آيفكس تحاور أميرة عبد الحميد حول كيفية استخدام التشريعات لإغلاق المساحة المدنية في مصر.
كيف تصفين حالة حرية التعبير في مصر اليوم؟
حاولت الحكومات المصرية المتعاقبة، ونجحت في إغلاق الحيز العام الواقعي، حيث يتم التذرع على الفور بالأخطار التي تهدد الأمن القومي في الخطاب الرسمي وفي وسائل الإعلام المختلفة، خاصة فيما يتعلق بالاحتجاجات والجهود المبذولة لرفع الوعي حول مبادئ حقوق الإنسان.
لقد سهلت القوانين مثل قانون الاحتجاج لعام 2013 وحالة الطوارئ التي أعلنت في نيسان 2017 الإغلاق التام للحيز الضيق جداً الذي تُرِك للتحرك المباشر وحرية التعبير. وفي الآونة الأخيرة، واصلت الحكومة حملتها على حرية التعبير في المجال الافتراضي، حيث شهدت مصر زيادة في عدد الأفراد الملاحقين بسبب التعبير عن آرائهم عبر الإنترنت. هذا يعني أن مؤسسة حرية الفكر والتعبير قد كرّست المزيد من الاهتمام والموارد لرصد وتوثيق هذه الحالات، وتقديم الدعم القانوني للضحايا، ونشر تحليلات معمّقة حول الآثار المترتبة على هذه الحملة على الانترنت.
ما زال الناشطون الذين يستخدمون الإنترنت كوسيلة للتعبير عن آرائهم ضد النظام الحالي قيد الاحتجاز السابق للمحاكمة. والمدون وائل عباس هو أحد أبرز هؤلاء النشطاء [ملاحظة: تم الإفراج عن عباس بتاريخ 11 كانون الأول]، وكذلك الناشطة أمل فتحي، التي حكم عليها بالسجن لمدة عامين في شهر أيلول من هذا العام، بعد نشرها فيديو على حسابها على الفيسبوك ينتقد تقاعس الحكومة للتصدي لوباء التحرش الجنسي في مصر.
كان هناك جهد منظم من قبل الحكومة لإضفاء الشرعية على مثل هذه الانتهاكات الحقوقية. فقد صادق الرئيس السيسي على أربعة قوانين جديدة بهدف السيطرة على الإعلام والإنترنت. ومن الواضح أن ممارسات النظام الحالي لم تعد تقتصر على تقييد احتجاجات المعارضة، بل أنها تمنع أي معارضة على تعديل الدستور للسماح للسيسي بالبقاء في السلطة.
كيف يتم استخدام هذه القوانين لقمع حرية التعبير؟
يجري جعل الإنترنت، سواء قانونياً أو اجتماعياً، كتهديد للأمن القومي والنسيج الوطني للمجتمع المصري. يحاول المدافعون عن حقوق الإنسان والناشطون التصدي لهذه الممارسات والخطابات، سواء من خلال التقاضي المباشر بشأن عدم دستورية القوانين التي تم سنها مؤخراً، أو من خلال التحايل على التطبيق التقييدي لهذه القوانين.
نتوقع أن تؤثر هذه القوانين بشدة على حرية المعلومات والحقوق الرقمية على النحو التالي:
بموجب المادة 7 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، تتمتع سلطات التحقيق بسلطة طلب حجب المواقع. وقد تطلب الشرطة أيضاً حجب مواقع الكترونية من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات.
تلزم المادة 2 من نفس القانون شركات الاتصالات بحفظ وتخزين بيانات استخدام العملاء لمدة 180 يوماً. ويشمل ذلك البيانات القابلة لتحديد المستخدمين، والبيانات المتعلقة بمحتوى ونوع نظام المعلومات، وتلك المتعلقة بتدفق الاستخدام والأجهزة المستخدمة. ويعني ذلك أنه سيتمكن مقدمو الخدمات من معرفة ممارسات المستخدم، بما في ذلك المكالمات الهاتفية والرسائل النصية والمواقع الالكترونية التي تمت زيارتها والتطبيقات المستخدمة.
كما تطلب هذه المادة من مقدمي الخدمات الالتزام بإبقاء “البيانات الأخرى”، إذا تم تقديم طلب من قبل مجلس إدارة الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات. وهذا يعني أن مزودي خدمات الاتصالات ملزمون بحفظ البيانات الغير منصوص عليها في القانون. وتعطي نفس المادة هيئات الأمن القومي صلاحية الوصول إلى هذه البيانات، وتُلزِم مزودي الخدمة بتوفير التسهيلات التقنية لذلك. ويحدد القانون هيئات الأمن القومي لتشمل الرئاسة والقوات المسلحة ووزارة الداخلية والمخابرات العامة وهيئة الرقابة الإدارية.
كما تسمح المادة 24 من القانون بمراقبة الصفحات والحسابات الساخرة التي ورد وصفها في القانون على أنها “اصطناع المواقع والحسابات الخاصة والبريد الإلكترونى”. إذا ثبتت الإدانة بذلك، قد تصل العقوبة إلى السجن لمدة ثلاثة أشهر و / أو غرامة تتراوح بين 10,000 جنيه مصري (558 دولاراً أمريكياً) و 30,000 جنيه مصري (1,675 دولاراً أمريكياً)، حتى إذا لم يحدث “ضرر”. أما في حالة “الضرر”، تكون العقوبة بالسجن لمدة سنة واحدة على الأقل و / أو غرامة تتراوح بين 50,000 جنيه مصري (2792 دولاراً أمريكياً) و 200,000 جنيه مصري (11,168 دولاراً أمريكياً). وإذا قام المدعى عليه بتزوير رسالة إلكترونية أو موقع إلكتروني أو حساب خاص مصطنع لشخص اعتباري عام مثل الوزارات والوكالات والشركات الحكومية، تكون العقوبة السجن وغرامة تتراوح ما بين 100,000 جنيه مصري (5884 دولاراً أمريكياً) و 300,000 جنيه مصري (16,752 دولاراً أمريكياً)، حتى إذا كان هذا لا يؤدي إلى ضرر.
هل يتأثر غير المصريين بذلك؟
نعم. بتاريخ 31 أيار 2018، اعتقلت قوات الأمن المواطنة اللبنانية منى المذبوح قبل مغادرتها البلاد بسبب نشرها فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد التحرش الجنسي. واتهمت النيابة المذبوح بتوجيه الإساءة إلى الشعب المصري عن طريق نشر فيديو على صفحتها على الفيسبوك يحتوي على كلمات وعبارات يُعاقِب عليها القانون.
وبتاريخ 7 حزيران، حكمت محكمة جنح مصر الجديدة في البداية على المذبوح بالسجن لمدة 11 عاماً لنشرها فيديو “مبتذلاً” يقوم بازدراء وتشويه صورة الأديان، ولكنها على الفور خفضت الحكم إلى ثماني سنوات. ومن ثم خفضت محكمة الاستئناف في مصر الجديدة الحكم إلى عام واحد مع وقف التنفيذ، وغرامة قدرها 10,700 جنيه مصري بتاريخ 9 أيلول 2018.
ما مدى صعوبة الالتفاف على الحجب؟
نشرت جمعية حرية الفكر والتعبير مؤخراً تقريراً حول طرق تجاوز الحجب. وبدأت العديد من المواقع الإخبارية المحجوبة والتي تحتوي على محتوى اعلامي باستخدام منصات أخرى مثل الفيسبوك. واستخدمت بعض المواقع الإلكترونية روابط بديلة لمحتواها عبر مزوّد وكيل (بروكسي سيرفر). ويقوم آخرون بإعادة نشر المحتوى الخاص بهم على منصات مثل Medium. وسعت بعض المواقع الإلكترونية أيضاً إلى تغيير عناوين موقعها إلى اسم آخر غير محظور، ولكن في معظم الحالات، تم حظر الأسماء البديلة أيضاً.
