تبحث آيفكس في كيفية استغلال الحكومة المصرية لمخاوف الأمن القومي كجزء من حملة القمع الواسعة النطاق ضد النشطاء والمحامين والصحفيين.
بتاريخ 22 أيار 2018، اعتقلت السلطات المصرية وائل عباس، وهو صحفي ومدون بارز كان يوثق إساءة الشرطة والفساد الحكومي لأكثر من عقد من الزمن. حيث داهمت الشرطة منزله عند الفجر، واستولت على حاسوبه وهواتفه المحمولة، وقامت بتعصيب عيناه، واقتادته إلى مكان مجهول.
وقد اتهم في القضية رقم 441 لعام 2018 وادعت الحكومة أنه جزء من “الجناح الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين”. وأطلق سراحه بتاريخ 11 كانون الأول. وفي الأسابيع التي سبقت اعتقاله، تم القبض على العديد من الصحفيين والنشطاء كجزء من هذه القضية، بما فيهم النقاد المعروفين للإخوان المسلمين مثل عادل صبري، وهو رئيس تحرير موقع “مصر العربية” المستقل.
كما تم اعتقال أمل فتحي، وهي ناشطة مصرية وعضوة في حركة شباب 6 أبريل، في شهر أيار عام 2018. لقد كانت “جريمة” فتحي التحدث ضد التحرش الجنسي في القاهرة. ووفقاً لأميرة عبدالحميد، مسؤولة المناصرة الدولية في مؤسسة حرية الفكر والتعبير التي يقع مقرها مصر، فقد حكم على فتحى بالسجن لمدة عامين بسبب نشرها مقطع فيديو على حسابها على فيسبوك “ينتقد تقاعس الحكومة في التصدي لوباء التحرش الجنسي في مصر”. ولا شك أن كونها زوجة محمد لطفي، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، قد زاد من شهرتها وربما كان عاملاً في معاملتها بهذا الشكل.
فبدلاً من استهداف من قاموا بمضايقة فتحي بعد نشرها للفيديو، اتهمتها الحكومة المصرية بـ “الانضمام إلى جماعة إرهابية، باستخدام موقع إلكتروني بهدف الترويج للأفكار والمعتقدات التي تدعو إلى ارتكاب أعمال إرهابية، ونشر أخبار وإشاعات كاذبة من المحتمل أن تزعج الأمن العام، وتضر بالمصلحة العامة”.حيث جاء ذلك في بيان وقعت عليه العديد من المنظمات غير الحكومية بما فيها أعضاء آيفكس مؤسسة حرية الفكر والتعبير، ومعهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وبتاريخ 25 تشرين الثاني، تم اتهامها بنشر أخبار كاذبة. ولاتزال التهم الأخرى “للإرهاب” قائمة. وفي وقت كتابة هذا التقرير، تم تأجيل محاكمة فتحي إلى 30 كانون الأول.
أصبح من المعتاد في مصر أن يُعامل الصحفيون والناشطون وحتى أفراد عائلاتهم بهذه الطريقة. وتصاعد الموقف بعد “إعادة انتخاب” الرئيس عبد الفتاح السيسي من دون معارضة، في شهر آذار من عام 2018، إلى أربع سنوات أخرى- مع احتمال تعديله للدستور للسماح لنفسه بالحكم لفترة أطول.
وباتخاذه لنموذج “الرجل القوي”، وجد السيسي والحكومة المصرية أن خطاب الأمن القومي يمنحهم مساحة أكبر لسحق المعارضة. فأصبحوا يتهمون أي شخص بتهم مثل نشر “أخبار كاذبة”، أو الانضمام إلى “مجموعة إرهابية” أو حتى استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية لتعزيز “الأفكار الإرهابية” – إن كل هذه الاتهامات في الغالب تكون نتيجة لأي نوع من التعبير الذي ينتقد سياسات الحكومة. وكل ما يتطلب للقيام بذلك هو وجود نظام قضائي ضعيف ومُسيطر عليه، ومدعوم بوسائل إعلام تسيطر عليها الحكومة.
