تشرين الأول/ أكتوبر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: تقرير عن أهم الأخبار المتعلقة بحرية التعبير، من تقارير الأعضاء في آيفكس
هذه ترجمة للمقالة الأصلية.
لبنان: “كلن، يعني كلن!”
عصفت مظاهرات عارمة بلبنان الشهر الماضي حين نزل الناس إلى الشارع مطالبين بتغييرات سياسية جوهرية. تمت الإشارة إلى هذه المظاهرات على أنها “انتفاضة الضرائب” أو “ثورة الواتس آب”، إذ أنها كانت لحد كبير نتيجةً للوضع الاقتصادي المتردي وعجز الحكومة مؤخراً عن مكافحة حرائق كبيرة التهمت أجزاء من البلاد. وكانت الشرارة التي أشعلتها اقتراح فرض ضريبة على الاتصالات التي تتم عبر واتس آب وغيره من تطبيقات الاتصال عبر الإنترنت.
فيما تجمعت حشود المتظاهرين في بيروت ليلة السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر رفضاً للضريبة المقترحة، اكتسبت التجمعات بسرعة زخماً قوياً حين اغتنم اللبنانيون الفرصة للتحرك ضد الفساد الحكومي المستشري. استجابةً للحراك، ألغت الحكومة الضريبة المقترحة على واتس آب وحاولت إطفاء الغضب بتقديم ورقة إصلاحية طارئة. إلا أنه يبدو بأن اللبنانيين قد طفح بهم الكيل من الوضع الراهن وطالبوا مغنين “كلن يعني كلن!” فيما شلت المظاهرات التي عمت البلد الحركة في لبنان.
بعد ذلك بحوالي عشرة أيام، قدم رئيس الوزراء سعد الحريري استقالته، تاركاً وراءه تساؤلات عمّن سيملأ هذا الفراغ السياسي وحول ما إذا سيكون من الممكن تفادي الانهيار الاقتصادي الوشيك.
ومع أن صور المظاهرات في غالبها عكست مزيجاً متناغماً من المتظاهرين يغنون ويرقصون معاً، بما في ذلك القيام بسلسلة بشرية عبر البلاد وحتى غناء جماعي مرتجل لأغنية الأطفال الإنجليزية الرائجة “بيبي شارك”، إلا أن المتظاهرين تعرضوا منذ البداية للعديد من الهجمات من قبل السلطات. إذ في تجاهلٍ سافرٍ للحماية التي يضمنها الدستور اللبناني لحرية التعبير والتظاهر، تم اعتقال العشرات فيما تم توثيق قيام قوات الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين.
لعب عضو آيفكس، تواصل الإعلام الاجتماعي (SMEX)، دوراً فاعلاً أثناء المظاهرات بما في ذلك نشر دليل للتواصل الآمن للمتظاهرين باستخدام تطبيقات رسائل مشفرة، وفتح خط مساعدة حول الأمن الرقمي لمساعدة الأشخاص الذين يشكون بأن حساباتهم مخترقة، بالإضافة إلى تفعيل الجهود لضمان قيام شركات الاتصالات برفع قدرة الاتصال بالإنترنت في الأماكن الرئيسية للمظاهرات.
في هذه الأثناء، قام عضو آيفكس، مؤسسة مهارات بالتعاون مع داتا أورورا لإطلاق منصة “ليبانون بروتستس (احتجاجات لبنان)” وهي منصة مستقلة تفاعلية تقوم بجمع البيانات والإحصائيات والنقاشات على وسائل التواصل الاجتماعي حول المظاهرات بالإضافة إلى مستندات حول مطالب المتظاهرين.
العراق ينتفض
عمت المظاهرات الرافضة للحكومة أنحاء البلاد في العراق الشهر الماضي، نتيجة مشاكل اقتصادية مماثلة ومطالب بإنهاء الفساد السياسي. خلال الأسابيع الماضية استخدمت قوات الأمن تكتيكات قاسية لقمع المتظاهرين، بما في ذلك الذخيرة الحية والقنابل الصوتية والقناصة على أسطح المباني، بالإضافة إلى الاعتقالات الاعتباطية وتعطيل الإنترنت وفرض حظر التجول. بالإضافة إلى قمع المتظاهرين، تم استهداف الصحفيين والقنوات الإخبارية، حيث قام مسلحون باقتحام ثلاث قنوات تلفزيونية على الأقل بما في ذلك قناة العربية الممولة من السعودية، ومكتب بغداد للقناة المستقلة تلفزيون دجلة، والقناة العراقية-الكردية إن آر تي.
“لم يعد الموضوع هجوماً على الطواقم الإعلامية في مكان الحدث”، بحسب سابرينا بينوي، رئيسة مكتب مراسلون بلا حدود للشرق الأوسط، “إذ تعداه إلى الهجوم على مكاتب القنوات الإعلامية لمنعها من الإعلام عما يجري في العراق”.
