سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة ارتكبت سلسلة من الانتهاكات الخطيرة للحق في المحاكمة العادلة – وذلك في المرحلة السابقة على بدء المحاكمة – عندما منعت أقارب المتهمين ومراقبين دوليين ووسائل إعلام دولية من حضور محاكمة جماعية لـ 94 معارضًا للحكومة.
قال تحالف من سبع منظمات حقوقية دولية اليوم إن سلطات دولة الإمارات العربية المتحدة ارتكبت سلسلة من الانتهاكات الخطيرة للحق في المحاكمة العادلة – وذلك في المرحلة السابقة على بدء المحاكمة – عندما منعت أقارب المتهمين ومراقبين دوليين ووسائل إعلام دولية من حضور محاكمة جماعية لـ 94 معارضًا للحكومة. كما دعت هذه المنظمات الإمارات العربية المتحدة إلى فتح تحقيق في ادعاءات التعذيب، والسماح لعامة الناس بحضور جلسات المحاكمة.
وقالت المنظمات إن اعتقال عبد الله الحديدي، نجل أحد المتهمين، في 21 مارس/آذار 2013 بتهمة تعمد نشر معلومات خاطئة حول جلسة محاكمة علنية على الإنترنت، يثير مزيدًا من الشكوك حول عدالة المحاكمة. وكان عبد الله الحديدي قد حضر أربع جلسات منذ أن بدأت المحاكمة في 4 مارس/آذار، ونشر تعليقات عن الجلسات على شبكات التواصل الاجتماعي. وفي اليوم السابق لاعتقال الحديدي، قال مسؤولون من المحكمة الاتحادية العليا في أبو ظبي له ولعدد من أقارب المتهمين الآخرين إن السلطات لن تسمح لهم بعد الآن بحضور المحاكمة.
وقالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “يزيدمنع المراقبين المستقلين والأقارب من دخول المحكمة، من الشكوك التي تحوم حول أسباب إخفاء السلطات كل ما يُقال ويُفعل داخل قاعة المحكمة. وإذا كانت السلطات الإماراتية قادرة على تقديم أدلة مقبولة ذات مصداقية على أن المتهمين ارتكبوا جرائم؛ فلماذا تسعى إلى الحفاظ على سرية المحاكمة؟”
يتألف تحالف المنظمات الحقوقية من منظمة الكرامة، ومنظمة العفو الدولية، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، وهيومن رايتس ووتش، والفدرالية الدولية لحقوق الإنسان.
يواجه المتهمون الـ 94، ومنهم ثمانية يُحاكمون غيابياً، أحكامًا بالسجن لمدد قد تصل إلى 15 عاماً بسبب مزاعم تتعلق بانتهاك المادة 180 من قانون العقوبات التي تمنع إنشاء أو تنظيم أو إدارة منظمة تهدف إلى قلب نظام الحكم في الدولة. ومن بين المعتقلين محاميا حقوق الإنسان البارزان محمد الركن ومحمد المنصوري، وقضاة ومحامون وأساتذة وقيادات طلابية. ومن بينهم أيضًا القاضي محمد سعيد العبدولي والدكتور هادف العويس، وهو رجل قانون وأستاذ جامعي.
وينتمي العديد من المعتقلين إلى منظمة إماراتية تُسمى جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي، وهي حركة لاعنفية انخرطت في حوار سياسي سلمي في الإمارات منذ سنوات عدّة، وتطالب بالمزيد من الالتزام بالتعاليم الإسلامية. وقال ممثلون عن وسائل إعلام إماراتية محلية، ممن سمحت لهم السلطات بحضور المحاكمة، إن النيابة ادعت أن بحوزتها أدلة على تأسيس المتهمين لمنظمة موازية تُسمى دعوة الإصلاح، ولها أهداف وأيديولوجيا مختلفة.
كما قالت المنظمات الحقوقية إن الإمارات العربية المتحدة تفرض قيودًا على الحق في حرية تكوين الجمعيات بشكل يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان. وفي 2011،أغلقت السلطات الإماراتية جمعية الحقوقيين وجمعية المعلمين، وزعمت أن الجمعيتين انتهكتا المادة 16 من قانون الجمعيات للعام 2008 الذي يمنع المنظمات غير الحكومية والمنتمين إليها من التدخل “في السياسة أو المسائل التي تضر بأمن الدولة ونظامها الحاكم”.
وقالت المنظمات إنه يبدو أن اعتقال عبد الله الحديدي جاء كتصعيد من السلطات في محاولاتها لعرقلة أي متابعة خارجية مستقلة للمحاكمة. وفي 28 مارس/آذار وجهت السلطات تهمًا إلى الحديدي اعتمادًا على المادة 265 من قانون العقوبات بسبب نشر معطيات حول جلسة محاكمة علنية “بغير أمانة وبسوء نية”. كما استخدمت السلطات المرسوم الاتحادي للعام 2012 بشأن جرائم تقنية المعلومات، الذي تنص المادة 46 منه على أن استعمال الإنترنت أو تقنيات المعلومات الأخرى يُعتبر ظرفاً مشدداً عن ارتكاب أي جريمة لم ينص عليها القانون. ورفض قاضي المحكمة الابتدائية في أبو ظبي إطلاق سراح الحديدي بكفالة.
وقبل بدء المحاكمة في 4 مارس/آذار، منع مسؤولون أمنيون دخول أحمد نشمي الظفيري، مراقب دولي يعمل لصالح منظمة العفو الدولية، ونوومي غروتاز، الممثل عن مؤسسة الكرامة لحقوق الإنسان (ومقرها جنيف) في الإمارات العربية المتحدة. وبينما تمكن العديد من المراقبين الدوليين من دخول البلاد، إلا أن السلطات منعتهم من دخول المحكمة رغم أنهم التزموا بالإجراءات القانونية وقدموا الوثائق اللازمة.
