إذ تفتقر ليبيا آليات حماية المرأة، الأمر الذي زاد من معاناتها في الفترة الأخيرة.
تم نشر هذا المقال أولاً على موقع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بتاريخ 28 تشرين الثاني 2018
حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 نوفمبر[1] من كل عام ليكون “اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة،”[2] حيث تتعرض واحدة من كل ثلاث نساء للعنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتها، وتبلغ نسبة النساء والفتيات 71% من إجمالي ضحايا الإتجار بالبشر في العالم، كما أن 3 نساء من أصل 4 يتعرضن للاستغلال الجنسي. وقد خصصت الجمعية العامة هذا اليوم ليكون بمثابة دعوة للحكومات والمنظمات غير الحكومية المحلية والدولية لتنظيم أنشطة تزيد من وعي المجتمعات حول حجم وأنواع وأشكال العنف ضد النساء حول العالم، والتعريف بخطورة هذه الظاهرة.[3]
وبالرغم من انضمام الدولة الليبية لأهم المواثيق الدولية التي تشكل قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان،[4] بما في ذلك “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة[5]” ورغم التزام ليبيا بإعلان[6] الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، إلا أنه يظل انضمام شكلي لا يرق لالتزام ملموس، ينعكس في تشريعات[7] وإجراءات وبرامج عملية. إذ تفتقر ليبيا آليات حماية المرأة، الأمر الذي زاد من معاناتها في الفترة الأخيرة.
فعلى سبيل المثال، وفيما يخص حماية النساء المعنفات، اقتصرت الجهود الليبية على إتاحة الخط الساخن للشكاوى[8] والذي تم توفيره في فترة النظام السابق، ولم يمتد الامر لباقي الخدمات المكملة كالملاجئ، باستثناء دار حماية المرأة في العاصمة ونظيرتها في بنغازي، تحت إشراف وزارة العدل، حيث يقطن بعض النساء اللاتي نُفذت بحقهن أحكام بالسجن، وانتهت مدة الحكم ولم يستطعن العودة لبيوتهن. وتقتصر مهام موظفي الدار على مراقبة سلوك النزيلات، بينما تغيب سبل الرعاية النفسية[9] وغيرها من الاحتياجات الضرورية. كما تفتقر ليبيا للخدمات الأمنية المتخصصة في شكاوى العنف الجنسي ومتابعتها، فعدد الضابطات[10]النساء العاملات في قطاع الشرطة محدود جدًا.
وإذ تعرب المنظمات الموقعة على هذا البيان عن قلقها البالغ بشأن تنامي العنف ضد المرأة في ليبيا في الحياة العامة، تبدي استيائها من عدم وفاء السلطات الليبية بوعودها في هذا الصدد،[11] وتجدد دعوتها للسلطات الليبية كي تضطلع بمسئولياتها عن حماية النساء من التعرض لكل مظاهر العنف، وذلك من خلال:
– إصدار التشريعات وتخصيص الموارد اللازمة لتطبيق هذه التشريعات على أرض الواقع.
– تطوير المؤسسات المعنية بحماية النساء وتأهيل العاملين فيها.
– إعادة خدمة الخط الساخن لمساعدة النساء ضحايا العنف، والتأكد من تقديم كافة سبل المساعدة.
– تعزيز وتحديث البيانات بشكل دوري حول ظاهرة انتشار العنف ضد المرأة والفتيات.
– العمل على حماية النساء المهاجرات وضمان تلقيهن المساعدة الملائمة وحمايتهن من الإيذاء والاستغلال، ومحاربة عصابات الإتجار بالبشر.
– رفع الوعي العام والتعبئة الاجتماعية من خلال برامج إعلامية ودورات تثقيفية وتعليمية تشارك فيها وزارات الثقافة والشئون الاجتماعية والأوقاف والصحة والإعلام.
– تأهيل العاملين في مؤسسات إنفاذ القانون، وزيادة نسبة النساء العاملات فيها، لضمان التعامل بشكل واعي وصحي مع قضايا العنف ضد المرأة وخاصة العنف الأسري.
المنظمات الموقعة:
• شبكة مدافعات عن المرأة، بنغازي،
• منظمة حقوقيون بلا قيــــود، بنغازي،
• منظمة أربن للتوجــــــه المدني، الكفرة،
• المجموعة الحقوقية للهجرة، طرابلس،
• منظمة البريق لحقوق الطفل، طرابلس،
• المركز الليبي لحقوق الانسان، طرابلس،
• منظمة شباب من اجل تاورغاء، تاورغاء،
• المركز الليبي للحقوق والحريات، الزاوية،
• مؤسسة بــلادي لحقوق الانسان، صبراته،
• منظمة النصير لحقوق الانسان، طرابلس،
• منظمة التضامن لحقوق الانسان، طرابلس،
• المنظمة المستقلة لحقوق الانسان، مصراته،
• المركـــز الاستشاري لحقوق الانسان، طرابلس،
• منظمة التواصـــل الثقافية الاجتماعية، اوباري،
• مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، تونس،
• منظمة الأمان لمناهضة التمييز العنصري، مرزق،
• منظمة بداية للتوعية وحقوق الانسان، طرابلس،
• المنظمة العربية الدولية لحقوق المرأة، طرابلس،
• منظمة أمل الجنوب للسلام والتنمية المستدامة، مرزق،
• منظمة مهاجر للهجرة غير القانونية وشؤون النازحين، الكفرة،
• مركز النسمة العليلة للدراسات المجتمعية والارشاد الاسري، طرابلس،
معلومات خلفية حول ظاهرة العنف ضد المرأة في ليبيا:
منذ إعلان استقلال الدولة الليبية في الخمسينيات من القرن الماضي، كان متاح للمرأة الليبية المشاركة في الحياة العامة، إذ حظيت المرأة في ليبيا خلال تلك الفترة بتعليم عالٍ ومتنوع، وأثبتت قدرتها وتفوقها وكفاءتها في مجالات العمل المختلفة. وخلال ثورة 17 فبراير2011، شاركت المرأة الليبية بشكل كبير وفعال في الحراك، فحصدت بعض ثماره، وأهمها انتزاع مساحة للمشاركة السياسية للمرأة لم تعهدها من قبل، فمارست المرأة الليبية حقها في الترشح للانتخابات العامة والمحلية، والتصويت، وحرية التعبير عن الرأي، وحقها في التجمع السلمي، الأمر الذي مكّنها من التعبير والتظاهر والاحتجاج على أي عنف أو تمييز ضدها.