بحسب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق، فإن المظاهرات حصدت حياة 100 شخص على الأقل، وخلفت 4000 جريح و800 معتقل. وعلى الرغم من تأكيدات الحكومة بمحاسبة مسؤولين أمنيين رفيعي المستوى حول الرد العنيف الذي خلف قتلى وبأن العنف المفرط لن يستخدم مرة أخرى، تواصلت التكتيكات القمعية فيما اعتمدت قوات الأمن بشدة على استخدام الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع.
“إن تأكيدات الحكومة المضللة حول عدم تعريض الشعب لعنف مفرط قد تكون شجعت البعض على النزول للشوارع للتظاهر بسلام ظناً منهم بأنهم سيكونون بأمان” بحسب ما قالت سارة ليا ويتسون، مديرة الشرق الأوسط لهيومن رايتس ووتش.
وطالبت المجموعات المدافعة عن الحقوق السلطات العراقية التحقيق بمقتل المتظاهرين وضمان الحق بحرية التعبير والتظاهر السلمي، بالإضافة إلى التأكد من إطلاق سراح الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان الذين تم اختطافهم وتغييبهم قسرياً من قبل ميليشيات غير معروفة.
الإنترنت في خط النار
قامت السلطات العراقية أيضاً بتعطيل الإنترنت منذ 2 تشرين الأول/ أكتوبر، وحجبت فيسبوك وواتس آب وتويتر. قامت منظمة نيتبلوكس المختصة بتخطيط الإنترنت بتوثيق وتحليل الانقطاعات، مبرزةً “حظراً ليلياً ممنهجاً”، في حين رفع المحامي العراقي محمد جمعة دعوى قضائية على وزارة الاتصالات في محاولة لوضع الوزير مباشرةً تحت المساءلة.
تعاونت المنظمة العراقية نيتوورك فور سوشال ميديا (INSM) مع تواصل الإعلام الاجتماعي للبدء بعريضة تطالب وضع حد لتعطيل الإنترنت، مؤكدةً على أن: “تعطيل الإنترنت… يعيق حرية التعبير ويسمح للقوات الحكومية بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان دون القدرة على تسجيل أدلة ضدهم.” وحتى كتابة هذا التقرير، جمعت العريضة أكثر من 18,000 توقيع.
مصر: القمع يستمر
في مصر، استمرت التأثيرات الناتجة عن احتجاجات أيلول/ سبتمبر، فيما واجه الناشطون والمدافعون عن حقوق الإنسان والصحافيون تداعيات خطيرة على أنشطتهم.
حيث ما زالت الناشطة البارزة والصحفية في جريدة التحرير، إسراء عبد الفتاح، قيد الاعتقال بعد أن اختطفتها قوات الأمن في 12 تشرين الأول/ أكتوبر وأخضعتها للتعذيب للحصول على كلمة المرور الخاصة بهاتفها الخلوي. “ما كان يجب اعتقال إسراء من الأساس ولا تعريضها للمعاملة المرعبة التي يقول محاموها بأنها تعرضت لها وهي قيد الاعتقال”، بحسب شريف منصور، منسق الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى لجنة حماية الصحفيين.
في حين تبقى المدافعة عن حقوق الإنسان، ماهينور المصري محتجزةً منذ اعتقالها في 22 أيلول/ سبتمبر، جنباً إلى جنب مع المدونين علاء عبد الفتاح ومحمد “أكسجين” اللذين ما زالا قيد الاعتقال أيضاً. في حين ما زال المصور الصحفي محمود شوكان الذي أطلق سراحه مؤخراً يقضي كل ليلة في سجن الأهرام تنفيذاً لشرط الإفراج عنه، ويبقى الناشط المحامي محمد الباقر – الذي اعتقل أيضاً في أيلول/ سبتمبر أثناء حضوره التحقيق مع موكله علاء عبد الفتاح – قابعاً في سجن طرة. وشوهد كل من علاء ومحمد يحملان السجين السياسي جهاد الحداد، الناطق السابق باسم جماعة الأخوان المسلمين، إلى قاعة المحكمة الشهر الماضي بعد أن أمضى الحداد معظم سنواته الست الماضية قيد الاحتجاز والتعذيب والحبس الانفرادي، وفقد قدرته على المشي.
أدانت آيفكس الهجوم المستمر على أعضاء شبكتها في مصر، بمن فيهم جمال عيد، المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان (ANHRI) والذي تعرض لهجوم عنيف في الشارع، ومحامي الشبكة عمرو إمام الذي اختطف واعتقل بعد ذلك بستة أيام. علاوةً على ذلك، لم يتم بعد التحقيق في التحريض على قتل بهي الدين حسن، مدير معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (CHIRS)، في حين سعت دعوى قضائية مؤخراً إلى تجريده من جنسيته المصرية.
فيما تترقب مصر استعراضها الدوري الشامل (UPR) في 13 تشرين الثاني/ نوفمبر، قدم تقرير مشترك صدر مؤخراً عن منظمات تعنى بالحقوق، تفصيلاً عن الاستخدام الممنهج وواسع النطاق للتعذيب ومنح القدرة على الإفلات من العقاب لمرتكبيه. وفقاً للتقرير، فإن التعذيب: “لم يعد جريمة تقع تحت مسؤولية الفرد، بل أصبح سياسة للدولة تهدف إلى ثني المواطنين – عبر غرس الخوف – عن المشاركة في المجال العام.”
