بيان صحفي من 20 منظمة حقوقية يعلن أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر قد تدهورت بصورة مخيفة خلال عام واحد من هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على مؤسسات الحكم بصورة مطلقة، وأن الجماعة قد أصبحت مسئولة -وحدها- عن هذا التدهور.
تأسف المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه لأن تعلن أن أوضاع حقوق الإنسان في مصر قد تدهورت بصورة مخيفة خلال عام واحد من هيمنة جماعة الإخوان المسلمين على مؤسسات الحكم بصورة مطلقة، وأن الجماعة قد أصبحت مسئولة -وحدها- عن هذا التدهور، خاصةً بعدما نجح مرشحها الرئيس محمد مرسي في إنهاء حالة ازدواج السلطة وسحب الصلاحيات التي كان يتمتع بها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في إدارة شئون البلاد.
يتحمل المجلس الأعلى للقوات المسلحة مسئولية كبرى عن الإخفاقات الهائلة في إدارة المسار الانتقالي، الذي اتسم بدرجة عالية من التخبط والفوضى والعجز عن بناء توافق وطني تتطلبه إدارة المرحلة الانتقالية، فضلاً عن مسئوليتهم السياسية والجنائية عن الانتهاكات الجسيمة التي شهدتها البلاد، خلال تلك الفترة، ناهيك عن اتساع نطاق إحالة المدنيين إلى المحاكمات العسكرية الميدانية التي طالت ما يزيد عن 12,000 شخص، وتفشي جرائم التعذيب داخل السجون ومراكز الاحتجاز التي تديرها الشرطة العسكرية، والتي وصلت إلى حد إخضاع النساء المحتجات إلى فحوص طبية إجبارية للكشف عن عذريتهن.
غير أنه منذ اليوم الأول لتوليه السلطة، بدا واضحًا أن برنامج الرئيس مرسي للمائة يوم الأولى من حكمه لم يقم أدنى اعتبار لقضايا حقوق الإنسان والتطلعات نحو التحول الديمقراطي. وقد رصدت منظمات حقوقية في حينها اعتداءات واسعة على حريات التعبير والتجمع السلمي والحريات الدينية، علاوةً على استمرار ملاحقة النشطاء السياسيين والنقابيين، وتزايد حالات التعذيب وإساءة المعاملة داخل مراكز الشرطة، والإخفاق المستمر في منع الإفلات من العقاب لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان، إن غياب قضايا حقوق الإنسان في برنامج الرئيس اقترن بتواصل انتهاكات حقوق الإنسان والإخفاق في وضع حد لها، بل اقترن أيضًا بدخول البلاد في عدد من الأزمات الكبرى، بدا فيها واضحًا الاستخفاف باستقلال السلطة القضائية والتربص بوسائط الإعلام والسعي المحموم لتطويق أعمال الاحتجاج السلمي والحراك الاجتماعي، وتواصل الهجوم الإعلامي والتشريعي والملاحقات القضائية بحق نشطاء حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني. كما حذر التقرير في ذلك الوقت من أن الحقوق الأساسية للمواطنين باتت مرشحة لانتهاكات أكثر جسامة، ما لم تتم مراجعة جذرية وفورية للسياسات والممارسات المُنتهَجة، وما لم تبادر مؤسسة الرئاسة بتبني خطة مدروسة وشاملة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان وتأكيد سيادة القانون، واحترام الالتزامات الدولية في هذا السياق.
غير أنه بعد عام كامل يتأكد أن الأولوية لرئيس الجمهورية–وبالطبع لجماعة الإخوان المسلمين- كانت تمضي باتجاه ترسيخ مرتكزات نظام تسلطي بديل لنظام مبارك. ولا يبدو مدهشًا في هذا السياق أن هذا العام اقترفت فيه كافة جرائم حقوق الإنسان على نطاق أوسع مما عرفه نظام مبارك.
