على الأردن إجراء تحقيق مستقل في مزاعم قيام الشرطة باستخدام القوة المفرطة تجاه متظاهرين أثناء احتجاج يوم 19 مارس/آذار 2014 في عمان. كانت المظاهرة أمام مبنى البرلمان الأردني تتعلق برفض الأردن طرد السفير الإسرائيلي في أعقاب مقتل قاض أردني-فلسطيني، هو رائد زعيتر، على أيدي جنود إسرائيليين عند المعبر الحدودي الأردني مع الضفة الغربية.
على الأردن إجراء تحقيق مستقل في مزاعم قيام الشرطة باستخدام القوة المفرطة تجاه متظاهرين أثناء احتجاج يوم 19 مارس/آذار 2014 في عمان. كانت المظاهرة أمام مبنى البرلمان الأردني تتعلق برفض الأردن طرد السفير
الإسرائيلي في أعقاب مقتل قاض أردني-فلسطيني، هو رائد زعيتر، على أيدي جنود إسرائيليين عند المعبر الحدودي الأردني مع الضفة الغربية.
قال ثلاثة شهود لـ هيومن رايتس ووتش إن شرطة مكافحة الشغب الأردنية استخدمت القوة المفرطة لتفريق حشد قوامه 80 إلى 100 متظاهر. وقال الشهود إن أفراد الشرطة ركلوا المتظاهرين وضربوهم بالهراوات بعد أن حاول اثنان من المتظاهرين قطع الطريق وقام بعض أفراد الحشد بإلقاء القمامة والحجارة على الشرطة. وبحسب نشطاء محليين، احتاج ما لا يقل عن 11 شخصاً إلى رعاية طبية لإصاباتهم.
قال نديم حوري، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “على الأردن أن يبدأ في أخذ مزاعم عنف الشرطة بجدية، وإلا فكيف يتوقع المسؤولون الأردنيون لهذا النوع من عنف الشرطة أن يتوقف ما لم يحققوا مع المسؤولين عنه ويلاحقونهم؟”.
تتمتع الشرطة في الأردن بإفلات شبه تام من العقاب على اللجوء للقوة المفرطة تجاه المتظاهرين، ويعود هذا جزئياً إلى عدم وجود آلية مستقلة للتحقيق في الانتهاكات، فأفراد النيابة الداخلية للشرطة، ومحكمة شرطية خاصة ـ بدلاً من المحاكم العادية ـ هم المسؤولون عن التحقيق معهم ومحاكمتهم. وفي محكمة الشرطة التي تنظر الكثير من تلك القضايا، تقوم الشرطة بتعيين قاضيين شرطيين من كل ثلاثة ضمن هيئة المحكمة.
وقد سبق لـ هيومن رايتس ووتش توثيق قضايا قامت الشرطة فيها بحفظ مزاعم ذات مصداقية عن اللجوء للقوة المفرطة، أو رفضت التحقيق فيها، بدعوى “عدم كفاية الأدلة” أو لأن الضحايا لم يتقدموا بشكاوى رسمية. في أبريل/نيسان 2012 دعت هيومن رايتس ووتش إلى تحقيق رسمي في واقعة ثارت فيها مزاعم بتعدي رجال شرطة بالضرب على 30 متظاهراً أثناء التحفظ عليهم، إلا أن السلطات حفظت الشكوى “لعدم كفاية الأدلة”.
أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 3 شهود على أحداث 13 مارس/آذار ـ اثنان من المتظاهرين ومحامية واحدة تسكن قرب موقع الأحداث وقد شاهدت تداعياتها. وتظهر في مقطع فيديو للواقعة نشره الموقع الإخباري المحلي “الوكيل”، تظهر عناصر قوات الدرك وهي تطرح اثنين من المتظاهرين أرضاً، وتقذف بحذاء، وتركل أحد المتظاهرين.
قال أحد المتظاهرين لـ هيومن رايتس ووتش إن بعض المتظاهرين ألقوا بالقمامة على الشرطة، ويظهر مقطع الفيديو متظاهراً واحداً على الأقل وهو يحاول إصابة أحد رجال الدرك بسارية علم. وقد عرض موقع “جراسا” الإخباري صورة تبين التلفيات اللاحقة بالزجاج الأمامي لإحدى عربات الشرطة، وحجراً قال الموقع إنه سبب التلفيات.