باختصار
في فلسطين، أمرت محكمة صلح في رام الله بحجب 52 موقعاً وصفحة على فيسبوك، بما في ذلك 25 موقعاً إخبارياً. ومع ذلك، تتجاوز الرقابة المحاكم، حيث يظهر بحث جديد من المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة) أن ثلثي الشباب الفلسطيني يخاف من التعبير عن آرائه السياسية على الإنترنت. وبحسب البحث، فإن كثيراً من الشباب الفلسطينيين تعرضوا لإزالة محتواهم من منصات الإنترنت، أو تعرضوا لمضايقات، أو جرى استجوابهم فيما يتعلق بما نشروه على الشبكات الاجتماعية.
في تونس، شهدت الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي استمرت خلال أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر انتشاراً كبيراً للتضليل، بما في ذلك الإشاعات على وسائل الإعلام الاجتماعية وتزوير بيانات الخروج من الاقتراع في محاولة لتعطيل العملية. في حين تعاملت السلطات التونسية سابقاً مع التضليل على الإنترنت بتطبيق سلسلة من القوانين لمحاكمة المواطنين على تعليقاتهم على الإنترنت، أشارت هيومن رايتس ووتش إلى عدم دستورية هذه القوانين، ودعت البرلمان الجديد إلى إنشاء محكمة دستورية لديها السلطة لإلغاء القوانين التي تجرم التعبير السلمي عن الرأي.
وفي الجزائر، استمرت مجابهة الحراك والمظاهرات المستمرة بقمع عنيف. في الشهر الماضي، استخدمت الشرطة أدوات مكافحة الشغب والهراوات لضرب المتظاهرين، في حين واصلت السلطات حجب حسابات وسائل الإعلام الاجتماعية والمواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام.
وفي إيران، أكدت محكمة استئناف الأحكام الصادرة بحق أربعة صحفيين والتي تتراوح بين سنة و23 سنة في السجن، بمن فيهم الكاتب الساخر الذي اختار العيش في المنفى، كيومارس مارزبان. اعتقل مارزبان في تموز/ يوليو 2018 بعد عودته إلى إيران لزيارة والدته المريضة. في حين يبقى علي علينجاد، أخ المدافعة الإيرانية البارزة عن حقوق الإنسان والناشطة النسوية مسيح علينجاد، في السجن. وقد اعتقل بعد نشر فيديو يصف فيه التحرش والضغط الذي عانته أسرتهم للتنديد علناً بابنتهم مسيح، والتي كان القوة الدافعة وراء حملة #whitewednesday – التي ما زالت مستمرة ضد الحجاب القسري.
في الإمارات العربية المتحدة، يتابع المدافع عن حقوق الإنسان، أحمد منصور، إضرابه الثاني عن الطعام بعد أن تعرض للضرب نتيجة احتجاجه على ظروفه في سجن الصدر. في حين ما يزال غير معلوماً إن كان أحمد منصور قد أنهى إضرابه، قامت آيفكس و 142 منظمة تعنى بالحقوق من جميع أنحاء العالم بنشر رسالة تدعو إلى إطلاق سراحه فوراً.
وأخيراً، جلب تشرين الأول/ أكتوبر الذكرى السنوية الأولى للقتل الوحشي للصحفي السعودي جمال خاشقجي على أيدي السلطات السعودية. جددت آيفكس و19 منظمة مطالبهم بالعدالة، ودعوا إلى تحديد هوية الجناة وإخضاعهم لمحاكمة عادلة.
“في حين أن سنة واحدة مرت كأنها عمر كامل على عائلة الخاشقجي وأصدقائه، فإنها في عملية البحث عن الحقيقة والعدالة الإنسانية فترة قصيرة جداً. ومع ذلك يجب ألا يغيب عن بالنا ما نحاول تحقيقه؛ يجب ألا نفقد الشجاعة والأمل في أن العدالة يجب أن تتحقق”، وذلك بحسب المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالإعدامات التعسفية والمنفذة خارج نطاق القضاء، الدكتورة أغنيس كالامار خلال فعالية موازية عقدت أثناء الجلسة الثانية والأربعون لمجلس حقوق الإنسان في أيلول/ سبتمبر.
خلال الأسابيع القادمة
5 تشرين الثاني/ نوفمبر: تنظم (حملة) مؤتمر التربية الأول على الأمان الرقمي في جامعة بيرزيت، والذي يهدف إلى تغطية العديد من القضايا، بما في ذلك العنف القائم على الجندر على الإنترنت، والأمن الرقمي التنظيمي، واستراتيجيات وسائل الإعلام الاجتماعي.
19 تشرين الثاني/ نوفمبر: ستستضيف تبادل الإعلام الاجتماعي الملتقى الثاني “خبز وإنترنت” (الذي يأتي في وقت مناسب جداً) في بيروت، والذي سيجمع الناشطين لمعالجة مجموعة من المواضيع التي تركز على الأمن الرقمي وقضايا المناصرة.