القمع الدموي العنيف لحركات الاحتجاج السياسي والاجتماعي لم يتوقف، بل أن الاستخدام المفرط للقوة لم يعد حكرًا على قوات الأمن، بعدما أُطلق العنان لأنصار الجماعة والداعمين لها لاستخدام العنف في تأديب وترويع وتعذيب وقتل خصومها، سواءً على أبواب القصر الرئاسي أو أمام المقر الرئيسي للجماعة بالمقطم، أو في ميادين الاحتجاج في محافظات متعددة. بل أن الأمر وصل إلي التحريض العلني على استخدام العنف ضد المعارضين السياسيين المشاركين في تظاهرات 30 يونيو 2013، وكذلك الحض على كراهية الشيعة، كل ذلك تم على مرأى ومسمع من رئيس الجمهورية وقيادات الحكومة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين أثناء مؤتمر نصرة سوريا يوم 15 يونيو 2013، حيث أججت تلك التصريحات العداء للشيعة مما نتج عنه أحداث زاوية “أبو مسلم” بالجيزة، والتي أودت بحياة أربعة مواطنين ينتمون إلى المذهب الشيعي على يد مواطنين من سكان المنطقة. يُلاحَظ في هذا السياق أن مكتب النائب العام لم يتخذ إجراءات جادة للتصدي لأعمال القمع، والحض على الكراهية والعنف وسحل وتعذيب وقتل المحتجين، سواء على أيدي الشرطة أو على أيدي أنصار جماعة الإخوان المسلمين. ومثلما جرى تغييب العدالة في المجازر التي وقعت في ظل حكم العسكر، لا يبدو ثمة أمل في المحاسبة على مذبحة بورسعيد الثانية، التي راح ضحيتها ما يزيد على أربعين شخصًا في يناير 2013، أو في إجلاء الحقيقة بشأن الشكوك المتزايدة حول حالات القتل العمد لشباب الثوار والصحفي الحسيني أبو ضيف.
وعن سجل انتهاكات حقوق الإنسان فهذه أبرز الانتهاكات التي تمت خلال العام الماضي من حكم محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين:
عملية صناعة الدستور التي احتكرتها جماعة الإخوان المسلمين، وغيرها من فصائل الإسلام السياسي اقترنت بشن أوسع هجوم على النظام القضائي واستقلال القضاء، لقطع الطريق على المحكمة الدستورية العليا وقضاء مجلس الدولة في ممارسة اختصاصاتهما القضائية للبت في مشروعية تشكيل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور. واستباح رئيس الجمهورية لنفسه في هذا السياق إصدار إعلان دستوري في 21 نوفمبر 2012، شكل في جوهره إعلان حرب على السلطة القضائية وسيادة القانون ومقومات الدولة الحديثة، وغَل بموجبه الهيئات القضائية عن نظر أية دعاوى قضائية تطعن على قراراته السالفة أو حتى اللاحقة إلى حين الانتهاء من جريمة تمرير الدستور الجديد. وتتويجًا لهذا الإعلان، حرضت الجماعة أنصارها على محاصرة المحكمة الدستورية لنحو ستة أسابيع، مما أدى إلى توقفها عن العمل، ولم تتمكن من استئناف عملها إلا بعد الاستفتاء على مشروع الدستور، ومن ثم جاءت أحكامها الأخيرة ببطلان الهيئة التأسيسية معدومة الأثر، بعدما صارت “الجريمة الدستورية” واقعًا محصنًا، عبر استفتاء قاطعته أعداد كبيرة من القضاة ورفضت الإشراف عليه.
لا يبدو غريبًا في هذا السياق أن يأتي الدستور الذي انفردت بصياغته جماعات الإسلام السياسي مؤسِسًا للاستبداد السياسي والديني في آن واحد، وممهدًا الطريق لدولة دينية على نمط نظام ولاية الفقيه الإيراني، وإن كانت بمصطلحات سنية تسمح لهيئة دينية –حتى لو كانت من كبار علماء الأزهر- سلطة الوصاية على العملية التشريعية باسم الشريعة الإسلامية، ومطلقًا يد جماعات بعينها لفرض وصايتها على المجتمع بدعوى حماية الأخلاق والطابع الأصيل للأسرة المصرية. واستبعدت من نصوص الدستور أية إشارات للمساواة بين النساء والرجال، وحصر حق ممارسة الشعائر الدينية وإقامة دور العبادة للمنتمين فقط إلى الأديان السماوية التي يعترف بها الإسلام.