توافقت مظاهرة 19 مارس/آذار مع اقتراع على الثقة في حكومة رئيس الوزراء عبد الله النسور لرفضه القيام بطرد السفير الإسرائيلي في أعقاب مقتل زعيتر في 10 مارس/آذار على أيدي جنود إسرائيليين على معبر جسر أللنبي الحدودي مع الضفة الغربية. فاز النسور في اقتراع الثقة بـ81 مقابل 25 وامتناع 20 عن التصويت مع تغيب 18.
قال اثنان من المتظاهرين لـ هيومن رايتس ووتش إن متظاهرين يتراوح عددهم بين 80 و100 ووجهوا بقوة مختلطة مكونة من عدة عشرات من رجال مديرية الأمن العام، علاوة على 40 إلى 50 من شرطة مكافحة الشغب المعروفة بالدرك، وكان بعضهم ملثمين. وقال الشاهدان إن المظاهرة احتدمت بعد قيام أفراد عائلة أحمد الدقامسة، وهو عقيد سابق في الجيش يقضي عقوبة السجن المؤبد على قتل سبع تلميذات إسرائيليات في 1997، بعد قيام أفراد العائلة بالرقاد في الشارع في محاولة لعرقلة المرور.
قالت إحدى المتظاهرين لـ هيومن رايتس ووتش:
التحقت بالمظاهرة في نحو الثانية والنصف عصراً. كنا نقف على الجهة الأخرى من الشارع [من مبنى البرلمان] وكان هناك الكثير من رجال الأمن… وتعامل بعضهم بلطف كبير، لكن آخرين بدوا وكأنهم قد أرسلوا بهدف التسبب في العنف… ثم رقد نجل الدقامسة وقريبه على أرض الشارع. وهذا ما أشعل الموقف. شرع رجال الدرك في ضربهما بعنف، وحاول متظاهرون آخرون إبعادهما. وقام بعض منا بإلقاء القمامة [على رجال الدرك].
وقالت المتظاهرة إنه بعد تحرك الشرطة لفض المظاهرة قام رجال الدرك بمهاجمتها وهي تحاول جر نجل الدقامسة إلى موضع آمن: “كانوا في غاية العنف. ضربوني على رأسي وظهري بهراوة الشرطة. كما رأيت عناصر الدرك يلقون بالحجارة على متظاهرين. وكانوا يضربونهم بالعصي وبأرجلهم وبالأحذية”. وقالت إنها احتاجت إلى 3 غرز جراحية في خلفية رأسها نتيجة للضرب.
وقال متظاهر آخر لـ هيومن رايتس ووتش إنه ذهب لدعم عائلة الدقامسة في نحو الثانية عشرة والنصف ظهراً:
كانت مظاهرة عادية في البداية. أردنا إرسال رسالة إلى البرلمان. وبدا على بعض أفراد الدرك أنهم موجودون لافتعال المشاكل، إذ كانوا يحاولون استفزازنا بإهانتنا. بعد تحرك الشرطة كنت أقف على الرصيف بجوار نجل الدقامسة محاولا مساعدته… كنت بجوار ماسورة صرف حين هاجمني رجال الدرك. ضربوني على ساقيّ وذراعيّ، لكني لا أذكر كم مرة. حدث هذا بلا أي داع.
وقال المتظاهر إنه ذهب إلى المستشفى الإسلامي القريب مع متظاهرين آخرين، لكنه قرر عند وصوله إن إصاباته لا تتطلب رعاية طبية.
وقالت محامية تسكن بالقرب من موقع المظاهرة لـ هيومن رايتس ووتش إنها في عصر 19 مارس/آذار سمعت صراخاً بالخارج:
كنت بمنزلي وفجأة سمعت صياحاً خارج المنزل فنظرت من النافذة ورأيت نحو 7 أو 8 من رجال الشرطة، منهم 4 على الأقل من رجال الدرك و4 من الشرطة العادية. كان رجال الشرطة يضربون شاباً في العشرينيات. رأيت رجلي شرطة ملثمين يضربانه بالهراوات، وأحدهم يركله، وآخر يوجه إليه اللكمات. كان الشاب يتوسل إليهم للتوقف عن ضربه لكنهم استجابوا بالصياح فيه بكلمات السباب. ثم جاء أحد رجال الشرطة العادية وطلب من زملائه ترك الشاب وشأنه والابتعاد. فرحل أفراد الشرطة العادية لكن أفراد شرطة الدرك واصلوا ضربه.
