المنظمات المستقلة في مصر تواجه حملة قمعية وشيكة. هددت الحكومة بفرض قانون الجمعيات الصارم الذي أصبح القانون منذ 12 عاما، ولكنه نادرا ما يطبق.
(لندن) ـ قالت 45 منظمة حقوقية دولية ووطنية من أنحاء العالم اليوم في بيان مشترك إن المنظمات المستقلة في مصر تواجه حملة قمعية وشيكة.
قامت وزارة التضامن الاجتماعي المصرية بنشر إعلان في صحيفة “الأهرام” الحكومية البارزة يوم 18 يوليو/تموز 2014، يمهل جميع المنظمات غير الحكومية المصرية والدولية حتى 2 سبتمبر/أيلول للتسجيل بموجب القانون 84/2002، وهو إجراء تقييدي تم تمريره في عهد مبارك. ويعمل هذا القانون على إطلاق يد الحكومة تقريباً في إغلاق أية منظمة أو تجميد أصولها أو مصادرة ممتلكاتها، أو رفض المرشحين لمجلس إدارتها، أو وقف تمويلها، أو رفض طلباتها بالانتساب إلى المنظمات الدولية. كما لا يشير القانون إلى أي حق للمنظمات غير الحكومية في استئناف تلك القرارات.
قالت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “إن قيام حكومة السيسي بمطالبة كافة المنظمات بالتسجيل بموجب قانون 2002 سيء السمعة ليس سوى أمر موجه إليها بالتنازل عن استقلالها، حيث لا يوجد سبيل لتسجيل منظمة بموجب القانون 84 والاستمرار في اعتبارها ‘مستقلة’ عن الحكومة”.
ينص القانون على عقوبات جنائية تصل إلى السجن لمدة عام واحد لممارسة المنظمات المستقلة لأنشطة غير مصرح بها. وقد اعتادت السلطات في عهد حسني مبارك التضييق على النشطاء وإغلاق المنظمات المستقلة تعسفاً.
قالت حسيبة الحاج صحراوي، نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية (آمنستي): “تستغل السلطات المصرية القانون لتنسيق حملة قمعية ضد المنظمات غير الحكومية ووضعها تحت رقابتها. على الحكومة أن تسحب اشتراط التسجيل الإجباري للمنظمات غير الحكومية بموجب القانون الحالي، الذي يخالف المعايير الدولية لحقوق الإنسان”.
وقد سعت المنظمات المصرية لإلغاء القانون 84/2002 منذ صدوره، وقامت الحكومات المتعاقبة منذ ذلك الحين باقتراح العديد من مشروعات القوانين المتعلقة بالجمعيات المستقلة، ولكن لم يتم العمل بأي منها. وقد اختارت بعض المنظمات التسجيل كمكاتب محاماة أو كشركات لا تهدف للربح وليس كجمعيات بموجب هذا القانون.
قال جيرالد ستابيروك، الأمين العام للمنظمة العالمية لمناهضة التعذيب: “لا يمكننا أن نجد أي مبرر لإحياء تشريع من عهد مبارك يفرض عملية إعادة التسجيل التي من شأنها فعلياً إغلاق أو تجريم المنظمات الحقوقية التي تنتقد الحكومة. إن احترام حقوق الإنسان وليس إغلاق المنظمات غير الحكومية هو المطلوب للتغلب على الأزمة الحالية”.
قالت المنظمات غير الحكومية المصرية مراراً إنها لا تعترض ـ بل هي بالأحرى تشجع ـ صدور قانون جديد للجمعيات من شأنه توفير إشراف مستقل وشفافية في التمويل والعمل. وقد قدمت العديد من المقترحات، ومنها مشروع قانون بديل تقول إنه يتوافق مع المعايير الدولية والممارسات الفضلى. تفاوضت المنظمات مع وزارة التضامن الاجتماعي لمدة زادت على ستة أشهر لصياغة قانون جديد، بدعوة من وزير التضامن الاجتماعي الأسبق أحمد البرعي. وقام البرعي بتقديم مسودة إجماعية لمجلس الوزراء في فبراير/شباط بغية تقديمها إلى البرلمان الجديد بعد انتخابه. لكن الحكومة تجاهلت تلك المسودة وكافة المقترحات السابقة.
وبدلاً من هذا كشفت الحكومة عن مشروع قانون جديد للجمعيات يسمح للسلطات بإغلاق أية جمعية من الجمعيات المستقلة المصرية البالغ عددها 40 ألفاً، في انتظار حكم قضائي، أو رفض الترخيص للجمعيات الجديدة على أسس غامضة من قبيل المساس بـ”الوحدة الوطنية”. ويتضمن مشروع القانون إنشاء لجنة تنسيقية مكونة من مسؤولين حكوميين وبينهم ممثلون لوزارة الداخلية وجهاز المخابرات العامة، تتحكم في كل ما يتعلق بتسجيل المنظمات غير الحكومية الأجنبية العاملة في مصر، وبأنشطتها وتمويلها، علاوة على أي تمويل أجنبي تتلقاه المنظمات غير الحكومية المصرية. كما يفرض القانون عقوبات أقسى مما يرد في القانون الحالي، قانون 84/2002، تشمل السجن لمدد تصل إلى 3 سنوات، وغرامات لا تقل عن 14 ألف دولار أمريكي لأنشطة تشمل العمل دون ترخيص، وجمع التبرعات دون إذن، أو التعاون مع منظمة دولية دون إذن من اللجنة الحكومية.
قال دافيد تولبرت، رئيس المركز الدولي للعدالة الانتقالية: “هناك ضرورة لإصلاح الإطار القانوني برمته بحيث يتيح للمجتمع المدني أن يعمل في استقلال عن الحكومة، وهو الغرض من وجود المجتمع المدني. أما إنفاذ القانون القائم الموروث من عهد مبارك، أو العمل بمشروع قانون أشد قمعية، فمن شأنه إغلاق ما بقي من المجتمع المدني العام المستقل في مصر”.
وحتى تمرير هذا القانون الجديد الأشد تقييداً، أعلنت الحكومة أنها ستنفذ القانون القمعي الحالي، وطالبت الجمعيات، حتى تلك المسجلة قانوناُ كمكاتب محاماة أو شركات لا تهدف للربح، بالتسجيل كجمعيات بموجب القانون 84/2002. وقد قامت المنظمات الحقوقية المصرية التي وثقت انتهاكات حقوق الإنسان في عهود مبارك والمجلس الأعلى للقوات المسلحة ومرسي والسيسي، قامت بإبلاغ شركائها الدوليين بأنها ستغلق أبوابها تماماً بدلاً من التسجيل بموجب قانون 84/2002 القمعي.
قال كريم لاهيجي، رئيس الفدرالية الدولية لحقوق الإنسان: “يعمل القانون الحالي ومشروع القانون المزمع على تجريد المنظمات غير الحكومية من أي معنى، وعلى حرمان مصر من طاقات خلاقة، عن طريق إغلاق القنوات الشرعية القليلة الباقية للعمل العام. ولم يحدث قط أن بلغت الحكومة المدى الذي تهدد هذه الحملة القمعية بالذهاب إليه، حتى أثناء عقود مبارك الثلاثة من انغلاق المجال العام وركوده”.
وتتناقض أحكام قانون 2002 وبنود مشروع القانون الجديد بالكلية مع التعهدات الدولية التي قطعتها مصر على نفسها، وما قبلته من توصيات في الاستعراض الدوري الشامل الأول أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2010. وكانت الحكومة في ذلك الوقت قد تعهدت بمراجعة قانون 2002 لتقليل التدخل الحكومي ومنح المنظمات استقلالية أكبر.
كما قبلت الحكومة توصيات بكفالة حرية تكوين الجمعيات، وإقرار إجراءات بسيطة وسريعة وغير تمييزية لتأسيس الجمعيات، ووضع حد لتعسف السلطة الإدارية في تأسيس الجمعيات والسيطرة عليها، والعمل على توافق قانون الجمعيات المصري مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. وقد تقرر أن يتم الاستعراض الدوري الشامل المقبل لمصر في أكتوبر/تشرين الأول.
قال ميشيل طوبيانا، رئيس الشبكة الأوروـمتوسطية لحقوق الإنسان: “إننا نواجه اليوم احتمالاً واقعياً يتمثل في قيام السلطات، خلال أيام، بإغلاق ما تبقى من المجتمع المدني المستقل في مصر، الذي لطالما كان ضمن الأكثر حيوية في المنطقة. ولا ينبغي لهذا أن يدق أجراس الإنذار في مصر فحسب، بل ووسط جميع المعنيين بمستقبل المجتمع المدني وحقوق الإنسان في أنحاء العالم”.