وقالت مؤسسة حرية الفكر والتعبيرفي تقريرها الربع سنوي الثاني، الذي يغطي الفترة ما بين نيسان – حزيران 2018، أنه في الآونة الأخيرة يتم قمع التعبير النقدي من خلال التشريعات. فبالإضافة إلى قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات لعام 2018، هناك قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام رقم 180، وقانون الهيئة الوطنية للصحافة رقم 179، وقانون الهيئة الوطنية للمعلومات رقم 178.
وتتوقع المؤسسة أن تؤثر هذه القوانين بشدة على حرية المعلومات والحقوق الرقمية.
من أجل فهم كيفية استخدام الحكومة لهذه القوانين، وكيفية تأثيرها على مستخدمي الإنترنت. تحدثت عبد الحميد مع منظمة أيفكس حول كيفية استخدام الحكومة المصرية المبررات القانونية لحظر المواقع الإلكترونية.
تم اقتراح قانون الجرائم الإلكترونية من قبل الحكومة ووافق عليه مجلس النواب بتاريخ 5 حزيران 2018 – ووافق عليه السيسي بتاريخ 18 آب. وبموجب المادة 7 من هذا القانون، يمكن للحكومة أن تمنع بشكل قانوني الوصول إلى أي موقع إلكتروني تراه “تهديداً للأمن القومي” أو “للاقتصاد الوطني”. ووفقاً لعبد الحميد، قد تطلب الشرطة حجب المواقع الإلكترونية من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
ويخلص تقرير مؤسسة حرية الفكر والتعبير إلى أن الحكومة المصرية تخشى الإنترنت باعتباره “المساحة الأخيرة التي يستخدمها منتقدوها لنشر آرائهم وتعميم المعلومات حول التطورات في السياسة الداخلية في مصر”.
لقد حظرت الحكومة المصرية ما لا يقل عن 496 موقعاً في الفترة ما بين أيار 2017 وشباط 2018، مع حظر بعض المواقع منذ عام 2015. واشتمل الحظر على مواقع مستقلة معروفة مثل الصحيفة الإلكترونية مدى مصر، وعلى مواقع أعضاء آيفكس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وهيومن رايتس ووتش، و مراسلون بلا حدود .
كما حظرت الحكومة أيضاً المواقع التي يمكن أن تساعد في التحايل على الرقابة، مثل مواقع VPN، وخدمة شبكة تور “TOR”، وخدمة تسريع تحميل صفحات الإنترنت عند التصفح باستخدام الهواتف المحمولة AMP. ونشرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير تقريراً يحتوي على تكتيكات لتجاوز الحظر لمساعدة المتضررين من هذا الحظر، ولكن الأمر أصبح أكثر صعوبة.
ويشرّع قانون الجرائم الإلكترونية ببساطة ما كان يجري بالفعل بعدة طرق. حيث كانت الحكومة المصرية قد حظرت بالفعل مواقع تنتقد ممارساتها وسياساتها بطريقة أو بأخرى.
لكن حظر المواقع الإلكترونية وتخويف و / أو اعتقال النشطاء ليست الطرق الوحيدة التي تستخدمها الحكومة المصرية لإغلاق المجال أمام المجتمع المدني. فقد فرضت “قضية التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية”، أو القضية رقم 173، التي يعود تاريخها إلى عام 2011، قيوداً شديدة على عمل المنظمات غير الحكومية في مصر.
فقد بلغ ذروة ذلك في شهر حزيران من عام 2013، عندما حكمت محكمة جنائية بالقاهرة على 43 موظفاً أجنبياً ومصرياً من منظمات دولية بالسجن لمدة تتراوح بين سنة وخمس سنوات. فبذريعة “الأمن القومي”، اتهمت الحكومة المصرية عدة نشطاء ومحامين بارزين بتلقي أموال أجنبية بشكل غير قانوني. وقد أدى ذلك، على سبيل المثال، إلى تجميد أصول جمال عيد – وهو عضو في الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومحامي نشطاء مثل وائل عباس – في شهر أيلول عام 2017، ووصفت الشبكة ذلك بأنه “حكم سياسي غير عادل تحت ستار الحكم القانوني”. وكان عيد من بين أربعة متهمين بتلقي مبلغ غير قانوني قدره 1.5 مليون دولار من التمويل الأجنبي.
أما روضة أحمد، وهي محامية ومدافعة عن حقوق الإنسان تعمل مع الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، فقد تحدثت مع آيفكس حول تجربتها كجزء من القضية 173. حيث تم استدعاؤها في البداية لاستجوابها بتاريخ 26 آيار 2016، ثم تم اصدار استدعاء بتاريخ 7 أيار 2018. وتم الإفراج عنها بكفالة قدرها 20,000 جنيه مصري (حوالي 1,111 دولار أمريكي) بتاريخ 7 تموز 2018 لغاية التحقيق بتهم التهرب الضريبي. كما تم استجواب محاميين من الشبكة وهما كريم عبد الراضي ونور فهمي في شهر تموز 2016، لكن لم يتم توجيه اتهامات لهما.
كما تم منع عيد من السفر، ويتم تطبيق ممارسات أخرى بشكل روتيني في إطار القضية 173 ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر. ومن بين المتضررين من المنع من السفر: حسام بهجت من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية؛ ومحمد زارع من معهد القاهرة لدراسات حقوق الإنسان؛ وهدى عبد الوهاب من المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة؛ ومزن حسن من نظرة للدراسات النسوية؛ وناصر أمين من المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة؛ ورضا الدنبوقي من مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية؛ وإسراء عبد الفتاح من المعهد المصري الديمقراطي؛ وحسام الدين علي وأحمد غنيم وباسم سمير من المعهد المصري الديمقراطي.
لقد تم الإبلاغ عن منع 500 شخص على الأقل من السفر، معظمهم من النشطاء والمحامين والمراسلين، منذ صعود السيسي إلى السلطة في عام 2013. وفي كثير من الأحيان، لم يتم إبلاغهم عن حظرهم من السفر إلا عند محاولتهم للسفر، أو من وسائل الإعلام. وتم منع آخرين من السفر دون الاستناد المباشر لقضية 173.
ووافق السيسي على القانون الذي تم استخدامه في هذه القضية في شهر أيار عام 2017، على الرغم من معارضة ستة أحزاب سياسية و 22 منظمة مجتمع مدني. وهو أمر مماثل تقريباً لقانون سابق صدر في تشرين الثاني من عام 2016، لكنه وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش، تم تجميده بعد انتقادات دولية واسعة النطاق. حيث يضع شروطا مسبقة صعبة للغاية على الموارد المالية للمنظمات غير الحكومية والإعلامية، مما يجعل عمل الكثير منهم، أو حتى معظمهم، في البلاد أمراً مستحيلاً. فقد يؤدي الفشل في استيفاء هذه الشروط إلى فرض غرامات كبيرة وأحكام بالسجن تتراوح بين سنة وخمس سنوات بالنسبة للموظفين الفرديين.
وكما هو الحال في أغلب القضايا، فإن الحكومة المصرية قد استندت إلى خطاب الأمن القومي كمبرر لإعمالها. وفي العديد من الحالات، كما في حالة مدى مصر، لم يتم تقديم أي مبرر قانوني لشرح حجب المواقع، أو تجميد الأصول، أو اتخاذ تدابير أخرى، مما يترك المنظمات في حالة من عدم اليقين القانوني.
لا يمكن المبالغة في تقدير التأثير المتراكم. “مراراً وتكراراً، استخدمت الحكومة لغة الأمن القومي، التي سهّلتها حالة الطوارئ المعلنة في نيسان 2017، لإغلاق الأماكن العامة. إن التأثير كبير وتقشعر له الأبدان. وتقول عبد الحميد لقط دفعت القوانين العديد من المصريين، سواء كانوا نشطاء أم لا إلى “فرض الرقابة الذاتية على تعبيرهم على الإنترنت”.
كل ذلك يساهم في مناخ من عدم اليقين، وأشار إلى ذلك محمد زارع، رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بأنه “سيف على رقابنا“. إن مصير المؤسسات الديمقراطية التي تحمي حرية التعبير في مصر في خطر. ومن ثم، فإن المنظمات غير الحكومية المتبقية التي لا تزال تدير عملها – بدرجات متفاوتة – تركز جهودها على مكافحة هذه القوانين. وبعد كل شيء، فإنه ليس فقد مجرد شعور بالواجب بالنسبة للمجتمع المدني في مصر، بل مسألة بقاء.