صحفيون وقيادي نقابي يتعرضون للمحاكمة بسبب انتقاد مسؤولين.
قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن على السلطات التونسية العدول عن احتجاز أحد النشطاء النقابيين وإلغاء محاكمة صحفيين اثنين بسبب آرائهم. يواجه الصحفيان تهمة التشهير وثلب مسؤولين عموميين.
في 9 سبتمبر/أيلول 2013، أمر أحد قضاة التحقيق باحتجاز وليد زروق،وهو قيادي نقابي، بسبب نصّ نشره على موقع فيسبوك انتقد فيه تسييس المحاكمات. وفي نفس اليوم، وجه مدعون عامون في قضايا مختلفة استدعاءات إلى الصحفي زهير الجيس لأنه قدم برنامجًا إذاعيا وجه خلاله أحد الضيوف انتقادات إلى الرئيس التونسي، والصحفي زياد الهاني لأنه انتقد اعتقال مصور تلفزيوني بسبب تصوير حادثة إلقاء بيضة على وزير الثقافة.
قال جو ستورك، القائم بأعمال المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تعتمد السلطات القضائية بشكل متكرر على نفس الأحكام القانونية الواردة في المجلة الجزائية كوسيلة قمعية لخنق حرية التعبير. وبدلا من محاولة إخماد المنتقدين، يتعين على الحكومة تمحيص ادعاءاتهم، وتعديل القوانين الموروثة عن النظام القمعي والتي تجرّم انتقاد الشخصيات العامة”.
وتؤكد لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة على ضرورة عدم فرض رقابة أو تضييق على الآراء المتعلقة بالمسائل العامة، وعلى مشروعية تعرض الشخصيات العامة إلى الانتقاد العلني، وعدم حظر توجيه انتقادات إلى المؤسسات العامة. إضافة إلى ذلك، يجب التعامل مع التشهير على أنه مسألة مدنية من حيث المبدأ، وليست جنائية، وعدم معاقبة من يرتكبه بالسجن.
وكان وليد زروق، ضابط سجون سابق وعضو نقابة الأمن الجمهوري، قد نشر نصًا على موقع فيسبوك في 1 سبتمبر/أيلول وجه فيه انتقادات إلى طارق شكيوة، وكيل الجمهورية في محكمة تونس العاصمة، وزعم أنه يمارس وظائفه بشكل “مسيّس”. وكتب وليد زروق أن طارق شكيوة ينتهك “سيادة القانون وتكريس علويته على الجميع على قدم المساواة”، وزعم أنه كان أداة قمع أيام حكم الدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي.
كما وجه وليد زروق انتقادات إلى نور الدين البحيري، وزير العدل السابق، بسبب إعادة تعيين طارق شكيوة في منصبه. وتضمن النص الذي نُشر على فيسبوك تهجمًا شخصيًا على نور الدين البحيري وطارق شكيوة.
وقال شرف الدين القليل، محامي وليد زروق، لـ هيومن رايتس ووتش إن قاض التحقيق في المكتب الرابع للمحكمة الابتدائية في تونس العاصمة وجه في 9 سبتمبر/أيلول إلى موكله تهمًا بـ “نسبة أمور غير قانونية لموظف عمومي متعلقة بوظيفته دون أن يدلي بما يثبت صحة ذلك”، و”قذف التشهير شخص أو هيئة رسمية” عملا بالفصول 128 و245 من المجلة الجزائية، ونشر معلومات “من شأنها تعكير صفو النظام العام” عملا بالفصل 54 من قانون الصحافة، و”تعمد الإساءة إلى الغير أو إزعاج راحتهم عبر الشبكات العمومية للاتصالات”، عملا بالفصل 86 من قانون الاتصالات.
وفي 9 سبتمبر/أيلول، استلم زهير الجيس، صحفي في إذاعة اكسبرس أف أم، استدعاءً للمثول كمتهم أمام قاضي التحقيق في المكتب 14 لمحكمة تونس العاصمة. وقال زهير الجيس لـ هيومن رايتس ووتش إن الدعوى المرفوعة كانت باسم الرئيس منصف المرزوقي وتتعلق ببرنامج إذاعي كان قد قدمه في 9 مارس/آذار. كما قال لـ هيومن رايتس ووتش:
أجريت في ذلك البرنامج لقاءً عبر الهاتف مع الصحفي اللبناني سالم زهران الذي زعم أن الرئيس التونسي استلم مبلغ 50 ألف يورو من قناة الجزيرة. وقلت لـ سالم زهران مباشرة إن هذه الادعاءات خطيرة جدًا وإن عليه تقديم أدلة على ما يقول، فأجاب بأن لديه أدلة وأنه مستعد لتقديمها إلى السلطة القضائية إذا رفعت الرئاسة التونسية شكوى ضدّه.
وكما هو الحال في قضية وليد زروق، وجهت إلى زهير الجيس، وكذلك سالم زهران ومدير إذاعة اكسبرس أف أم، تهمًا بانتهاك الفصول 128 و245 من المجلة الجزائية والفصل 54 من قانون الصحافة.