كما أفرغت ضمانات الحقوق والحريات العامة من مضمونها عبر المادة 81 التي ربطت ممارسة الحقوق والحريات بشرط عدم التعارض مع المواد الدستورية وثيقة الصلة بهوية الدولة الدينية، وحماية القيم الأخلاقية والآداب والنظام العام والمقومات الثقافية والحضارية للمجتمع. تدخل واضعو الدستور في تشكيل المحكمة الدستورية العليا بشكل فج حيث فُصّلت النصوص التي تُمكّن من إقصاء قضاة بعينهم، وأُفسح المجال للتدخل في تشكيل الهيئة القضائية للمحكمة الدستورية، ولإدخال تعديلات على قانونها تحدد طبيعة الأثر التي ترتبه أحكامها. في ذات الوقت فإن الحرب على السلطة القضائية والنزوع للهيمنة على مؤسساتها، يتم محاولة تتويجها عبر قانون جديد للسلطة القضائية يجري تفصيله حاليًا، ويمهد لمذبحة “تشريعية” للقضاة تؤول إلى إحالة آلاف منهم إلى التقاعد. وتأتي هذه الخطوة بعدما نجح الإخوان باسم القصاص لشهداء الثورة في عزل النائب العام المحسوب على نظام مبارك واستبداله بآخر اختاره رئيس الجمهورية بإرادة منفردة، ودون أدنى تشاور مع المجلس الأعلى للقضاء. وبات النائب العام الجديد محاصرًا بمطاعن سياسية وقانونية، وبأحكام قضائية، لم يعتد بها تقضي ببطلان إجراءات تعيينه.
كما تواصلت المحاكمات العسكرية للمدنيين، بل باتت هذه المحاكمات محصنة، وفقًا لنصوص الدستور، الذي انفرد بصياغته جماعة الإخوان المسلمين وفصائل الإسلام السياسي الأخرى. وشهد العام الأول من حكم الإخوان تقديم أعداد غير قليلة من النشطاء السياسيين ومن المنخرطين في احتجاجات اجتماعية، ومن الصيادين أيضًا إلى هذه المحاكمات الاستثنائية.
ورفض الدستور الجديد النص صراحةً على المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق، واستمرت الدولة في فشلها في تغيير سياسة التمييز ضد المرأة ورفض توليها المناصب العليا. بل تميز العام السابق بتواطؤ مؤسسات الدولة المختلفة وتخليها عن مسئوليتها القانونية في حماية الاحتجاجات السياسية والاجتماعية، والتواطؤ على جرائم الاغتصاب والاعتداء الجنسي على النساء في المظاهرات، ومساهمة أعضاء مجلس الشورى -الذي يسيطر على تشكيله حزب رئيس الدولة- في تبرير هذه الجرائم المشينة علنًا، وذلك بتحميل النساء مسئولية الاعتداء عليهن لأنهن يمارسن حقهن في التظاهر.
لوحظ في خلال العام المنصرم من حكم محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين استخدام جريمة ازدراء الأديان كسلاح في مواجهة حرية الفكر والإبداع، حيث أصبح يتم استخدامها كوسيلة لاتهام كل من يحمل رؤية مختلفة للمجتمع أو يريد التعبير عن رأيه بطريقة مختلفة، ففي الأشهر القليلة الماضية زادت حالات الاتهام بازدراء الأديان وسب الذات الإلهية وغيرها من التهم التي تُلقى جزافًا ضد كل شخص يعبر عن رأيه، يستخدمها أنصار جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق مكاسب سياسية واجتماعية، مستغلين ترسانة تشريعية لا تتفق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان أو المعايير الدولية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير.
كذلك اتسع نطاق الملاحقة اليومية للصحفيين والإعلاميين في الوقت نفسه الذي جرى فيه توظيف قوانين مبارك في تأمين هيمنة جماعة الإخوان المسلمين والمقربين منها على الصحف القومية والمجلس الأعلى للصحافة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، وأُخضعت وسائط الإعلام للترويع والترهيب عبر الحصار الذي فرضه أنصارها على مدينة الإنتاج الإعلامي وسايرتها فيها لاحقًا بعض الجماعات السلفية، وعبر أشكال التحرش والاعتداءات البدنية على الصحفيين والإعلاميين والمبدعين. وامتد الأمر مؤخرًا إلى التحرش بالمثقفين المعتصمين أمام وزارة الثقافة، احتجاجًا على المساعي المحمومة للهيمنة على مؤسساتها، وتسيد الميول المحافظة والمعادية للتنوع الثقافي ولحرية الفكر والإبداع.
وبينما أُتيح لعناصر الجماعات “الجهادية” الاستفادة من قرارات العفو الرئاسي، وغض الطرف عن نشاطها الإرهابي في سيناء، فقد تواصلت الحملات العدائية للتشهير بمنظمات حقوق الإنسان، ولم تتوقف ملاحقتها قضائيًا في محاكمة تحركها دوافع سياسية وانتقامية استندت في تحقيقاتها على تحريات أجهزة أمن نظام مبارك، أدت -لأول مرة- إلى صدور أحكام بالجملة تقضي بعقوبة السجن من عام إلى خمسة أعوام بحق 43 من العاملين بهذه المنظمات، في الوقت ذاته الذي يجري فيه التهيئة لتمرير قانون جديد يحكم الخناق على مؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان.
