تمارس السلطات السعودية ضغوطًا أكثر شراسة علي المدافعين الحقوقيين بالمملكة، وذلك لمنعهم من رصد الانتهاكات لاسيما المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والتظاهر وحقوق السجناء، ومنعهم من إصدار التقارير المطالبة بإصلاحات حقيقة والمدافعة عن الحقوق والحريات بالمملكة.
(مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان / آيفكس) – 2 يوليو 2012 – لقد نجحت حكومة المملكة العربية السعودية فى أن تصبح في مصاف أعتى الديكتاتوريات المناهضة لحقوق الإنسان، سواء من خلال الاستمرار في قمع حريات وحقوق مواطنيها داخل المملكة، أو من خلال مساعداتها غير المحدودة للحكومات القمعية فى المنطقة فى محاولة لمنع وصول المد الديمقراطي بالمنطقة العربية إلي المملكة.
ففي ضوء محاولات المملكة مواجهة موجة التظاهرات والانتفاضات المطالبة بالديمقراطية التى اجتاحت العالم العربى منذ مطلع عام 2011، تبنت المملكة حزمة من الممارسات القمعية ضد معظم المبادرات الإصلاحية الوطنية والمطالبة بالديمقراطية وإعلاء المبادئ الأساسية للحقوق والحريات.
رصد مركز القاهرة زيادة ملحوظة في الانتهاكات التي تمارس ضد المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات حقوق الإنسان فى المملكة بشكل خاص. وعلى الرغم من أن تلك الممارسات كانت تمارس بشكل دائم ومتكرر بالمملكة، إلا أنها تشهد مؤخرًا تصاعدًا واضح، حيث تمارس السلطات السعودية ضغوطًا أكثر شراسة علي المدافعين الحقوقيين بالمملكة، وذلك لمنعهم من رصد الانتهاكات لاسيما المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والتظاهر وحقوق السجناء، ومنعهم من إصدار التقارير المطالبة بإصلاحات حقيقة والمدافعة عن الحقوق والحريات بالمملكة.
يباشر نشطاء حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية عملهم بشجاعة، في ظل ظروف بالغة القسوة، فكثيرًا ما يتعرضون للتهديدات والاعتقال والاحتجاز أو للمثول للتحقيق ومنعهم من السفر، بل أيضًا في بعض الأحيان تتم محاكمتهم أمام محاكم خاصة تفتقد إلى معايير المحاكمة العادلة جراء اتهامهم بتهم مثل تشويه صورة الدولة، الانضمام لمنظمات مشبوهة، تأسيس منظمات دون ترخيص، إثارة الفتنة تأليب الرأي العام ضد المؤسسات الحكومية أو الدعوة لتظاهرات.
تلك التهم التي كان أحدثها تحريض المنظمات الدولية والأمم المتحدة على المملكة، يزيد من وطأتها وجود نظام قضائي غير عادل يمتثل للانحيازات المعلنة للسلطات التنفيذية.
فى الأونة الأخيرة، تحديدًا فى 18 يونيو 2012، واجه الحقوقي محمد فهد القحطاني –والذي يعد واحدًا من أبرز المدافعين الحقوقيين عن حقوق الإنسان في السعودية- أثناء مثوله أمام محكمة الرياض الابتدائية، ما يقرب من 11 اتهام مختلق، متعلق في المقام الأول بكونه مدافع حقوقي وعضو مؤسس لجمعية الحقوق المدنية والسياسية بالسعودية (حسم).
كانت أبرز التهم التي يواجهها القحطاني هى تهمة التواصل مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فهو متهم باستخدام وقائع ومعلومات “زائفة” كأدلة قُدِّمَت لأجهزة دولية رسمية -آليات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة- من خلال بعض التصريحات التي قدمها إلى المؤسسات المذكورة. هذا بالإضافة إلى تهم أخرى من بينها “تأليب الرأى العام، اتهام الجهات الأمنية بانتهاك حقوق الإنسان، الخروج على ولي الأمر، استعداء المنظمات الدولية ضد المملكة، اتهام القضاء بالظلم وإجازة التعذيب وانتزاع الاعترافات بالإكراه، وأخيرًا الانضمام إلى جمعية غير مرخصة”. هذا وقد تصل العقوبة في حالة ثبوت تلك التهم إلى 5 سنوات من السجن وغرامة باهظة.
قدم مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في 29 يونيو مداخلة شفهية أمام الجلسة الـ20 لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بشأن التهديدات التى تواجه النشطاء الذين يتعاملون مع المجلس، وخصص المركز مداخلته لحالة المدافع الحقوقي الدكتور القحطاني، مدينًا التهم الموجهة إليه على خلفية تعامله مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان.