ومن بين الانتهاكات الخطيرة لسلامة إجراءات ما قبل المحاكمة احتجاز ما لا يقل عن 64 متهمًا في أماكن غير معلومة ولفترات تجاوزت السنة قبل محاكمتهم. ولم يتمكن الكثير من المعتقلين من الحصول على مساعدة قانونية حتى أواخر فبراير/شباط. ولما تمكنوا من الالتقاء بمحاميهم، حضر معهم في نفس الغرفة وعلى مسافة قريبة ممثلٌ عن ادعاء أمن الدولة، وهو انتهاك لمتطلبات القانون الدولي في ما يتعلق بسرية المحادثات بين المحامين وموكليهم.
أشادت جمعية الإمارات لحقوق الإنسان، المقربة من السلطات الإماراتية، في بيان أصدرته وكالة الأنباء الرسمية في 8 مارس/آذار، بمجريات الجلسة الأولى، وقالت: “أتاح القاضي للمتهمين جميعًا الحق في التحدث والتعبير عن أنفسهم وتوكيل محامين الدفاع وتوضيح مطالبهم”. وأضاف البيان: “بدا المتهمون في حالة صحية جيدة ولا آثار تعذيب ظاهرة على أجسادهم”، رغم أن المنظمة قالت إن بعض المتهمين قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب عندما تم اعتقالهم، كما قال اثنان آخران إنهما تعرضا إلى الاختفاء القسري لمدة خمسة أشهر.
وقامت مجموعات من المنظمات الحقوقية المشاركة في التحالف بتوثيق مزاعم ذات مصداقية تتعلق بوقوع تعذيب في مراكز أمنية حكومية في الإمارات العربية المتحدة منذ عدة سنوات، وكذلك احتجاز أحد المعتقلين، وهو أحمد السويدي، بمعزل عن العالم الخارجي لفترة مطولة، وهو ما يرقى إلى الاختفاء القسري. وقال أشخاص حضروا جلسة 4 مارس/آذار إن أحمد السويدي، الذي تعد سلامته مثار قلق بالغ نظراً لتدهور حالته البدنية والنفسانية، قد أعلن براءته. ونقلوا عنه قوله: “أعلم أن ما سأقوله قد يكلفني حياتي، ولكني أنكر التهم، وأطالب المحكمة بحماية حياتي وحياة عائلتي”.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011، قال محام للحريات العامة من أصل أمريكي، بعد أن قام بمراقبة جلسات محاكمة خمسة معارضين سياسيين، ودرس جميع وثائق القضية، إنها “مليئة بالعيوب القانونية والإجرائية منذ البداية”، وخلص إلى وجود “عيوب صارخة في سلامة الإجراءات” منعت الأشخاص الخمسة من حقهم في محاكمة عادلة.
لم تسمح السلطات الإماراتية للمراقبين المستقلين بحضور المحاكمة، ولكن توجد أدلة على أن الإجراءات اتبعت نفس النمط. وقالت مصادر مطلعة إن المحامين والمتهمين لم يتمتعوا بوقت كاف لمساءلة الشهود، وأن القاضي تدخل، في مناسبة واحدة على الأقل، لمنع كاتب المحكمة من تسجيل شهادة في السجل الرسمي للمداولات يمكن أن تؤدي إلى التبرئة. كما قالت نفس المصادر إن القاضي رفض طلبًا تقدم به أحد المحامين للتحقيق في مزاعم متعلقة بتزوير توقيعات بعض المعتقلين على وثائق مقدمة من النيابة.
- توضيح التهم، وإسقاط التهم المتعلقة فقط بالتعبير عن الرأي بشكل سلمي أو الرأي السياسي أو حرية تكوين الجمعيات.
- السماح لعامة الناس، بما في ذلك أهالي المتهمين ووسائل الإعلام الدولية والمراقبين الدوليين، بحضور جلسات المحاكمة.
- توفير فحوصات طبية مستقلة صادرة عن الطب الشرعي للمتهمين الذين قالوا إنهم تعرضوا للتعذيب.
- استبعاد أية أدلة من المحاكمة كان قد تم الحصول عليها تحت وطأة التعذيب.
- ضمان إجراء تحقيقات سريعة ومستقلة وغير منحازة في مزاعم التعذيب وسوء المعاملة، والاختفاء القسري، والانتهاكات الخطيرة الأخرى لحقوق الإنسان، وتقديم مرتكبيها إلى العدالة في إجراءات تتناسب مع المعايير الدولية للمحاكمة العادلة.
- ضمان تمكين ضحايا التعذيب والاختفاء القسري والاعتقال التعسفي من التعويضات اللازمة.
الإمارات العربية المتحدة دولة طرف في الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي تنص المادة 13 منه على أن “تكون المحاكمة علنية إلا في حالات استثنائية تقتضيها مصلحة العدالة في مجتمع يحترم الحريات وحقوق الإنسان”.
وقالت آن هاريسون، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية: “وعدت الإمارات العربية المتحدة عندما تم انتخابها في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، بالحفاظ على أعلى المعايير لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، ولكن الطريقة التي تتعامل بها السلطات مع هذه المحاكمة تثير أسئلة مقلقة حول التزام الإمارات بإجراء محاكمات عادلة وباحترام المعايير الأخرى لحقوق الإنسان الأساسية”.