استخدام قوانين الإرهاب ضد المعارضين السلميين أمرٌ يبعث على القلق
(منظمة هيمان رايتس ووتش/ آيفكس) – سبتمبر 14, 2012 – (بيروت) ـ قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن قيام قوات الأمن الأردنية باعتقال ما يزيد على 12 من الناشطين السلميين المنادين بالإصلاح منذ 7 سبتمبر/أيلول 2012 هو مؤشر على تشدد موقف الحكومة من نداءات الإصلاح السياسي في المملكة. قالت هيومن رايتس ووتش إن السلطات مطالبة بالإفراج الفوري عمن اعتقلوا لا لشيء إلا لممارسة حقوقهم في التعبير عن الرأي، وتكوين الجمعيات، والتجمع السلمي.
قامت الأجهزة الأمنية باعتقال عدد من النشطاء في أنحاء مختلفة من البلاد للاعتراض السلمي أو المناداة بالإصلاح، في ما بدا وكأنه تحرك متزامن من طرف قوات الأمن والسلطات القضائية ضد جماعات المعارضة. يشمل المعتقلون ثمانية نشطاء من بلدة الطفيلة الجنوبية، واثنين من الكرك وسبعة من عمان. تم اتهام الجميع بموجب أحكام قانون الإرهاب التي تضعهم تحت اختصاص محكمة أمن الدولة التي يهيمن عليها العسكريون، كما قال ثلاثة محامون عن النشطاء لـ هيومن رايتس ووتش. ما زال الجميع قيد الاحتجاز.
قال كريستوف ويلكي، باحث أول بقسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “تبين هذه الاعتقالات ضحالة الوعود بالحريات السياسية في الأردن؛ فاستخدام القوانين المضادة للإرهاب لملاحقة النشطاء السلميين هو مما يبعث على القلق العميق”.
قال المشاركون في الاحتجاجات المعنية ممن أجرت معهم هيومن رايتس ووتش المقابلات إن التظاهرات كانت سلمية، ولم تتهم الحكومة النشطاء المقصودين بارتكاب أعمال عنف.
عقب صلاة الجمعة يوم 7 سبتمبر/أيلول، تظاهر عدد من نشطاء الجماعة المعارضة “الحراك الشبابي والشعبي في الطفيلة” في محافظة الطفيلة الجنوبية، رافعين لافتات تقول “لن ندفع فواتير عهركم”، و”يسقط حكم الأزعر”.
قامت قوات الأمن في التظاهرة باعتقال محمد المعابرة، الذي كان يحمل إحدى اللافتات، كما قال متظاهر آخر لـ هيومن رايتس ووتش.
في المساء أقامت المجموعة مظاهرة أخرى بدون لافتات تطالب بالإفراج عن المعابرة. اعتقلت قوات الأمن بعض المشاركين “عشوائياً”، كما قال أحدهم لـ هيومن رايتس ووتش. تم اعتقال خالد الحراسيس وحسين الشبيلات وأحمد الجرايشة وزيد الحجاج وعبد المهدي العواجين من المظاهرة. وفي نفس الليلة اعتقلت قوات الأمن الدكتور بسام العمايرة، أحد المشاركين الآخرين، من منزله. قام المدعي العسكري في محكمة أمن الدولة التي يهيمن عليها العسكريون باتهامهم بـ”التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي في المملكة” بموجب المادة 149 من قانون العقوبات.
في 11 سبتمبر/أيلول قام إبراهيم أبو عايشة، أحد نشطاء الطفيلة، بتقديم نفسه للشرطة إثر علمه بأنه مطلوب بدوره للمشاركة في تظاهرتين، فتم اعتقاله على حد قول اثنين من محاميي النشطاء لـ هيومن رايتس ووتش، وقال أحد نشطاء الحراك في الطفيلة إن الادعاء المدني اتهمه بموجب نفس المادة. قال طاهر الناصر، المحامي عن نشطاء الطفيلة الآخرين، إنه لم يتم تحويله بعد إلى الادعاء العسكري التابع لمحكمة أمن الدولة.