كما استلم زياد الهاني استدعاءً للمثول كمتهم أمام قاضي التحقيق في المكتب 10 لمحكمة تونس العاصمة. واعتمد الاستدعاء على انتقادات كان قد وجهها زياد الهاني إلى السلطات في قضية مراد المحرزي، المصور التلفزيوني الذي قام بتصوير حادثة قيام أحد المحتجين بإلقاء بيضة على وزير الثقافة. وكان المدعي العام قد وجه في 23 أغسطس/آب إلى مراد المحرزي تهمًا تضمنت المشاركة في الإعداد لمهاجمة موظف عمومي والمسّ بالأخلاق الحميدة. وقال زياد الهاني لـ هيومن رايتس ووتش:
في لقاء تلفزيوني مع قناة نسمة ، تحدثت عن البيان الذي أصدره مكتب المدعي العام يوم قرروا إصدار مذكرة إيقاف في حق مراد المحرزي، والذي قال إن قرار الاحتجاز جاء بناءً على اعترافاته، التي وقع عليها، والتي قال فيها انه كان على علم مسبق بإلقاء البيضة وإنه كان مشاركًا في الحادثة. وقلت إن ذلك غير صحيح، وأظهرت أمام الكاميرا محضر استجواب مراد المحرزي، وأوضحت أنه رفض التوقيع على الاعترافات. كما قلت إن ذلك يبرز إن النيابة العمومية تستخدم معلومات خاطئة لاحتجازه.
كما قال زياد الهاني إن طارق شكيوة، المدعي العام، قام بطلب رفع دعوى ضده لدى مكتب المدعي العام في محكمة الاستئناف في تونس العاصمة، الذي اذن بذلك بتهمة نسبة أمور غير قانونية إلى موظف عمومي دون الإدلاء بما يُثبت ذلك.
وقال جو ستورك: “هل انه فعلا خطر داهم هذا الذي تواجهه البلاد وتحاول السلطات المكلفة بإنفاذ القانون تفاديه بمحاكمة مصور تلفزيوني قام بتصوير شخص ألقى بيضة، وصحفي انتقد اعتقال المصور؟”
ومنذ بداية 2012، قامت السلطات القضائية بتوجيه تهم ضد عديد الصحفيين والمدونين والفنانين والمثقفين بسبب التعبير عن الرأي بشكل سلمي عملا بأحكام قانونية تتعلق بـ “التشهير”، و”الاعتداء على أعوان الدولة”، و”تهديد النظام العام”، وجميعها أحكام تنص على عقوبات بالسجن. وقالت هيومن رايتس ووتش إن جميع هذه الأحكام القانونية الجزائية تُشكل جزءً من ترسانة القوانين القمعية التي استخدمتها حكومة بن علي لمعاقبة المعارضين وإخماد صوت النشطاء. ولم يقم المجلس التأسيسي بأي محاولة لإلغاء هذه القوانين أو تعليق العمل بها، كما لم تقض أي محكمة بعدم تطبيقها نظرا لعدم تناسبها مع معايير حقوق الإنسان.
وعلى سبيل المثال، وجهت النيابة العمومية في سبتمبر/أيلول 2012 تهمًا إلى اثنين من الفنانين التشكيليين بسبب أعمال فنية اعتبرت تهديدًا للنظام العام والأخلاق الحميدة. وفي 28 مارس/آذار 2012، قضت المحكمة الابتدائية في المهدية بسجن مدونين اثنين لمدة سبع سنوات ونصف، وهو الحُكم الذي أيدته محكمة الاستئناف، بسبب كتابات تم اعتبارها مسيئة للإسلام. ويقبع أحدهما في السجن بينما فرّ الثاني وحصل على اللجوء في فرنسا.
وفي 29 مايو/أيار 2013، قامت المحكمة العسكرية في صفاقس، جنوب شرق تونس، بمحاكمة حكيم غانمي بتهم “تشويه سمعة الجيش”، و”التشهير بموظف عمومي”، و”إزعاج الآخرين عبر الشبكات العمومية للاتصالات” بسبب رسالة بعث بها إلى وزير الدفاع وقام بنشرها على مدونته ورقات تونسية في أبريل/نيسان. واشتكى حكيم غانمي في رسالته من أعمال مدير المستشفى العسكري في قابس.
وفي مارس/آذار، وجهت إلى الأستاذة الجامعية رجاء بن سلامة والمدونة ألفة الرياحي تهمًا بالتشهير بموظفين عمومين بعد أن وجهت الأولى تهما إلى المقرر العام للدستور في المجلس الوطني التأسيسي والثانية إلى وزير الخارجية بارتكاب أعمال خاطئة.
وعملا بقانون حقوق الإنسان، فإنه يجب عدم تجريم التعبير الذي يتضمن انتقادًا لموظفين عموميين. وقالت لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة:
يجب أن تُصاغ قوانين التشهير بعناية لضمان… أن لا تُستخدم من الناحية العملية لخنق حرية التعبير. وينبغي أن تشمل جميع هذه القوانين، ولا سيما قوانين التشهير الجنائية، أحكامًا تتعلق بالدفاع، مثل الدفاع عن الحقيقة، وألا تُطبق في حالة أشكال التعبير التي لا تخضع بطبيعتها للتحقق” وينبغي ايلاء الاعتبار على الأقل فيما يتعلق بالتعليق على الشخصيات العامة، لتجنب المعاقبة على بيانات غير صحيحة نُشرت خطأ بدون نية سيئة أو جعل هذه المعاقبة غير قانونية. وعلى أي حال، ينبغي الاعتراف بالاهتمام العام بموضوع الانتقاد باعتباره وسيلة للدفاع.
لا تتناسب قوانين التشهير التي تفرض عقوبات بالسجن على التعبير الذي يُعتبر مسيئا أو ضارًا مع المعايير الدولية. وفي 2002، قالت ثلاث هيئات دولية تُعنى بحرية التعبير:
لا يُمكن اعتبار التشهير الجنائي قيدًا يُمكن فرضه على حرية التعبير. ويجب إلغاء جميع قوانين التشهير الجنائي وتعويضها عند الضرورة بقوانين تشهير ذات طابع مدني مناسب.