أعرب مركز القاهرة خلال مداخلته عن بالغ قلقه لاستهداف النشطاء في المملكة جراء تعاملهم مع الأمم المتحدة، مطالبًا الأمم المتحدة باتخاذ إجراءات قوية وصارمة يضمن ألا تقوم الدول -بما فيها أعضاء المجلس- بعرقلة تعاون المدافعين عن حقوق الإنسان مع آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
كان بعض أعضاء جمعية ( حسم) الحقوقية السعودية قد تعرضوا للاضطهاد، والبعض منهم يقضي عقوبة بالسجن، شأنهم شأن العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان في المملكة. فقد واجه محمد صالح البجادي (أحد أعضاء الجمعية) حكمًا بالسجن لأربع سنوات، وتم منعه من السفر لمدة خمس سنوات، وذلك في 10 أبريل الماضي، وهو الآن رهن الاحتجاز منذ 21 مارس 2011.
في 11 يونيو 2012 قدم المدعي العام السعودي تهم للدكتور عبد الله الحامد أحد أعضاء جمعية “حسم ” خلال جلسة محاكمته مماثلة لتلك المقدمة ضد الدكتور القحطانى والمتعلقة بممارسته حقوقه وحرياته. وتم تحديد جلسات استئناف لــ القحطاني والحامد في 1 سبتمبر القادم. هذا بالإضافة إلى عبد الكريم يوسف الخضر (الرئيس الحالي للجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية وأحد الأعضاء المؤسسين) والذي يخضع للتحقيق منذ مارس 2012 ومن المتوقع تقديمه للمحاكمة في الفترة القادمة.
يرجع إنشاء الجمعية السعودية للحقوق المدنية والسياسية إلى اكتوبر 2009، وقد كان لها جهد كبير في توثيق حالات انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة، مع التركيز بشكل خاص على الآلاف من حالات الاحتجاز التعسفي، كما ساهمت في رفع تقارير عديدة إلى الأمم المتحدة وبالتحديد مجموعة العمل المعنية بالاعتقال التعسفي من أجل رفع الوعي بالنمط الثابت للاعتقالات والاحتجاز في المملكة. وبشكل عام تعاني المنظمات الحقوقية بالسعودية من عراقيل بالغة تختص بعملية التسجيل والإشهار، والتي غالبًا ما تلقي من السلطات رفض أو تجاهل متعمد، كان أخره رفض تسجيل مركز عدالة لحقوق الإنسان، وجمعية حقوق الإنسان أولاً، بل وتمتد القيود أيضا الي المواقع الالكترونية للمنظمات والتي يتم حجبها داخل المملكة مثل موقع جمعية حقوق الإنسان أولاً ولجنة الدفاع عن حقوق الانسان في شبة الجزيرة العربية.
ولم تقتصر الانتهاكات على أعضاء الجمعية، وإنما امتدت إلى قائمة من المدافعين الحقوقيين عن حقوق الإنسان في المملكة. فقد عانى كل من وليد أبو الخير ومخلف الشمري النشطاء الحقوقيين من قرار بالمنع من السفر، كما يتعرضان للمحاكمة، حيث يحاكم الشمري بعدة تهم من بينها محاولة الإساءة إلى سمعة المملكة في وسائل الإعلام العالمية، والاتصال بمنظمات مشبوهة، واتهام أجهزة الدولة بالفساد. أما أبو الخير فتتم محاكمته بتهمة ازدراء القضاء وتشويه سمعة المملكة من خلال إمداد منظمة دولية بمعلومات كاذبة. كذلك تعرض الناشط الحقوقي رائف بدوي للاعتقال في 17 يونيو الماضي، ومازال إلى الآن قيد الحجز في سجن بريمان بجدة، حيث رفض الإفراج عنه بكفالة وذلك بتهمتي عقوق الوالدين وإنشاء شبكة ليبرالية.
هذا النهج في التعامل مع العاملين في مجال حقوق الإنسان لا يهدف إلا لتكميم الأفواه في محاولة لطمس الانتهاكات المرتكبة من قبل النظام السعودي، كما يعد ذلك بمثابة حربًا على منظمات حقوق الإنسان والمدافعين من أجل حقوق الإنسان وتجريمًا لمشروعية العمل الحقوقي.
لذلك يطالب مركز القاهرة برفع القيود التي يتعرض لها المدافعون عن حقوق الإنسان في المملكة، كالمنع من السفر والقيود المتعلقة بتأسيس وإنشاء منظمات حقوق الإنسان. كما يطالب المركز بالكف عن ممارسة أي شكل من أشكال الترهيب الموجهة ضد المدافعين، ووقف المحاكمات التي يتعرض لها النشطاء الحقوقيون، والإفراج عن المعتقلين منهم.