في 7 سبتمبر/أيلول أيضاً داهمت قوات الأمن مقهى بدوار المدينة الرياضية في عمان واعتقلت اثنين من نشطاء المعارضة هما معين الحراسيس ومحمد الرعود، من “الحراك الشبابي والشعبي بحي الطفايلة” في عمان، لتزعم المطالبة بالتظاهر ضد الفساد في العاصمة في الأسبوع التالي، تحت عنوان تظاهرة الرفض، كما قال اثنان من النشطاء لـ هيومن رايتس ووتش. اعتاد نشطاء الأردن إطلاق الأسماء على الاحتجاجات الأسبوعية، مثل تظاهرة مناهضة الفساد، أو تظاهرة استقلال القضاء.
اعتقلت قوات الأمن في ذلك اليوم ومن نفس المنطقة ناشطاً ثالثاً من حراك حي الطفايلة هو هشام السراحين، بينما كان عائداً إلى بيته سيراً على الأقدام، كما قال اثنان من الناشطين لـ هيومن رايتس ووتش كلُّ على انفراد. تم اتهام الثلاثة بـ”التحريض على مناهضة نظام الحكم السياسي في المملكة” وأحيلت قضاياهم من الادعاء العام إلى العسكري التابع لمحكمة أمن الدولة يوم 12 سبتمبر/أيلول.
ومن جانبها، فإن لين الخياط، إحدى محاميات النشطاء، شرحت لـ هيومن رايتس ووتش أن الادعاء العام يمكنه أن ينظر القضية في البداية ويوجه الاتهام للمتهم، ثم يقرر لاحقاً أن الموضوع الجنائي يقع خارج اختصاصه فيحيل القضية إلى محكمة أمن الدولة. أجمع المحامون الثلاثة لنشطاء الطفيلة وحي الطفايلة، وهم الخياط والناصر ومحمد الحراسيس، أجمعوا على وصف هذا الأسلوب بأنه تكتيك تسويفي من الحكومة لإطالة أمد الاحتجاز قبل المحاكمة.
بموجب تعديلات دستورية تم إدخالها في أثناء تكليف الملك عبد الله الثاني للحكومة بإجراء إصلاحات سياسية في أكتوبر/تشرين الأول 2011، تم قصر اختصاص محكمة أمن الدولة التي يهيمن عليها العسكريون، بالنسبة للمدنيين، على جرائم الإرهاب والمخدرات. ورغم أن المعتقلين لم يتم اتهام واحد منهم بارتكاب العنف، وهو ما يشترطه تعريف الإرهاب الوارد في المادة 147 من قانون العقوبات، إلا أن الادعاء صنف أفعالهم على ما يبدو تحت عنوان الإرهاب.
في 11 سبتمبر/ايلول، تحفظت الشرطة في عمان على عبد الله محادين حينما حاول استعادة سيارته، التي كانت الشرطة قد صادرتها في اليوم السابق. محادين ناشط معروف من الحراك الشبابي والشعبي بعمان، وهي جماعة إصلاحية كانت تنادي بإنهاء الفساد والانتخابات النزيهة، ضمن قضايا أخرى. يواجه محادين تهمة “تقويض نظام الحكم السياسي” نتيجة مشاركته في تظاهرات سلمية في عمان في 7 و8 و9 سبتمبر/أيلول، علاوة على تهمة حمل وإشهار السلاح، كما قالت الخياط وأحد نشطاء الحركات الإصلاحية لـ هيومن رايتس ووتش. نقل موقع إلكتروني إخباري أردني، هو “خبرني”، نقل عن مصادر أمنية قولهم بأنهم وجدوا عصا كهربية، ومبضعاً، ومنشورات وكتيبات في سيارة محادين. قال الناشط، الذي كان حاضراً عند مصادرة السيارة، لـ هيومن رايتس ووتش إن العصا مصنوعة من الخشب وكانت ترقد مهملة في السيارة.
