بسبب الاحتجاجات الحاشدة المتوقعة بتاريخ 14 آب، عقدت الحكومة البحرينية جلسة طارئة للجمعية الوطنية لطرح توصيات صارمة للحد من الاحتجاجات، بما في ذلك حظر الاعتصامات والمسيرات والتجمعات في المنامة.
يدين مركز البحرين لحقوق الإنسان استمرار النظام البحريني في التضييق المتزايد على حق المعارضة والشعب في التعبير عن الرأي والمطالبة بحق تقرير المصير، ولعل ما يثير المزيد من القلق والاستنكار هو استخدام المجلس الوطني الذي من المفترض أن يكون جهةً مدافعةً عن الشعب، في المطالبة بتفعيل المزيد من القوانين المنتهكة لحقوق المواطنين.
حيث عُقدت في يوم الأحد 28 يوليو 2013 جلسة استثنائية للمجلس الوطني [1] بناءً على طلب تقدم به رئيس مجلس النواب خليفة بن أحمد الظهراني يتضمن رغبة أعضاء المجلس الوطني –الذي يتشكل من أعضاء مجلسي الشورى والنواب- لعقد اجتماع استثنائي لبحث موضوع تشديد العقوبات في القانون رقم 58 لسنة 2006 بشأن حماية المجتمع من الأعمال الارهابية. وتجاوباً مع هذه الدعوة أصدر حاكم البلاد حمد بن عيسى آل خليفة أمراً بإنعقاد هذه الجلسة.
والجدير بالذكر ان كان هناك جدلا حول كون انعقاد الجلسة الوطنية للمجلس الوطني لا يتماشى مع دستور البحرين بشكل جوهري. وذكر المحامي عبدالله الشملاوي في تصريح أن الجلسة الاستثنائية للمجلس الوطني بلا سند دستوري، وأضاف ” أن النص الدستوي الذي أجاز الدعوة لدور الانعقاد تحدث عن كل من مجلسي الشورى والنواب على حِدة ولا يوجد نص دستوري يجيز دعوة المجلس الوطني بغرفتيه “.
في البحرين، يتألف المجلس المنتخب، والذي لا يحمل سلطات تشريعية أو رقابية، من 40 مقعدا. في حين يتم تعيين أعضاء المجلس الأعلى، الذي يتكون أيضا من 40 مقعدا، بشكل مطلق من قبل الملك.
وأوصت الجلسة الاستثنائية التي استمرت لما يزيد عن 3 ساعات بتوصيات عدة جاءت سريعاً في بيانٍ [2] صدر خلال 20 دقيقة في مؤشر واضح على الإعداد المسبق لهذه التوصيات وشكلية الجلسة المنعقدة، وشملت التوصيات دعوات صريحة للتضييق على العمل السياسي والحق في التعبير عن الرأي، حيث أوصت بمنع كافة المسيرات والإعتصامات والتجمهر في العاصمة المنامة في مخالفة مباشرة لحق التجمع السلمي المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية”، وكانت السلطة قد دأبت على قمع المسيرات المطالبة بالديموقراطية في المنامة باستخدام القوة المفرطة.
كما أوصى المجلس بتفعيل الإجراءات القانونية ضد من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي “بصورة غير قانونية” حسب تعبير البيان، وتشديد العقوبات ضد كل من يستخدم هذه المواقع “لترويج معلومات خاطئة لجهات خارجية” وهو ما يمثل مخالفة واضحة لحق التعبير عن الرأي بحسب المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية.” ويأتي في اعقاب حملة مكثفة طالت العديد من مستخدمي الإنترنت بالإعتقال والمحاكمة نتيجة آراءهم على مواقع التواصل الإجتماعي، ولا يزال العديد في السجن بسبب تغريداتهم على موقع تويتر. التوصية بحملة أقسى على المدونين سينتج عنه المزيد من استهداف النشطاء الذين يستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعية لفضح انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة على نطاق واسع في البحرين والتعبير عن وجهات نظرهم وآرائهم.
