تبحث آيفكس كيف تُكافئ الحكومة البحرينية القامعين بينما تفرض أجواء من الرعب على المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين والصحفيين.
في هذه المقالة، تبحث آيفكس كيف تُكافئ الحكومة البحرينية المسؤولين بالترقيات، بغض النظر عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة التي يُتهمون بها أو ربما تتم ترقيتهم بناءً عليها. وفي الوقت نفسه، تواصل الحكومة الاعتداء على المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين والصحفيين بلا هوادة.
بتاريخ 19 حزيران 2011، بينما كانت حملة القمع ضد المحتجين البحرينيين تشتد بوحشية، تم ترقية ابن الملك البحريني ناصر بن حمد – المعروف من قبل المعارضين باسم “أمير التعذيب” – إلى قائد الحرس الملكي البحريني. وأفادت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، وهي عضو في شبكة آيفكس، أن بن حمد قاد شخصياً حملة انتقام وشارك في تعذيب النشطاء. وفي شهر أيار من عام 2014، تم تحديد بن حمد كمتهم في قضية بريطانية تتعلق بمزاعم تعذيب في البحرين عام 2011.
تُعتبر ترقية بن حمد من دلالات الإفلات من العقاب التي تروج لها الحكومة البحرينية، وهي ظاهرة اشتدت منذ بدء الثورة البحرينية في عام 2011. إن مزاعم انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها التعذيب أو حتى القتل خارج نطاق القضاء، لا تترجم إلى محاسبة الجناة. وبدلاً من ذلك، تَسمح الحكومة للفاعلين بالهروب من الجرائم، وتقوم حتى بمكافأة هذا السلوك بالترقيات، كما حدث في حالة بن حمد.
لقد وثقت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ترقية 12 شخصاً من كبار القادة المتورطين في مثل هذه الانتهاكات في أكثر ثماني وحدات مسيئة للمعاملة. وتشتمل هذه القائمة على العميد عبد العزيز معيوف الرميحي مدير عام الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية الذي عينه الملك في تموز 2016 على الرغم من تورطه في انتهاكات حقوق الإنسان منذ عام 2010. ومنذ ذلك الحين، ترأس أكثر من 60 انتهاكاً لحقوق الإنسان في الإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية، بما فيها قتل عبد الله العجوز خارج نطاق القضاء عام 2017.
وشملت الترقيات أيضاً على مبارك بن حويل. حيث كان مُتهم بتعذيب ستة مسعفين لكن تمت تبرئته في شهر تموز من عام 2013. ووفقاً لمنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، فقد شوهد مبارك بعد تبرأته بوقت قصير في اجتماع مع رئيس وزراء البحرين خليفة بن سلمان آل خليفة، والذي شكره على “عمله الجيد” وأخبره أن” القوانين لا تنطبق عليك” وفقاً للتقارير. وبعد فترة وجيزة، تمت ترقيته إلى رتبة عميد وعُيّن رئيساً لقوة شرطة المحافظة الجنوبية بالكامل.
وهناك مثال آخر وهو المقدم عدنان بحر، الذي كتب عضو آيفكس مركز البحرين لحقوق الإنسان عن صلته بالتعذيب منذ عام 2005. وأفاد مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب في تقريرٍ له عام 2008 أن بحر، الذي كان آنذاك رقيب، قام بالاشراف على حالات التعذيب والاعتداء الجنسي. وكان من بين الضحايا ناجي فتيل، وهو قائد في جمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان. وأفادت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين أن فتيل تعرض للتعذيب في عام 2008، وعامي 2012 و 2013 قبل أن يتم الحكم عليه بالسجن لمدة 15 عاماً في سجن جو.
وما زاد الأمور سوءً، أن بحر أصبح مشرفاً على سجن جو في كانون الثاني عام 2018، مما يعني أنه يشرف الآن أيضاً على معاملة فتيل. وبتاريخ 12 تشرين الثاني 2018، تم وضع فتيل في الحبس الانفرادي “فوراً بعد تسريبه لتسجيل صوتي ناشد فيه منظمات حقوق الإنسان بالتدخل العاجل”، وذلك وفقاً لعضو شبكة آيفكس، مركز الخليج لحقوق الإنسان. ولغاية كتابة هذا التقرير، يكون فتيل قد أمضى أكثر من 60 يوماً من الإضراب عن الطعام احتجاجاً على ظروف احتجازه.
Human rights defender Naji Fateel is on his 62nd day of #hungerstrike, and has told @SAlwadaei that he will stop taking liquids as well (dry hunger strike) if his demands are not met #Bahrain https://t.co/X2Qx8pt1Pj
— Maryam Alkhawaja (@MARYAMALKHAWAJA) January 18, 2019
وجهان للافلات من العقاب في البحرين
إن طبيعة الوضع المستمر بين بحر وفتيل مثالاً لوجهيّ الإفلات من العقاب في البحرين. فمن ناحية، يتم قمع المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين. ومن ناحية أخرى، يتم مكافأة المنتهكين على أفعالهم.