اعتقلت قوات الأمن أيضاً شخصين من الحراك الشبابي والشعبي في الكرك، هما ابراهيم الضمور ورؤوف الحباشنة، في أثناء الأسبوع الذي أعقب 7 سبتمبر/أيلول، نتيجة لنشاطهما في الاحتجاج السلمي، واتهمتهما بموجب المادة 149، كما قال 3 نشطاء لـ هيومن رايتس ووتش.
أكدت مواقع الأخبار الأردنية وأحد النشطاء السياسيين وأحد المحامين اعتقال شخص آخر، هو محمد الناطور، في 11 سبتمبر/أيلول، لكتابة شعارات إصلاحية على الجدران. قال الناشط إن الناطور لم يُعرف عنه الانتماء إلى أية حركة سياسية، ولم يتأكد توجيه الاتهام إليه من عدمه.
في 12 سبتمبر/أيلول اعتقلت قوات الأمن فاضل المسامرة وشخصاُ آخر تم تعريفه باسم ليث ولا نعرف اسمه الكامل، كانا يتظاهران أمام وزارة الداخلية في عمان للمطالبة بالإفراج عن محادين ونشطاء آخرين، كما قال أحد النشطاء لـ هيومن رايتس ووتش. قال الناشط إن المسامرة اتهم بالعمل على “تغيير دستور البلاد بطرق غير مشروعة” بموجب المادة 136 من قانون العقوبات، وهي تهمة عقوبتها الإعدام.
منذ يناير/كانون الثاني 2011، شهد الأردن المئات إن لم يكن الآلاف من التظاهرات، من الاحتجاجات الصغيرة إلى المسيرات الكبيرة. عقب تغيير قانون التجمهر في 2011، لم يعد المنظمون يتطلبون الموافقة المسبقة لإقامة تظاهرة علنية، وقد استغل الأردنيون هذا التغيير. ومع ذلك ففي مارس/آذار وأبريل/نيسان 2012، بدأت الحكومة في اعتقال النشطاء وتوجيه اتهامات مسيّسة إليهم جراء نشاطهم الإصلاحي. استند الادعاء إلى نصوص في قانون العقوبات تجرّم التجمهر غير المشروع لسبعة أشخاص أو أكثر بقصد ارتكاب جريمة.
أحد المحتجزين قبل السلسلة الأخيرة من الاعتقالات هو سعود العجارمة، العضو في جماعة معارضة كان قد مر عليه أكثر من شهرين قيد الاحتجاز، كما قال محاميه الناصر لـ هيومن رايتس ووتش. يواجه العجارمة خمس تهم هي إهانة الذات الملكية والقدح والذم ومقاومة الشرطة والاعتداء على ملكية عامة، علاوة على التحريض على مناهضة نظام الحكم، كما قال الناصر. كان العجارمة قد شارك في عدد من التظاهرات السلمية.
يواجه بعض النشطاء المعتقلين الآخرين من الطفيلة والكرك وعمان بدورهم تهماً إضافية هي إهانة الذات الملكية، أو التجمهر غير المشروع، أو إثارة النعرات الطائفية.
في 13 سبتمبر/أيلول، وافقت اللجنة القانونية بمجلس الأعيان الأردني على تعديلات لقانون المطبوعات والنشر من شأنها زيادة الرقابة على التعبير عن الرأي على الإنترنت، بعد أن أيد مجلس النواب مشروع القانون الحكومي مع تغييرات طفيفة. انتقدتهيومن رايتس ووتش مسودة التعديلات بوصفها لا تتفق مع التزامات الأردن الدولية الخاصة بحماية الحق في حرية التعبير.
قال كريستوف ويلكي: “انتقلت حكومة الأردن إلى وضع الانقلاب التام على المكتسبات المتواضعة التي حققتها الحريات العامة على أيدي النشطاء الإصلاحيين في أثناء فورة تمكين شعوب الإقليم في 2011. على الحكومة أن تعالج المخاوف المشروعة بدلاً من محاولة إسكات من يثيرونها”.