(آيفكس/ المرصد الوطني لحرية الصحافة و النشر و الإبداع في تونس)- كانت تونس أوّل بلدان المنطقة المغاربية التي عاشت ربيعا إعلاميا بداية ثمانينات القرن الماضي. لكنها تحيي اليوم في أجواء من الحزن اليوم العالمي لحرية الإعلام، مسجّلة بذلك تراجع في مجال حرية التعبير. فمنذ 23 عاما انقضت، منذ تسلّم الرئيس بن علي زمام الحكم، ما […]
(آيفكس/ المرصد الوطني لحرية الصحافة و النشر و الإبداع في تونس)- كانت تونس أوّل بلدان المنطقة المغاربية التي عاشت ربيعا إعلاميا بداية ثمانينات القرن الماضي. لكنها تحيي اليوم في أجواء من الحزن اليوم العالمي لحرية الإعلام، مسجّلة بذلك تراجع في مجال حرية التعبير.
فمنذ 23 عاما انقضت، منذ تسلّم الرئيس بن علي زمام الحكم، ما انفكّ التونسيون يشهدون تدهورا في حرية التعبير سنة بعد أخرى ويوما بعد يوم. إنها حرب مفتوحة وشاملة ضدّ حرية التعبير وحرية الاعلام.
وبمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، يسجّل مرصد حرية الصّحافة والنشر والإبداع أن ذكرى هذا اليوم سنة 2010 في تونس لا تختلف في شيء عن السنوات التي سبقت وأن تونس ما زالت في حالة حداد على حرياتها المغتضبة.
إن التمديد للر ئيس بن علي بولاية خامسة من خلال الانتخابات العامة في أكتوبر 2009 بنسبة 90% كان مناسبة للتصعيد في استهداف الإعلاميين الأحرار وصحافة المعارضة. إذ لم يتحرّج يوم 24 أكتوبر 2009، رغم افتقاده للصفة، من مخاطبة الناخبين لتهديد أولئك الذين “هانت عليهم بلادهم ولجؤوا إلى تشويه سمعتها لدى الصحفيين الأجانب والتشكيك في نتائج الانتخابات قبل فرز الأصوات”. ولم يمض أسبوع واحد حتى وضعت هذه الإشارات موضع التطبيق فاعتقل الكاتب والصحفي الساخر توفيق بن بريك وسجن الإعلامي الجسور زهير مخلوف.
احتكار لا غبار عليه:
لقد احتكر الرئيس المتخلي نسبة 97% من المساحة الاعلامية في مجال الصحافة المكتوبة بينما لم يحصل مرشّحو المعارضة على أكثر من 0.10% من هذه المساحة وذلك وفق تقرير نشرته 5 منظمات غير حكومية راقبت الأداء الإعلامي أثناء الانتخابات، فهل من دلالة أقوى على سطوة الاحتكار المسلّط على وسائل الإعلام؟
وخلافا لما يروّجه الإعلان الرسمي عن وجود 306 جريدة في الأكشاك التونسية، فإن المشهد الإعلامي ليس حرّا ولا تعدّديا. ويمكن القول أنه لا يوجد في تونس اليوم عنوان صحفي واحد مستقل، إذ تمّ استئصال ما تبقّى منها منذ سنة 1990 رغم كل المطالب التي تم التقدّم بها. ولا يوجد سوى ثلاث صحف معارضة لا تتمتّع كلها بالإشهار العمومي وتتعرّض لضغوطات مستمرّة تحدّ من توزيعها وانتشارها. وقد تعرّضت هذه الصحف إلى الحجز عديد المرات (الموقف، الطريق الجديد، مواطنون) كما تمّت العودة عمليّا إلى إجراء الإيداع القانوني الذي ألغي العمل به تشريعيا، وذلك خلال الفترة الانتخابية.
أما بالنسبة للمشهد السمعي البصري، فهو عرضة لاحتكار كلي من السلطة، ووحدهم المقرّبون منها من يتمتّعون بتراخيص بثّ لقنوات التلفزة والراديو الخاصّة، يحصلون على هذه التراخيص في ظل تعتيم كلّي وغياب تامّ للشفافية. وبقيت كل مطالب التراخيص التي تقدّم بها صحفيون منذ 1987 معلّقة بدون إجابة.
ومن جهة أخرى فقد تعرّضت محطّات الراديو التي تبثّ على الانترنت والأقمار الصناعية إلى الاستيلاء على مقرّاتها ومصادرة معدّاتها إضافة إلى التتبعات العدلية التي تعرّض لها المشرفون عليها (راديو كلمة وراديو ستة).