إن قضية نزيهة سعيد، وهي مراسلة لفرنسا 24 (منذ 2009) وإذاعة مونت كارلو (منذ عام 2004) في البحرين، هي وجه آخر للإفلات من العقاب في البلاد. لقد أخبرت سعيد شبكة آيفكس كيف تم احتجازها وتعذيبها في مركز للشرطة بتاريخ 22 أيار2011 قائلة انها تعرضت لذلك: “لأنني قمت بتغطية المظاهرات المؤيدة للديمقراطية بطريقة محايدة ومستقلة، الأمر الذي لم يعجب السلطات”. لقد تعرضت سعيد “للإهانة وتعصيب العينين والضرب”. كما تم صفعها ولكمها وركلها من قبل أربع شرطيات. وقامت احدى الشرطيات بخلع حذائها ووضعته بقوة في فم سعيد، وقالت لها: “أنت ارخص من هذا الحذاء”. وتم اجبارها على النهيق مثل الحمار والمشي مثل الحيوان”.
وأخبرت سعيد وزير الداخلية ما جرى معها ولكن دون جدوى. وبعد سبعة أشهر، تحديداَ في شهر كانون الثاني 2012، رفعت دعوى ضد من قاموا بتعذيبها. وعلى الرغم من ابتداء المحاكمة بعد شهر، فقد قالت سعيد: “تم مقاضاة ضابط واحد فقط على الرغم من انني اتهمت خمسة ضباط وشرطيات”. واستمرت المحاكمة لمدة شهور حتى جاء الحكم في شهر تشرين الأول من ذلك العام. وعلى الرغم من أن فريق الدفاع قدم “أدلة قوية وتقارير طبية، وحتى شاهد عيان”، فقد تمت تبرئة المتهم. وأيدت محكمة الاستئناف التبرئة. وفقاً لسعيد، فإن قضيتها كانت أول حالة تعذيب تم “التحقيق فيها”، وهذا يعني أن “الذين يمارسون التعذيب سيقومون بذلك بحرية مرة أخرى”.
يشمل الأشخاص المعرضون للخطر أي شخص يلفت الانتباه أو يعمل على الدفاع عن حقوق الآخرين. زميلنا نبيل رجب، المؤسس لأعضائنا مركز البحرين لحقوق الإنسان ومركز الخليج لحقوق الإنسان، يقضي حاليا عقوبة غير عادلة بالسجن لمدة خمس سنوات على مواقع التواصل الاجتماعي لتوثيق مزاعم التعذيب في سجون البحرين وانتهاكات حقوق الإنسان في الحرب في اليمن.
نضال السلمان، رئيسة رئيسة العلاقات الدولية بمركز البحرين لحقوق الإنسان, قالت لايفكس أن:
“في البحرين ظلت حقوق الإنسان الجادة مستمرة في ثقافة الإفلات من العقاب. لقد مرت ثماني سنوات منذ بدء المطالب، ثماني سنوات من قمع حقوق الإنسان دون ضغوط فعالة من المجتمع الدولي. يطالب مركز البحرين لحقوق الإنسان بإجراء تحقيقات سريعة ومستقلة وحيادية لضمان المساءلة لجميع الضحايا.”
يعلم ممارسو التعذيب في البحرين أنهم لن يواجهوا عواقب لأفعالهم. لقد شكلت الحكومة في شهر تموز من عام 2011 اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق، وذلك بعد الضغوط الدولية حول القمع الوحشي بحق المحتجين. وكان الهدف من تشكيل اللجنة واضحاً وهو “التحقيق في الانتهاكات الحكومية وتقديم التوصية حول التغييرات القانونية والسياسية لمنع تكرار مثل هذه الأحداث”. لقد أجرت اللجنة المكوّنة من فريق من القانونيين والباحثين القانونيين الدوليين، أكثر من 9000 مقابلة. وتوصلت اللجنة إلى نتيجة متوقعة وهي: “عدم محاسبة المسؤولين داخل المنظومة الأمنية قد أدى إلى انتشار ثقافة عدم المساءلة، والثقة في عدم التعرض للعقاب داخل تلك المنظومة، وبالتالي لم يقم المسؤولون باتخاذ اللازم لتجنب اساءة معاملة المسجونين أو الموقوفين، أو لوقف اساءة المعاملة من قبل مسؤولين اخرين”.
على الرغم من اعلان الحكومة البحرينية عن رغبتها في الاستماع إلى لجنة تحقيق مستقلة، إلا أن تصرفاتها منذ عام 2011 تشير إلى عكس ذلك. حيث تم التوصل في تقرير صدر عن مركز البحرين لحقوق الإنسان ومنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين ومركز البحرين للحقوق والديمقراطية بعنوان “تحطيم الواجهة“، إلى أن الحكومة البحرينية قد نفذت توصيتين فقط بالكامل من أصل 26 توصية قدمتها لجنة تقصي الحقائق، أما التوصيات الـ 24 المتبقية إما تم تنفيذها جزئياً أو لم تنفذ على الإطلاق.
وما زاد الطين بلة، أن الحكومة أعادت تمكين محاكم السلامة الوطنية في عام 2017 بعد أن كانت قد ألغت سلطتها في عام 2011 وفقاً لإحدى توصيات لجنة تقصي الحقائق. إن إعادة صلاحية المحاكم في عام 2017 أسوأ، فعلى خلاف ما كانت عليه في عام 2011، لا يوجد الآن أي قيود زمنية على محاكم السلامة الوطنية.
ما الذي يمكن عمله؟ قانون ماغنتسكي وغيره
قال المؤسس والمدير التنفيذي لمنظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، حسين عبد الله لشبكة آيفكس أنه نظراً لثقافة الإفلات من العقاب الراسخة في البحرين والخطر الشديد على الأصوات المُعارضة، فإن العديد من المنظمات الغير حكومية تسعى إلى دعم عمل النشطاء خارج البلاد، مع الاستمرار في تسليط الضوء على الكفاح المستمر من داخل. بالإضافة إلى ذلك، فهم يستغلون الآليات الدولية للضغط على النظام البحريني من أجل الامتثال لالتزاماته في مجال حقوق الإنسان.
ولتحقيق ذلك، اجتمعت المنظمة و11 منظمة غير حكومية أخرى مع ممثلين عن وزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين، وحكومة المملكة المتحدة “لمناقشة العقوبات الموصية بموجب قانون المحاسبة العالمي لحقوق الإنسان (ماغنتسكي)”.
لقد أُطلق على قانون ماغنتسكي هذا الإسم نسبةً إلى المُخبر الروسي سيرجي ماغنتسكي الذي قُتل في سجن موسكو عام 2009. كما أن قانون ماغنيتسكي الدولي لعام 2016 هو امتداد لقانون ماغنتسكي لعام 2012 الذي ينطبق فقط على الأفراد والكيانات الروسية. ووصفت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين القانون بأنه: “من أكثر أدوات العقوبات لحقوق الإنسان ومكافحة الفساد شمولاً في تاريخ الولايات المتحدة”. كما تقول إليزابيث ويتشيل بأن قوانين ماغنتسكي “تقدم بعض التصحيح لظلم عالمي متناقض يمكن فيه للجهات الفاعلة في البلدان القمعية أن يعملوا دون عقاب في وطنهم وأن يستفيدوا أيضاً من ثروتهم خارج البلاد، حتى في البلدان التي ترى نفسها مدافعة عن سيادة القانون وحقوق الإنسان”.
كما يُمكن الاستفادة من آليات الأمم المتحدة بفعالية. منذ تشرين الأول عام 2013، تمكّنت منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين من رفع حالات فردية إلى إجراءات الأمم المتحدة الخاصة، التي تُقدّم تقاريرها إلى مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. ومن بين العديد من الأفراد الذين أرسلت المنظمة نيابةً عنهم شكاوى إلى الإجراءات الخاصة هم نبيل رجب، والشيخ علي سلمان، والدكتور عبد الجليل السنكيس، وابتسام الصائغ، وعلي العرب، وأحمد فردان، وكذلك سجناء جو الذين أبلغوا عن انقطاع المياه خلال الصيف، وتعرض العديد من الأفراد للتعذيب، والاعتداء على الحقوق الثقافية لجميع البحرينيين بعد تدمير الحكومة لدوار اللؤلؤة في عام 2011.
نتيجة لذلك، سلط العديد من المقررين الخاصين للأمم المتحدة الضوء على هذه الحالات. ومنهم، على سبيل المثال لا الحصر، الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري وغير الطوعي، والمقرر الخاص المعني بحالات الإعدام خارج القضاء أو بإجراءات موجزة أو الإعدام التعسفي، والمقرر الخاص بشأن استقلال القضاة والمحامين، والمقرر الخاص المعني بمسألة العنف ضد المرأة وأسبابه وعواقبه، والمقرر الخاص المعني بحرية الدين أو المعتقد، والمقرر الخاص المعني بأشكال الرق المعاصرة وأسبابه وعواقبه.
في مواجهة هذين الوجهين من مناخ الإفلات من العقاب في البحرين، يضطر المدافعون إلى أن يكونوا صامدين، وان يواصلوا ضعوطهم لتحقيق بعض النتائج الإيجابية والعاجلة. على الأقل، تشير منظمة أمريكيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين إلى أن هذه الضغوط “أدت في بعض الأحيان إلى تحسين طروف احتجازهم”.
“عدم محاسبة المسؤولين داخل المنظومة الأمنية قد أدى إلى انتشار ثقافة عدم المساءلة، والثقة في عدم التعرض للعقاب داخل تلك المنظومة، وبالتالي لم يقم المسؤولون باتخاذ اللازم لتجنب اساءة معاملة المسجونين أو الموقوفين، أو لوقف اساءة المعاملة من قبل مسؤولين اخرين”. اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق