(آيفكس/ هيومن رايتس ووتش) – قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن بعض التطورات المحدودة قد طرأت على ليبيا في الفترة الراهنة، بما في ذلك زيادة هامش حرية التعبير التعبيروتعديل مشروع قانون العقوبات، إلا أن القوانين القمعية مستمرة في خنق حرية التعبير وانتهاكات جهاز الأمن الداخلي ما زالت سائدة. ومن المقرر أن تعقد […]
(آيفكس/ هيومن رايتس ووتش) – قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن بعض التطورات المحدودة قد طرأت على ليبيا في الفترة الراهنة، بما في ذلك زيادة هامش حرية التعبير التعبيروتعديل مشروع قانون العقوبات، إلا أن القوانين القمعية مستمرة في خنق حرية التعبير وانتهاكات جهاز الأمن الداخلي ما زالت سائدة.
ومن المقرر أن تعقد هيومن رايتس ووتش مؤتمراً صحفياً عاماً في ليبيا اليوم، هو الأول من نوعه في البلاد، مما يعد بفتح باب الحوار العلني حول القضايا الحساسة. إلا أن القبض على الكاتب البارز جمال الحاجي في 7 ديسمبر/كانون الأول، يعكس الحدود الحقيقية للانتقاد داخلياً.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “كان التقييم العلني لسجل ليبيا الحقوقي من داخل طرابلس أمراً لا يمكن تخيله قبل أعوام، ويعكس بعض الانفراج في هامش الحوار العام المفتوح في ليبيا”. وتابعت: “ولكن على الحكومة أن تراجع قانون العقوبات من أجل السماح لجميع الليبيين بحرية التعبير دون خشية من العقوبات الجنائية، وأن تكف عن احتجاز من يوجهون الانتقاد للحكومة، ومنهم جمال الحاجي”.
تقرير “ليبيا: الحقيقة والعدالة لن تنتظر” الذي جاء في 78 صفحة، يستند إلى بحوث أجرتها هيومن رايتس ووتش خلال زيارة استغرقت 10 أيام إلى ليبيا في أبريل/نيسان، وهي أخر زيارة للمنظمة إلى ليبيا، ويستند كذلك إلى المراقبة القائمة للأوضاع من خارج البلاد. وانتهى التقرير إلى أنه بينما منحت الإنترنت وصحيفتان جديدتان في ليبيا للصحفيين هامشاً أوسع للكتابة بصراحة عن بعض القضايا الحساسة، إلا أن العقوبات الجنائية الثقيلة مستمرة في تكميم أفواه الصحفيين وحظر حرية تكوين الجمعيات. وقد تزايدت القضايا والمحاكمات بحق الصحفيين بموجب الأحكام القانونية الخاصة بالتشهير في ليبيا، لكن إلى الآن لم يُحكم على أي صحفي بالسجن.
كما أن جهود اللجنة الشعبية العامة للعدل لإطلاق سراح السجناء المحتجزين ظلماً تواجه معارضة متزايدة من جهاز الأمن الداخلي، الذي يعمل في ظل الإفلات من العقاب، ويسجن أو “يُخفي” الليبيين متى شاء وكيفما شاء. وقد أبدت الحكومة بشكل متزايد تقبلها لنشاط أهالي مذبحة سجن بوسليم 1996، وعرضت عليهم التعويضات، لكن ما زالت لم تفتح باب المساءلة في المذبحة. وأثناء تواجد هيومن رايتس ووتش في ليبيا، قامت بزيارة سجن بوسليم، حيث قابلت ستة سجناء، والتقت أعضاءً من نقابة المحامين فرع طرابلس وأعضاء بنقابة الصحفيين، وأهالي للسجناء وسجناء سياسيين مُفرج عنهم، وكذلك أهالي القتلى في سجن بوسليم. وقابلت هيومن رايتس ووتش أيضاً الأمين العام للأمن العام والأمين العام للعدل.
وفي تطور هام، قامت اللجنة الشعبية العامة للعدل بتحضير مشروع جديد لقانون العقوبات، وخففت فيه من العقوبات الواردة في أحكام القانون الأشد قمعاً، رغم أن مشروع القانون ما زالت به أحكام تُجرّم حرية التعبير عن الآراء السياسية، من قبيل “إهانة مسؤولين عامين” أو “معارضة أهداف الثورة”. وفي هذه الأجواء، وبينما تتمتع الصحف الخاصة والصحفيون في مواقع تعمل من الخارج بحرية أوسع، فإنهم مستمرون في تجنب التعرض المباشر لقيادة الحكومة، ويستمر استجواب النيابة العامة للصحفيين جراء كتابتهم موضوعات عن قضايا حساسة. وفي 7 ديسمبر/كانون الأول، اعتقل ضباط الأمن الداخلي جمال الحاجي، السجين السياسي السابق، إثر نشره لتعليق على الإنترنت ينتقد فيه استمرار الحكومة في احتجاز السجناء السياسيين ومقابلة أجراها مع محطة الـ بي بي سي في سبتمبر/أيلول يستنكر فيها إساءات الحكومة الليبية.
كما اتخذت اللجنة الشعبية العامة للعدل بعض القرارات المستقلة، إذ دعت جهاز الأمن الداخلي إلى إطلاق سراح السجناء المحتجزين ظلماً وأمرت إحدى المحاكم الحكومة بالكشف عن مصير ضحايا بوسليم. إلا أنه حتى الآن لا الجهاز ولا الحكومة التزما بالأوامر القضائية. والكثير من المحاكمات – خاصة قضايا محكمة أمن الدولة – تستمر في عدم الوفاء بالمعايير الدولية لإجراءات التقاضي السليمة، في ظل محدودية قدرة المدعى عليهم على مقابلة المحامين، واقتصار الحق في الطعن.
ولجهاز الأمن الداخلي سيطرة كاملة على سجنين في ليبيا، هما بوسليم وعين زارة، وهما معروفان بالاحتجاز التعسفي للسجناء السياسيين. وطبقاً لأمين العدل، فإن هنالك نحو 500 سجين أتمّوا بالفعل عقوبات السجن المفروضة عليهم أو برأتهم المحاكم الليبية وما زالوا رهن الاحتجاز بموجب أوامر من الأمن الداخلي. على سبيل المثال، رغم تبرئة المحكمة الليبية العليا لشخص بريطاني ليبي مزدوج الجنسية، هو محمود بوشيمة، في مارس/آذار 2008، من اتهامات بالانتماء إلى تنظيم محظور، فإنه ما زال في سجن بوسليم. وقد طلبت هيومن رايتس ووتش مقابلته أثناء زيارة أبريل/نيسان، لكن الأمن الداخلي رفض.
وقالت سارة ليا ويتسن: “إن جهود اللجنة الشعبية العامة للعدل في محاولة تسوية مشكلات المسجونين ظُلماً هي خطوة هامة في الاتجاه الصحيح، لكن كل ليبي يعرف أن الإصلاح الحقيقي في ليبيا مستحيل طالما جهاز الأمن الداخلي فوق القانون”. وأضافت: “كبداية، يجب أن يُفرج جهاز الأمن الداخلي على وجه السرعة عن السجناء الخمسمائة المحتجزين لديه رغم عدم وجود أي سند قانوني لاحتجازهم”.
كما يستمر الأمن الداخلي في احتجاز الأشخاص دون نسب اتهامات إليهم، ويضعهم رهن الاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي لشهور قبل نسب الاتهامات إليهم. فضلاً عن أن منظمة التضامن الليبية الحقوقية، ومقرها سويسرا، تُقدر أن هناك ما يناهز الثلاثين قضية “اختفاء” ما زالت بلا تسوية، مثل قضية إمام موسى الصدر، رجل الدين اللبناني البارز المفقود منذ 1978، وأعضاء المعارضة: جاب الله مطر وعزت المقريف، المختفيان منذ أبريل/نيسان 1996، عندما كانا رهن الاحتجاز في بوسليم. وتقدر أيضاً منظمات المعارضة الليبية بالخارج أن المئات من السجناء السياسيين ما زالوا رهن الاحتجاز، إذ حُكم عليهم إبان محاكمات غير عادلة، لكن هيومن رايتس ووتش لم تستطع من جانبها التثبت من هذه الأرقام. وأشهر سجين سياسي ليبي، فتحي الجهمي، مات في مايو/أيار، بعد زهاء سبع سنوات من الاحتجاز. وما زالت هيومن رايتس ووتش لم تتلق أي رد على طلبات الإحاطة بالمعلومات من السلطات الليبية، عن أعداد الليبيين المحتجزين حالياً تحت طائلة قانون 71، الذي يُجرِّم العضوية في أي تنظيم سياسي.
وقالت سارة ليا ويتسن: “يجب على الحكومة الليبية أن تفرج على وجه السرعة عن جميع السجناء المحتجزين جراء التعبير السلمي عن آرائهم، مثل عبد الناصر الرباصي، الذي حُكم عليه بالسجن 15 عاماً بتهمة إهانة القائد”.
كما منعت السلطات الليبية مواطنين سويسريين، هما ماكس غولدي ورشيد حمداني من مغادرة ليبيا، منذ احتجازهما لمدة عشرة أيام واتهامهما بخرق أنظمة تأشيرات الدخول في يوليو/تموز 2008. يبدو أن هذا تم رداً على احتجاز السلطات السويسرية لـ هانيبال القذافي، ابن القائد الليبي، في جنيف، قبل أيام من تاريخ القبض على المواطنين السويسريين. وفي سبتمبر/أيلول اختطف عناصر من الأمن الرجلين من مستشفى طرابلس العام واحتجزوهما بمعزل عن العالم الخارجي، في الحبس الانفرادي، لمدة 52 يوماً. وهذا الشهر، حكمت محكمة لقضايا الهجرة على الرجلين بالحبس 16 شهراً بتهمة خرق أنظمة التأشيرات، بعد جلسة غير عادلة لم يتمكن محامو الرجلين فيها من الطعن في صحة أدلة الثبوت بحق المدعى عليهما.