محاكمات غير عادلة وسجون
تميّزت هذه السنة بتضخّم عدد القضايا الجزائية المتعلّقة بالصحفيين المستقلين والمعارضين المشتغلين في وسائل إعلام موجودة خارج تونس بسبب استحالة نشر كتاباتهم وتحقيقاتهم في وسائل الإعلام المحلّية (الفاهم بوكّوس، توفيق بن بريك، زهير مخلوف، حمة الهمامي، سهام بن سدرين، صالح الفورتي، عمر المستيري، نزار بن حسن، المولدي الزوابي…)
وقد أدّت هذه المحاكمات إلى الحكم بالسجن على البعض (زهير مخلوف، توفيق بن بريك، الفاهم بوكدّوس) وبعض هذه الأحكام كانت نهائية الدرجة وبالسجن الفوري توّجت محاكمات غير عادلة (زهير مخلوف، توفيق بن بريك). كما تعرّض الطالب محمد السوداني إلى الاختطاف والاعتقال يوم 22 اكتوبر 2009 اثر حوار أجراه مع راديو فرنسا الدولي وراديو مونتي كارلو.
الاعتداءات الجسدية
لقد غدت الاعتداءات الجسدية ممارسة معتادة لدى الأمن السياسي الذي يقوم بالمراقبة اللصيقة للنشطاء. حتّى تحوّلت لغة الحوار الوحيدة بين السلطة والصحفيين هي هراوة البوليس. فقد تعرّض عدد هام من الصحفيين خلال سنة 2009 الى اعتداءات جسدية أخطرها عملية اختطاف الصحفي سليم بوخذير والاعتداء عليه بالعنف الشديد من قبل عناصر من الأمن بالزي المدني في حديقة عمومية معزولة من العاصمة تونس يوم 28 اكتوبر 2009. وليس أقل خطورة الاعتداء الذي تعرض له مدير البديل حمة الهمامي يوم 29 سبتمبر 2009 بمطار تونس قرطاج الدولي إثر عودته من فرنسا أين شارك في برنامج بثته قناة فرانس 24 فضح فيه واقع الحريات في تونس.
هذا وقد تكرّرت وتعدّدت الاعتداءات على الصحفيين (المولدي الزوابي، فاتن حمدي، سهام بن سدرين، أيمن الرزقي، معز الجماعي، معز الباي، محمود الذوادي، لطفي حجي، زهير مخلوف، عمر المستيري…) وقد بقيت كل الشكايات المرفوعة معلّقة بدون نتيجة.
اعتداء على حرية التنقل
لقد احتفلت السلطات بيوم 23 ماي الجاري، يوم حرية الاعلام، بمحاصرة مساكن عدد من الصحفيين ومنعهم من مغادرتها طيلة اليوم (نزيهة رجيبة، سليم بوخذير، لطفي الحيدوري…) وقد غدت هذه الممارسات متواترة كلما خشي النظام أن يشارك الصحفيون في ندوات صحفية كما هو الحال عند منع تلك التي نظّمتها “هيومان رايت ووتش” يوم 23 مارس 2009.
حجب متواتر على الانترنت
لم تكتف شرطة الانترنت بمراقبة بريد المواطنين وحجب جميع مواقع المعلومة، فأخذت في قطع وصلات الانترنت على الصحفيين ونشطاء حقوق الانسان، معرّضة إيّاهم إلى حرب إعلامية حقيقية. كما راحت تراقب صفحاتهم على المواقع الاجتماعية مثل الفايسبوك وتقرصن أحيانا حساباتهم وفي أحيان أخرى تحجبها.
هذا، ويتعرّض العديد من الشباب إلى الاستدعاء والاعتقال من طرف الأمن واحتجاز حواسيبهم على إثر رسالة منسية على إحدى الشبكات الاجتماعية.
حملات تشويه
لقد غدا سلاح الشتم والتشويه أحد الأدوات المفضّلة التي تستعملها السلطة لتشويه الصحفيين المستقلين والمساس بأعراضهم، والتي بلغت حدّ التهديد بالقتل (سليم بقّة). وعلى خلاف ما صرّح به رئيس الجمهورية بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، حيث أكّد على المراهنة على الوعي المهني للمحترفين في هذا المجال (مجال الصحافة) وعلى حقهم في ممارسة الحرية والنقد البنّاء بعيدا عن كل شكل من أشكال التشهير والتشويه والمساس بشرف الأشخاص، فقد نظّمت الحملات التشويهية بشكل متواتر ضدّ الصحفيين والنشطاء وشجّعت مثل هذه الحملات في الصحف الموجّهة من قبل الدوائر الخاصّة لوزارة الداخلية لتتوسع الى وسائل الإعلام الأجنبية التي نجحت وكالة الاتصال الخارجي بشراء ذممها عبر المال العام. كما بقيت الدعاوي القضائية المرفوعة ضدّ هذه الوسائل معلّقة بدون إجابة.
إن مرصد حرية الصحافة والنشر والإبداع ليدعو الصحفيين الأحرار وكل نشطاء المجتمع المدني للتجنّد لإنقاذ هذا القطاع المنكوب.