واقعة شهدها اليوم العالمي لحرية الصحافة – 3 مايو/أيار – هذا العام، أثارت تساؤلات جدّية حول سياسة الحكومة البريطانية إزاء البحرين.
واقعة شهدها اليوم العالمي لحرية الصحافة – 3 مايو/أيار – هذا العام، أثارت تساؤلات جدّية حول سياسة الحكومة البريطانية إزاء البحرين. إذ احتفت السفارة البريطانية في المنامة باليوم العالمي فنشرت على موقعها الإلكتروني مقالين ضد حرية التعبير، فيهما تشويه لجماعات حقوق الإنسان البحرينية، وتبرير للقمع الحكومي لبعض قطاعات المجتمع.
أحد المقالين، وقد كتبه ممثل لمجموعة موالية للحكومة هي “مواطنون من أجل البحرين”، أشاد فيه بالملك حمد على إتيانه بـ “حرية الصحافة الحقيقية” إلى البحرين، في حين حذّر “الذين لا يفهمون المسؤولية التي تواكب هذه الحرية”. المقال الآخر الذي كتبه أنور عبد الرحمن، رئيس تحرير صحيفة أخبار الخليج الموالية للحكومة، يزعم أن “منظمات حقوق الإنسان المزعومة” هذه “يديرها في الأغلب مؤدلجون سابقون بل وحتى إرهابيون” وأضاف: “مثلما لا يمكن ترك الوحوش البريّة تجول في حرية، فمن الواجب إخضاع حرية العناصر الضالة في المجتمع الإنساني للسيطرة”.
في واقع الأمر، هناك توثيق جيّد لوجود مشكلات عميقة في سجل البحرين الخاص بحرية التعبير، والأمر آخذ في التدهور. حكمت المحاكم على نشطاء سلميين بالسجن المؤبد لمجرد أنهم مارسوا حقهم في حرية التعبير وفي حرية التجمع، وفي أبريل/نيسان 2013 زادت الحكومة من العقوبة القصوى لإهانة الملك من السجن عامين إلى خمس سنوات.
في أبريل/نيسان 2012 رفضت وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية منح تصاريح سفر لممثلين عن لجنة حماية الصحفيين ومراسلين بلا حدود ومؤشر الرقابة ومنظمة القلم الدولية (بن إنترناشيونال). في رسالة مشتركة إلى حكومة البحرين، وصفت هذه المنظمات القرار بأنه “محاولة متعمدة لتقويض التغطية الشفافة من المراقبين المستقلين للأحداث وللحد من قدرتهم على دخول البحرين”.
في حالة المقالين على موقع السفارة، هناك ملحوظة على موقع الحكومة البريطانية تعلن أن المقالين لا يعبران عن رأي الحكومة البريطانية، وفيما بعد أصدر مكتب الخارجية والكومنولث توضيحين بنفس الغرض على حسابه على تويتر. الحق أن من خلال منطق حرية التعبير الذي لا يتجزأ، فإن حتى من يدعون إلى فرض قيود على المبدأ يجب أن تُسمع أصواتهم وتُعلن جهراً. لكن الإخفاق في عرض آراء مضادة للآراء المعارضة لحرية التعبير – مصحوباً بقول الحكومة البريطانية أنها “لا تتفق قطعاً مع هذه الآراء” – يعني أن السفارة البريطانية في المنامة قد فتحت الباب أمام تعرضها للانتقاد، كونها تولي أهمية أقل لتعزيز حرية التعبير في البحرين مما تولي من اهتمام للتقارب مع حكومة البحرين القمعية.
بغض النظر عن هذه التعليقات على الإنترنت، لم تبذل الحكومة البريطانية أدنى جهد يُذكر للضغط على البحرين فيما يخص قضايا حرية التعبير. بعد كل شيء فإن البحرين مصنفة رقم 165 من بين 179 دولة في طبعة عام 2013 من مؤشر حرية الصحافة العالمي (من إعداد مراسلين بلا حدود). ولقد وقع مواطنون بريطانيون بأنفسهم ضحايا لقيود البحرين على حرية التعبير. في الفترة من 17 فبراير/شباط 2011 إلى أبريل/نيسان 2013، هناك 38 صحفياً على الأقل – بينهم صحفيين بريطانيين من الـ بي بي سي وفاينانشيال تايمز والقناة الرابعة وسكاي نيوز – حرموا من تأشيرات دخول للبحرين ومنعوا من الدخول لدى وصولهم إلى البحرين ورحلوا. أعرب وزير الخارجية البريطانية ويليام هاغ عن القلق إزاء الاحتجاز المؤقت لصحفيين من القناة الرابعة، لكن على حد علمنا فإن لا السفارة في المنامة أو وزارة الخارجية فعلا أكثر من هذا.
في الوقت نفسه، فإن الصلات الأمنية بين البلدين ما زالت قوية. في 29 أبريل/نيسان تقابل ريتشارد بينيغويان – رئيس منظمة التجارة والاستثمار في الدفاع والأمن – والكومودور كريستوفر موراي – الملحق العسكري البريطاني – بوزير الدفاع البحريني، الدكتور الشيخ محمد بن عبد الله آل خليفة، في المنامة من أجل مناقشة “التعاون العسكري الثنائي” بين البلدين. هل تمت مناقشة أية قضايا متعلقة بحقوق الإنسان أثناء الاجتماع؟ لا أعتقد.
في أعقاب “واقعة” موقع السفارة البريطانية، أشار الخبير المعني بالخليج كريستوفر ديفدسون أنه بينما قد تؤدي السياسة البريطانية إلى “مزايا اقتصادية قصيرة الأجل”، فإن التقليل من الاهتمام بانتهاكات حقوق الإنسان وغض الطرف عنها ليس ضمن ما يصب في المصالح الاستراتيجية لبريطانيا. فهذا المنهج من شأنه أن “يؤدي إلى ضرر طويل الأجل يلحق بسمعة بريطانيا” في نظر أعداد الشباب الغفيرة في المنطقة العربية.
ولقد أعرب بعض أعضاء لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني – التي تجري تحقيقاً في سياسة الخارجية البريطانية إزاء البحرين والسعودية – عن ارتياب في قدرة بريطانيا على التأثير على مجريات الأحداث في الخليج، لا سيما ما يتعلق بحقوق الإنسان. لكن من خلال التجارة والاستثمارات والعلاقات الأمنية، فإن لدى بريطانيا نفوذ على عائلة آل خليفة الحاكمة، ويجب أن تحضر لاستخدام هذه القدرة بشكل قوي فيما يخص الدفاع عن حرية التعبير وغيرها من حقوق الإنسان. قام ولي العهد البحريني في ديسمبر/كانون الأول 2012 بالإشادة ببريطانيا على دعمها، إذ قال: “لقد وقفتم معنا وقفة أعلى وأكبر من الجميع” دون أي ذكر للولايات المتحدة.
إذا كانت الحكومة البريطانية جادّة في دفاعها عن حرية التعبير وحقوق الإنسان في البحرين، فعليها أن تدعو علناً وبقوة إلى الإفراج الفوري عن جميع النشطاء البحرينيين السلميين الذين يقبعون وراء القضبان جراء ممارستهم لحقهم في حرية التعبير ولحقهم في حرية التجمع، وأن تدعو إلى الرفع الفوري للقيود المفروضة على ممارسة هذه الحريات الأساسية.