وقد طرأت تطورات هامة في ليبيا على صلة بتعويض الحكومة لأهالي السجناء الـ 1200 المقتولين في يونيو/حزيران 1996 في سجن بوسليم، لكنها ما زالت لم تكشف حقائق ما حدث في السجن علانية أو هي قاضت المسؤولين عمّا حدث. وقد أنكرت السلطات لسنوات وقوع المذبحة بالمرة. وحتى أواخر عام 2008، كانت الأغلبية العظمى من أهالي السجناء القتلى لا تعرف أي شيء عنهم. إلا أنه في يونيو/حزيران 2008، ربح أهالي بعض ضحايا بوسليم قضية تأمر الحكومة الليبية بالكشف عن مصير السجناء، ثم بدأت السلطات الليبية في إصدار شهادات الوفاة للأهالي وعرض تعويض بحد أقصى 200 ألف دينار ليبي (164300 دولار أميركي)، مقابل التنازل عن رفع أية قضايا أخرى في المحاكم الليبية أو الدولية.
أغلب أسر السجناء في بنغازي – ومنها سجناء كثيرون من الضحايا – رفضت قبول التعويض بهذه الشروط، وأصرّت على معرفة كامل ما حدث ومعاقبة المسؤولين عنه. محمد هميل الفرجاني، المتحدث باسم أهالي الضحايا، وهو حالياً في الولايات المتحدة، قال لـ هيومن رايتس ووتش أن بالنسبة إليه “النقود لا تُهم”، وأضاف: “عانت أسرتي لسنوات وهي لا تعرف أين أخوتي، ثم يعطونها ورقة بعد 15 عاماً يقولون فيها إنهم ماتوا لا أكثر؟ إننا نريد العدالة”.
وقالت السلطات الليبية لـ هيومن رايتس ووتش في عام 2004 إنها فتحت تحقيقاً في الحادث، لكن في أبريل/نيسان 2009 أكد أمين العدل لـ هيومن رايتس ووتش إنه لم يُفتح أي تحقيق من هذا النوع. وفي سبتمبر/أيلول، شكلت اللجنة الشعبية العامة للدفاع لجنة تحقيق من سبعة قضاة برئاسة قاضٍ عسكري للتحقيق في أعمال القتل بسجن بوسليم، بعد 13 عاماً من وقوع الحادث.
وقد تظاهرت مئات الأسر بشجاعة في بنغازي على مدار الشهور الماضية مطالبة بالحقيقة والمحاسبة والتعويض الملائم. ورغم أن السلطات قد سمحت للمرة الأولى بعقد هذه التظاهرات العامة، فإن الأهالي يواجهون المضايقات والتهديدات من المسؤولين الأمنيين، والاعتقال في بعض الحالات.
وقالت سارة ليا ويتسن: “النقود لا تكفي، فللشعب الليبي الحق في معرفة كل ما حدث علناً، ومعاقبة المسؤولين عن قتل 1200 سجين في يوم واحد عام 1996”.
وتتفاوض ليبيا والاتحاد الأوروبي حالياً على اتفاق إطاري، ومن المقرر اجتماع الطرفين في 16 ديسمبر/كانون الأول لخوض الجولة التالية من المفاوضات. وتدعو هيومن رايتس ووتش الاتحاد الأوروبي إلى وضع معايير قابلة للقياس بمجال الإصلاح في ليبيا، ضمن القضايا الأساسية الخاضعة للتفاوض، ومن هذه المعايير مراجعة قانون العقوبات، والإفراج عن السجناء المحتجزين بشكل غير قانوني، على أن تكون هذه المعايير شرطاً لإتمام الاتفاق. كما تدعو هيومن رايتس ووتش الفريق العامل بالأمم المتحدة المعني بالاختفاءات القسرية أو غير الطوعية إلى طلب زيارة مراكز الاحتجاز الليبية.
لمزيد من المعلومات، يُرجى الاتصال:
في طرابلس، هبه مُرايف (الإنجليزية والعربية والفرنسية): +2 012 3810319 أو +218 918611837 أو morayeh@hrw.org
في طرابلس، سارة ليا ويتسن (الإنجليزية): + (1) 718 362-0172 أو +218 918611837 أو whitsos@hrw.org
في طرابلس، توم مالينوفسكي (الإنجليزية): malinowt@hrw.org