقرارات بالمنع من السفر بصورة مؤبدة لبعض الأشخاص منذ أكثر من عام، دون مثولهم للتحقيق، أو توجيه اتهامات لهم، أو إبداء أي أسباب قانونية للمنع، وذلك بالمخالفة للدستور الذي اشترط أن يتم ذلك بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة، بل أن أحد قضاة التحقيق صرح أن القضية لا يوجد بها متهمين وأن كافة الإجراءات التي يتم اتخاذها مجرد إجراءات احترازية. مما يعنى تقييد حرية أشخاص من التصرف في أموالهم ومن السفر والتنقل دون علمهم ولمدة محددة، من غير اتهامات محددة.
جدير بالذكر، أن المادة (208 مكرر أ من قانون الإجراءات الجنائية) –التي استد إليها قضاة التحقيق في منع اثنين من مسئولي المنظمات من التصرف في أموالهم– تخالف مبادئ الدستور، إذ تجعل أساس المنع “قيام دلائل كافية من التحقيق على ثبوت الاتهام في حق المتحفظ عليه”، ضاربة بمبدأ أصل البراءة عرض الحائط. كما تخالف تلك المادة مبدأ “شخصية العقوبة” دونما إثبات نقل المتحفظ عليهم أموالهم لذويهم، الأمر الذي يعد افتئاتًا على الملكية الخاصة لأقارب الممنوعين من التصرف. فضلًا عن أنه قيد على ملكيتهم دون صدور حكم قضائي.
تعتقد المنظمات الموقعة أن تسارع وتيرة الإجراءات ضدها في الفترة القصيرة الماضية يأتي في إطار الانتقام منها كأخر صوت باق للضحايا، خصوصًا بعد الخلل الهائل الذي أصاب منظومة العدالة، وتصرفات الأجهزة الأمنية التي فقدت صوابها وأصبحت منفلتة وغير خاضعة للمحاسبة، حتى علي فسادها. كما يبدو من السياق ا لزمنى للهجوم على تلك المنظمات أن هناك انتقام مقصود بسبب التواصل مع أحد آليات الأمم المتحدة وهو المفوض السامي لحقوق الإنسان، والاجتماع معه ومع الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك بالرغم من تصديق الحكومة المصرية على عدد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، التي تتيح لتلك المنظمات الاشتباك مع آليات الأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن.
إن تعامل الحكومة المصرية وأجهزتها الأمنية مع ملف الانتقادات المحلية والدولية، خاصةً الانتقادات الأخيرة، مثير للسخرية. إذ كان حري بالحكومة أن تدرك مواضع الخلل الجسيم في طريقة إدارة البلاد وتبادر بإصلاحه، بدلًا من إسكات صوت الضحايا وقمعهم بإجراءات قانونية معيبة. فانفلات الأجهزة الأمنية هو الذي “يُسئ لسمعة مصر الدولية”، خصوصًا وأن وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان وجسامتها في العامين الماضيين وصلت لمستويات غير مسبوقة في تاريخها الحديث، ولا يمكن إخفائها داخليًا أو دوليًا. وفي الوقت نفسه تحاول المنظمات الحقوقية في مصر ممارسة دورها تحت ضغوط وتهديدات مهولة، وصلت لدرجة التهديدات بالقتل لمدير وعضو بمجلس إدارة مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، وصدور قرار بالغلق الإداري لمركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، ومنع عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان من السفر بشكل تعسفي.
المنظمات الموقعة:
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
الجماعة الوطنية لحقوق الإنسان والقانون
الجمعية المصرية للنهوض بالمشاركة المجتمعية
مركز الأرض لحقوق الإنسان
المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية
مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب
مركز أندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف
مركز عدالة للحقوق والحريات
مصريون ضد التمييز الديني
المفوضية المصرية للحقوق والحريات
المنظمة العربية للإصلاح الجنائي
مؤسسة الحقانية للحقوق والحريات
مؤسسة المرأة الجديدة
مؤسسة حرية الفكر والتعبير
مؤسسة ضحايا الاختطاف والاختفاء القسري
مؤسسة قضايا المرأة المصرية
نظرة للدراسات النسوية
وصلت وتيرة انتهاكات حقوق الإنسان وجسامتها في العامين الماضيين لمستويات غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث