برغم القمع الذي تشهده البحرين، يبدو أن الحكومة تعتقد أنها قادرة على إقناع حلفائها في الغرب بأن ثمة عملية إصلاح حقيقي تتم حالياً.
تقول الأسرة السنية الحاكمة في البحرين وحليفتاها واشنطن ولندن إنهم يعقدون آمالهم على “حوار وطني” جديد لتجاوز حالة الجمود المريرة التي تسيطر على علاقة الحكومة بالمعارضة السياسية في هذه الدولة ذات الأغلبية الشيعية. لكن التسوية العادلة للأزمة تبقى بعيدة عن المنال إلى أن تفي الحكومة بإصلاحين لم يتم الوفاء بهما بعد: المحاسبة لأعلى مستويات قوات الأمن على رد فعلها المنتهك لحقوق الإنسان على انتفاضة 2011، وتحرير قيادات المعارضة السياسية وحركة حقوق الإنسان المسجونين بشكل مجحف.
هذه الدولة الجزيرة الصغيرة ذات الخمسمائة ألف مواطن و600 ألف وافد و15 ألف جندي في الأسطول الأمريكي الخامس، والتي زلزلتها خمسة أسابيع من الاحتجاجات في عام 2011، نالت نصيباً من الاهتمام الدولي على مدار العامين الماضيين. مقارنة بعدد السكان، فإن مشاركة مئات الآلاف من المواطنين البحرينيين في المظاهرات قد تمثل رقماً قياسياً جديداً للمظاهرات الجماهيرية لم يشهده العالم من قبل. هل هناك دولة أخرى يمكنها أن تقول بأن أغلب سكانها خرجوا إلى الشوارع للاحتجاج في مناسبة من المناسبات؟
انتهت الانتفاضة عندما أعلن حُكام البحرين حالة طوارئ وقامت قوات الجيش والأمن بمعاونة من قوات سعودية، بمهاجمة المتظاهرين الذين تجمعوا في دوار اللؤلؤ وقبضوا على النشطاء في مداهمات منتصف الليل من بيوتهم. قُتل الكثيرين وأصيب المئات واعتقل الآلاف من بين من طالبوا بالإصلاح، وبتغيير النظام في بعض الحالات. رفعت الحكومة حالة الطوارئ في يونيو/حزيران 2011 لكن ما زالت تحظر التظاهر في العاصمة. تستمر الاحتجاجات في بعض القرى الشيعية المحيطة بالعاصمة ليلاً، وتتخذ طابع العنف في بعض الأحيان، حيث تلعب الشرطة لعبة القط والفأر مع شباب صغير عنيد يرمي الشرطة بالحجارة والمولوتوف في حين تمطر الشرطة الأحياء بوابل من قنابل الغاز المسيل للدموع.
برغم القمع الذي تشهده البحرين، يبدو أن الحكومة تعتقد أنها قادرة على إقناع حلفائها في الغرب بأن ثمة عملية إصلاح حقيقي تتم حالياً. في أواخر فبراير/شباط، زرت البحرين برفقة بعض زملائي. وفي اجتماع بوزارة الداخلية كان من بين من حضروه رئيس شرطة ولاية ميامي الأمريكية السابق جون تيموني – المستشار لدى الحكومة؛ قام رئيس الشرطة الجديد اللواء طارق حسن بتقديم عرض باور بوينت، وقد تحدث عن إنشاء مكتب أمين عام التظلمات، وتحسين عملية تدريب الشرطة (مع إبداء تأييد البحرين في الوقت نفسه لحق المرأة في التصويت والمرأة في البرلمان). وشدد وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، على دعم المملكة بشكل عام للسلم والأمن.
لكن فيما يخص التحقيقات الداخلية في إخفاقات الشرطة في عام 2011 – الموضوع الذي صممنا على مناقشته وصادف الانزعاج بلا شك من ممثلي الوزارة – لم يُذكر الكثير. بعد استنفاد كافة خيوط الأسئلة والمناقشات، أكد الوزير أخيراً أنه رغم كل ما حدث من تحقيقات داخلية فلم يتبين أن مسؤولاً واحداً حتى، أعلى من رتبة قائد فصيل في الشرطة، وقائد كتيبة في إدارة التحقيقات الجنائية، قد تبينت مسؤوليته عن أية مخالفة، أو تم نقله أو خفض رتبته أو وقفه عن العمل أو إنهاء عمله بموجب الأدلة الإرشادية والإجراءات الداخلية.
ولم تكن إجابات الأسئلة الموجهة إلى النائب العام علي فضل البوعينين ورئيس وحدة التحقيق الخاص نواف حمزة بدورها بالإجابات المبشرة، فيما يخص الملاحقات القضائية للمسؤولين رفيعي المستوى. قالا إن التحقيقات ستنتهي بحلول الصيف، لكن لم يتمكنا من توفير معلومات بشأن مجال التحقيق والاستجواب أو ما إذا كان سيتم محاسبة أي مسؤولين كبار على إخفاقات وأخطاء “القيادة والسيطرة”.
عيّنت المملكة خبراء دوليين في اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وقد انتهوا بعد أكثر من عام أنه من المستحيل أن انتهاكات عام 2011 قد وقعت دون علم كبار المسؤولين، لكن تقول الحكومة بأن كبار المسؤولين لم يقترفوا أية مخالفات. وتبدو السلطات غير مستعدة أو غير قادرة على الإقرار بأن من المكونات الأساسية لاستعادة الثقة في الشرطة إظهار أنه يمكن على الأقل إبعاد كبار المسؤولين الذين أخفقوا في الاضطلاع بواجباتهم عن مناصبهم، هذا إن لم يكن رد الفعل هو ملاحقتهم أمام القضاء.
كما يبدو أن الحكومة غير مستعدة للإقرار بأن الحوار الوطني لن يؤدي إلى نتيجة عادلة طالما قيادات حركة المعارضة وحقوق الإنسان ليسوا على طاولة المفاوضات. بل هم يشقون وراء القضبان إثر اعترافات منتزعة بالإكراه ومحاكمات غير عادلة بشكل بيّن. قال الرئيس باراك أوباما عام 2011 متحدثاً عن الأزمة: “لا يمكن عقد حوار حقيقي في حين يقبع بعض عناصر المعارضة السلمية في السجون”.
إن الحكومة بسماحها لنا بزيارة السجن ومقابلة وتصوير هؤلاء المحتجزين، أظهرت بكل إسهاب كم أن ظروف احتجاز هؤلاء الرجال إنسانية وجيدة. كان من المريح لنا ومما أصابنا بكل الحسرة في الوقت نفسه أن نرى عبد الهادي الخواجة, عبدالجليل السنكيس ونبيل رجب – ثلاثة نشطاء حقوق إنسان عملوا مع هيومن رايتس ووتش لسنوات – يشددون علينا أن نبقى على التزامنا بالدفع من أجل السلم والإصلاح في البحرين. لكن الحقيقة أنهم في السجن لمجرد الدعوة للتغيير السياسي والتظاهر السلمي.
إن العديد من هؤلاء المحتجزين، وبينهم رجال دين وقياديين لأحزاب يسارية ودينية وباحثين، كانت لديهم روايات عن تجارب أسوأ بكثير. قالوا إنهم تعرضوا لتعذيب غاشم، بما في ذلك الصعق بالكهرباء، والضرب بقسوة لدرجة أن ثيابهم كانت غارقة في الدماء، والاعتداءات الجنسية. قال أحدهم: “أجبروني على أن أردد الشعارات التي كنت أقولها في المظاهرة: “يسقط [الملك] حمد.. وفي كل مرة أفعل ذلك يضربونني بقوة حتى أسقط على الأرض. ثم يرفعونني ويعاودون الكرّة”.
كان من الصعب للغاية إخبار المحتجزين بأنه في الحقيقة لا يوجد طرف دولي قادر على إلزام الحكومة بالإفراج عنهم. إن الأمر يعود للملك الآن، أن يدرك أن سجنهم سيُبقي بلاده سجينة حالة النزاع.
سارة ليا ويتسن هي المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش.