الحكم الصادر غيابيًا أمس من محكمة جنايات القاهرة ضد كل من علاء عبد الفتاح وأحمد عبد الرحمن ووائل متولي و22 آخرين، انتهاكًا صارخًا جديدًا للحقوق الأساسية في المحاكمة العادلة والمنصفة.
تؤكد المنظمات الموقعة أدناه على اعتبارها الحكم الصادر غيابيًا أمس من محكمة جنايات القاهرة ضد كل من علاء عبد الفتاح وأحمد عبد الرحمن ووائل متولي و22 آخرين، انتهاكًا صارخًا جديدًا للحقوق الأساسية في المحاكمة العادلة والمنصفة، مما يزيد من تردي حالة حقوق الإنسان في مصر.
كما تدين المنظمات تلك المحاكمة المشينة والتي لا ترقى بأي حال إلى الحدود الدنيا من المعايير الأساسية للمحاكمات العادلة، ونؤكد أن المحكوم عليهم لم يرتكبوا أية جرائم؛ حيث أنهم مارسوا حقهم الأصيل، والذي نص عليه دستور 2014، في التعبير عن الرأي والتجمع السلمي، وكان يجب من البداية ألا يتم توجيه أي اتهامات لهم، ولا أن يقضوا يومًا واحدًا في الحبس.
كذا فإن المنظمات الموقعة ترفض كافة أشكال القمع الممنهج للأصوات المعارضة، والتي تنتقد السجل الحافل للحكومة في انتهاكات حقوق الإنسان، ويبدو أن ما حدث في محاكمة أمس –والتي استهدفت بعض الأصوات الناقدة لأداء الحكومة– ما هي إلا محاولة لترهيب الآخرين بأنه لا مجال للتسامح مع نقد السلطات.
كان علاء عبد الفتاح وأحمد عبد الرحمن ووائل متولي و22 آخرين قد تم إدانتهم لانتهاكهم قانون التظاهر، ووجهت إليهم تهم التجمع غير القانوني، والتعدي على موظفين عموميين أثناء تأدية وظيفتهم، وحُكم على كل منهم بالسجن 15 عامًا، ودفع 100 ألف جنيه غرامة وخمسة أعوام أخرى تحت مراقبة الشرطة عقب إطلاق سراحهم. وبالرغم من حضور المحامين لقاعة المحكمة منذ الساعة 9:30 صباحًا، وتوافد المتهمون إلى المحكمة تباعًا، إلا أن المحكمة أصدرت حكمها غيابيًا! حيث كان المحامون والمتهمون في انتظار بدء الجلسة. ولكن اكتشف المحامون حوالي الساعة 9:45 صباحًا –بمحض الصدفة– من أمن المحكمة أن الحكم قد صدر بالفعل، دون عقد جلسة. وعقب ربع ساعة تم إلقاء القبض على كل من علاء عبد الفتاح وأحمد عبد الرحمن ووائل متولي خارج المحكمة.
الجدير بالذكر أن الجلسة السابقة للمحاكمة –والتي عقدت في 25 مايو– قد تم تأجيلها نظرًا لشعور القاضي بالمرض. وقد أصدرت المحكمة حكم أمس في جلسة تمثل انتهاكًا جديدًا وصارخًا للحق في المحاكمة العادلة وإخلالًا بحق الدفاع؛ فلم يحصل الدفاع على فرصته في استدعاء الشهود أو استجواب شهود الإثبات أو فحص الأدلة من شرائط الفيديو أو حتى الترافع في القضية، كما استندت النيابة العامة في هذه القضية على تحريات الشرطة وشهودها فقط –من بين الشهود خمسة أو ستة ضباط شرطة ممن شاركوا في إجراء القبض على المتهمين!
كما يعتزم الدفاع تقديم طلب بـــــ”إعادة إجراءات المحاكمة” بغرض حصول المتهمين على حقهم في محاكمة عادلة ومنصفة، ولكن طوال هذا الوقت سوف يظل كل من علاء عبد الفتاح ووائل متولي بالسجن. ومن الجدير بالذكر أنه عقب انتهاء مرحلة التحقيقات ظل المتهمان نفسيهما قيد الحبس الاحتياطي لما يزيد على 100 يوم في انتظار قرار إحالتهما إلى محكمة الجنايات، وتعتبر المنظمات الموقعة هذا التأخير تعسفًا في استخدام القانون؛ بهدف إطالة مدة حبسهما، كما تشعر المنظمات بالقلق البالغ إزاء هذا “التلاعب بالقانون” الذي استُغل لإبقائهما في الحبس لفترة طويلة، وتخشى أن يتكرر الأمر ذاته معهما الآن.
تعرب المنظمات الحقوقية الموقعة أدناه عن بالغ قلقها إزاء استمرار غياب المحاكمات الحرة والعادلة وإقحام القضاء في الصراع السياسي. وتؤكد على أنه لا يمكن النظر إلى الحكم الصادر أمس بمعزل عن المحاكمات التي أجريت في مصر على مدار السنوات القليلة الماضية، التي لم يتوافر في أغلبها الحد الأدنى من ضمانات المحاكمة العادلة. ولعل محاكمة المنيا المعروفة شاهدًا على ذلك. وتعتبر المنظمات حكم أمس كاشفًا لتجذر مشكلة استقلال القضاء في مصر ، حيث أصبحت تلك الأحكام والإجراءات المعيبة عنوانًا لتلك الفترة.
كانت الشرطة قد ألقت القبض على المتهمين في 26 نوفمبر 2013 –عدا علاء عبد الفتاح الذي قبض عليه لاحقًا من منزله– وذلك عقب قيامها بتفريق وقفة احتجاجية سلمية بالقوة من أمام مجلس الشورى في القاهرة؛ اعتراضًا على عزم اللجنة التأسيسية بتعديل الدستور “لجنة الخمسين” بدسترة المحاكمات العسكرية للمدنيين. جاء ذلك في أعقاب إصدار الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور للقانون رقم 107 لسنة 2013 بشأن التظاهرات والتجمعات السلمية والتي وصفته المنظمات الحقوقية بأنه قانون قمعي، وهو القانون الذي يطلق للداخلية العنان في استخدام القوة المفرطة لتفريق المظاهرات السلمية، كما يحظر المظاهرات دون تصريح مسبق منها. وفرقت قوات الشرطة المظاهرات السلمية باستخدام القوة المفرطة وقامت بضرب المتظاهرات والمتظاهرين واعتقالهم –بما فيهم النساء اللاتي ضُربن وسُحلن بل وتعرضن لانتهاكات جنسية في بعض الحالات. وعلى الرغم من إطلاق سراح بعض النساء والصحفيين والمحامين دون توجيه أية تهم إليهم في وقتها، إلا أن النيابة وجهت تهمًا إلى 24 منهم لاحقًا، ثم أضيف علاء عبد الفتاح إلى القضية عقب إصدار النائب العام أمرًا بالقبض عليه. وعلى الرغم من إعلان علاء عبد الفتاح عن نيته تسليم نفسه إلى النيابة، إلا أن قوات الشرطة قامت باقتحام منزله مساء 28 نوفمبر، وضربته وزوجته، وألقت القبض عليه. وظل علاء عبد الفتاح وأحمد عبد الرحمن في السجن منذ ذلك الحين حتى أفرج عنهم بكفالة في 23 مارس.
ومنذ إصدار قانون التظاهر في شهر نوفمبر 2013، قامت السلطات باستخدامه كأداة للبطش بالمعارضين السياسيين، على السواء، بما في ذلك أعضاء من جماعة الإخوان المسلمين ومؤيديهم وكذا العديد من النشطاء البارزين والمدافعين عن حقوق الإنسان المعروفين بمعارضتهم للإخوان المسلمين. وقد ألقت الشرطة القبض على الآلاف بدعوى خرق هذا القانون، وقامت جهات التحقيق بتوجيه اتهامات –بعد إجراء تحقيقات صورية– بخرقه إلى العديد من هؤلاء. ومن بين الذين يقضون أحكامًا لانتهاكهم قانون التظاهر القمعي المدافعة عن حقوق الإنسان ماهينور المصري وسبعة آخرين والذين صدر ضدهم حكم في 20 مايو بالحبس لمدة عامين وغرامة مالية 50 ألف جنيه للتظاهر دون تصريح في الإسكندرية. وأيدت محكمة جنح مستأنف سيدي جابر الحكم في 2 يناير 2014. الجدير بالذكر أن مؤسس حركة 6 إبريل أحمد ماهر ومتحدثها الرسمي محمد عادل والناشط السياسي أحمد دومة يقضون حاليًا أحكامًا بالسجن مدتها 3 سنوات لانتهاك القانون نفسه عقب إدانتهم في شهر ديسمبر 2013.
والحكم الصادر اليوم ما هو إلا مثال آخر على التجاهل المتواصل للحكومة للضمانات الدستورية بحماية حرية التجمع والحق في محاكمة عادلة، وكذلك التزامات مصر الدولية بوصفها دولة مصدقة على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.