وبدلاً عن اعتماد تشريع يقر بالحرية النقابية، يجري توظيف نصوص قانون النقابات العمالية الحالية وتعديلاته لتأمين هيمنة الإخوان على التنظيم النقابي العمالي، ومحاصرة وملاحقة النقابات العمالية المستقلة، التي بدأت تعرف طريقها في مصر حتى من قبل الإطاحة بنظام مبارك.
إن المطالب المشروعة التي أُطلقت بعد سقوط نظام مبارك، بشأن الإصلاح الأمني وتبني برامج ناجزة لتحقيق العدالة الانتقالية ومنع الإفلات من العقاب، لم يعد لها مجال في بلد بات من المؤكد أنه يسير في الاتجاه المعاكس للانتقال الديمقراطي، حيث يجري بناء مرتكزات النظام التسلطي الجديد، ويجري استدعاء المعالجات الأمنية القمعية وتطويرها في مواجهة الخصوم. وتُختزل دعوات الإصلاح الأمني عمليًا في جهود حثيثة لتطويع الأجهزة الأمنية، يواكبه السعي لشن مزيدًا من التشريعات التي تُجرم أشكال الاحتجاج والتظاهر، وتُطلق يد الشرطة في استخدام القوة في مواجهة المتظاهرين، وتُغلظ العقوبات على مقاومة السلطات والتعدي على عناصر الشرطة، ومع أن الرئيس محمد مرسي قد تعهد عند انتخابه بالقصاص العادل لشهداء الثورة ومصابيها، إلا أن الإجراءات التي اتخذها بدت نوعًا من الاستثمار الفج لهذا الملف في تبرير العدوان على السلطة القضائية، واستصدار قوانين استثنائية باسم حماية الثورة وحقوق الشهداء، بالإضافة لاستخدامها -من الناحية الفعلية- كسلاح للعصف بالحريات العامة والتنكيل بخصومه السياسيين والسماح بإبقائهم رهينة الحبس الاحتياطي لمدد تصل إلى ستة أشهر.
إن منظمات حقوق الإنسان الموقعة على هذا البيان تؤكد على أن السياسات التي انتهجتها جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسة الرئاسة خلال العام المنصرم، تقود إلى المزيد من التأزم في حالة حقوق الإنسان وتضع البلاد أمام مخاطر الاحتراب الأهلي والدخول في حلقة مفرغة من أعمال العنف والعنف المضاد.
وإذ تؤكد المنظمات الموقعة إدانتها لكافة أشال العنف والترهيب والترويع التي انخرط فيها أنصار الإخوان المسلمين وبعض الجماعات السلفية، فإنها تدين أيضًا اللجوء إلى أعمال العنف المضاد من قبل بعض خصومهم، الذي امتد إلى إحراق عشرات من مقار جماعة الإخوان المسلمين وحزبها، بصرف النظر عن أن مثل هذه الأعمال المؤثمة ما كان لها أن تتنامى إلا في ظل السياسات والممارسات المنتهجة، التي تقود إلى تآكل معالم الدولة القانونية، وبعدما أضحى التحريض العلني لأعضاء الجماعة وأنصارها على التحرش بالمحتجين سياسة معتمدة، يحظى المنخرطون فيها بالحصانة والإفلات من العقاب.
إن المنظمات الموقعة تعتقد أن تجنيب البلاد مغبة مخاطر الانهيار للسلم الأهلي يقتضي من مؤسسة الرئاسة –والحكومة- إدراك أن مشروعية الاستمرار في الحكم تقتضي احترام القواعد الديمقراطية، التي أتت بهم إلى السلطة، وتقتضي منح الأولوية لتحقيق تطلعات المصريين إلى الحرية وإلى تعزيز حقوق الإنسان. كما نظن أن المسئولية السياسية والأخلاقية تجاه المصريين تقتضي من مؤسسة الرئاسة والحكومة المصرية مراجعة شاملة لسياساتهما وممارساتهما خلال العام المنصرم، وأن تتخذا عددًا من الخطوات الأساسية التي يمكن أن تسهم في إعادة بناء جسور الثقة التي تآكلت إلى حد بعيد بفعل سياسات النكوص بالعهود والالتزامات، والتي شكلت ملمحًا بارزًا في العام الماضي، وأسهمت في فقدان الأمل في تحسن حالة حقوق الإنسان وعمقت حدة انقسام المجتمع مما ينذر بحلقات مفرغة من العنف.