وفي تلك اللحظة نزلت إلى أسفل ووقفت أمام الشاب الذي يتعرض للضرب وقلت، “يمكنكم توقيفه إذا شئتم لكن لا تضربوه”. فنظروا إليّ وسألوني من أكون، فقلت إنني محامية وعليهم التوقف عن ضربه. كانوا ملثمين ولذا لم أر وجوههم. تجاهلني رجال الشرطة وواصلوا ضربه، وقال لي أحدهم، “ألا ترين أنه يحاول مقاومتنا؟”. لكنني كنت أرى أنه لا يقاوم، بل كان يحاول وقف الاعتداء فقط. وأمروه بعدم التحدث معي بعد أن سألته عن اسمه، وعندها أخذوه بعيداً. وكان بوسعي أن أرى أنه مصاب.
يظهر مقطع الفيديو الخاص بموقع “الوكيل”، والذي راجعته هيومن رايتس ووتش مع بعض النشطاء المحليين، يظهر قادة المظاهرة وهم يحاولون السيطرة على الحشد. بعد محاولة من أحد المتظاهرين لضرب أحد رجال الدرك بسارية علم وسط تدافع وهرج، يعاود رجال الدرك التجمع ويهجمون على المتظاهرين. ويبدو مقطع الفيديو وكأنه يظهر رجال الدرك وهم يطرحون اثنين من المتظاهرين أرضاً، ويبقى المتظاهران راقدين، ويقوم أحد رجال الدرك بإلقاء حذاء على متظاهرين يتراجعون، بينما يقوم عدد من رجال الدرك بركل رجل.
قال نشطاء محليون لـ هيومن رايتس ووتش إن ما لا يقل عن 11 متظاهراً احتاجوا إلى رعاية طبية في المستشفى الإسلامي المحلي، المملوك لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن. وقالوا إن أعضاء الإخوان أرسلوا عدة عربات إسعاف إلى مسرح المظاهرة لنقل المصابين إلى المستشفى. وتضمنت الإصابات خمسة مصابين في الرأس ومصاباً واحداً بكسر في الذراع، بحسب نشطاء محليين.
وبحسب تقارير إعلامية محلية، أوقفت الشرطة أربعة رجال في المظاهرة، بينهم نور الدين الدقامسة نجل أحمد الدقامسة. وأفرجت الشرطة عن الأربعة في نفس اليوم دون توجيه اتهامات. وقام ضابط شرطة بإبلاغ المحامية التي تحدثت معها هيومن رايتس ووتش بأن رجال الشرطة استخدموا “الدرجة اللازمة من القوة” لفض المظاهرة.
قال المتظاهران اللذان تحدثت معهما هيومن رايتس ووتش إنهما لن يقدما شكاوى إلى نيابة الشرطة الأردنية، قائلين إنهما لا يعتقدان أن الإجراء سيؤدي إلى تحقيق العدالة. وقال الناطق باسم مديرية الأمن العام في الأردن لـ هيومن رايتس ووتش في يناير/كانون الثاني إن الشرطة، كقاعدة عامة، لا تحقق في شكاوى إساءة المعاملة ما لم يقم الضحية بتقديم شكوى.
لا تسمح المبادئ الأساسية للأمم المتحدة بشأن استخدام القوة والأسلحة النارية من قبل موظفي إنفاذ القانون، لا تسمح لعناصر إنفاذ القانون باستخدام القوة إلا بالتناسب وبالقدر اللازم لحماية الأشخاص والممتلكات. كما تقرر أن للمتضررين من استخدام موظفي إنفاذ القانون للقوة حقاّ في التوصل إلى عملية تحقيق مستقلة، تشمل إجراءات قضائية. بموجب المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي صدق عليه الأردن في 1975، ينبغي على السلطات الأردنية احترام الحق في التجمع السلمي ولا يجوز لها تقييد المظاهرات إلا “لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم”.
قال نديم حوري: “كيف للسلطات أن تتوقع من الضحايا التقدم بشكاوى إلى نظام داخلي للعدالة الشرطية، يحمي رجالها بدلاً من تقديم العدالة للضحايا؟ إذا كانت السلطات الأردنية تريد وضع حد لهذه الحوادث فإن البداية الصحيحة هي نقل اختصاص تلك الجرائم إلى نظام المحاكم المدنية العادية”.