ورغم أن البيانات الخاصة بالعنف ضد المرأة في ليبيا لا تحظى بتوثيق دقيق، إلا أن تقرير “الرأي العام في ليبيا لعام 2017”[12] يؤكد من خلال استطلاع رأي أجرته “المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية” تنامي ظاهرة العنف ضد المرأة،[13] والمتمثلة في مزيد من قبول العنف المنزلي والتسامح مع مبرراته، إلا أن الاستطلاع لم يقدم إحصائيات دقيقة حول نسبة العنف المنزلي ضد المرأة الليبية وأشكاله، كما لم يتطرق إلى العنف الذي تتعرض له المرأة الليبية في الحياة العامة. ولذلك يبقى تقرير” نتائج المسح الوطني الليبي لصحة الأسرة لعام 2014″ الذي أجرته مصلحة الإحصاء والتعداد بوزارة التخطيط، أحدث دراسة علمية رسمية في ليبيا[14]حول العنف الأسري، ولكنه لم يتطرق لباقي أشكال العنف ضد المرأة بشكل شامل. وكان قد خلص إلى أن 8.2% من النساء في ليبيا تعرضن للعنف الأسري، 79% منه عنف لفظي.[15]
ومن الثابت أن المرأة في ليبيا تتعرض لأصناف عدة من العنف اللفظي والبدني في الحياة العامة خارج البيت. ومع تنامي التجاذبات السياسية مطلع عام 2013 وارتفاع وتيرة العنف المسلح وتراجع العملية السياسية السلمية بشكل حاد مع ربيع 2014، طال العنف المرأة الليبية أيضًا. ومن نماذج العنف ضد المرأة الليبية في الحياة العامة؛ اغتيال الناشطة الحقوقية والمحامية “سلوى بو قعيقيص” في 25 يونيو 2014 في بيتها بمدينة بنغازي، واغتيال النائبة “فريحة البركاوي” عضو المؤتمر الوطني العام عن مدينة درنة في 17 يوليو 2014. كما تعرضت النائبة بمجلس النواب الليبي “صباح الحاج” لاعتداء بالضرب داخل شقتها بمدينة طبرق في 16 فبراير 2016. كما انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يكشف تعرض النائبة بمجلس النواب “سهام سرقيوه” للسب والإهانة بألفاظ نابية من قبل أحد موظفي مطار اللبرق، هذا بالإضافة إلى المخاوف الأمنية التي تشكل أكبر العقبات أمام المرأة الليبية للمشاركة في الحياة العامة.
وفي ظل استمرار الانقسام السياسي والمواجهات المسلحة وتنامي نفوذ المليشيات والعصابات الاجرامية في الأعوام الأخيرة، تنامى العنف ضد المرأة في ليبيا. ووفقًا لتقرير شعبة حقوق الإنسان في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا،[16] شهد عام 2017 مقتل ما لا يقل عن 18 امرأة و13 فتاة، وأصيبت 26 امرأة و15 فتاة أخرى بجروح نتيجة المواجهات المسلحة في ليبيا،[17]ووفقا لتقارير منظمة التضامن عن حوادث الخطف والقتل في ليبيا، ثمة 48 ضحية من النساء والفتيات في الفترة بين يناير 2017 إلى سبتمبر2018.[18] هذا بالإضافة إلى زيادة أعداد النساء المعتقلات بدون إجراءات قانونية وبلا محاكمة لفترات طويلة “لأسباب أمنية.” فقد أشار تقرير المفوض السامي للأمم المتحدة إلى أن 200 امرأة و120 طفلاً محتجزين في أماكن شديدة الاكتظاظ تفتقر للتهوية والضوء، تحت حراسة ذكور في السجون.[19]
يأتي هذا في الوقت الذي تعاني فيه النساء المهاجرات بطرق غير قانونية من سوء المعاملة وأوضاع احتجاز غير أدمية في السجون التابعة لجهاز “مكافحة الهجرة غير الشرعية” حيث تغيب الخدمات الأساسية، ويعانين النساء من الاستغلال[20] من عدة أطراف بما في ذلك الاستغلال الجنسي.