الحكومة المصرية تقمع حق منظمات المجتمع المدني بالقيام بأنشطتهم بحرية من خلال تقديم قانون يتطلب موافقة الحكومة على التمويل الأجنبي لجميع المنظمات المحلية غير الحكومية.
(مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان/ايفكس) – تعرب المنظمات الحقوقية الموقعة عن استنكارها البالغ للتوجهات التسلطية التي ينتهجها حزب الرئيس محمد مرسي “الحرية والعدالة” وحكومة الرئيس، ومن عدم احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة فيما يتعلق بحرية التنظيم والحق في تكوين الجمعيات.
ففي الوقت الذي تتسلط فيه الحكومة وتقمع حق الجمعيات الأهلية في ممارسة أنشطتها بحرية، عن طريق التعسف في التضييق على موارد الجمعيات المالية، وتدخل الأمن في عملها والذي أظهره التنبيه –الذي يفتقد أي سند قانوني- الموجه من رئيس مجلس الوزراء “للكيانات المحلية”، بعدم الدخول مع ما أسماه “جهات أجنبية” في أي أنشطة إلا بعد أخذ موافقة الأجهزة الأمنية. يتجه حزب الرئيس وحكومته لإصدار قانون جديد يستهدف تأميم المجتمع المدني وتوجيه ضربة قاصمة لمنظمات حقوق الإنسان -من خلال مشروعين لقانون الجمعيات متماثلين في الفلسفة والتوجه، وبينهما اختلاف في اللغة والتفاصيل- وهو الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف لتأمين ماكينة القمع والتعذيب القديمة/الجديدة من النقد والمراقبة، وتسهيل مهمة قمع حرية التعبير والصحافة، والقضاء على الحماية النسبية التي توفرها المنظمات الحقوقية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان.
يتبنى مشروع القانون المُقدم من “حزب الحرية والعدالة” نفس نهج المشروع القمعي المُقدم من وزارة الشئون الاجتماعية، الذي يستهدف تأميم المجتمع المدني، حيث يعتبر أموال الجمعيات والكيانات الأهلية في حكم الأموال العامة، وموظفيها في حكم الموظفين العموميين، الأمر الذي يجعلها أشبه بمنشأة حكومية. ويسري ذلك أيضًا على الأموال التي تتحصل عليها المنظمات الأجنبية من داخل البلاد، كما يمنح مشروع القانون الأجهزة الأمنية -من خلال وزير الشئون الاجتماعية- حق الفيتو على أنشطة الجمعيات الأهلية من خلال حق البت في تمويل هذه الأنشطة، ويمنح مشروع قانون حزب الحرية والعدالة للوزير حق الرفض دون إبداء أسباب. كذلك أبقى مشروع القانون على العقوبات السالبة للحرية في حالة مخالفة أحكامه. كما اشترط أن تكون أنشطة المنظمة الأجنبية متفقة مع ما أسماه بـ “احتياجات” المجتمع المصري. أي أنه يعطي للجنة التنسيقية (الأمنية) سلطة تعسفية لرفض أنشطة مدنية بناءً على أسباب فضفاضة غير محددة.
إن القانون الجديد المقترح للجمعيات الأهلية –بصياغة حكومة د.مرسي أو بصياغة حزبه- هو بمثابة إعادة إنتاج لقانون الجمعيات الذي كان مبارك يعتزم إصداره في الشهور الأخيرة قبل الثورة.
كما يتبنى خطاب حزب الرئيس وحكومته ذات الحجج والمزاعم التي دأب نظام مبارك على الترويج الإعلامي لها؛ كذريعة للتمهيد لحملات القمع، أو لتمرير قانون أكثر قمعية. يتضح ذلك بجلاء في تصريحات للمستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة؛ إذ قال في معرض الدفاع عن مشروع قانون تأميم المجتمع المدني: “يعني أروح أجيب من إسرائيل.. من اليهود.. من عند الصهاينة علشان نخرب مصر”. واعتبر القيادي البارز في حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين أن “القيود على التمويل الأجنبي مطلوبة لمنع أعداء مصر من حياكة مؤامرات ضد البلاد ولمنع غسل الأموال”. وهي اتهامات منقولة بالنص من قاموس نظام مبارك القمعي، تُستخدم للتغطية على الهدف الرئيسي وهو رغبة النظام الحاكم –السابق أو الحالي- في انتهاك حقوق الإنسان دون رقيب. يستلفت النظر أيضًا في هذا التصريح سموم الكراهية الدينية التي يبثها تصريح القيادي الحزبي ضد أتباع دين معين، لمجرد إيمانهم بهذا الدين، سواءً كانوا مصريين أو غير مصريين.
عندما كانت جماعة الإخوان المسلمين في المعارضة قبل الثورة لم تكن تسأل عن مصادر تمويل منظمات حقوق الإنسان، التي كانت تعمل ليل نهار للدفاع عن الحقوق الإنسانية لأعضاء وقيادات الجماعة، بما في ذلك حقهم في المحاكمة العادلة وعدم محاكمتهم أمام المحاكم العسكرية. ولكن عندما انتقلت جماعة الإخوان المسلمين للحكم أضافت للدستور للمرة الأولى في تاريخ مصر نصا “يدستر” محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وتسعى الجماعة الآن لوقف نشاط ومصادر تمويل منظمات حقوق الإنسان، لأن الجماعة لم تعد ضحية، بل الشعب هو الذي صار ضحية سياساتها وتوجهاتها القمعية.
قامت المنظمات الحقوقية لسنوات طويلة بالدفاع عن الحق في التنظيم –بما في ذلك حرية تكوين الأحزاب السياسية والنقابات المستقلة والمنظمات غير الحكومية– وتوفير الحماية للمدافعين عن حقوق الإنسان، بما في ذلك طرح بدائل للقوانين القمعية للجمعيات الأهلية المتعاقبة، وقدمت مشروع قانون يتوافق مع المعايير الدولية، إلا أن حكومة الدكتور مرسي التي تتجه إلى استبدال قانون قمعي للجمعيات الأهلية ببديل أخر أكثر قمعًا وتسلطًا، قطعت المشاورات التي كان يشارك فيها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بدعوة من وزارة العدل بعد اجتماعين فقط، وقبيل انعقاد الاجتماع الثالث نقلت مشروع القانون إلى مجلس الشورى للاعتماد بشكل عاجل. إنه دليل جديد على مدى استهتار حكومة د.مرسي بالحوار المجتمعي والتعامل معه باعتباره مجرد ديكور للبصم على قرارات بقوانين تم “طبخها” مسبقًا.
إن المنظمات الموقعة على هذا البيان تطالب رئيس الجمهورية بسحب مشروع قانون الحكومة لتأميم المجتمع المدني من مجلس الشورى، وتدعو حزب الرئيس “الحرية والعدالة” للقيام بقطيعة فورية مع الفلسفة القمعية للنظام السابق، التي ينتهجها في دستوره وسياساته وممارساته وتشريعاته المتوالية.