كما اشتمل البيان على اعطاء صلاحيات موسعة للسلطة و للأجهزة الأمنية بما في ذلك التشريع غير الدستوري لفرض حالة السلامة الوطنية (حالة الطواريء)، وتنازل المجلس عن دوره في التشريع بإعطاء السلطة الحق في تمرير ما ترغب به من مراسيم بقوانين لتشديد العقوبات في قانون الإرهاب ولتنفيذ التوصيات التي جاء بها وغيرها من إجراءات حفظ الأمن و هو الأمر الذي ينذر بتمرير المزيد من القوانين القمعية.
وكانت التوصيات الكاملة كالتالي:
- يوصي المجلس الوطني بموجب المادة رقم (38) من الدستور، بإصدار مراسيم بقوانين في فترة غياب البرلمان لتشديد العقوبات في قانون الإرهاب، ولتنفيذ هذه التوصيات إذا تطلب الأمر, ولمواجهة ما يستجد من تداعيات تتطلب اتخاذ إجراءات لا تحتمل التأخير للحفاظ على أمن الوطن واستقراره.
- إسقاط الجنسية البحرينية عن كل مرتكبي الجرائم الإرهابية والمحرضين عليها.
- المعاقبة على التحريض على العنف والإرهاب بكافة صوره وأشكاله وتشديد العقوبة على المحرضين على ارتكاب الجرائم الإرهابية.
- فرض عقوبات مشددة على جميع جرائم العنف والإرهاب بكافة صورها وأشكالها.
- تجفيف كافة مصادر تمويل الإرهاب.
- منع الاعتصامات والمسيرات والتجمهر في العاصمة المنامة.
- اتخاذ كافة التدابير اللازمة لفرض الأمن والسلم الأهليين ، إذا ما حدث ما يعد خروجاً على القانون والمساس بأمن المواطنين والإضرار بالمصالح العامة والخاصة في ذلك، وإن تطلب الأمر فرض حالة السلامة الوطنية.
- اتخاذ الإجراءات القانونية ضد بعض الجمعيات السياسية التي تحرض وتدعم أعمال العنف والإرهاب.
- تعديل القانون رقم (58) لسنة 2006م بشأن حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية لسد كل الثغرات التي تحرض على الإرهاب وتدعمه.
- منح الأجهزة الأمنية الصلاحيات الضرورية والمناسبة لحماية المجتمع من الأعمال الإرهابية والترويج لها.
- ضرورة التنبيه على سفراء الدول الأجنبية وممثليها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبحرين احتراماً للقانون الدولي والأعراف الدولية.
- تشديد العقوبات ضد كل من يثبت تورطه في زج الأطفال واستغلالهم في الأعمال الإرهابية وتخريب المنشآت العامة والخاصة.
- الالتزام التام والكافي بتطبيق كافة القوانين العقابية المتعلقة بمكافحة العنف والإرهاب دون تهاون أو تفريط في ذلك.
- انتهاج خطاب وسطي معتدل للمحافظة على النسيج الاجتماعي للمجتمع البحريني.
- توجيه الأجهزة المعنية في الدولة بتفعيل الإجراءات القانونية ضد كل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بصورة غير قانونية، وتشديد العقوبات ضد كل من يستخدم هذه المواقع لترويج معلومات خاطئة لجهات خارجية تتربص بأمن البلاد واستقرارها.
- التأكيد على عدم المساس بالحريات الأساسية، وخاصة حرية الرأي بشكل يوازن بين تطبيق القانون والمحافظة على حقوق الإنسان.
- النظر في السياسة التعليمية والتربوية، وإعادة مراجعة المناهج التعليمية وتنقيحها بما يكفل وقاية المجتمع من العنف والأعمال الإرهابية وتقويم سلوك أبناء الوطن.
- تسليط الضوء إعلامياً على خطورة الإرهاب وتأثيره على استقرار الوطن واقتصاده، ونبذ كل ما يمت للإرهاب ووسائله بصلة.
- مساندة الجهود المخلصة لجلالة الملك المفدى بتشجيع الحوار الوطني والدفع به إلى الأمام، انطلاقا من أن الحوار الوطني الجاد هو السبيل الأمثل لحلحلة كل القضايا والحفاظ على اللحمة الوطنية.
- عدم شمول المتورطين في الأعمال الإرهابية بالعفو الملكي عن العقوبات.
- وضع استراتيجية شاملة للمنظومة الأمنية في المملكة، بما يكفل لها مواجهة كافة المستجدات ودعم جهود القائمين عليها وحمايتهم.