وهناك طريقة أخرى باستخدام خدمة تسريع تحميل صفحات الإنترنت عند التصفح باستخدام الهواتف المحمولة AMP، حيث يظهر رابط بديل في بحث جوجل إذا كان الموقع محظوراً. وهذه هي الطريقة التي تستخدمها بعض المواقع المحجوبة في مصر، حيث تم استخدام الروابط التي تنتجها AMP وتم نشرها على الشبكات الاجتماعية للوصول إلى الجمهور، دون الحاجة إلى الخبرة الفنية لذلك.
للأسف، لجأت الحكومة المصرية إلى حظر AMP بتاريخ 3 شباط 2018. ونتيجة لذلك، علقت جوجل الخدمة في مصر. كما واصلت الحكومة حجب مواقع VPN والمزودات الوكيلة، بالإضافة إلى خدمات شبكة تور TOR.
ماذا عن المستقبل؟ هل نجحت الحكومة في إغلاق المساحة المدنية في السنوات القادمة؟
في حين أن القوانين التي تحدثنا عنها أعلاه لها تأثير عميق على الطريقة التي نعبر بها عن أنفسنا وعلى تشكيل هوياتنا في مصر، وفي حين أن القوانين والممارسات والخطابات المعادية للثورة قد أخذت زمام المبادرة في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك منصات جديدة تنفتح لحرية التعبير.
بالنسبة لي، لقد أنشأت ثورة عام 2011 المساحة داخلياً أكثر من الظاهر، للتقييم النقدي والاستفسار عن أي شيء يُعتبر أمراً مفروغاً منه. صحيح أن اعتبار أعمال سياسية معينة وأنواع معينة من التعبير كفساد أو عمل غير مصري – و”تهديد للأمن القومي” – أدى إلى قمع واسع النطاق. ولكن مع ذلك، فإن مصر مكان متنوع، ومن الصعب حقاً اجبار المواطنين على التجانس.
إن الطرق الخفية التي يستخدمها الناس لمقاومة قوة الدولة هي أكثر أهمية من الطرق الثورية الكبرى والمواجهة المباشرة مع قوات الأمن. في مصر، وبالتأكيد في كل مكان آخر، نقوم بتغيير الإنترنت، تماماً كما يغيرنا. وتتحول المنصات الافتراضية القديرة إلى محاور إبداعية. مبدعة في كيفية قول “لا!” بطريقة غير مباشرة وغير تقليدية.
شهدنا خلال السنوات الماضية تدفقاً من المناقشات المثيرة للاهتمام التي تطوّرت على الانترنت واجتاحت البيوت والشوارع والمقاهي، بل وحتى تترجمت في بعض الأحيان إلى عمل مباشر. إن جميع أنواع النقاشات التي تبرز بين أفراد العائلة والأصدقاء والزملاء، تنتقد منطق الدولة والأمن. حيث توافق بعض الأصوات ولا توافق أصوات أخرى، ولكن النقاش مستمر، وبغض النظر عن عدد قوانين الجرائم الإلكترونية أو الاختفاء القسري، تستمر المحادثات.
لكن المحادثات ليست القصة الكاملة. فالناس يفعلون أكثر بكثير مما يتم حجبه عن طريق هيمنة خطاب الدولة الرسمي. ففي كل يوم، يقوم الأفراد والجماعات بتشكيل مجتمعاتهم وثقافاتهم الخاصة، وكانت حركة حقوق الإنسان أساسية في حماية ولو حتى إحساس صغير بالأمن والدعم. والمصريون في الخارج، الذين قد يلفتون انتباهاً أقل، والذين هم بالتأكيد يتعرضون لمخاطر أقل بكثير من الذين في الداخل، يقومون بصياغة تحالفات جديدة تتحدث عن الرغبة العارمة في تغيير الوضع الراهن في مصر.