- تدشين برامج لإعادة تأهيل الشباب الذين يتم استغلالهم في الجرائم المختلفة.
وقد رفعت هذه التوصيات لحاكم البحرين حمد بن عيسى آل خليفة الذي سرعان ما أصدر بياناً وجه فيه لسرعة تنفيذ التوصيات التي خرجت بها جلسة المجلس الوطني الاستثنائية [3]. كذلك أشاد كل من ولي العهد ورئيس الوزراء في بيانات مستقلة بالتوصيات ودعيا إلى تنفيذها.
ولم يتخذ المشرعون أية جهود سواء في هذه الجلسة أو في أي وقت سابق لمعالجة مشاكل أساسية في قانون الإرهاب المنتقد دولياً بسبب خروقات فاضحة لحقوق الإنسان منها، بحسب خبير في الأمم المتحدة: “إن تعريف الإرهاب واسع بشكل كبير، حيث أنه لا يوجد شرط لهدف معين بارتكاب عمل إرهابي، و هناك بعض الأفعال التي تعتبر ” إرهابية ” دون نية التسبب في الوفاة أو إلحاق إصابات جسمانية خطيرة – وبالتالي يذهب هذا التعريف ضد العديد من مواثيق حقوق الإنسان.
– القيود المفروضة على حرية تكوين الجمعيات والتجمع من شأنها أن تسمح بتجريم المظاهرات السلمية التي ينظمها المجتمع المدني؛
– يتم وضع القيود المفرطة على حرية التعبير بسبب استخدام مصطلحات غامضة وعامة فيما يتعلق بجريمة التحريض على الإرهاب حيث ليس هناك معيار واضح لتحديد التجريم؛
– من شأنه أن يحرم الحق في المحاكمة العادلة بسبب السلطة المفرطة للمدعي العام فيما يتعلق بالاحتجاز دون مراجعة قضائية “.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن القانون يخول المحاكم فرض عقوبة الإعدام ويفشل في توفير الضمانات الإجرائية الأساسية للأشخاص الذين يواجهون احتمال الحكم عليهم بالإعدام.
استخدم قانون الإرهاب منذ صدوره ضد النشطاء السياسيين أو المدافعين عن حقوق الانسان، وكذلك لقمع حركة الاحتجاج السلمي التي بدأت بالتصاعد في السنوات الأخيرة والتي تطالب بالحرية والديموقراطية وحق تقرير المصير. وعلى الرغم من التوضيحات التي صدرت عن السلطة بأن مشروع القانون الذي كانت قد تقدمت به الحكومة إلى مجلس النواب هو للحد من الإرهاب القادم من الخارج، إلا إن الواقع الفعلي بعد إقرار القانون يبين عكس ذلك. في أبريل 2013 تلقى طفلان الحكم بالسجن 10 سنوات بتهمة المشاركة المزعومة في حرق مدرعة بعد محاكمتهما تحت قانون الإرهاب. [4] قام مركز البحرين لحقوق الإنسان بتوثيق قضايا تم محاكمتها تحت قانون الإرهاب وكانت الأدلة المستخدمة ترتكز في الغالب إن لم يكن بالمطلق على الاعترافات المنتزعة تحت التعذيب.
واعتبر المشاركون في الجلسة موافقة حاكم البلاد على عقد هذه الجلسة الاستثنائية استجابةً لرغبة الشعب وإرادته، يُذكر أن مجلس النواب الحالي كان قد شهد في فبراير 2011 انسحاب 18 نائباً تابعين لكتلة الوفاق النيابية، ممثلين لـ 60% من الإرادة الشعبية (بحسب صناديق الاقتراع)، انسحاباً نهائياً من المجلس النيابي احتجاجاً على تداعيات فض قوات النظام الاعتصام السلمي الذي أقامه المواطنون وسط دوار اللؤلؤة بالقوة غير المبررة، تم استبدالهم لاحقاً عبر انتخابات تكميلية جرت مقاطعتها[5].
ومن المفارقات أن الجلسة شملت دعوات لتطبيق القانون وتغليظه فيما يتعلق بالعقوبات الخاصة بالتحريض على العنف لاسيما الأعمال التي تستهدف إشعال فتيل الأزمة المذهبية في البحرين على حد زعمهم بينما لم تخلو الجلسة الاستثنائية من السباب والتأليب ضد الطائفة الشيعية حيث وصفهم أحد النواب “بالكلاب” ودعى بعض المشاركين في الجلسة لاتخاذ تدابير أمنية مشددة تستهدف قيادات شيعية معارضة في انتقام واضح من عملهم السلمي العلني [6].
كما اشتملت الجلسة انسحاب نائبين –علي العصفور، خالد عبدالعال- احتجاجاً على ما يجري. قبل الانسحاب، قدم خالد عبدالعال كلمة حول الانتهاكات المستمرة الجسيمة والواسعة النطاق لحقوق الإنسان، وأشار إلى أن رئيس الوزراء كان محقاً في قوله أن الأسرة الحاكمة والأجهزة الأمنية هم فوق القانون.
وفي حين أعربت وزارة الداخلية عبر حسابها في موقع التواصل الاجتماعي تويتر عن نيتها وضع قوانين رادعة إضافة إلى الجهود الاجتماعية والتربوية والتوعوية لوقف العنف على حد زعمها، إلا أنها في الوقت ذاته لازالت عبر رجالاتها تمارس الإنتهاكات المتكررة باقتحام القرى المنازل وتنفيذ المئات من المداهمات والاعتقالات خارج إطار القانون، إضافة إلى تنفيذ العقاب الجماعي باستخدام الغازات السامة والرصاص الإنشطاري “الشوزن”( والتي نتج عنها القتل خارج نطاق القانون) لمنع التجمعات السلمية في المناطق الشيعية التي تشهد احتاجات سلمية بشكل يومي.
ويرى مركز البحرين لحقق الإنسان إن موافقة حاكم البلاد حمد بن عيسى على عقد الجلسة الاستثنائية للمجلس الوطني بمثابة ضوء أخضر لأجهزة الدولة كافة بالتضييق على المعارضة وعملها السلمي المطالب بالديوقراطية وحق تقرير المصير.
كما علقت مريم الخواجة –نائب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان- بأن “في الوقت الذي نتحدث فيه السلطات باستمرار عن وعود فارغة عن الإصلاح، لا تزال حالة حقوق الإنسان تتدهور. والجلسة الإستثنائية اليوم ليست حول تقديم عقوبات جديدة; فقد تمت ممارسة هذه الإجراءات سابقا. لقد كانت حول تقديم هذه الإجراءات تحت اسم ووجه جديد. السلطات تحاول خلق اجواء من الخوف منذ الإعلان عن الاحتجاجات المزمعة في 14 أغسطس في إطار حملة تمرد; و يبدو هذا أنه جزءا منه. ويرتبط استمرار تدهور حالة حقوق الإنسان مباشرة إلى الإفلات من العقاب الدولي الذي تتمتع به السلطات البحرينية؛ وعدم وجود ضغط حقيقي من حلفائهم، وهما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لوضع حد للانتهاكات واسعة النطاق الجارية “.
وبناءاً على ما سبق ذكره فإن مركز البحرين لحقق الإنسان يطالب بالتالي:
- وضع حد فوري لاستهداف المعارضة ولتقييد العمل السياسي السلمي.
- الإلغاء الفوري لتوصيات الجلسة الإستثنائية للمجلس الوطني، ووضع حد للانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، والشروع في إصلاحات حقيقية.
- وضع حد لثقافة الإفلات من العقاب التي تمارس على أعلى المستويات الحكومية، ومحاسبة الذين قامو بإرتكاب،الأمر، أو السماح لحدوث انتهاكات حقوق الإنسان، خصوصا اولئك في المناصب العليا.
- الغاء قانون الارهاب واسقاط جميع التهم ووقف المحاكمات التي لن تتوفر فيها شروط المحاكمة العادلة بسبب تعارض قوانين الارهاب والعقوبات مع المعايير الدولية وعدم استقلالية ونزاهة القضاء.
- جبر الأضرار والتعويض لجميع ضحايا التعذيب، فضلا عن إعادة التأهيل.
- محاسبة الذين يحرضون للطائفية والعنف ضد الطوائف معينة، بما في ذلك أعضاء من الأسرة الحاكمة.